تعقد بمقر جامعة الدول العربية في الوقت الراهن اجتماعات عربية مكثفة تتعلق بالاوضاع في سوريا، على وقع تقدم دبلوماسي بتوقيع سوريا على بروتوكول بعثة المراقبة العربية، هذا الاجتماع الذي يأتي متسقا مع اجتماع اللجنة الوزارية العربية المكلفة بمتابعة الأزمة مطلع الأسبوع والذي دعا إلى تبني مجلس الأمن المبادرة العربية، ما يعني محاولة تدويل الأزمة وهي حالة تعبر عن العجز العربي وعدم القدرة أو الرغبة في احتواء الأزمة في البيت العربي! إلى ذلك هناك مبادرة دبلوماسية عراقية تتوخى المصادقة العربية ما يعني أن معين العرب لم يستنزف بعد وما زال هناك متسعا من الدبلوماسية والحل السلمي، إلا أن المسألة تحتاج إلى إرادة عربية صادقة ورؤية ثاقبة تأخذ الأمور بميزان الحكمة والبعد عن التدويل وقد بدا أن القوى الدولية ترمي العرب عن قوس واحدة وقد وجدت من يمهد الطريق لها كما حدث في ليبيا حيث سقط ما يزيد عن المائة ألف من الأبرياء من أبناء الشعب الليبي، ولا يهم الغرب أن يتضاعف هذا الرقم في الوطن العربي طالما أنه يحقق مصالحها، في وقت تغافلت هذه القوى الدولية عما يحدث في فلسطين من مجازر على يد الصهاينة فالمعايير هنا اختلفت طالما تعلق الأمر بإسرائيل، وعوداً على بدء فالمبادرة العراقية تم الترحيب بها من الطرفين الحكومة السورية والمعارضة ويجب منحها الفرصة لاحتواء الأزمة مع التأكيد على أهمية المسار العربي في تنفيذ بنود الورقة العربية، وقد يعلق البعض أن العرب قدموا ما يمكنهم من محاولات للبحث عن مخرج آمن لكن الحكومة السورية هي من يرفض كل تلك المحاولات العربية وهذه وجهة نظر مغلوطة للأسف الشديد فمن يجلس على مقعد في الجامعة العربية ليس كمن يعالج الفتنة ويكتوي بنارها في الداخل السوري فالقضية أعقد من مسالة طلب الوقف الفوري للعنف وسحب الآليات العسكرية والمظاهر المسلحة من المدن والشوارع السورية أو شكلية الحوار مع المعارضة أو أسلوب المراقبة العربية أو إطلاق المعتقلين وهي جملة المطالب العربية لحل الأزمة، لكن المسالة تتجاوز إلى أبعد من ذلك، فهل يتطلب وقف العنف من قبل قوات الأمن والجيش السوري فقط أم العناصر المسلحة كذلك؟ وهناك تساؤل مهم من سلّح هذه المجموعات الخارجة عن القانون؟ وعلى ماذا اعتمدت القرارات العربية السابقة من معلومات؟ ومن المتضرر منها؟ ولمصلحة من تقوم بعض المحطات العربية في تأجيج الأزمة؟! . لقد خطت الحكومة السورية خطوة جيدة بالتوقيع على بروتوكول المراقبة العربية وقطعت الطريق أمام بعض الأطراف من تصعيد الأزمة وإن كانت الأزمة لم تنته بعد، البعد الدولي في الأزمة السورية كان قد أخذ مجراه من خلال عدد من الشواهد التي برزت في الأيام الأخيرة الماضية من خلال بعض التحركات العسكرية والدبلوماسية ووقوف روسيا والصين بقوة لمنع تكرار ما حدث في ليبيا، واليوم فقد حققت الدبلوماسية السورية نجاحا كبيرا حتى الآن في توجيه الأزمة وهو نجاح يحسب لسوريا، ولكن بلا شك أن الحكومة السورية تأخذ بالأهمية محورية الدور العربي في هذه الأزمة وهو ما تحاول التماشي معه حتى نهاية الطريق لإيجاد مخرج آمن يجنب الأشقاء في سوريا تبعات التدويل وفتح الباب أمام القوى الدولية للعبث في أمن الدول العربية، لذلك ينبغي على العرب اليوم عدم إحراج الموقف الروسي الصيني في مجلس الأمن باعتماد مسار مغاير يدفع نحو التدويل بما لا يصب في مصلحة أبناء الشعب السوري على الإطلاق، وما سقط من قتلى من أبناء الشعب السوري يحتم على العرب عدم الدفع بهذا الاتجاه الذي سيؤدي بلا شك إلى مزيد من الخسائر إذا ما نحت الأزمة بهذا الاتجاه، وبالتالي المسارعة في تفعيل الحل العربي الذي يلبي الحد الأدنى لاحتواء الأزمة، أما الصور المخادعة التي قدمتها بعض الأطراف فهي مغالطات يجب أن ينتبه لها العرب في بعثتهم المقرر عملها في سوريا اليوم الخميس الثالث والعشرين من ديسمبر 2011م. في حقيقة الأمر يحسب للدبلوماسية السورية أنها استطاعت أن تخندق روسيا في خندقها ومن خلفها الصين وأمسكت بالعصا من المنتصف رغم أن المواقف والظروف الداخلية التي تعيشها وهو دليل واضح على ترابط الأجهزة الحكومية للوطن السوري الشقيق ووقوف الملايين من أبناء الشعب السوري مع القيادة والحكومة السورية في الطريق لإنهاء الأزمة، أما باقي الشعب السوري الباحث عن المستقبل والمطالب بالإصلاحات فهم بلا شك من أبناء الشعب السوري الذي يحمل مطالب مشروعة وسيحين موعدها بكل تأكيد وقد بدأت بالفعل إلا أنه يجب الموازنة في مثل هذه الظروف بين المطالب والإصلاحات المطلوبة وبين فقدان الأمن والاستقرار وفقدان الحقوق أيضا، وما جرى في العراق كاف ليعكس الصورة التي وصل إليها العراق الشقيق مع انسحاب آخر جندي أمريكي بتاريخ 18 ديسمبر 2011م بعد ثماني سنوات من الاحتلال وقد حمى وطيس الفتن والقتل وسوء المعيشة وهو ما لا نتمناه لأي بلد عربي شقيق والتدخل الخارجي له ما بعده، لذا لا يغرنكم أيها الأخوة في سوريا تلك الوعود التي سيقت لكم فالمستقبل محفوف بالمخاطر في ظل استمرار الوضع على ما هو عليه وبالتالي عليكم العودة إلى جادة العقل والمنطق للبحث عن مستقبل وطنكم وبناءه من جديد يدا بيد في ظل غد مشرق لن يكون كالأمس والحالة الأمنية المستقرة أصبحت مطلب الجميع في سوريا فأغلقوا باب الفتنة القادم من خلال محطات التحريض وضعوا أيديكم معا لبناء مستقبل سوريا والتغيير والإصلاح قادم بعون الله لا محال وهذه رسالة لكم من مواطن عربي وهو لسان حال الكثير من أبناء الأمة العربية من المحيط إلى الخليج، والرسالة الأخيرة موجهة إلى العرب الذين يواصلون اجتماعاتهم في جامعة الدول العربية للوصول إلى صيغة توافقية تتجه بالأزمة نحو بر آمن على الوطن والشعب السوري مدركين أهمية المصلحة القومية العليا للوطن العربي الكبير عموما، وهنا لا بد من التنازل المتبادل بين الطرفين للإسراع في تحرك عربي عاجل نحو الحل الآمن الذي يجنب سوريا والوطن العربي عموما تبعات كثيرة.