بعد إلحاح قوى الثورة كافة والأحزاب القديمة منها والوليدة على المجلس العسكرى بضرورة إصدار قانون العزل السياسى، وبعد تكون يقين كامل لديها بأن المجلس لا يمتلك رغبة جادة فى إصدار مثل هذا القانون، أو الإتجاه إلى إقصاء فلول الحزب الوطنى المنحل عن المشهد السياسى.. إتجهت القوى المدنية والثورية إلى تشكيل بعض التحالفات السياسية التى تهدف إلى تكثيف الضغط على السلطة الحاكمة لتحقيق أهداف الثورة، وأيضا للتنسيق فيما بينها سياسيا وإنتخابيا حتى لا تترك الساحة أمام القوى المعادية للثورة للإستيلاء على البرلمان الذى سوف يحدد ملامح الدولة المصرية فى المرحلة المقبلة . جاء "التحالف الديمقراطى من أجل مصر" تحت قيادة حزبى الحرية والعدالة – الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين – والوفد ليضم عددا كبيرا من الأحزاب لمواجهة الإستعدادات الكبيرة للفلول على الجانب الأخر، ولكن سرعان ما دبت الخلافات وظهرت الإختلافات فى الأيدولوجيات وصياغة الأفكار والأهداف على السطح نتيجة سعى الحرية والعدالة إلى الوصول إلى أكبر عدد من المرشحين على المقاعد الفردية وأيضا إحتلال رؤوس جميع القوائم فى المحافظات، وبالتالى تبلور المنافسة الإنتخابية لتتخذ شكل صراع ثنائى بين الإخوان المسلمين – وليس قوى الثورة – وفلول الحزب المنحل فقط على كعكة البرلمان.. فكان أول المنسحبين هو حزب الوفد الذى إرتكب خطأ فادحا هو الأخر عن طريق ضم بعض فلول النظام البائد إلى قوائمه حتى يتثنى له المنافسة على 100% من مقاعد البرلمان القادم . كذلك الحال داخل "الكتلة المصرية" التى أدت الإنشقاقات داخل صفوفها نتيجة لأسباب تعود إلى تقليص عدد مرشحى بعض الأحزاب على قوائم الكتلة وترتيب المرشحين داخل القائمة الواحدة، وتطعيم هذه القوائم ببعض الفلول إلى إنسحاب عدد كبير أيضا من الأحزاب وعزمها خوض المعركة الإنتخابية منفردة . هذا المشهد السياسى بما يحجبه من ضباب وغيوم قد يطرح بعض التنبؤات حول مسار العملية الإنتخابية وما سوف تؤدى إليه من نتائج، وما سوف يترتب عليها من تشكيل محتمل لمجلس الشعب القادم . فالبعض يرى أن المستفيد الوحيد من كل هذه الإنشقاقات ومن هذا التفتت المبكر فى صفوف القوى الثورية والمدنية هم فلول الحزب الوطنى المنحل الذين مازالوا يتابعون التنسيق الإنتخابى فيما بينهم حتى وإن لم يدفعوا بأية قوائم مشتركة لتمثيلهم . بينما يرى أخرون أنه مازال هناك مستفيد أخر قد يشارك فلول الحزب المنحل تقسيم "تورتة البرلمان" وهؤلاء هم أحزاب تيار الإسلام السياسى الذين أعلنوا من قبل إنسحابهم من مثل هذه التكتلات السياسية والحزبية بهدف تكوين قوة إسلامية موحدة من الخارج، ثم التفكير فى العودة مرة أخرى إلى التحالف مع الإخوان المسلمين وحزبهم لتشكيل جبهة إسلامية قوية تكون قادرة فيما بعد على تكوين أغلبية مؤثرة تحت قبة البرلمان . تأتى زيادة الإقبال على تقدم الأحزاب بمرشحيها على المقاعد الفردية التى تعتمد عليها – بالأساس – أحزاب النظام السابق، وعزوفها عن تشكيل قوائم متعددة نتيجة لعدم إمتلاكها وفرة فى الإمكانيات المادية والمرشحين، ونتيجة أيضا لضيق الوقت وعدم تمكنها من النزول إلى جماهير الناخبين لطرح برامجهم.. إلى التقليل من فرص المنافسة الجادة لتلك الأحزاب على نسبة مقبولة من المقاعد، مما دفع بعض الخبراء إلى الإعتقاد بأن نظام الإنتخاب الفردى مازال هو الحل الأمثل للإنتخابات البرلمانية المصرية . والحقيقة هى أننا يجب أن ندرك جيدا أن تعدد النظم الإنتخابية هى أحد محاور ممارسة الحياة السياسية فى ظل نظام ديمقراطى متكامل، كما أن الثورات عادة لا تأتى بعصا سحرية أو بمصباح على بابا، وإنما عادة ما تستغرق عملية التحول الديمقراطى بعض من الوقت الذى أحيانا ما يمتد إلى عدة سنوات للوقوف على الشكل النهائى للنظام الجديد فى مسار متوازى مع عملية إعادة فك وتركيب للإرتباطات المعقدة من الناحية الإجتماعية والثقافية والسيكولوجية أيضا التى خلفها النظام القديم وراء ظهره داخل المجتمع . الخطر الأكبر إذن يتمحور حول إمكانية نجاح فلول الوطنى المنحل فى إستغلال هذا التصدع فى صفوف القوى المدنية الإستغلال الأمثل فى الإنقضاض على التجربة الديمقراطية المتمثلة فى الإنتخابات التشريعية الأولى بعد الثورة ومن ثم تحقيق أغلبية برلمانية سوف تعود بنا إلى نقطة البداية مرة أخرى، أيضا تمكن بعض القوى الأخرى من الحصول على الأغلبية وبالتالى صياغة دستورا إقصائيا قد يكون سببا رئيسيا فى إشعال فتنة كبرى بين أبناء الوطن بدلا من أن يشكل الوسيلة الأهم نحو توحيد صفوفهم ودفعهم معا نحو إعادة البناء والتنمية .