تعرفت «أجاثا كريستي» علي زوجها «ماكس مالوان» أثناء رحلة لها إلي العراق بصحبة ابنتها الصغيرة، وهناك حدث الانجذاب بينها وبين عالم الآثار الشاب الذي وجدت في طبيعته الهادئة العميقة تعويضاً عن قسوة وإهمال زوجها الأول، وبعد أن تم الزواج بينهما قضت أجاثا وماكس شهر عسلهما في مكان رائع في شمال سوريا بجوار مكان عمل ماكس الجديد، وقد ساعد هذا الزواج أجاثا كثيراً علي التعمق في سحر الشرق الذي عشقته منذ زيارتها الأولي لمصر وهي شابة، وتمكنت من التجول في مدن وبلاد الشرق، حيث زارت بالإضافة إلي مصر كل من سوريا والعراق الأردن وفلسطين ولبنان وتركيا وايران. رواية « جريمة قتل في قطار الشرق السريع» Murder on the Orient Express من أكثر روايات «أجاثا كريستي» شهرة وتقديراً من محبي الروايات البوليسية، وتدور أحداثها المثيرة داخل قطار الشرق السريع الذي كان يربط تركيا بعدة دول في أوروبا، وتدور الأحداث في عدة دول هي: سوريا وتركيا ويوغوسلافيا، وتبدأ القصة باستدعاء عاجل من رئيس وزراء إنجلترا لبوارو لكي يعود من سوريا فيركب قطار طوروس السريع الذي سيوصله إلي تركيا حيث قطار الشرق، وفي القطار تحدث الجريمة الغريبة حيث يكتشف أحد المسافرين مقتولاً باثنتي عشرة طعنة في جسده، وتكتمل الأجواء المثيرة والدرامية حينما يتعطل القطار بسبب انهيار جليدي يسد الطريق، وأثناء فترة انتظار حل هذه المشكلة تبدأ تحريات بوارو للوصول إلي القاتل. من الأمور التي تكشفها مذكرات «أجاثا كريستي» وبعض المقالات الأخري أن هذه الرواية كتبت أغلب فصولها في الغرفة رقم 411 بفندق بيرا بالاس في أسطمبول بتركيا حيث كانت تقيم دائما حينما تسافر إلي تركيا، كما أن حادثة اختطاف أرمسترونج الواردة في الرواية مقتبسة من حادثة اختطاف حقيقية حدثت عام 1932 قبل عام من كتابة أجاثا للرواية، كما أن رسائل أجاثا لزوجها «ماكس مالوان» تصف فيها بعض الشخصيات التي قابلتها في رحلتها في قطار الشرق وحادث تعطل القطار بسبب حادث انهيار جليدي تشبه كثيراً من التفاصيل التي استخدمتها ضمن أحداث روايتها. تم تحويل هذه الرواية الشهيرة إلي أعمال سينمائية وتليفزيونية 3 مرات، تميز كل منها بالإنتاج الجيد، وأشهر هذه المرات كانت في 1974 من خلال الإنتاج السينمائي الضخم الذي ضم عدداً من كبار النجوم علي رأسهم «ألبرت فيني» في دور المحقق بوارو، وشارك بالفيلم أيضاً «شون كونري» و«فانيسا ريدجريف» و«جاكلين بيسيه» و«انجريد برجمان» و«لورين باكول». قام بإخراج الفيلم «سيدني لوميت»، ونظراً لحساسية «أجاثا كريستي» من عملية تحويل رواياتها لأفلام فقد اضطرت شركة EMI Films المنتجة للفيلم إلي الاستعانة بالأمير «لويس مونتباتن» حفيد الملكة فيكتوريا وأحد أصدقاء أجاثا لإقناعها بالموافقة علي تحويل روايتها إلي فيلم سينمائي. شاهدت «أجاثا كريستي» الفيلم، وعلي عكس ضيقها بالمعالجات السينمائية السابقة التي ظهرت في الستينيات مأخوذة عن قصصها فإنها كانت راضية عن هذا الفيلم مع ملحوظة وحيدة ذكرها «جوين روبنز» في كتابه عن سيرة حياة أجاثا حيث علقت علي الفيلم قائلة: «إنه جيد باستثناء خطأ واحد هو «ألبرت فيني» في دور مخبري الخاص بوارو. لقد كتبت أنه يمتلك ألطف شارب في إنجلترا كلها، ولم يكن هكذا في الفيلم. أعتقد أنه أمر بسيط للغاية، لماذا لم يهتموا به؟». المعالجة الثانية للفيلم كانت فيلماً تليفزيونياً، وفيها قام الممثل «ألبرت مولينا» بدور بوارو، وفي الفيلم قدم السيناريو الأحداث المعاصرة لوقت إنتاجه عام 2001 وليس في الثلاثينيات كما كتبت أجاثا الأحداث، وقدم مولينا بملامحه وأدائه أغرب معالجة درامية لشخصية هركيول بوارو حيث استبدل الصفات التي رسمتها الرواية بأخري أكثر معاصرة. وآخر الأعمال الدرامية المأخوذة عن القصة نفسها كان الفيلم التليفزيوني الذي عرض في مايو الماضي ضمن مسلسل «أجاثا كريستي.. بوارو» الذي يجسد بطولته الممثل «ديفيد سوشيه» ومن الروايات القليلة التي كتبتها أجاثا بعيدة عن أجواء الغموض وحبكة «من قام بالجريمة؟» هي رواية «جاءوا إلي بغداد» They Came to Baghdad، وتميل القصة إلي الأكشن ومغامرات الجاسوسية، وقد استوحتها أجاثا من رحلاتها الكثيرة بصحبة زوجها عالم الآثار «ماكس مالوان» إلي العراق، وقد نشرت لأول مرة عام 1951، الأحداث تتناول قمة سرية بين القوتين العظميين في بغداد، لكن جماعة إرهابية تخطط لتخريب اللقاء، ويموت عميل مخابرات بريطاني جريح بين يدي فيكتوريا جونز وهو ينطق كلماته الأخيرة: «إبليس».. «البصرة».. «لوفارجيه»، وفيكتوريا فتاة جريئة محبة للمغامرة ولم تقابل هذا العميل قبل ذلك، ولا تعني الكلمات التي قالها شيئاً بالنسبة لها في البداية، ومع استمرار التحقيقات تتكشف لها تدريجياً أبعاد المؤامرة، ومن يقف وراءها، وتقوم هي بشخصيتها الحيوية بدور المحقق. كما كتبت أجاثا رواية « جريمة في بلاد الرافدين» Murder in Mesopotamia أيضاً أثناء مصاحبتها لزوجها عالم الآثار «ماكس مالوان» في إحدي حفرياته في العراق، وتدور أحداث القصة والجريمة داخل منطقة معزولة ومحددة من قبل علماء الآثار الذين يبحثون عن إحدي المقابر الأثرية القديمة، وتحدث جريمة قتل زوجة أحد علماء الآثار أثناء وجود بوارو وصديقه هستنجز في العراق، وتكون مسز ليندر القتيلة قد تلقت رسالة تهديد من زوجها الأول الذي كانت تظن أنه قتل في حادث قطار، ولا يعرف أحد إذا كان بالفعل علي قيد الحياة، أو شقيقه الأصغر هو من دبر الجريمة للانتقام لشقيقه، أم شخص آخر يكن الكراهية لليندر، وكم من جرائم القتل ستتم قبل أن يكشف بوارو من القاتل؟ وقد نشرت الرواية لأول مرة عام 1936، وتم انتاجها ضمن سلسلة «أجاثا كريستي.. بوارو». أما في رواية «موعد مع الموت» Appointment with Death يلتقي بوارو الطبيبة الشابة سارة في القدس حيث يقضي أجازته في جولة ببعض دول الشرق الأوسط، ويتعرف بوارو علي عائلة ايميلي بوينتون وهي أم لفتاة تدعي جينيفرا، وزوجة أم لثلاثة أبناء تمكنت بدهائها ومكرها من ابتزاز محامي الأسرة ليدمر الوصية الثانية لزوجها الراحل، وهي الوصية التي كانت ستحرمها من الوصاية علي ممتلكات الأسرة، وفي الأجواء الساحرة لمدينة القدس تحدث الجريمة ويبدأ بوارو تحرياته للبحث عن القاتل. أنتجت مسرحية مأخوذة من الرواية عام 1945، وجاءت المعالجة المسرحية بعيدة تماماً عن النص الأصلي، فبالاضافة إلي حذف شخصية بوارو تم تغيير شخصية القاتل، وفي الفيلم الشهير الذي أنتج عام 1988 وقام ببطولته «بيتر اوستينوف» تغير مكان الأحداث من مدينة البتراء الأردنية كما كتبتها «أجاثا كريستي» إلي مدينة القدسالمحتلة، ويعود ذلك إلي أن شركة «كانون فيلم» المنتجة للفيلم إسرائيلية، ورأي المنتجون أنه من الأسهل التصوير داخل إسرائيل، بالإضافة إلي الأغراض الدعائية التي تبرز القدس كمدينة سياحية، وقد حوي أفيش الفيلم صورة واضحة تتوسطه لمسجد قبة الصخرة أهم العلامات البارزة بالمدينة المقدسة. أعيد إنتاج الرواية درامياً في التليفزيون من خلال مسلسل «أجاثا كريستي.. بوارو» عام 2008، وقد تم تصوير هذه النسخة في المغرب.