الوهم هو الديمقراطية، والسلاح هو أحلام الطامعين فيها بلا مؤهلات موضوعية، لم أكن عروبيًّا في يوم من الأيام، ولكنني أدعي أنني إنساني على طريقة مولانا نيتشة بعد التعديل، وأتساءل دائمًا بين اليقظة والنوم: متى قابل مولانا معاوية بن أبي سفيان نيقولاي ميكيافيللي، حتى يخبره بحكمته الخالدة "الغاية تبرِّر الوسيلة" ومتى التقى مولانا علي بن أبي طالب ألبير كامي، ليقول له: "أصلح وسيلة لإصلاح مجتمع فاسد، هي هدمه"، تلك الأسئلة الوجودية وغيرها من وسائل نقل الخبرات عبر الأزمنة، من المصريين القدماء، إلى أرسطو مُعلم الإسكندر المقدوني، ومن أثينا إلى الأمين والمأمون في بغداد، ومن الفلاسفة أبناء الحضارات القديمة، الذين صاروا مسلمين بعد غزو العربان بلادهم، إلى أوروبا العصور الوسطى، ليتحوَّل ابن رشد إلى أفيروس شارح أرسطو، وليتعلَّم روجر بيكون مؤسس التجريبية الإنجليزية من الحسن بن الهيثم، الذي تعلَّم بدوره دورة الأفلاك من بطلميوس (هكذا كتبها: "الشكوك على بطلميوس"). ودوران السياسة من هوبز ولوك ورسُّو إلى رفاعة رافع الطهطاوي، المنبهر بباريز الفرنسية، والمستوعب لدرس القرآن "وتلك الأيام نداولها بين الناس" من ابن خلدون إلى إيميل دوركايم، ومن أحمس قاهر الهكسوس إلى جمال عبد الناصر، مرورًا بصلاح الدين الأيوبي، قاتل السهروردي مؤسس الإشراق الفلسفي الصوفي، مُحرر القدس وهازم الصليبيين، ومن الصليبيين الذين تحصَّنوا بالصليب ضد الإنسانية، إلى الإرهابيين المسلمين الذين ادَّعو بعد مرور آخر كتائب "فرسان المعبد" الصليبيين أنهم أسسوا قاعدة الجهاد الإسلامي ضد اليهود والحملات الصليبية، ومن زلة لسان جورج بوش الأب، الذي غلبته مخيلته البربرية وهو يصف الحرب على الإرهاب بالحملات الصليبية الجديدة، إلى الحالمين بعضوية تنظيم القاعدة وتحويل ليبيا إلى إمارات إسلامية قاعدية وهم يمثلون بجثة القذافي أمام كاميرات العالم الهمجي الذي يرتدي قشرة الحضارة، كالمتخلي عن ثقافته بتخليه عن اسمه علي أحمد سعيد، الذي تشبه اسمًا بأدونيس منسحقًا بصدمة الحداثة الرجعية، وفواتير ندفعها متأخرًا مرة من أجل أسامة بن لادن في حرب على الإرهاب اتخذت من الرموز أيقونات حوَّلتها إلى أساطير، ومعارك رمزية بين برجي الأديان العالمية المسجد والكنيسة، ليحلا محل برجي التجارة بنيويورك، وكلها تجارة "الحمار" رمز الشعوب الحالمة بالديمقراطية، و"الجزرة" رمز الديمقراطية، رغم أن الحقائق التي تبدو موضوعية قد تشير إلى أن الحمير لا يعشقون الجزر، وإنما يعشقها الأرانب، أي الملايين من الدولارات التي صرفتها الإدارة الأميركية من أجل أرنبة/ مقرطة الشرق الأوسط الكبير، وقيادة "الحمار" إلى حيث حتفه وهو يحمل أسفار الحضارة، ولا يعي إمكانية كشف أقنعتها من على وجوه همجية رعاة البقر، الذين يشربون "المارلبورو الأحمر" وهم يقودون أحصنة عربية مهجَّنة ويرتدون "الجينز" على أبواب محلات "الهامبرجر"! تتعلم شعوبنا من التاريخ، درسًا واحدًا أنه يجب تكرار التواريخ بحذافيرها، بأسلحة عصرية، مصحوبة بصوت سنابك الخيل العربي الأصيل على أسفلت الثقافة الأميركية ال"تيك آواي"، فيعدم صدام نكاية في طموحاتنا، ويتم إثارة كل الشعوب السائرة إلى فوضى خلاقة تحدثت عنها هيلاري كلينتون في بداية عهد أوباما الرئيس "الأسود" لقلعة البيت "الأبيض"، والذي يدير بلاده على عكس سابقيه بسياسة "التمسكُن" حتى "التمكين"، ولا يبدو موحولاً بساقي سياساته، في طين الشرق الأوسط، ولم لا يتعلم من الذين سقطت هيبتهم أمام رهبة جبال "تورا بورا" بأفغانستان وسقطت ملابسهم الداخلية جدًّا في سجن بوغريب وجوانتانمو، وسقطت أقنعتهم أمام حرب عصابات القاعدة في فوضى عراق الديمقراطية المحمولة على الدبابات التي يقودها رعاة البقر، وكأن حذاء الزيدي الذي لم يطُل بوش في بغداد ردًّا على صفاقة ابتسامته بتهيئة العراق لمضاجعة ممتعة مع الرجل الأبيض، عملاً بقاعدة أجهل مصدرها تقول: إن على المغتصبة إذا فشلت في المقاومة، محاولة الاستمتاع! أعرف أن ما أكتبه أثقل من أن يحمله مقال، وأن أغلب القراء يلزمهم مترجم ليفك لهم شفرات النص، الذي يقول كل شيء بغرور يليق بخلفيتي المعرفية، وبحمق يليق برفضهم لتحليلات ربما تنتمي إلى "نظرية المؤامرة"، ولكني عندما أعود إلى خلفيتنا الدموية، أتذكر أنهم كانوا ثلاثة رجال، من الخوارج الذي يحفظون ولا يفقهون، ولا تتجاوز قراءتهم لقرآن رب العالمين آذانهم، وقرروا التخلص من مثيري الفتنة، وهم علي بن أبي طالب، ومعاوية بن أبي سفيان، وعمرو بن العاص، وقتلهم فجرًا ومعًا، ولم ينجح منهم سوى عبد الرحمن بن ملجم، ونجح في قتل الإمام علي، وهو ما شكَّكني شخصيًا في أنها كانت مؤامرة أموية ذكية، للتخلُّص من الخصم، خضع لها الخوارج، وصدَّقوا أنها لتخليص المسلمين ممن حملهم على حمل السلاح ضد مسلمين، ولتموت الفتنة التي هي أشد من القتل، وتمارس القتل لكل ما حسبناه على خير، ثم ينهي الإمام علي عن التمثيل بجثة قاتله، ولكن أتباعه من المتشيعين له، يأبون إلا الانتقام، من رجل حافظ للقرآن، اسودَّت ركبتاه وجبهته من السجود لله، وقرَّروا تقطيع لحمه وإطعامه منه، تمامًا كما يفعل ثوار ليبيا الآن، ويأكل بن ملجم من جسده بعد تقطيعه وشوائه أمام عينيه، ولا يجزع، ويظل يردِّد الله أكبر سبحان الله ولله الحمد، وعندما يأتي الدور على لسانه، يفزع، فيسألونه بدهشة القتلة المحترفين، لماذا لسانك فقط، فيرد بتقوى الخاشعين، أخاف أن أعيش لحظة لا أذكر فيها اسم الله، فيضحكون لأنهم لا يفقهون، كيف لرجل يعميه إيمانه عن أن قتله لأمير المؤمنين الذي اتهم بالتفريط في الثأر للخليفة المظلوم عثمان بن عفان، خطيئة، ويظن أنه يحسن صنعًا وأنه سيدخل الجنة بدم ابن عم رسول الله، وصفيه وصاحبه الذي رباه، ويقطعون لسانه، فيستجيب الله له فيموت من توه، حتى لا يعيش لحظة لا يذكر فيها اسم خالقه! الوهم، هو أننا لم نزل شعوب عظيمة، والسلاح غباؤنا الذي يستثمر فيه رعاة البقر!