«عاوز أعرف ليه التيار الكهربائي بيقطع، خصوصا إن عندنا إنتاج كبير من الكهرباء؟».. كان هذا السؤال المفاجأة من الرئيس مبارك لوزير الكهرباء، الدكتور حسن يونس، خلال افتتاح متحف الفن الإسلامي قبل عدة أيام، وهو السؤال الذي أجاب عنه وزير الكهرباء بإجابة مضطربة وكأنما لم يتوقع سؤال الرئيس ليتحدث عن انخفاض الجهد الكهربي ليلاً لأن «الناس نائمة»، وعن وقت الذروة الذي يستمر لثلاث ساعات، دون أن يجيب إجابة واضحة عن سؤال الرئيس «لماذا تنقطع الكهرباء؟» رد الوزير المختصر، والذي ألقي فيه باللوم علي "الناس اللي بتستخدم التكييف"، كما أسماهم، لا يبرر انقطاع الكهرباء بصفة شبه مستمرة عن الصعيد خلال الأيام الماضية، رغم عدم اعتماد أبناء الصعيد علي أجهزة التكييف كما هو الحال في القاهرة والمحافظات الكبري، كما أنه لم يبرر استمرار انقطاع التيار في أوقات كثيرة لأكثر من 12 ساعة، كما حدث أمس الأول في محافظات الصعيد وبعض محافظات الدلتا. الواقع أن مصر تعاني انهياراً واضحاً في شبكة الكهرباء القومية، وهو ما كشفه تهالك الشبكة الذي ظهر في صورة انقطاعات متتابعة وغير منطقية للتيار الكهربائي عن محافظات بأكملها، فضلا عن قطع التيار التبادلي من قبل شركات الكهرباء، خوفا علي الشبكة من الانهيار تحت وطأة الأحمال الزائدة، لكن هذه الإجراءات لم تمنع سلسلة الانقطاعات الأخيرة التي تتابعت واحداً تلو الآخر منذ بداية الصيف، قبل أن تتصاعد حدتها بشدة مع بداية شهر رمضان. العجيب أن المحافظات الكبري وعلي رأسها القاهرة بدأت هي الأخري تعاني من تهالك شبكة الكهرباء وعدم قدرتها علي استيعاب الزيادة المضطردة في الأحمال نتيجة لزيادة الاستخدام في ساعات الذروة- كما قال الوزير في تبريره للرئيس مبارك - بالرغم من أن ذلك لا يبرر بالطبع الصورة الحالية من انقطاع طويل وشبه دائم في بعض المناطق. الأكثر عجباً رد وزير الكهرباء حينما استدرك الرئيس متسائلاً عن إنتاج محطات الكهرباء «إحنا عندنا إنتاج كاف، وهل المحولات قادرة علي تحمل زيادة الأحمال؟»، وهو السؤال الذي تهرب الوزير من الإجابة عنه، وفضل الإجابة جزئيا بقوله «نعم عندنا إنتاج، لكن القدرات التي تعمل حالياً لا تستطيع أن تكفي وقت الذروة - التي تستمر لمدة ساعتين»، قبل أن يضيف «نحن لسنا ضد استخدام الناس التكييف، لكن مع أن يستخدموه فقط في الأماكن التي يوجدون فيها، وكذلك إنارة الأماكن التي يوجدون فيها خلال وقت الذروة». وكأن المواطن الذي هرب من لهيب الحر بجهاز تكييف يرهق ميزانيته الشهرية بفاتورة الكهرباء هو المسئول عن أزمة وزارة الكهرباء وفشلها في صيانة وتجديد الشبكة القومية للكهرباء ليلقي وزيرها اللوم عليهم بهذه الطريقة، دون أن يضع في اعتباره أن مواطني معظم دول العالم يستخدمون التكييفات وربما بصورة أكبر من استخدامها في مصر، دون أن يلقي عليهم وزراء الكهرباء المسئولية في مشكلات وزاراتهم. الصدمة الحقيقة في تأكيد الصحف القومية نقلا عن مصادر رسمية بوزارة الكهرباء علي أن الأيام الماضية شهدت ما وصفوه ب «حالة من الاستقرار» في إمداد الكهرباء علي مستوي الجمهورية، وذلك وفقاً لتقارير الأداء التي يصدرها مركز التحكم بالشبكة القومية للكهرباء - واضح من اسمه أنه يتبع وزارة الكهرباء نفسها - حيث أكدت تقارير المركز أن معدلات الأعطال في الحدود الطبيعية، برغم عدم تخفيف الأحمال بداية من الشهر الكريم وحتي الآن، نظراً لتجمع العائلات أثناء ذروة الأحمال في مكان واحد وقت الإفطار ولمدة تمتد لأكثر من ساعتين بانتهاء صلاة العشاء والتراويح ، وهو ما يخالف جميع التصريحات التي أدلي بها مسئولو وزارة الكهرباء خلال الأيام الماضية لتبرير انقطاع الكهرباء عن العديد من المحافظات المصرية، وهو الانقطاع الذي لم يرصده مركز تحكم الشبكة القومية للكهرباء في مفارقة عجيبة، لا تحمل إلا تفسيراً من اثنين، إما أن تقارير المركز تتحدث عن شبكة أخري غير الشبكة القومية المصرية للكهرباء، وإما أن المركز الممول بأموال ضرائب المصريين وأرباح ما يدفعونه في فواتير الكهرباء يصدر تقارير بعيدة عن الواقع تماماً، وهو ما يعني أن استمراره في العمل بهذه الصورة إهدار واضح للمال العام يستوجب مساءلة جميع المسئولين عنه. وإن كان هذا هو حال الشبكة القومية للكهرباء بعد أن أعلن وزير الكهرباء حالة الطوارئ بداية من شهر رمضان الكريم وحتي أيام عيد الفطر - علي حد تأكيد الوزير نفسه- بدمج الإجازات والراحات لجميع الفنيين والمهندسين بشركات الكهرباء لحل أي مشاكل متعلقة بانقطاع التيار فما هو الوضع في الأيام العادية؟؛ خاصة وأن الأيام الأولي من رمضان شهدت أعنف موجة انقطاع للتيار الكهربي تشهدها مصر منذ سنوات طويلة. المشكلة إذن ليست في ظرف طارئ، أو في ارتفاع الأحمال بسبب إهمال المواطنين إغلاق أجهزة التكييف، لكنها حالة عامة تعيشها وزارة الكهرباء وشركاتها، وليس ببعيد عن الأذهان العطل المفاجئ الذي تسبب في انقطاع التيار الكهربائي عن 5 محافظات بالصعيد لساعتين كاملتين خلال العام الماضي، علي خلفية توقف إحدي محطات توليد الكهرباء بالصعيد، لتتوقف علي خلفيته محطات الكهرباء الرئيسية بجنوب مصر، وعلي رأسها محطة كهرباء السد العالي، ولتعيش المحافظات الخمس الأقرب للسد العالي دون كهرباء. ما يستحق التوقف أن وزارة الكهرباء ووزيرها اعتبرا العطل مجرد حادث قدري، بسبب عطل طارئ في كابلات الضغط العالي الشهيرة ب«خط 500»، والتي تربط محطة محولات نجع حمادي بشبكة الكهرباء الموحدة، لتخرج معها محطات توليد الكهرباء المائية الرئيسية، وعلي رأسها محطات السد العالي، وخزان أسوان 1و2 ، وإسنا ونجع حمادي من الشبكة، وينقطع التيار الكهربي عن محافظات الجنوب، رغم تأكيد قيادات وزارة الكهرباء علي أن العطل عادي، ويحدث في جميع دول العالم، بالرغم أننا لم نسمع عن عطل مماثل، يتسبب في قطع التيار الكهربي عن 5 محافظات أو مدن كبيرة دفعة واحدة، في أي دولة أخري بالعالم، مثلما حدث في الصعيد، إلا في أوقات الحروب والكوارث الطبيعية كالزلازل والأعاصير المدمرة. إذن وزارة الكهرباء لا تعترف بأخطائها، وتري جميع الأعطال التي أصابت شبكات ومحطات الكهرباء عادية، وقدرية، رغم تكراراها وانفراد وزارة الكهرباء بالحظ الأوفر منها بين دول العالم، بل إنها تغطي علي كوارث فنية متعلقة بإنشاء المحطات الجديدة، التي سأل عنها الرئيس، والتي وصلت إلي انسحاب جهات التمويل الدولية من تمويل بعض تلك المشروعات، مثل محطة كهرباء نويبع التي كان مقررا الانتهاء من إنشائها في مارس الماضي، لكن أخطاء فنية تسببت في اختيار الوزارة لموقع غير مناسب، وتعاقدها علي بناء المحطة عليه، قبل أن يتوقف كل شئ، بالرغم من إنفاق ملايين الجنيهات علي مشروع المحطة التي توقفت، والتي كان مقررا أن تساهم في زيادة إنتاج الكهرباء، وفي تغطية مناطق جديدة محرومة من الكهرباء. فشل إنشاء محطة نويبع، ومشكلات المحطات الحالية يجعل من إنشاء محطات الطاقة النووية لتوليد الكهرباء مطلبا وضرورة ملحة، وهو ما أكده خبراء الطاقة طوال السنوات الخمس الماضية، مطالبين بالمضي قدما في مشروع إنشاء المحطات النووية الذي توقف لأسباب مجهولة بعد إعلان الرئيس مبارك عن استئنافه في 2007، قبل أن يعود ليحسم الجدل حوله قبل عدة أيام، وبعد يوم واحد من سؤال الرئيس لوزير الكهرباء حول أسباب انقطاع التيار، وهو القرار الذي جاء علي خلفية تقارير فنية تلقاها الرئيس عن ظاهرة انقطاع الكهرباء في الفترة الأخيرة، وهو ما دفع مبارك لحسم الجدل الدائر حول موقع المحطة النووية المرتقب. وبحسب مصادر فنية بوزارة الكهرباء، فإن الرئيس تلقي معلومات تؤكد أن مصر مهددة بانهيار بنيتها التحتية في الكهرباء - شبكة الكهرباء القومية- بسبب تهالكها، وعدم قدرتها علي استيعاب الزيادة المضطردة في الأحمال عليها، وقالت المصادر: إن تجديد الشبكة القومية الموحدة للكهرباء، وإنشاء محطات نووية لتوليد الكهرباء هما السبيل الوحيد للإفلات من أزمة طاقة وكهرباء قد تشهدها مصر خلال السنوات القليلة المقبلة. وكشفت المصادر عن طلب الرئيس مبارك لتقرير فوري عن أسباب انقطاع التيار في الفترة الأخيرة، وعن حالة الشبكة القومية للكهرباء من الوزارة، وقالت: إن التقرير أكد للرئيس حجم الكارثة التي يمكن أن تتعرض لها مصر بسبب التأخر في بدء المشروع، ولذلك جاء قراره بالبدء الفوري في تنفيذه. الكارثة التي يمكن أن تتعرض مصر لها ليست متعلقة فحسب بمحطة نووية تعطلت لعدة سنوات من أجل مصالح مجموعة من المستثمرين، أو بمحطة كهرباء تعطل إنشاؤها لأسباب فنية، تسببت في رفض البنك الدولي لتمويلها، أو حتي بمشكلات مشاريع محطات الكهرباء ومحولاتها وخطوطها، لكن الأزمة الحقيقة في سياسة الاستسهال، والهروب من المسئولين التي أدت إلي انهيار قدرة الشبكة القومية للكهرباء علي استيعاب الأحمال الزائدة، مما أدي إلي انقطاع التيار بشكل شبه مستمر، وبمجرد ارتفاع معدل الاستهلاك بشكل عادي ويجب الاستعداد له في الأحوال الطبيعية، وليس في أوقات الطوارئ كما حدث؛ وإلا فإن سيناريو إظلام مصر جزئيا -كما حدث - أو «كليا» كما يمكن أن يحدث، قد يكون مطروحا طالما أن مسئولي وزارة الكهرباء غير مستعدين لزيادات الأحمال المتوقعة، ومستمرين في إلقاء اللوم علي المواطنين الذين ينسون إطفاء أجهزة التكييف.