حسنا فعل البرادعى ورفاقه باختيارهم اسم الدستور لحزبهم الوليد.. فكلمه الدستور فى حد ذاتها كلمة السر فى هذه الأيام التى نحياها.. كراماً، او حتى فى أى ناحية. فمنذ أن نأى دكتور محمد البرادعي بنفسه عن المشهد السياسى بخروجه من المسرحية العبثية المسماه بانتخابات الرئاسة وقد ترك فراغاً كبيراً رغم إدلاءه دائما بآراء لكنها لم تغنى او تسمن من جوع.. حتى اطل علينا مجددا بظهور سياسى جديد .. ولكن هذه المرة بحزب سياسى رسمى .. ولأنى شخصيا من مريدى الفكر السياسى للدكتور "يُهمنى" ان يظهر هذا الحزب فى أجمل صورة لتنقلب المعادلة السياسية فى مصر بدخوله.. ولذلك، سأكتب عما أراه من عوامل جيدة، وأيضا من عوامل سيئة قد تسىء للحزب حتى تكون جرس إنذار لصناع الحزب قبل ان يبدأ.
الوصول فى الميعاد ان تأتى متاخراً خيراً من ألا تأتى.. هذه الحكمة جميعنا يعلمها.. و هي أول ما جاء فى ذهنى بعد الإعلان عن الحزب.. لكن وبعد ايام من التفكير فى تفاصيل الحزب.. أرى إنها ليست فى محلها على الإطلاق.. فحزب الدستور وصل فى الميعاد تماماً.. لا متاخراً، ولا متقدماً.. فحضور حزب الدستور والبرادعى ورفاقه "الجدد" قبل شهر من انتهاء المرحلة الانتقالية وتسليم السلطة إن تم التسليم هو الميعاد المناسب جدا فى رائى.. فوجود البرادعى والحزب وأعضاء الحزب المتوقع تخطيهم حاجز المليون بعد فترة وجيزة من التأسيس الرسمى للحزب سيغير من شكل المعادلة السياسية فى الوطن وسيكونوا رقماً مهماً يخشى منه كل صانع قرار فى هذا الوطن .. فبدلاً من تشتت أغلب شباب الثورة سيتجمع معظمهم تحت مظلة الحزب.. وبعد أن كان المجلس العسكرى مطمئن لهذا التشتت.. سيخشى من هذا التجمع لان هناك من سيتحدث باسمهم بعد الإعلان الرسمى عن الحزب.
شعبوية الحزب والبعد عن النخبة بالنظر لأسماء وكلاء التأسيس نجدهم ليسوا النخبة المعتادين رؤيتها حتى بجانب الدكتور البرادعى نفسه .. والحزب بالفعل يضم أطياف عديدة ابتداءً من رموز ثورية مثل حرارة وقامات قانونية مثل حسام عيسى والناشطة الحقوقية راجية عمران وام عظيمة مثل والدة الشهيد خالد سعيد والكاتب السلفى الرائع محمد يسرى سلامة والدكتور العلامة محمد غنيم.
الدستور حزب يتخطى الأيدلوجيات منذ فترة ظهرت أحزاب كثيرة بأيدلوجية جامعة لكل التيارات.. غير متمسكة بفكر أو منهج ثابت.. أبرزها حزب العدل الذى خرج من رحم الثورة.. وكان الهدف من هذا هو التعامل مع المواطن المصرى الذى يشغله النتائج لا المسميات.. إلا إن الحزب لم يستطع أن يستقطب من كان يستهدفهم لأنه اكتفى بتجاوز الأيدلوجيات وتناسى الوصول للناس لشرح هذا المفهوم.. ولم يستطع أيضا الحصول على ثقة السياسيين الشباب لأنهم لم يؤمنوا من البداية بحزب بلا أيدلوجية.. وفى ذلك عيب وميزة فالسىء فى الأمر تتحدث عنه تجربة العدل، والجيد فى الأمر إنه فى إعتقادى ان تجربة حزب الدستور ستتجاوز هذا المأزق.. فهو حزب جامع لكل الأطياف كما ظهر فى البيان التأسيسى بالإضافة لكونه من الأحزاب التى ستولد كبيرة وسيكون له قواعد كثيرة فى القرى والمحافظات للاهتمام بمشاكل المواطن والمساعدة على حلها والمشاركة فى انتخابات المحليات.. حتى يرى المواطن نتائج لا مصطلحات لا تشغله.. وهذا مرتبط بديهياً بتطبيق فكرة اللامركزية فى الحزب والبعد عن المكاتب والنزول للشارع .. بالإضافة إلى أن أغلب شباب الثورة واقعياً لايهتمون كثيرا بالمرجعيات باستثناء نشطاء ما قبل الثورة والمشتغلين بالسياسة عموماً.
تمحور الحزب حول شخص البرادعى من ابرز المخاوف التى تسيطر على المتابعين لحزب الدستور.. أن يتحول الدستور لحزب ملاكى نخبوى حتى ولو كان حول الدكتور البرادعى ذاته.. لكن المتابع الجيد لمن ينتمون لفكر البرادعى سيعلم أنهم ينتمون لفكر لا لشخص.. ويريدون أن تقوم فكرة الحزب على مبادئ وأفكار البرادعى لا شخصه.. ومن حضر المؤتمر التأسيسي بالتأكيد سمعها أكثر من مرة إن الحزب ظهر للنور لُيمكن الشباب من الحياة السياسية خلال الأعوام الأربعة القادمة.
معاداة الإسلام لم يتخلص صاحب فكرة حزب الدستور البرادعى من الشائعات القذرة التى أطلقها عليه الحزب الحاكم فى العصر البائد حتى أُلزقت به شائعات جديدة ما بعد الثورة مفادها انه معادى للإسلام.. ورغم قذارة الإشاعة وعدم انشغال الدكتور بها ولا بغيرها من الشائعات فأرى انه لا يضر الدكتور شيئاً إن يخرج للناس وللإعلام بمبادرة إعلان نوايا حتى يفوت على المشوهين لصورته الفرصة.. سموها إعلان نوايا.. مراجعات فكرية.. تصحيح مفاهم.. سموها كما شئتم.. فليس عيباً أن أوضح للناس ما ليس فىِ.. ومادام الدكتور يسعى لتأسيس حزب سياسى من أجل شعب مصر.. فعليه أن يوضح كل شىء للشعب.. وبما أن هذه الإشاعة ظهرت فى الأساس لوجود بعض الشخصيات المقربة للدكتور عندها فوبيا الإسلام السياسى.. فيجب على الدكتور انتقاء المحيطين به.
اندماج سياسى محتمل بكل ما اؤتيت من صوت سأحاول ألا يحدث هذا.. فكل الأحزاب الموجودة على الساحة لم تستطع جذب أكثر من مليونى مواطن إلى قوائمها.. تاركين أكثر من 80 مليون مواطن يبحثون عن بدائل لم توجد بعد.. فاختاروا البقاء مستقلين واختاروا أفضل المتاح فى الانتخابات البرلمانية.. وهذا أُرجعه لفشل الأحزاب فى الوصول للمواطن وليست المشكلة فى المواطن كما يدعى الكثيرين.. فدخول أحزاب فاشلة الى الحزب سيكون غرضها ان تكون تحت دائرة الضوء بعد انحسار الأضواء عنها بظهور حزب الدستور.
المتحدث الرسمى اقترح ان يكون المتحدث الرسمى للحزب هو د/ محمد يسرى سلامة لما فى ذلك من فؤاد كبيرة.. ليثبت الحزب للجميع انهم أمام حزب مختلف فعلا ومتخطى الأيدلوجيات.. خصوصاً إن الدكتور محمد يسرى رجل علم وصاحب كلمه قيمة ويحظى بقبول عام من تيارات عده.. وهذا ليس تقليلاً من أستاذ وائل قنديل وله فى قلبى معزة كبيرة.. ولكن المتحدث الرسمى مهمته الوصول بكلماته لكل الطبقات.. وفى إعتقادى إن الدكتور محمد يسرى سيكون الأقدر فى هذه المرحلة.
نقطة أخيرة كنت قد تحدثت مع اصدقاء من فترة عن وجوب دخول كل الشباب المهتمين بالشأن العام والداعيين للتغيير الممثلين للكتله الحرجة فى مصر فى أحزاب.. آيا كان اسم الحزب أو توجهه.. فالوضع الطبيعى للدولة انه يوجد بها أحزاب تتصارع وتتكامل لتقديم الأفضل للمواطن وهذا يحدث فى كل دول العالم.. لم يكن يحدث عندنا قبل الثورة لسبب نعلمه جميعا.. أما الآن وقد انتشرت على الساحة أحزاب من كافة التيارات.. فلم يعد يجدى نفعاً أن يكون كل عشرة شباب مثلاً يعملون بمفردهم فى مشاريع تنمية أو مشاريع نظافة أو أو أو.. فى إعتقادى ان هذا النشاط ينبغى أن يكون بداخل حزب حتى يكون هناك تنظيم للعمل ولوجود تجمع شبابى اكبر يستطيعوا من خلاله انجاز العمل المراد تقديمه للجمهور.
النقطة اللى بعد الاخيرة أثبتت موقعة وزارة الدفاع وميدان العباسية الاخيرة بما لايدع مجالا للشك ان العقل الجمعى الثورى يحتاج لتنظيم وتوحيد صفوف وايجاد صوت واحد فقط متحدثا عن القطاع الاعظم من الثوار .. فعلى مدار ساعات طويلة تم فيها سحل وتفريق المتظاهرين رأينا قوى ثورية كثيرة تتنصل من الموجودين فى الميدان ومن الدعوة للتظاهر بالعباسية اصلا فى جمعة سُميت بجمعة "النهاية" ..ولذلك قد يكون حزب الدستور موحداً لاغلب شباب الثورة ويدخل الجميع فى اطار الحزب حتى لا نرى مثل هذة التنصلات .. وعلى آمل ان يكون حزب الدستور كيان ثورى لا اصلاحى فقط ويتحدث بلسان جيل الثورة .. فأزمة ثورتنا انها لم يوجد لها صوت يتحدث باسمها بعد خلع مبارك .. فحان الوقت ليكون لنا كيان يمثلنا ويتحدث عنا امام الاعلام على الاقل .. نأمل ان يكون حزب الدستور بقيادة البرادعى ورفاقه هو "آخِر صَبرنا" .