نعم لم تذهب السكرة.. وقد لا تذهب أبدا. ونعم قد جاءت الفكرة أكثر من مرة. وبالتأكيد سوف يتكرر مجئ الفكرة اذا كان المستقبل هو همنا الأكبر. أتحدث عن ثورة "25 يناير" . وبالسكرة وبالفكرة معا نعطي لثورتنا مغزى ولحياتنا معنى. وسوف نتحرك ونسير ونحلم بالمستقبل ونتناقش حوله ونخطط له ونتقدم الى الأفضل بخطوات ثابتة ودائما في أذاننا الصوت والصدى اياه "قوم يا مصري مصر دايما بتناديك" وعندما يتكلم الشارع وينطق الجماهير ويصرخ الضمير الوطني ويتدفق الغضب العام علينا "ألا نتفلسف" أو "نلت ونعجن" أو "نزايد بالكلام" أو "نعطي دروسا في الوطنية". هذا هو ما علمنا التاريخ وأكده شباب التحرير وخلده شهداء ثورة 25 يناير. وهذا هو التحدي القائم والقادم : كيف نحافظ على روح التحرير وذاكرته وثوريته ومصريته واندفاعه وعبقريته ومرحه وفرحه. وبالمناسبة الثورة "قامت علشان تستمر". وتضحية الشهداء لن تذهب هدرا. و"متى يصلح حال البلد؟" هذا كان السؤال الموجه للشيخ عبد ربه التائه. كما كتب نجيب محفوظ في "أصداء السيرة الذاتية". وجاءت اجابة الشيخ بالتالي: "عندما يؤمن أهلها بأن عاقبة الجبن أوخم من عاقبة السلامة". وأكيد لا ندامة عندما يكسر المرء جدار الجبن والخوف. الحيطة اياها "اللي مشي جنبها أو مشى فيها طول حياته". وكسر حاجز الخوف بلا شك هو أكبر انجاز تحقق في حياتنا!! ويجب ألا ننسى ذلك. ××××××× ونظرة تأمل لما نعيشه أو نعايشه وما قد نفرح به أو قد نعاني منه مثلما حدث مع أجواء الاستفتاء على التعديلات الدستورية (19 مارس) ثم في "جمعة المحاكمة والتطهير" (8 أبريل) تجعلنا ننتبه ونتساءل ونغضب ونحزن: "ماذا حدث لنا؟ والى أين نذهب؟ وهل بدأت تتلاشى من دنيانا روح التحرير أو تخفت لدينا رغبة التغيير؟" يتساءل صديقي العزيز تامر ويضيف: "أم أننا "تعبنا من الثورة" وأخذنا نتراجع أو نتقهقر أو كما يبدو أحيانا أخذنا نستسلم لخطط ومؤامرات "اجهاد الثورة" أو "اجهاضها"؟ وسؤالي بالمناسبة يعكس حالتي وحالة ناس كتيرة قلبها عالبلد وبدأت تحس بالقلق والخوف" كما أن ما قيل وتردد وتكرر و"زن على دماغنا" من تعقيبات وتعليقات وتفسيرات وتنبوءات تتحدث عن "الثورة المضادة" و"الاصطفاف الطائفي" و"غزوة الصناديق" و"الالتفاف حول الثورة" وأيضا "فلول النظام البائد وتداعياته" قالت الكثير وكشفت الكثير من تآكل بدأ يتسلل أو يظهر في حياتنا. وربنا يستر. ترى هل هي أزمة النخبة المصرية ؟ كما يذكر الاستاذ فهمي هويدي. وهل يقوم المثقفون بالفعل بخنق روح الثورة؟ أم أن أصحاب التشدد والصوت العالي بما لديهم من ميكروفونات وطبل وزمر أو ما قد يمثلون من فلول أو أذناب للماضي البغيض يشوشون ويشوهون كل ما هو جميل في الثورة الحلم؟ ثم لا يفوتنا بالطبع وصف الأستاذ هيكل لما حدث من "تجريف" لمصر ( وكما يرى البعض هو تجريف لما فيها ومن فيها). وهنا يجب أن نتساءل: كيف سنتمكن من استصلاح مصر؟ ومن سيقوم بها؟ ثم ما هو دور أصحاب الرأي ( وما أكثرهم) وأرباب الرؤية (وما أقلهم) في تشكيل مصر الجديدة؟ وبالتالي ما يتم الدعوة اليه من حوار وطني ليس "منظرة سياسية" أو "اتكلم الصورة تطلع حلوة" بل ضرورة حيوية لا يمكن تأجيلها اذا كنا جادين بالفعل في احداث التغيير والتغير. ملفات كثيرة نراها تطرح أمامنا وبصراحة علينا أن نناقشها ونختلف حولها و"أرجوكم ندخل في تفاصيل التفاصيل" ( وبلاش العموميات لو سمحت) حتي تتبلور لدينا اطر حلول للمشاكل وآليات تفعيل للمشاركة و"ايدك معايا " ( مش قلبك وبس). وعلى فكرة أكيد أنت لاحظت وأكيد أنت عارف كويس "لقد مضى وانتهى عهد توجيهات الرئيس" ( وعلشان كده فيه ناس كتيره حاسه انها تايهة!!). و".. فيه كمان ناس كتيره لسه مستمرة في النفاق والتملق.. والكلمات الرنانة" كما تنبه سارة وهي تتابع موجة وهوجة الأحاديث التلفزيونية والصحفية. واذا كنا قد "هرمنا من أجل هذه اللحظة التاريخية" ( كما قال المواطن التونسي أحمد الحفناوي وهو يرى ثورة بلده) فاننا بالتأكيد " ازدادنا شبابا" مع "25 يناير" اللحظة اياها والشرارة اياها والثورة اياها التي أشعلها وقادها الشباب وشارك فيها الشعب كله وحماها الجيش. "سلاحنا كان أحلامنا وبكره واضح قدامنا". والاعتراف بالحق فضيلة. وكم كان فاضلا وصادقا الدكتور فاروق الباز وهو يقر ويقول" لن أرشح نفسي للرئاسة .. فجيلي فاشل والشباب أفضل منه". ما حدث ويحدث في مصر فرصة لا تعوض للتجدد بشبابنا للاستماع الى آلام الشباب وأحلامه. وأكيد مشاطرته في تخفيف تلك الآلام والأهم تحقيق تلك الأحلام. وهنا يتدخل العزيز العم حسين ليقول لي :"ايوه احنا متلخبطين وايوه احنا متدربكين وايوه احنا قلقانين بس هي دي الثورة وهو ده الحب كله.. ما أحلاها وما ألذه". كما أن الثورة كانت ومازالت فرصة لاعادة تذكيرنا وتأكيدنا لمفاهيم وقيم ومبادئ انسانية كثيرة "كانت مرفوعة من الخدمة" ونحن "أهملناها" وأحيانا "شوهناها" و "مسخناها" بمبررات عديدة منها "ان الزمن تغير" أو "أكل العيش يحب الخفيه" أو "مش احنا اللي حنصلح الكون". وجاءت الثورة لتقول بأعلى صوتها: "لسه الأحلام ممكنة" وطبعا في فلسفة الحالمين وأسلوب حياتهم ليس المهم أن يتحقق الحلم المهم ألا تفقد القدرة على الحلم وأن أحلم وأن أحكي عن حلمي وأعيش حلمي (ليه لا؟!) وأن يشاركني الآخرون في هذا التحليق. واسألوا في هذا غاندي ومانديلا وكل دعاة الحرية وحماة الكرامة الانسانية في عالمنا العربي أيضا. وما وصف بأنه "ربيع عربي" أو "تسونامي اجتاح المنطقة" نبهنا لما نملكه من كنوز نثمنها ونعتز بها. وتأتي على رأس المفاهيم العظيمة والقيم الرفيعة ..الحرية. الحرية الحقة وليست الشعارات البراقة والكلمات الرنانة والأغنيات الموسمية.الكاتب والمؤرخ جمال بدوي وهو يتحدث عن الحرية وأيضا العبودية في كتابه "أنا المصري" يذكر: " الحرية .. تلك الفطرة التي خلق الله الانسان عليها.. كائنا نبيلا كريما مرفوع الرأس، سليم الوجدان،" ثم يستكمل: "وأعني بالعبودية تلك الوصمة التي تصيب الانسان فتجعله مسخا مشوها خائرا ذليلا.. يحرص على حياة أي حياة وان كانت مهينة.. كئيبة.. حقيرة" ويضيف: " وكان مفهوم الحرية عند آبائنا هو المفهوم المضاد للعبودية فى شتى صورها، ولا يعني أبدا الفوضوية أو التحلل من القيم الأخلاقية والدعوة الى الفجور والانحلال.. كانت الحرية عندهم تعني الشرف الرفيع الذي يجعل الانسان سيد نفسه". أن يكون الانسان سيد نفسه وألا يعيش أي حياة!. وبصراحة أريد منك أن تقرأ هذه العبارة مرة أخرى وتتأملها وتتساءل هل هذا ممكن؟ وهل هذا هو ما تفعله أنت في حياتك؟ّ! وما نفعله نحن في حياتنا؟! وطبعا بجانب كسر حاجز أو حواجز الخوف (اللي جوانا وحوالينا) فان التخلص من السلبية (و"أنا مالي" و"خليها تولع") كان لابد أن "يهزنا" و"يصدمنا" و"يفوقنا" و"يخلينا عايزين نقول ونشارك ونحط ايدينا في ايدين بعض". ولعل انجاز حققته الثورة كما يرى د قدري حفني هو " ان صوتى أصبح له قيمة وأن من حق الشعب المصرى أن يختار ويختار خطأ ويصحح خطأه ويأخذ فرصته". وأنا أقلب صفحاتي في دفتر الثورة وهي صفحات ذكريات وأحلام أجدني مشدودا ومأخوذا ومتحمسا ومبهورا ومنطلقا وأيضا واقفا تحية وتقديرا لكل الشهداء والمصابين وكل من ساهم في اشعال الثورة وتحريكها والحفاظ عليها. وعلينا أن نعيش ونفتكر انها أمانة في رقبتنا. نفتكر أسماءهم وأحلامهم وحماسهم وغضبهم وثورتهم واقدامهم واستشهادهم. حكايات لا يجب أن تموت مع مرور الأيلم. والا علينا السلام!! كما أنني أقرأ في دفتر الثورة سطورا كتبتها أو قرأتها في كلام أو أحلام شباب الثورة وروادها وكل ما تحرر وانطلق من افواههم وعيونهم وقلوبهم وعقولهم و"سنين عاشوها بالطول والعرض" و"أحلام غنوها ليل ونهار" .. " يا ناس يا ناس يا مكبوته هي دي الحدوته" وقد جاءت الثورة لتقول لنا ومن خلالنا للعالم كله: لا للخضوع والخنوع و"احنا مالنا" ولا للتخوين والتهوين والتهويل والتملق والنفاق و"كله تمام يافندم" والفهلوة والفذلكة و"حطة ايدك" و"اشتري دماغك" و"ماتوجعش قلبك". ونعم انتصرت ثورة الكرامة والروح المصرية والصراحة والبساطة والفضفضة والاستبسال والاندفاع و"ارفع رأسك أنت مصري". وكما وصف العزيز ابراهيم داوود الانسان والمكان والزمان في التحرير في يناير 2011 كلهم هنا: الذى كان يحلم والذى كان نائما .. والذى فاتته صلاة الجماعة والذى اكتشف صوته .. فجأة والتى تبحث عن نغمة جامعة والتى أجلت حزنها للخريف والذى انتظر حتى يحل الظلام ليقبض على أقماره والذى ترك أمراضه على أول الجسر ليسترد عافيته فى الزحام وقد قيل كثيرا وكتب مرارا أن مسئولية الكاتب أو مهمة المثقف أو رسالة الفنان هي "انعاش الذاكرة" وأيضا "مقاومة النسيان". وهذا هو المطلوب والمنتظر مني ومنك. وأن تتذكر حلمك ولا تنساه أبدا.الحلم الذي لا يفارقك ويشغلك ويحفزك ويدفعك في الحياة الحلم بما هو أت مهما طال الزمن والحلم بما هو أجمل وأنبل وأعظم ما فينا. "ايه أوعى تنسى ان احنا كسرنا البراويز زي ما قال الابنودي" يقاطعني الشاب سامر ويقول: " وأكيد كبرنا في نظرتنا للدنيا وكبرنا كمان في نظرة الدنيا لينا" ×××××× ومع مرور الأيام ومزاحمة الأجواء أجد نفسي أتساءل: هل فعلا تعبنا من الثورة واشتقنا للاستقرار؟ وهل شغفنا المستمر وتوقنا الدائم للاستقرار اياه أو بتوصيف أدق وأصدق للركود الساكن أو المميت الذي اعتدناه ( والله زمااان) كانت نعمة أم كانت نقمة؟ هو ده سؤال نسأله؟ لكن بالتأكيد علينا أن نعيش زمن الأسئلة وعلاماتها المزعجة والزنانة وعلينا أن نطرحها علنا وبدون أي حرج بدون "لا مؤاخذة" و"بعد اذن سيادتك" وبصراحة ده من حقك وده من واجبك كمان وأكيد وقتها "ربيعنا لا يموت" (والوصف للشاعر محمود حسن اسماعيل). ربيعنا لا يموت لأنه ربيع الثورة والانتفاضة والحلم والانطلاق والتأخي والمشاركة و"البلد بلدنا". ربيع التحرير وشبرا والقاهرة والسويس والاسكندرية و ... مصر كلها. نعم انه زمن القلق والحيرة والخوف والترقب والتعجب والتردد والتخبط و"محاسبة الذات" ولكن أيضا زمن المشاركة والايجابية والابداع والابتكار والمسئولية و"ايدك في ايدي" .. ولا تنسى أبدا "البلد بلدنا"( بعد ما كنا لسنوات بنقول – البلد بلدهم أو عزبتهم) واللي احنا شايفينها وعايشينها وسامعينها علامات صحة وعافية ووطنية حقة يجب أن نعرف قيمتها ويجب أن نعتز بها ونحافظ عليها ونعم انه زمن أسئلة نحن بأنفسنا سنجيب عليها بعد أن اعتدنا وزهقنا ومللنا و"اتخرسنا" و"اتشلينا" من الأجوبة الرسمية النموذجية فلنسأل أنفسنا طالما نحن المجرب والطبيب والمريض وأهله و"حمد لله عالسلامة" و"البركة فينا" هييييه .. كنا فين وبقينا فين!! ويا ما قلنا وكررنا قبل "25 يناير" العبارة اياها "مصر رايحة على فين؟" وكانت وقتها عبارة وراها يأس وحسرة وقلة حيلة واحباط وحزن وغم و .. "خلاص بقه" وأحيانا "الضرب في الميت حرام". أما دلوقتي فان "مصر رايحة على فين؟" تعني قلق واهتمام وخوف ومسئولية و"فرحة لازم تكمل" و"لازم نكمل مشوارنا" وأكيد "مش عايزين نرجع في كلامنا". نعم مصر ولدت من جديد استعادت عافيتها وانتفضت وثارت وعرفت نفسها من جديد واحنا عرفنا قيمتنا وقيمتها ومعزتها ونحن من التحرير ولدنا والى التحرير نعود نعود للتحرير ليس لاجترار الذكريات أو "التغني بما شاهدناه وعشناه وعايشناه" بل نعود لنولد من جديد ونحيا ونحيى ونحلم ببكره وبعد بكره كمان. الثورة قامت لتستمر. والثورة قامت واحنا قمنا والعالم كله قام ووقف باحترام واعتزاز أمام وقفتنا الشامخة. ومصر بتتغير واحنا كمان بنتغير ولازم نتغير .. لازم نتغير علشان نعرف ونقدر نغير ونثور وننطلق ونحلم ونخلى رءوسنا مرفوعة..