في أواخر عام 1926، اكتشفت «أجاثا كريستي» أن زوجها «أرتشي كريستي» علي علاقة حب مع امرأة أخري هي «نانسي نيل»، كانت حالتها النفسية سيئة للغاية بعد وفاة أمها منذ شهور، وفي يوم 8 ديسمبر من نفس العام تشاجر الزوجان مشاجرة كبيرة للغاية، كانت صدمتها في زوجها كبيرة وكانت تهدده أحياناً بأنها ستترك المنزل ولن يعرف مكانها أبداً، هي روائية ماهرة في رسم الحبكات المتقنة، ولكن كلامها لم يكن يعني له شيئاً، وفي يوم المشاجرة ترك «أرتشي كريستي» منزله في بيركشاير، وذهب لقضاء عطلة نهاية الأسبوع مع عشيقته، وفي مساء ذلك اليوم نفسه وتحديداً في الساعة العاشرة إلا ربع ارتدت أجاثا ملابسها وصعدت لتقبل ابنتها الصغيرة روزلاند وخرجت بسيارتها بعد أن تركت وراءها رسالة لسكرتيرها قائلة إنها سوف تذهب إلي يوركشاير، ولم تعد في ذلك اليوم حتي الصباح مما أثار قلق الجميع من هذا الاختفاء المفاجيء. في اليوم التالي وجدت الشرطة سيارة «أجاثا» في طريق فرعي بالغابة علي بعد أميال من منزلها وبالقرب من مكان الفندق الذي كان زوجها يقضي فيه إجازته الإسبوعية مع عشيقته. السيارة كانت في مكان غير مأهول وتخفيها الغابة، أنوار السيارة كانت مضاءة، وبداخلها رخصة القيادة وبالطو فرو وحقيبة صغيرة بها قطعتي ملابس. سبب نبأ اختفاء أجاثا والعثور علي سيارتها بدون جثة بداخلها صخباً شديداً لدي الرأي العام الذي اهتم كثيراً بالقضية، تطوع ما يقرب من 15 ألف مواطن إنجليزي للبحث عنها في المنطقة المحيطة بمكان اختفائها، وللمرة الأولي تستخدم الحكومة البريطانية الطائرات للبحث عن شخص مفقود. حينما وصلت تحريات الشرطة إلي كشف علاقة أرشي العاطفية اعتبرته المشتبه به الرئيسي وراء اختفاء أجاثا، ولم يعلمه رجال البوليس بذلك لكنهم راقبوا اتصالاته التليفونية وتحركاته كلها، وقام هو في تصريح صحفي بعرض مكافأة قدرها 500 جنيه إسترليني لمن يرشد عن مكان زوجته. كانت هناك الكثير من التكهنات حول ما حدث للكاتبة الشهيرة. بعض الناس اعتقد أنها قتلت، آخرون أعتقد أنها قد تعرضت لنوبة من فقدان الذاكرة. وقال البعض ساخراً إن الحادث بأكمله ملفق وهو لا يزيد علي شكل متطور من أشكال الدعاية للكاتبة. شارك الكتاب بعدة مقالات تضع نظريات حول تخيلهم لما يمكن أن يكون قد حدث بالفعل. ومع مرور الأيام تزايد عدد الناس الذين اعتقدوا أنها ماتت. أحد الكتاب الكبار وهو السير «أرثر كونان دويل» مؤلف شخصية «شرلوك هولمز» وكان مهتماً بالسحر حصل علي قفازات «أجاثا كريستي» وذهب بها إلي وسيط روحاني لكشف مصير الروائية الشهيرة. في يوم 14 ديسمبر اكتشف مكان اختفائها وكانت تقيم في فندق بيوركشاير ويبدو أنها ذهبت مباشرة من منزلها إلي هناك، وحجزت حجرة لنفسها في الفندق تحت اسم «تيريزا نيل» من كيب تاون مستخدمة نفس لقب عائلة عشيقة زوجها، ورغم تعرف العديد من نزلاء الفندق عليها إلا أنها كانت تضحك وتنفي أنها «أجاثا كريستي» الكاتبة المشهورة، وبسبب كثرة التليفونات التي تلقتها الشرطة من نزلاء الفندق الذي أكدوا أنهم رأوا في بهو الفندق امرأة تشبه «أجاثا كريستي» اتصلت الشرطة بزوجها ودعته للحضور للفندق المذكور. وحينما وصل زوجها والشرطة للفندق للتعرف عليها يقال أنها نظرت إلي زوجها مبتهجة ولكنها حيته علي أنه شقيقها. إدعت أجاثا أنها كانت تعاني من فقدان الذاكرة، وعادت مع زوجها للمنزل بعد أن أخبرا الصحافة أنها فقدت ذاكرتها نتيجة ضغوط عصبية إثر وفاة والدتها في نفس العام، وعلي الرغم من تأييد اثنين من الأطباء كشفا عليها بعد العثور عليها لما تقوله إلا أن الرأي العام لم يقتنع بهذه الرواية، وظلت التكهنات مستمرة حول سر الاختفاء، وازدادت الظنون في قيامها بالأمر لأغراض دعائية، ولامها البعض علي اضاعة أموال دافعي الضرائب، والبعض قال إنها صنعت كل هذه الضجة من أجل إحراج زوجها والانتقام منه علي خيانته لها، ولأنها أيضاً كانت تشعر أن حياتها مهددة وأن زوجها قد يقدم علي قتلها، وأضاف البعض رأياً مختلفاً ومتطرفاً أن ما فعلته أجاثا كان جزءاً من خطة تدبر لها لقتل زوجها لاحقاً، ولم تحاول أجاثا لاحقاً في أي حديث أو حتي في مذكراتها التطرق لحقيقة هذه الأيام أبداً، وظلت هذه الحادثة حتي الآن لغزاً لم يحله أحد. ادعت «تامارا ريد» الطبيبة النفسية التي التقت بكريستي أثناء إقامتها في اسطمبول بتركيا أن كريستي تخبأ تحت خشب أرضية الغرفة التي كانت دائماً تقيم بها مفتاحاً خاصاً، وقد شرع العاملون في الفندق في غرفة أجاثا في البحث عن المفتاح وخلعوا أخشاب الأرضية كلها حتي وجدوا بالفعل مفتاح صغير صديء، وقالت راندي إن المفتاح الذي عثر عليه هو مفتاح المكان الذي تخفي فيه أجاثا اليوميات التي تكشف حقيقة سر اختفائها عام 1926 ، ولم تتح إعادة المفتاح إلي انجلترا لاختباره، كما عثر في نهاية الثمانينيات علي مفتاح آخر مخبأ للغرفة 411 في غرفة أخري بالفندق مما زاد من حجم غموض الأمر الذي كان يود البعض كشفه قبل الاحتفالية الكبري بذكري ميلادها. في عام 1979 قدمت السينما الأمريكية فيلم بعنوان «أجاثا» تناول أحداث الأحد عشر يوماً الغامضة في حياة «أجاثا كريستي»، قامت بدور أجاثا النجمة الانجليزية «فانيسا ريدجريف» في حين قام بدور الزوج «أرتشي كريستي» الممثل «تيموتي دالتون» الذي اشتهر لاحقاً بأداء شخصية جيمس بوند في عدد من الأفلام، وشارك في بطولة الفيلم النجم «داستن هوفمان» الذي قام بدور صحفي أمريكي وقع في حب أجاثا. اختار الفيلم زاوية مختلفة لرواية الحادثة حيث تبني قيام «أجاثا» نفسها بتدبير اختفائها بعد أن شعرت أن حياتها مهددة نتيجة عنف وخشونة كريستي في تعامله معها، رحلت من المنزل بسيارتها وألقت بها في أحد الطرق الفرعية بالغابة وعاشت في أحد الفنادق باسم مستعار، وسبب اختفاؤها بكل صخبه ضغطاً عصبياً هائلاً علي الزوج الذي شعر بهجوم الصحافة والرأي العام ضده، وشكوك الشرطة في أنه قتل زوجته، إنه انتقام أجاثا السري من خيانة زوجها علي طريقة كتابتها لرواياتها البوليسية، وسجل السيناريو خطاً دراميا آخر لقصة حب من طرف واحد بطلها صحفي أمريكي كان مغرماً بأجاثا كريستي. رشح الفيلم للأوسكار ولجائزة البافتا البريطانية عن فئة الأزياء. معالجة طريفة لحادث اختفاء «أجاثا كريستي» جاء في إحدي حلقات مسلسل «Doctor Who» التي انتجت عام 2008 وعنوانها «وحيد القرن والنحلة»، حيث يقوم دكتور هو بالعودة الي الثلاثينيات لحل جريمة قتل ويستعين بالكاتبة «أجاثا كريستي» في حل القضية التي يشك دكتور هو أن وراءها كائناً فضائياً متخفياً بين البشر، وبالفعل تصل أجاثا الي القاتل، ونتيجة الاتصال بهذا الكائن الفضائي الغامض تتعرض «أجاثا كريستي» إلي طاقة خطيرة تتسبب لها بفقدان مؤقت للذاكرة، وقد تم تصوير حلقة المسلسل البريطاني في بعض الأماكن الذي شهد حادث اختفاء أجاثا، من بينها المكان الذي تم العثور فيه علي سيارة أجاثا في طريق مهمل في غابة. لم يكن المعجبون بروايات «أجاثا كريستي» فقط من القراء الأسوياء، بل كان هناك بعض المجرمين حريصين علي قراءة أعمالها بشغف وصل إلي حد تقليد الجرائم التي وردت في كتبها، ورغم أن أعمالها المنتشرة والتي يعرفها الكثيرون ويحفظونها عن ظهر قلب لا تعد مرجعاً مناسباً لأي مجرم في تخطيطه لأي جريمة إلا أن عدداً من الجرائم التي صاغت حبكتها أجاثا في كتبها حولها مجرمون إلي جرائم حقيقية. جريمة قتل تمت بصورة شبيهة للغاية بنفس الطريقة التي تمت بها جريمة القتل في رواية «جريمة في قطار الشرق السريع»، وهذه الجريمة ارتكبت في ألمانياالغربية عام 1981. جريمة قتل أخري تمت بنفس الطريقة التي وردت في رواية «الحصان الشاحب»، وفي عام 1979 اكتشفت في كارولينا الشمالية جريمة قتل بشعة تفاصيل تنفيذها مشابهة لتفاصيل جريمة إحدي قصص ميس ماربل وعنوانها «الجريمة النائمة». في العام الماضي قتل جاسوس بريطاني يدعي «جارث ويليامز» طعناً ووضعت جثته في حقيبة رياضية كبيرة، ووضعت الجثة والحقيبة في بانيو حمام شقته الخاصة في لندن، ووصفت الصحافة الإنجليزية الجريمة أنها نموذج مثالي مقتبس من «الجريمة الكاملة» التي وصفتها «أجاثا كريستي» في رواياتها. بعد إبلاغ زملائه باختفائه اقتحمت الشرطة البريطانية شقته لتجد جثته متحللة داخل الكيس الكبير بدون أي خدوش أو جروح أخري في الجثة، بالإضافة إلي وجود أرقام لخدمات المرافقة وبيع الهوي للشواذ جنسياً علي تليفونه، ورأت التحقيقات أن هذه الأرقام ربما تكون قد أضيفت إلي جهاز التليفون الخاص به للايحاء بأنه شاذ جنسياً. جارث كان يعمل لصالح المخابرات البريطانية لكسر شفرات خاصة بالمخابرات الأمريكية ووكالة الأمن القومي الأمريكية.