كان لابد أن يموت! كل المؤشرات كانت تقول ذلك وهو نفسه كان يعرف أن رأسه أصبحت مطلباً ملكياً، وأن الملك بنفسه بالتعاون مع الحكومة أرادوا التخلص منه بعد أن أصبح مؤثراً أكثر من اللازم، وقوياً أكثر مما ينبغي، وقادراً علي إثارة الجماهير وتعبئة النفوس ومسيطراً علي قلوب مريديه الذين أصبحوا كثيرين ووصلت أعدادهم قبيل وفاته إلي مليون شخص سواء ممن انضموا إلي الجماعة بالفعل أو ممن يحبونها ويتضمنون معها ويرون فيها الحل. ففي مساء الأربعاء 8 ديسمبر 1948م أصدر النقراشي - رئيس الوزراء - قراره بحل جماعة الإخوان المسلمين، ومصادرة أموالها واعتقال معظم أعضائها، وفي اليوم التالي بدأت حملة الاعتقالات والمصادرات. ولما همّ الأستاذ حسن البنا أن يركب سيارة وُضع فيها بعض المعتقلين اعترضه رجال الشرطة قائلين: «لدينا أمر بعدم القبض علي الشيخ البنا». هنا أصبح الستار جاهزاً لكي يسدل علي رجل عاش بعد موته مدة أطول من حياته بكثير، فقد صادَرت الحكومةُ سيارته الخاصّة، واعتقلت سائقه، وسحبت سلاحه المُرخص به، وقبضت علي شقيقيه اللذين كانا يرافقانه في تحركاته، وقد كتب إلي المسئولين يطلب إعادة سلاحه إليه، ويُطالب بحارس مسلح يدفع هو راتبه، وإذا لم يستجيبوا فإنه يُحَمّلهم مسئولية أيّ عدوان عليه. وفي الساعة الثامنة من مساء السبت 12 فبراير 1949 م كان الأستاذ البنا يخرج من باب جمعية الشبان المسلمين ويرافقه رئيس الجمعية لوداعه ودقّ جرس الهاتف داخل الجمعية، فعاد رئيسها ليجيب الهاتف، فسمع إطلاق الرصاص، فخرج ليري صديقه الأستاذ البنا وقد أصيب بطلقات تحت إبطه وهو يعدو خلف السيارة التي ركبها القاتل، ويأخذ رقمها وهو رقم «9979» والتي عرفت فيما بعد بأنها السيارة الرسمية «للأميرالاي» محمود عبد المجيد - المدير العام للمباحث الجنائية بوزارة الداخلية - كما هو ثابت في مفكرة النيابة العمومية عام 1952. لم تكن الإصابة خطيرة- لكن الأوامر كانت قد صدرت بتصفيته -، بل بقي البنا بعدها متماسك القوي كامل الوعي، وقد أبلغ كل من شهدوا الحادث رقم السيارة، ثم نقل إلي مستشفي قصر العيني فخلع ملابسه بنفسه. لفظ البنا أنفاسه الأخيرة في الساعة الثانية عشرة والنصف بعد منتصف الليل، أي بعد أربع ساعات ونصف الساعة من محاولة الاغتيال، ولم يعلم والده وأهله بالحادث إلا بعد ساعتين أخريين، وأرادت الحكومة أن تظل الجثة في المستشفي حتي تخرج إلي الدفن مباشرة، ولكن ثورة والده جعلتها تتنازل فتسمح بحمل الجثة إلي البيت، مشترطة أن يتم الدفن في الساعة التاسعة صباحاً، وألا يقام عزاء!. اعتقلت السلطة كل رجل حاول الاقتراب من بيت البنا قبل الدفن فخرجت الجنازة تحملها النساء، إذ لم يكن هناك رجل غير والده ومكرم عبيد باشا والذي لم تعتقله السلطة لكونه مسيحيا، وكانت تربطه علاقة صداقة بحسن البنا. في الأيام الأولي من قيام ثورة 23 يوليو أعادت سلطات الثورة التحقيق في ملابسات مصرع حسن البنا وتم القبض علي المتهمين باغتياله وتم تقديمهم أمام محكمة جنايات القاهرة حيث صدرت ضدهم «أحكام ثقيلة» في أغسطس 1954 حيث قال القاضي في حيثيات الحكم: «إن قرار الاغتيال قد اتخذته الحكومة السعدية بهدف الانتقام ولم يثبت تواطؤ القصر في ذلك لكن القاضي أشار إلي أن العملية تمت بمباركة البلاط الملكي، وحكم علي المتهم الأول أحمد حسين جاد بالأشغال الشاقة المؤبدة والمتهم السابع محمد محفوظ بالأشغال الشاقة خمسة عشر عاماً والمتهم الثامن الأميرالاي محمود عبد المجيد بالأشغال الشاقة خمسة عشر عاماً والبكباشي محمد الجزار بسنة مع الشغل قضاها في الحبس الاحتياطي فأفرج عنه»، إضافة لتعويض مادي كبير تمثل في دفع عشرة آلاف جنيه مصري كتعويض لأسرة البنا، وبعد حادثة المنشية في ديسمبر 1954 صدرت قرارات بالعفو عن كل المتهمين في قضية اغتيال حسن البنا، وأُفْرِجَ عن القتلة بعد أشهر قليلة قضوها داخل السجون. لكن الحقيقة تؤكد أن حسن البنا لم يمت، فأفكاره عاشت وظلت مؤثرة بعد وفاته أكثر مما كانت عليه في حياته ومريدوه صاروا أكثر وتعاطف معه البسطاء من كثرة الهجوم عليه!