أسعار اللحوم والدواجن والخضروات والفواكه اليوم السبت 4 مايو    ترامب وضع خطة لتسوية سلمية للنزاع في أوكرانيا حال وصوله للسلطة    حدث ليلا.. خسارة إسرائيل وهدنة مرتقبة بغزة والعالم يندفع نحو «حرب عالمية ثالثة»    بعد إيقاف تونس.. ما مصير مباراة الأهلي والترجي في دوري الأبطال؟    مانشستر سيتي يسعى للثأر من وولفرهامبتون في البريميرليج    تحذير من الأرصاد| اضطراب الملاحة وارتفاع الأمواج في البحر المتوسط.. ممنوع السباحة    اليوم، تطبيق أسعار سيارات ميتسوبيشي الجديدة في مصر    إسكان النواب: إخلاء سبيل المحبوس على ذمة مخالفة البناء حال تقديم طلب التصالح    تفاصيل التحقيقات مع 5 متهمين بواقعة قتل «طفل شبرا الخيمة»    الداخلية توجه رسالة للأجانب المقيمين في مصر.. ما هي؟    المطرب هيثم نبيل يكشف كواليس فيلم عيسى    وفاة الإذاعي الكبير أحمد أبو السعود.. شارك في حرب أكتوبر    إغماء ريم أحمد فى عزاء والدتها بمسجد الحامدية الشاذلية    دراسة جديدة تحذر من تربية القطط.. تؤثر على الصحة العقلية    الإسكندرية ترفع درجة الاستعداد القصوى لاستقبال أعياد القيامة وشم النسيم    إسماعيل يوسف: «كولر يستفز كهربا علشان يعمل مشكلة»    رسالة من مشرعين ديمقراطيين لبايدن: أدلة على انتهاك إسرائيل للقانون الأمريكي    صحيفة: ترامب وضع خطة لتسوية سلمية للنزاع في أوكرانيا    لو بتحبي رجل من برج الدلو.. اعرفي أفضل طريقة للتعامل معه    تشكيل الأهلي المتوقع لمواجهة الجونة    المحكمة الجنائية الدولية تحذّر من تهديدات انتقامية ضدها    مالكة عقار واقعة «طفل شبرا الخيمة»: «المتهم استأجر الشقة لمدة عامين» (مستند)    عيار 21 الآن بعد الارتفاع الجديد.. سعر الذهب والسبائك بالمصنعية اليوم السبت في الصاغة    دفنوه بجوار المنزل .. زوجان ينهيان حياة ابنهما في البحيرة    ارتفاع جديد.. أسعار الحديد والأسمنت اليوم السبت 4 مايو 2024 في المصانع والأسواق    مصطفى بكري عن اتحاد القبائل العربية: سيؤسس وفق قانون الجمعيات الأهلية    وكالة فيتش تغير نظرتها المستقبلية لمصر من مستقرة إلى إيجابية    37 قتيلا و74 مفقودا على الأقل جراء الفيضانات في جنوب البرازيل    صوت النيل وكوكب الشرق الجديد، كيف استقبل الجمهور آمال ماهر في السعودية؟    رشيد مشهراوي ل منى الشاذلي: جئت للإنسان الصح في البلد الصح    معرض أبو ظبي للكتاب.. جناح مصر يعرض مسيرة إبداع يوسف القعيد    جوميز يكتب نهاية شيكابالا رسميا، وإبراهيم سعيد: بداية الإصلاح والزمالك أفضل بدونه    حسام موافي يوضح خطورة الإمساك وأسبابه.. وطريقة علاجه دون أدوية    سبت النور.. طقوس الاحتفال بآخر أيام أسبوع الآلام    هبة عبدالحفيظ تكتب: واقعة الدكتور حسام موافي.. هل "الجنيه غلب الكارنيه"؟    مصرع شاب في حادث اليم بطريق الربع دائري بالفيوم    برش خرطوش..إصابة 4 من أبناء العمومة بمشاجرة بسوهاج    هييجي امتي بقى.. موعد إجازة عيد شم النسيم 2024    حازم خميس يكشف مصير مباراة الأهلي والترجي بعد إيقاف تونس بسبب المنشطات    عرض غريب يظهر لأول مرة.. عامل أمريكي يصاب بفيروس أنفلونزا الطيور من بقرة    سلوي طالبة فنون جميلة ببني سويف : أتمني تزيين شوارع وميادين بلدنا    250 مليون دولار .. انشاء أول مصنع لكمبوريسر التكييف في بني سويف    دينا عمرو: فوز الأهلي بكأس السلة دافع قوي للتتويج بدوري السوبر    أول تعليق من الخطيب على تتويج الأهلي بكأس السلة للسيدات    برلماني: تدشين اتحاد القبائل رسالة للجميع بإصطفاف المصريين خلف القيادة السياسية    توفيق عكاشة: الجلاد وعيسى أصدقائي.. وهذا رأيي في أحمد موسى    أحمد ياسر يكتب: التاريخ السري لحرب المعلومات المُضللة    كندا توقف 3 أشخاص تشتبه في ضلوعهم باغتيال ناشط انفصالي من السيخ    استقرار سعر السكر والأرز والسلع الأساسية بالأسواق في بداية الأسبوع السبت 4 مايو 2024    دعاء الفجر مكتوب مستجاب.. 9 أدعية تزيل الهموم وتجلب الخير    دعاء الستر وراحة البال .. اقرأ هذه الأدعية والسور    تقرير: 26% زيادة في أسعار الطيران السياحي خلال الصيف    عضو «تعليم النواب»: ملف التعليم المفتوح مهم ويتم مناقشته حاليا بمجلس النواب    «البيطريين» تُطلق قناة جديدة لاطلاع أعضاء النقابة على كافة المستجدات    طبيب يكشف سبب الشعور بالرغبة في النوم أثناء العمل.. عادة خاطئة لا تفعلها    أخبار التوك شو| مصر تستقبل وفدًا من حركة حماس لبحث موقف تطورات الهدنة بغزة.. بكري يرد على منتقدي صورة حسام موافي .. عمر كمال بفجر مفاجأة    «يباع أمام المساجد».. أحمد كريمة يهاجم العلاج ببول الإبل: حالة واحدة فقط بعهد الرسول (فيديو)    المفتي: تهنئة شركاء الوطن في أعيادهم ومناسباتهم من قبيل السلام والمحبة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هيكل: مصر عادت إلى مدنيتها فى 2013.. و«بلاوي» في انتظار رئيس مصر القادم

مصر تواجه وضعًا حرجًا لم يسبق لها أن واجهته فى العصر الحديث

كيرى قال إن واشنطن كانت ترغب فى تولى عمر سليمان حكم مصر لا الإخوان

السادات قطع على نفسه عهدًا بتصحيح أخطاء «كامب ديفيد» إذا تم انتخابه لفترة رئاسة ثانية

تصرفات المجلس العسكرى السابق أوحت إلى أمريكا بأن القوة الوحيدة المنظَّمة بمصر هى الإخوان

أفكار التكفير والإرهاب لا تموت بسرعة.. ولا حَمَلة هذه الأفكار يختفون ببساطة

تبدو المنطقة العربية حبلى بالأزمات والصراعات على فوهة بركان، تتشكل غيومه فى سمائها ومؤشراته تتفجر بين فينة وأخرى تبعًا لحسابات الربح والخسارة والتوهُّم بتحقيق النصر واختلاط الأوراق على كل المحاور، وبعد تسونامى عاصف فى منطقة أنهكتها سياسات أنظمة مهترئة وبعد ثورات تحرير الإرادة بموجاتها يبدو أن المنطقة تعيش على حطام وركام من الفوضى. فى حواره الممتد «مصر أين؟ ومصر إلى أين؟» حول سنة المصير 2014 مع الإعلامية لميس الحديدى على فضائية «سى بى سى» وفى رؤيته الاستشرافية لمنطقة عجوز يحاول شبابها رفع ركام الماضى نحو عالم جديد متجدد يتحسس ملامحه نحو شكل جديد وملامح لقيادته خلال الفترة المقبلة، حسب الأستاذ، وبين رهان الغرب وطموحات القوى الصاعدة، بين هذا وذاك يحاول الأستاذ فى الحلقة التالية أن يزيل الخلط والالتباس بين إرادة وطمع القوى الكبرى وإرادة الشعوب وركام التصادم، يُخرِج الكاتب الكبير نور الأمل فى نفق طويل.. إلى نص الحوار:

■ فى الحلقة السابقة حاولنا قراءة كيف ينهى عام 2013 إطلالته على المنطقة، وفى هذه الحلقة نسأل 2014 كيف سيكون شكل العالم؟

- لا ينبغى باستمرار، وإعمالًا لعبارة تفاءلوا بالخير، ويحرجنى كثيرًا ويشعرنى بالخجل أن أبدو أمام الناس دائمًا كأنى لست متفائلًا، وأنا فى حقيقة الأمر متفائل، لكنى أعتقد أن تفاؤلى ممتدّ إلى ما بعد اللحظة الراهنة بمعنى أنى أرى أننا فى العالم وخلال هذه الفترة نواجه وضعًا لم يسبق لنا أن واجهناه فى العصر الحديث باستمرار، وقد أشرتِ إلى ذلك النظام الدولى باستمرار كان به قوى تنظمة، ولو قلنا إن العصر الحديث بدأ فى القرن 15 وبظهور أمريكا واكتشافها تضاعف العالم مرتين وأصبح هناك عالم واحد عالم سياسى شاطئه محيط الأطلنطى وباستمرار فى هذه الفترة كان النظام الدولى ورغم أنه لم يكن نظامًا دوليًّا بمعناه الحقيقى لكن كان هناك نوع من النظام الدولى، كانت هناك الإمبراطورية البريطانية تنظم الأمور لأن العالم باستمرار يحتاج إلى قوة، ولن أقول مسيطرة وليست أقوى ولكن إلى حد ما يحتاج إلى دولة أو مجموعة من الدول تقوده نوعًا ما لاعبة دور الحكم بشكل أو بآخر وبالتالى الإمبراطورية الإنجليزية قامت بهذا لقرنين، وبالشراكة مع فرنسا أضافت إليه قرنا آخر بتحدى ألمانيا وقوى جديدة مثل اليابان إلى حد ما بدأ يكون هناك نوع من التحدى، لكن ظل نظام الإمبراطورى بشكل ما به مرجعية تدخل فى التوقيت المناسب تقوم بتسوية النزاعات وتقوم بفرض نوع من النظام ثم دخلنا إلى العصر الذى انضمت فيه أمريكا ودخول أمريكا أحدث تغييرًا كبيرًا على الساحة الدولية لأنك فى هذه اللحظة دخلتِ بموارد ليس لها حدود ودخلتِ بقوة متجددة وهى قادرة وتبدو أنه بها أمل وبالتالى وبشكل أو بآخر كان هناك فى فترة ما بين الحربين العالمية الأولى والثانية كان هناك إنجلترا وفرنسا بقايا إمبراطورية سابقة وأمريكا موجودة ولو كان من بعيد ثم جاءت الحرب العالمية الثانية وظهر نظام مختلف نظام الأمم المتحدة وتخيلنا أن تجربة الحظ تعطينا من العقل ما يسمح بقيادة جماعية للعالم لكن لم يحدث وخرجنا من الحرب بخمس دول دائمة العضوية، لكن فى الواقع كان هناك قوتان: الاتحاد السوفييتى والولايات المتحدة وبشكل ما التوازن بينهما أحدث شيئًا ثم دخلنا إلى مرحلة سقوط الشيوعية وخروج الاتحاد السوفييتى من معادلة القوة ولو مؤقتًا وحلول روسيا محله حتى انفرط هذا التوازن وكنا نعرف طرفيه بشكل دائم فى فى أثناء الحرب الباردة ثم جاءت مرحلة السيادة الأمريكية والتصور بوهم أن قوة واحدة تقود العالم ثم نفاجأ الآن أن القوة الأمريكية التى كانت متصدية لقيادة العالم على طريقتها وأسلوبها وبكل ما نعترض عليه أو نوافق عليه يأتى اليوم وقد اتخذت قرارًا استراتيجيًّا أنها لا تستطيع، وبالتالى أنت أمام عالم ولأول مرة بلا قيادة أو مايسترو، وهذا سيتضح فى عام 2014 لأن القرار بانسحاب أمريكا من دور القيادة أو إذا صحّ التعبير من دور المنظم لشؤون العالم وجئنا لفترة الربيع الماضية بعضنا انتبه والآخر حذر لكن لم نأخذ فى اعتبارانا أن ثمة اجتماعات تعقد حول إعادة النظر وكثير فى العالم لفتوا النظر إليها منهم الكاتب الكبير بول كيندى فى كتابه حول ظهور وسقوط الإمبراطوريات فهى شأنها كإمبراطورية شأن أى مشروع حتى لو قلنا تجارى أو اقتصادى عندما تزيد تكاليفها عن أرباحها لا بد أن تفكر بشكل ما والأمريكان بعقلية عملية جدًّا وجدوا أن تكاليف الدور القيادى فى العالم لا يمكن أن تُحتمل بالنسبة إلى الأمريكان، الإنجليز انتظروا حتى تعرضوا للأذى فى السويس والفرنسيون انتظروا حتى مُزقوا فى شمال إفريقيا وفى فيتنام، لكن الأمريكان كان لديهم حذر المغامر الذى يتمتع به التاجر الشاطر عندما أدرك عند لحظة معينة أنه لا يستطيع أن يكمل هذا الدور، يريد أن يبقى فى العالم وينتظر دولة كبرى لكنه لا يستطيع أن يتحمل مسؤولية القيادة.

■ متى كانت هذه اللحظة يا أستاذ؟

- أنا أظن ونشعر بهذا أن التراجع لم يبدأ دفعة واحدة حيث استغرق وقتا طويلا جدًّا لو أخذنا قائمة الرؤساء سأقول لك متى تراجعوا. أظن أن ذروة الإمبراطورية الكبرى كانت فى عهد إيزنهاور بعد الحرب العالمية الثانية، هناك قائد له دور مرموق فى الحرب حيث قاد كل جيوش الحلفاء فى أثناء الحرب وخرج منها فى صورة بطل على الأقل منتصر وقيمة إيزنهاور ليس كقائد عسكرى بارع فقط لأنه كان هناك قادة عسكريون أهم وأكثر منه لكن القيمة هنا أنه رجل قادر على أن يقود تحالفًا، بمعنى أنه قادر على أن يخلق موازين قوى بين أطراف يقودها جميعا إلى هدف آخَر فجاء حاملا كل «البرستيج» الذى اكتسبه فى الحرب العالمية الثانية لكنه دخل وأنا حضرته وهو يتحدث مع عبد الناصر سنة 60 وهو يقول له إنه لم يدرك أن السلاح النووى أحدث تغييرًا أسياسيًّا فى العالم، كنت أعتقد بالنظرة التقليدية أن السلاح النووى هو مدفعية ثقيلة لكن اكتشفت حجم الرعب واستحالة الحرب عندما أصبحت مسؤولًا عندما أطللت على الصورة كاملة بكل جوانبها بأكثر مما يستطيع أن يطل عليه قائد عسكرى، لكن إيزنهاور بهذا البرستيج والقوة المتراكمة للولايات المتحدة دخل وهو نوعا ما مستقر، وأعطى نوعًا من الاستقرار لأمريكا لكنها كانت زائفة لأن العالم كان يتغير وأوربا كانت قد بدأت فى الاستيقاظ. التحدى يزداد أمام الاتحاد السوفييتى، سباق السلاح مستمر، وأنا أتذكر يومًا ما لن أنساه مع الجنرال ديجول وقد أخبرنى بهذا عندما كان معترضا على سباق السلاح لأنه وفقا لإيزنهاور هناك طرفان نويين فى تصاعد ولا بد أن يكون هناك حد لأنه قد يستمر التصاعد بأكثر مما قد يحتمله الطرفان أو العالم أجمع، فلا بد لكل طرف أن يكون مستعدًّا عند الدرجة القصوى لكى يردع الآخر، فديجول يقول لى إن الولايات المتحدة ستقضى على الاتحاد السوفييتى وإنهم بالتأكيد سيجهزون عليه وسوف تنتهى التجربة الشيوعية وستكون أهدافها مختلفة، بدلًا من رفاهية الشعوب ستكون الأولويات هى التسلح شاءت أم لم تشأ، ونحن سوف نُضطرّ أن نقوم بجزء من هذا بعد الاتحاد السوفييتى، سوف نواجه متاعب وهم أيضًا (يقصد الأمريكان) سيواجهون قدرًا أكبر من المتاعب.

■ فكانت قمة مجد الإمبراطورية فى عهد إيزنهاور؟

- نعم، كانت القمة أو الذروة، وكان هناك الحلم باستمرار لكنه ظل نائمًا، وجاء رئيس أيقظ الحلم.

■ تقصد كنيدى؟

- بالضبط، ومنح الحلم الرومانسية، وأنا أعتقد أن الصعود أو الكبير إن صح التعبير بعد الحرب العالمية الثانية، لكن رغم أنه لا يوجد فى حقيقة الأمر لحظة معينة يمكن من خلالها أن ترصدى قوة تتآكل إلا إذا كان هناك تغير دراماتيكى على الساحة، جاء كنيدى وبدأ فى مرحلة التبشير بالحدود الجديدة وأن مفتاح هذا هو التكنولوجيا والتطور معتقدا أن ذلك قد يساعد الإنسانية أن تبلغ ما لم تحلم به طوال حياتها، ومن حسن حظ كنيدى أو غير ذلك أيًّا كان جاء بمجموعة من المفكرين فى هذا الوقت أعتقد أنهم يتمتعون بدرجة كبيرة من الأهمية وقاموا بعمل ما يسمى رؤية لأمريكا وبالتالى كانت هناك رؤية لأمريكا ورجل قادر أن يأخذ الحلم بيده لأمريكا وقادر أن يبيع هذا الحلم بصورة فى البداية هى شاب وبجواره سيدة جميلة ومجموعة من المثقفين ممن هم فى عداد أفضل مُخرَجات أمريكا وبدت الصورة أمام العالم كأنها خيالية وكأنها خرجت من هوليوود، وأعتقد أنه هنا فى هذه الحجظة أن الحلم الأمريكى أخذ يتحرك بشكل كبير دون أن يدرك أحد أن هذه هى النقطة الفاصلة وهى اغتيال كنيدى.

■ مثّل هذا اغتيالا للحلم الأمريكى؟

- أنا أعتقد أن هذا الحدث ونفس الرصاصتين اللتين أصابتا رأس كنيدى وتم تفجير مخه على فستان زوجته تقريبًا أعتقد فى هذه اللحظة أن الحلم الأمريكى تلقى بشكل أو بآخر ضربة فظيعة. أمريكا بشكل ما فقدت ثقتها بالحلم حيث مكثت مع الحلم لفترة طوية وإذ فجأة يكون هناك كابوس مزعج من الرصاص والدم والناس لم تكُن مستعدة لهذا كله حيث كانت مستغرقة فى الأمل وبواعثه تبدد الحلم لأننا إذا أخذنا قائمة كل رؤساء الولايات المتحدة منذ هذا الوقت حتى الآن مثلًا جاء جونسون نائب كنيدى جاء بعده حيث أغرقته حرب فيتنام بجانب أن شخصية الرجل وأحيانًا ونحن نحكم على الناس نقوم بهذا فى التصرفات الصغيرة لأنها تكشف الأشخاص والشخصيات بأكثر من التصرفات الكبيرة حيث يظهر هنا نوعية الإنسان، جونسون اشتهر بقضية «ويلر أند ديلر» وكان رجلًا عاقدًا للصفقات وكان يكره كنيدى رغم كونه نائبه، والطريقة التى تعامل بها بعد الاغتيال لا تزكيه كثيرًا بجانب وجود حساسية مفرطة لدى أطراف كثيرة ودائمًا وطول الوقت لدىَّ مشهد روته سكرتيرته التى نامت وهى فى رحلة ترافقه فى غرفتها ثم وجدت فجأة شخصًا ما يدفع نفسه داخل الفراش وهى فى حالة من الفزع، وعندما رأته قال لها «اهدئى يا جميلة، هذا رئيسك». مثل هذه المشاهد الصغيرة، وقد تبدو ذلك، لكنها كاشفة ومهمة فى رؤية أصحابها كثيرًا، لكن فى نهاية الأمر وصلت الأمور إلى مداها معه حتى إن حرب فيتنام ساعدته أن ينكشف. الكارثة الكبرى أنه بعد جونسون جاء نيكسون بقضية «ووتر جيت» وعُزل أيضًا. عندما أجد كثيرين فى عراك وصدام وأنا أنظر إلى الدكتور مرسى وأطالع «ووتر جيت» وأتحدث عن الرئيس مرسى وهو ليس موجودًا الآن -خفّف الله عنه- ما زلت أذكر ذلك اليوم الذى وقف فيه وأعلن قطع العلاقات مع سوريا واليوم الذى وقف فيه وتحدث فى مؤتمر مفتوح على الهواء مباشرة يتحدث فيه عن ضرب سد النهضة، وأنا أرى ما فعله الرئيس السابق مرسى يفوق فى جلله ما حدث فى فضيحة «ووتر جيت» التى كذب فيها نيكسون على الكونجرس، ورغم أن كل الساسة يكذبون فأن يكذب ويُضبَط متلبسا بكذبه تكون هنا الكارثة، ثم جاء فورد وكان نائبًا مهمًّا فى الكونجرس وفى وقت من الأوقات كان زعيم الأغلبية فى الكونجرس فى عهد جونسون وكان يقول عنه إن فورد لا يحسن أن يقوم بعملين فى ذات الوقت وكان رجلًا محدود الذكاء وجاء كارتر الذى لم يكن مستعدًّا وكان شخصية ضعيفة جدًّا ودخل التاريخ.

■ وكان معه كيسنجر فى هذا الوقت؟

- نعم، حيث كان كارتر ديموقراطيًّا وكيسنجر جمهوريًّا، ثم جاء ريجان.

■ لكنى أريد هنا أن أقف عند كارتر، وقد أحدث كارتر فى التاريخ إنجازًا فى اتفاق السلام وغيره؟

- أريد أن أقول شيئًا، اتفاق السلام لا يعتبر إنجازًا.

■ دوليًّا على الأقل؟

- المجتمع الدولى لا يأخذ بالتصرفات أو الخطوات الدعائية. مشكلة الشرق الأوسط لا تزال قائمة، بل تزداد تعقيدًا، وسيناء شاهد على ذلك، وأنا لا أريد أن أعرج على كامب ديفيد لكنى لا أعتقد مطلقا أنها إنجاز وأعتقد أن كارتر أضر بالرئيس السادات كثيرًا والرئيس السادات اعتمد على أنه سيجرى انتخابه لفترة أخرى وأنه سيعوّضه عمَّا أعطاه من تنازلات فى الفترة الانتخابية الثانية وأنا أعتقد أن جزءًا من دم السادات على كاهل كارتر نفسه لأنه ضغط عليه أكثر من اللازم وأخرجه من عباءة مستشاريه حيث إنهم جميعهم كانوا ضده لكن الرجل قامر وجازف على أساس ثقته بكارتر وهو رجل لم يكن يستطيع أن يحقق الوعود التى قطعها على نفسه للرئيس السادات ولا يستطيع أن يضمنها.

■ وانتهت ولاية كارتر بأزمة الرهائن؟

- انتهت بأزمة الرهائن الأمريكية فى إيران، وأنا حضرت هذه الفترة، وفى نفس الفترة إدارة كارتر أرسلت إلىّ فى لندن وطلبت منى أن أكون ضمن المتوسطين لأنى أعرف الخومينى.

■ وبالتالى تعتقد أن هذه هزيمة أخرى وكارثة أنهت ولاية كارتر دون انتخابه مجدَّدًا؟

- نعم أعتقد أنها كارثة أخرى، ثم إن الرئيس اللاحق رونالد ريجان مثّل لأمريكا مشهد بلد يفتقر إلى رئيس حقيقى فجاء ممثل ليقوم ويؤدِّى دور الرئيس، وعندما أقرأ يومياته لا أجد أكثر سطحية من هذا لكن على أى حال ليس شخص الرئيس، فهناك ناس وضعوا شخص الرئيس فى الواجهة وأداروا البلاد بشكل أو بآخر.

■ لكن ريجان انتُخب مرتين وأنعش الاقتصاد بشكل كبير؟

- جيد، أريد أن أقول إن ريجان انتُخب لمرتين، لكن المشكلة ليست إلا التنازل وضعف الرؤساء الأمريكان، وسوف أتحدث فى هذا لاحقًا أن وسائل الإعلام دخلت فى هذا الوقت وقامت بدور كبير عندما أصبحت الحملات الانتخابية تزيف، وسأقول لك شيئًا حتى إيزنهاور التليفزيون فى عصره وكنت أقوم بتغطية حملته الانتخابية، كان الرئيس يقف فى السيارة الأخيرة ويقف فى كل محطة ملقيا بنفس الخطاب حيث لم تكن هناك جاهزية لبيئة الاتصال والتلفاز وقتها لكنى لأول مرة أشعر بتأثير التليفزيون وعصره، فإيزنهاور بالنسبة إلىّ هو قائد الحرب وكانت سيارته الرئاسية فى القطر ومر على سيارة الصحفيين وفوجئت أن الرئيس الأمريكى أمامى بهيلمانه أن كمية المكياج كبيرة جدًّا والروج حتى أحد الصحفيين الكبار بجانبى وقتها ملقب برودج وأتذكر أن كل الصحفيين وقتها استنكروا المشهد وهم جميعهم من الصحفيين الأجانب حيث كانت السيارة مخصصة لهم وأنا كنت متعجبًا أن أرى قائد الجيش يضع هذه المساحيق على وجهه ولم تكن هناك تطورات كبيرة فى الإضاءة التليفزيونية وقتها لكن فى عهد ريجان كان ممثلا مقتدرا ومثل دور الرئيس، ولو ترى كل الأقوال التى نسبت إليه أشياء غير ممكنة تحتاج إلى كثير من الكلام ثم جاء جورج بوش وأعتقد أنه كان محتمَلًا أن يكون رئيس بمعنى الكلمة لكن واجهته مشكلات كثيرة جدًّا، ولا بد أن نعلم أن كل ما قبل أى رئيس يطارده شاء أم لم يشأ ولذلك أنا أخشى على الرئيس القادم لمصر سيجد أمامه بلاوى متراكمة على كاهله، ثم بيل كلينتون الذى قضى فترته بفضيحة مونيكا بيد أن فترة رئاسته التى صادفت التصويت بعزله من الكونجرس شاءت الأقدار أن تكون قبل نهاية الفترة بشهرين فقط ولذلك أتمّ رئاسته.

■ لكنه انتُخب مرتين وشعبيته كانت عارمة؟

- أريد أن أقول إن كلينتون -وهذه شهادة برنامجه الداخلى- كان لا بأس به لكن كلينتون كان لديه مشكلات ضعف إنسانى وتذكرى دائمًا أنه لا يعرف من أبوه، حيث إن اسمه هو ذلك الرجل الذى تزوج أمه، هى مشكلات لا يليق أن نخوض فيها.

■ جورج بوش الابن وعصره؟

- جورج بوش شهد كثيرًا من الكوارث فى عصره ليس لها حدود.

■ لكن رغم ذلك أمريكا كانت الشرطى الأول فى العالم؟

- لا، هى بالفعل حاولت القيام بدور الشرطى فى عهده لكنها قامت به كدور بلطجى، مثلا ما حدث فى العراق وأنا قرأت محاضر مجلس الأمن القومى بعد أن أزيح عنها الستار أحد مستشاريه يقول له: الذرائع المسوقة لغزو العراق ليست كافية؟ وهذا مدون فى محاضر رسمية، رد بوش قائلا: «هذا الرجل حاول أن يقتل والدى»، لكن عندما ترين الطريقة التى أدار بها بوش سياسته الخارجية سنجد أن فيها غريبة وكارثة سبتمبر، وكان بعد عام من بدايته وهو على أية حال لم يكن مستعدًّا.

■ لكن هناك أفغانستان والحرب على الإرهاب؟

- والعراق.

■ كان شرطى العالم؟

- دور الشرطى السيئ ليس دورًا، أنا أريد دورًا معينًا فى السياسة الدولية دائمًا نحتاج إلى دور حكم أو قاضٍ أو مايسترو، هل نحتاج إلى هذا الدور أم نحتاج إلى صوت يصرخ ويقوم بأشياء أخرى؟ المايسترو يحل المشكلات فى العالم ويقوم بدور التدريبات حتى ويحدِّد دور الأشخاص وحدود الأدوار بشكل أو بآخر، لكن أنت أمام شخص مع الأسف الشديد تصرف بشكل غير مقبول.

■ وصولًا إلى أوباما؟

- أنا أعتقد أن أوباما مثل تجربة بحث الولايات المتحدة عن شىء جديد يبدو أمام العالم كبداية طازجة تعطى أملا أن المجتمع الأمريكى يستعيد روحه فى المساواة بين الناس وإقامة العدل فى الإقدام حيث اختاروا رئيسًا من خارج السياق، ولا بد أن نواجه الأمور بصراحة، وعندما تحدثت وقلت لا تعقدوا أمالًا كبيرة على أوباما.

■ لكن هذا كان الرئيس الحلم، أول رئيس أسود؟

- لم يكن حلمًا، هناك فارق كبير بين الحلم وتزييف الحلم، وفى أوباما كنا أمام تزييف الحلم، دائمًا لا ينجح إلا ما هو داخل السياق لا ينجح إلا شخص يريد أن يقود حقيقة وأن يكون لديه إجماع، أنا أعرف والكل يعرف أن أوباما قادم من أقلية سوداء لا تمثل أمريكا بعيد عن الواقع، وحتى نتحدث عن رئيس أمريكى لا بد أن نتحدث عن شخص يمثل الواقع أن يستجمع كل عناصر القوى الأمريكية التمييز العنصرى فى الولايات المتحدة الأمريكية لا يسمح بأن يكون هناك رئيس أسود يقود من الممكن أن يدير لكن كلمة يقود كبيرة.

■ لكن خلال كل هؤلاء الرؤساء؟

- خلال كل هؤلاء الرؤساء أعتقد أن هناك هبوطًا فى مشروع الإمبراطور الأمريكى، أعتقد أنه فى ضوء النتائج التى وصلت إليها بالشعبية التى تراجعت حتى مجلس الوزراء هناك شكاوى كثيرة أن بعض الوزراء لا يهتم حتى بالبيت الأبيض، وهذه خطيرة.

■ وكان لهذا تأثيرة بالتأكيد على الشرق الأوسط، هل لم يعد الشرق الأوسط فى بؤرة الاهتمام؟

- ما حدث فى إعادة التقييم أنهم أحسوا أنه سواء تناقصت قوتهم أو بعض البلاد تزايدت قوته أنهم فى حاجة إلى إعادة التقييم.

■ هل التكاليف كانت باهظة؟

- التكاليف كانت مرتفعة بجانب أن الاقتصاد تَأثَّر بهذه التكاليف والعجز فى الميزان التجارى يتفاقم، أنت تتحدثين عن بلد دخل مغامرة العراق وهو يتصور أن موارد العراق قد تكفى لتغطية تكاليف الحملة لكن التكاليف تخطت تريليون دولار، فأمريكا أُرهِقَت واستُنزِفَت فى حروب لا معنى لها بشكل أرهقها فى الوقت الذى نمت فيه قوة أخرى كبيرة وضخمة مثل قوة الصين وقوة الهند تزداد وقوة أوروبا وتحديدا ألمانيا تظهر، هناك تغيير بشكل ما، وبالتالى وبنظرة عملية أمريكية بدأنا نتابع أو نحاول أن نتابع فى ربيع هذا العام أن هناك إعادة تقييم موقف جارية.

■ لكن كان يبدو أن اليد الأمريكية تتدخل فى الربيع العربى؟

- أليس غريبًا ونحن نتحدث عن خطتين متوازيتين إحداهما تقوم بها تركيا والثانية تقوم بها أوروبا على شمال إفريقيا وهذا معناه أن القوة الأمريكية كانت تهندس لغيرها أن يعوض غيابها.

■ بالوكالة؟

- أنتِ لمستِ صميم المشكلة الأمريكية، فالتجربة الأمريكية كان بها ثلاثة أشياء أساسية أولها الاستيلاء وثانيها التوظيف بمعنى أن يقوم آخرون بعمل ما تريدين، ففى الحرب العالمية الأولى والثانية أمريكا كانت ترغب فى هزيمة ألمانيا وجاءت متأخرة، جاءت فى الأولى عام 17 ورحلت 18 بينما إنجلترا وفرنسا بدأتا تحاربان فى عام 14 فى الحرب العالمية الثانية إنجلترا وفرنسا تحاربان منذ 39. أمريكا وصلت نهاية 41، أما الشىء الثالث فى التجربة الأمريكية فهى الاستخدام غير المباشر لآخَرين سواء تستأجر أو توظف فى تحقيق أهداف أمريكية.

■ هل فقدت الولايات المتحدة الأمريكية اهتمامها بالمنطقة رغم أنها تبدو متدخلة جدًّا عندما تعلق على قضية ولا تتركها على كل نفس على كل مظاهرة؟

- ضعى فى ذهنك أن منطقة الشرق الأوسط منذ الحرب العالمية الثانية كانت هى موضع الصراع ومن قبلها حتى إننا نستطيع أن نقول إن منطقة الشرق الأوسط هى المنطقة الوحيدة التى لم تمتلئ بقواها الذاتية، مثلا الشرق الأقصى ظهرت الصين والهند واستطاعوا أن يملؤوا هذه الفراغات أوروبا لا يوجد أمريكا اللاتينية بدأت تعدل أمورها وكانت إلى وقت قريب مثلنا تمامًا وظهرت قوى جديدة تقوم بتعبئة هذا الفراغ مثل البرازيل والأرجنتين ومع الأسف الشديد فإن منطقة الشرق الأوسط ظلّت هى المنطقة الوحيدة المفتوحة وكل الحروب التى خاضتها الولايات المتحدة بغض النظر عن كوريا أو فيتنام.

■ كانت فى الشرق الأوسط؟

- كانت كلها فى الشرق الأوسط، أفغانستان وباكستان والعراق وسوريا، وقولى ما تشائين، والمعركة التى خضناها فى السويس فى عام 67 كانت موجودة فى هذه المعارك ولأهدافها، وبالتالى فالشرق الأوسط كان موقع موقعة القرن، وهذا الوصف فى حقيقة الأمر ليس لى ولكن للكاتب ألين دالاس رئيس المخابرات الأمريكية فى ذلك الوقت، ومشهور جدًّا، فأرض المعركة لم تفقد اهتمامها لكن ببساطة لو نظرنا إلى كلام سوزان رايس مستشارة الأمن القومى للرئيس وهى تحاول أن تشرح لماذا إعادة التقييم فى هذا الوقت.

■ هى مستشارة الآن؟

- نعم، وهى التى دعت وألحَّت على أن الأمور الراهنة تقتضى إعادة تقييم فهناك حقائق كبيرة ضالعة فى العالم تحتاج إلى تقييم وهناك موارد كثيرة تم استنزافها، ينبغى لأى رئيس أمريكى أن يعمل حسابها وهذا ضمن العوامل التى جعلت الرئيس أوباما يتراجع عن ضرب سوريا وعودة لسوزان رايس وهى تقول «الشرق الأوسط مهم ولكنه ليس المنطقة الأهم فى العالم حيث لم يعد يستحق أن نجعل جل اهتمامنا به فهناك أماكن وأجزاء كثيرة من العالم نواجه فيها تحديات كبيرة وينبغى أن نلتفت لها مع اهتمامنا بالشرق الأوسط لكن هناك شىء غريب جدًّا أمامنا من دخائل ما جرى فى عملية التقييم لو رأينا التسريبات أول شىء أحدهم فى مجلس الأمن القومى يقول لكِ وهو من رؤساء أركان الحرب يقول لكِ حيث إن أمريكا تقريبا حققت أهدافها فى المنطقة.

■ وهو؟

- نحن كنا نتحدث عن أمن إسرائيل وعن موارد البترول. إسرائيل لم تكن مؤمنة كما هى مؤمنة الآن بسبب انفكاك العالم العربى على الأقل وقوتها تتزايد ثم موارد البترول وهى موجودة لكن لم يعد له هذه الأهمية الاحتكارية الموجودة وعلى أى حال أمريكا مستغنية عن الطاقة الشرق أوسطية من أول 2014. الأمر الثالث وهو أكثر وصف آلَمَنِى وهو قائد قال لم يبقَ فى الشرق الأوسط شىء لأن آخر جزء من الليمونة تم عصره.

■ قاموا بعصرنا مثل الليمونة إلى الآخر؟

- نعم، وبالتالى ومع الأسف الشديد هذه الاعتبارات لا بد أن نضعها فى أذهاننا فعبر التاريخ فى وقت من الأوقات كانت الوطنية تهددها فى المنطقة رغبة كل بلد فى الاستقلال ثم جاءت القومية العربية ثم بعد ذلك ونحن أنفسنا تولينا أن نقوم بهدم أشياء كثيرة جدًّا بأنفسنا ونحن تحدثنا فى الحلقة الماضية ما بواعث قلق الولايات المتحدة وسط هذا الركام الذى تعيشه المنطقة. من الممكن أن يقلقها دخول روسيا لكن عليكِ أن تعلمى أن بواعث روسيا وهى داخلة مرتبطة بثقافة الماضى وهناك أشياء لا بد أن نتنبه له أولًا، وأنا أتحدث عن السياسة الخارجية ألتمس العذر دائمًا لأى وزير خارجية قادم فى 2014 وأعذر أيضًا كل طاقم الأمن القومى الموجود لأنكِ سوف تواجَهين بعالَم يعلم أولًا أن قواكِ تم استنزافها وهناك إحساس سائد فى أوروبا فى كل مكان ورأيته صحيحًا لم يقُله أحد لى صراحة أو بغلاظة فهم يحاولون أن يكونون أكثر هدوءًا على الأقلّ معى فهم يقولون «أنتم لا يمكن لأحد أن يثق بكم».

■ وبعد ما حدث مع روسيا قديمًا؟

- ليست روسيا فقط وكل ما يمكن أن يتصور فنحن أهملنا أوروبا وتعاملنا معها كمحطة فى النهاية للوصول إلى الولايات المتحدة الأمريكية.

■ قبل أن نتحدث عن الأدوات الجديدة، هل يعنى هذا أن الصراع العربى الإسرائيلى حُسِم؟

- الصراع العربى الإسرائيلى لم يُحسَم بعد لكن أظنه فى التبريد العميق. ما الباقى من الشعب الفلسطينى؟ الشىء الوحيد المهم الباقى من الشعب الفلسطينى شيئان أساسيان هما هذا الشعب الذى يحمل حلما لم يمت ولن يموت لأنه وطن وهذا أول ضمانة. الشىء الثانى أعتقد أن مصر مطالبة بأن تتجه صوب الشرق وأن تخرج صوب المشرق ورفض أى عزلة توضع عليها فى أى وقت بحقائق الجغرافيا بحقائق التاريخ بحقائق المستقبل مصر لا يمكن أن تعيش فى عزلة عن العالم العربى فمصر التى تواجه أزمة اليوم من يساندها هو العالم العربى فقط.

■ لكن وقبل أن نعرج على الأدوات لكن الضغوط الأمريكية ممثلة فى ضغط كيرى؟

- كيرى أمر آخر، ورغم كل أطروحاته فإنه ضمن هذه الأمور فإن الإخوان المسلمين كانوا ضمن أدوات الاستحواذ مع الأسف الشديد فى وقت من الأوقات لكن كيرى حتى لا نبتعد عن الموضوع فكيرى عندما اكتشفوا أخطاء الاعتماد عليهم فإن كيرى يسعى للتبرير أو على الأقل بدؤو يكتشفوا أنهم غير قادرين على السلطة على الأقل رغم وجود عناصر أخرى لا يزالون يتحدثون عن أشياء أخرى حتى الآن وعرفوا أنهم غير قادرين على مستقبل وغير قادرين على أشياء كثيرة جدًّا وبالتالى فإن كيرى سواء فى أوروبا أو غيرها يشرح ويقول ما حدث فى يناير فاجأنا وفاجأ كل الناس ونحن كان لدينا خطة بالفعل للإرث لكنها لعمر سليمان وليست للإخوان.

■ يا سلام!

- أريد أن ألفت نظرك أنهم بالفعل كانو يرون ذلك وبالفعل أسامة الباز فى 2005 أخذ معه جمال مبارك حتى يريه للسيدة كونداليزا رايس وأبدت الإعجاب بعض الشىء لكنهم فى النهاية فوجئوا بخمسة وعشرين يناير وأن هناك ثورة بلا قيادة أو فكرة فكانت مشكلة كبيرة جدًّا ثم تصرفوا ووجدوا ضمن تصرفات المجلس العسكرى السابق ما أوحى بأن القوة الوحيدة التى تبدو منظمة ومتماسكة فى المنطقة هى جماعة الإخوان المسلمين وكان هناك أشخاص مثل طنطاوى لم تكن قادرة حتى على التصور أنهم سوف يسلمون البلد للإخوان لكن رأى فى لحظة أنكِ أتيتِ بأناس محسوبين على التيار الإسلامى أو لهم ميول إسلامية بعضهم جيدون وبعضهم غير ذلك وهذا ساقنا إلى تدجيلات دستورية للمواد الستة التى تحولت فى أتون الأحداث إلى استفتاء بين المتدينين وغير المتدينين، وهم يقولون نحن لم نختَر لكننا وجدنا الأمور فى مصر تسير نحو هذا الاتجاه فسايرنا هذا الاتجاه.

■ بعيدًا عن تدخلات الإخوان لو عدنا إلى الأدوات الجديدة استخدام الآخرين فى الحكم أو التدخل؟

- استخدام الآخرين ضمن منطق الاستحواذ موجود موجود ضمن الثقافة الأمريكية منذ أول يوم بمعنى أنه دون أن نعود للمقولات الموجودة قديما منها أنه أولًا فإن الولايات المتحدة تم الاستيلاء عليها من الهنود الحمر وتم طردهم ثم بنيت أمريكا بعضلات العبودية السوداء ومن استولى على النتائج قام بالاستيلاء على شىء آخر وبالتالى فإن فكرة الاستحواذ أو الاستيلاء أوة توظيف الآخرين موجودة ضمن الثقافة الأمريكية حتى فى التأخر فى الحروب والمجىء إليها متأخرا اعتمدت على توظيف الآخرين وعمليات التهيئة قبل المشاركة فيها لكن هنا والأمريكان قوتهم تضعف وهناك شىء فى الديموقراطية الأمريكية وهو أننا دائمًا نعزى ما يحدث فى الولايات المتحدة إما لصلافة الإمبراطورية أو غير ذلك، هناك بُعد آخر، اخرجى من نيويورك ولوس أنجلوس وادخلى إلى العمق الأمريكى فى الولايات الأخرى فنحن نتحدث عن ولايات أسست بسلطة مستقلة وعن سلطة حقيقية فى هذه الولايات على حكومة فيدرالية موجودة فى واشنطن ترى الأمن القومى والمصالح المشتركة لكن الشيوخ القادمين من هذه الولايات هم بالفعل يمثلون هذه الولايات والنظرة المحلية لهذه الولايات تؤثر فى القرار فى النهاية وبالتالى عندما نرى أن السلطة موجودة فى الولايات والرأى العام موجود فى الولايات والرأى العام والشيوخ منتخبين فى الولايات ويرون أنفسهم أن الولايات المتحدة الأمريكية أكبر قوة فى العالم فهم يعتبرون أنفسهم أقوى برلمان فى العالم ويتحدثون كيفما يشاؤون وتنشأ هنا فجوة بين المطلب الديموقراطى والمطلب الخاص بالإمبراطورية وتنشأ عدم إمكانية حروب عالمية تأتى هنا الوسائل الإضافية المستخدمة استخدام غاية فى البشاعة.

■ ما هذه الأدوات؟

- أولا على سبيل المثال فى مصر مثلا فى عام وكان لدينا 120 بليون تجسس على وسائل اتصال، وماذا فى مصر حتى يحدث ذلك؟ هذا معناه أنهم تجسسوا على كل شىء حتى محل البقالة، كيف يتم مراقبة 120 بليون اتصال؟ أن يتم تسجيلها أو السيطرة عليا، الشىء الثانى هو الحرب بالمرتزقة وهذا اختراع أمريكى. هل تتصورين ولأول مرة من القرون الوسطى وجود الجيوش المأجورة؟ ولنأخذ اليوم مثالا غريبًا جدًّا، مثلا شركة «هارى برتون» التى كان ديك تشينى رئيسها، هل يمكن أن يتصور أحد أن هذه الشركة أسست شركة تابعة لها مكلفة بالخدمات الأمنية مثل «بلاك ووتر»؟ هكذا تأتى بالجنود وتدرب وتحارب وتقاتل وتدفع التعويضات وهذا كان بالنسبة للادارة الأمريكية فى ظل وجود كونجرس يمنع التدخلات أن يتم إمضاء شيكات لشركات توظيف السلاح والتدريب والقتال.

■ أين استخدمت؟

- خذى مثالًا على ذلك سوريا، وأنا أمامى تقرير عن شركة بيرتون للخدمات الأمنية استطاعت خلال ثلاثة سنوات أخذت عقود بما قيمته 380 بليون دولار أى أن مشكلات الأمن كلها أحيلت إلى شركات متخصصة لديها جيشوها وسلاحها فأصبح لدى هذه الشركة مثلا 250 ألف مقاتل تحت الطلب؛ هناك عاطلون ويائسون كثر مستعدون للمغامرة.

■ وهل هذا موجود فى سوريا؟

- فى سوريا مثلا أنا رأيت كشفا للأمم المتحدة يتحدث عن الجنود الأجانب المقاتلين هناك حيث إن سوريا بها ثلاثة أنواع من الناس القادمين من أفغانستان الذين من الممكن أن يطلقوا على أنفسهم لقب مجاهدين وهناك الجيش الحر وبرفقته بعض المتطوعين من العالم العربى ونتحدث عن جنسيات مختلفة هناك أناس ليسوا من أصول عربية مثلا النمسا أجانب و296 شخصًا من بلجيكا موجودين و84 شخصًا من الدنمارك و20 من فنلندا و412 من فرنسا و26 من أيلرلندا و50 من إيطاليا ومن لكسمبورج وشخص واحد ومن إنجلترا 366.

■ لكن هذه دول مرتفعة الدخل بالذات فلنلدا والدنمارك أحوالها الداخلية مستقرة، هل هذه مرتزقة أم أجهزة استخباراتية؟

- بطبيعة الحال عندما نسافر نذهب إلى متاحف ونقطن فى لوكاندات ومطاعم لكن لا نطل على عمق المدن، لو أطللنا على مدينة مثل نيويورك سنجد أنها تعانى مجموعات بنسب فقر من أتعس ما يمكن.

■ لكن ليس هذا فى فنلندا ولا الدنمارك؟

- فى كل مكان، لا توجد شبكة أمان تستطيع أن تأخذ كل المواطنين تحت رايتها حيث يراد أن يصلوا باستمرار فى كل المجتمعات، ولو أخذنا الأمريكى هل هناك من هو أكثر تقدما منه؟ باستمرار فيه مصائب من الفقر وحتى المجتمع الإنجليزى به مصائب من الفقر وإذا خرجنا لخارج لندن كما لو أنه مرات وعندما يزورنى أحد الأجانب ويطل من شرفتى على النيل، هذه واجهة خادعة كما يقولون، مشكلات مصر ليست هنا، وبالتالى مشكلات مصر خلف هذا كله وبالتالى هذه الأرقام حقيقية ونسبة لبلدان حقيقية وهى مدققة وموثقة من قبل الأمم المتحدة وبالتالى هناك أناس من الممكن أن يكونوا مستعدين للمغامرة فى حد ذاتها وهناك شباب خرج وعندما أقول إن شركة مثل هارى بارتون لديها 250 ألف مقاتل تحت الطلب نحن هنا نتحدث عن جيوش وبالتالى فالأمريكان اليوم أولا أنهم يعرفون أن الكونجرس يكره الحرب وأن الاعتمادات تضييق على الحرب دوما واعتمادات الدفاع تزيد ماذا يفعلون؟ وزير الدفاع الأمريكى اليوم لم يعد ضمن دوره أن يوقع قرارات بعمليات عسكرية بل يوقع شيكات لشركات من هذا القبيل.

■ هل سيكون عام 2014 عام استخدام الاستخبارات؟

- لو أخذنا ما حدث فى سوريا كمثال أنا أعتقد أنه فى بلد مثل الأردن كبلد كله مع الأسف الشديد يوظف كشركة مخابرات أو موقع لذلك فالناس التى تعمل فيه وهو غير قادر على الصد لكن جزءًا كبيرًا جدًّا من العمليات يدار من الجنوب سواء جنوب سوريا أو الأردن أريد أن أقول إن المخابرات بالفعل أصبحت موجودة، الدول أصبحت تضع برستيج الدولة فى التدخل فى الحروب وبالتالى أصبحت تفضل التدخل من وراء ستار وهنا يمكن أن نجذب من نستطيع أن يُشترى بالمال.

■ هل فضيحة التنصت الأخيرة التى كشفت فى الولايات المتحدة الأمريكية على ألمانيا وفرنسا والبرازيل وإسبانيا؟

- أحد مستشارى ميركل، وأنا رأيتهم، موبايلها الشخصى كان تحت الرقابة، كيف يمكن لعالم أن تتسق أحواله بهذه الدرجة من النفاذ عندما أجد ونحن والعالم مدينون لأناس كثر جدًّا فى قضيتين الأولى تخص العلماء النوويين الذين ارتأو أن استمرار احتكار الولايات المتحدة للقوة النووية يقود إلى جنون فى استخدام القوة وبالتالى نحن نريد انتشارا نوويا ما دمنا توصلنا إلى السر، لا نريد لأحدأن يحتكر.

■ هل السوشيال ميديا؟

- وحتى سنودين ليس خائنًا، لكن هو وغيره أناس رأوا ما هالهم والذى كان فى وكالة للتنصت وذهب إلى الخارج وأعطى أشرطة مخيفة على ما حدث وماكشف حتى الآن 5% ممَّا بحوزته.

■ عودة للسوشيال ميديا أو استخدام الإنترنت، هل هى أدوات أخرى للنفاذ؟

- سأقول لكِ شيئًا، خذى شركة «أمازون» وهى أهم شركات التكنولوجيا فى الاتصال الحديث حيث قامت بشراء «الواشنطن بوست» وقامت فى ذات الوقت بشراء شركة مملوكة للمخابرات الأمريكية للتجسس وبالتالى كيف تكون هناك حدود العالم الفاصلة فى العالم القادم بين ما هو معلومات صرفة وما هو موجه وبين ما هو حقيقى وما هو مدسوس علينا؟ وبالتالى نحن مقبلون على عالم أعتقد أننا ومن أهم الأشياء فى مصر أو العالم العربى كله لا بد أن نستعيد التنبه وأن نتصور خرائط العالم القادم أمامنا ليست فقط الخرائط الجغرافية لكن الخرائط الإنسانية التاريخية الثقافية الفكرية ليست فقط جغرافية أنا أعتقد أن العالم تغير وأن هذه التغيرات سوف تصل إلى مداها وسوف تتجلى أمامنا أكثر سنة 2014 هى بدأت بالفعل ويكفى أن 2013 هى السنة التى خرج فيها رجل مثل سنودين.

■ هل هنا أجهزة المخابرات العربية وكان لجهاز المخابرات المصرية باع فى وقت من الأوقات هل يمكن هنا استعادة هذا الدور؟

- سأتحدث بصراحة، أنا خائف من أن وكالتنا المخصصة للعمل فى الخارج تحولت كلها للعمل فى الداخل فضعف الأنظمة بشكل أو بآخَر جعل هناك مستجدات، فمن المفترض أن يكون التقسيم الطبيعى ولو أخذنا الولايات المتحدة مثالا على ذلك، «إف بى آى» مهتم بالعمل الداخلى و«السى آى إيه» مهتم بالعمل الخارجى، ووكالة الاتصال الدولى بالعمل الخارجى، لكن الدنيا انقلبت رأسا على عقب عندما تدخلت «السى أى إيه» هناك فى العمل الداخلى، وأنا أخشى فى العالم العربى كله وبسبب الظروف التى نمر بها ولعدم وجود وسيلة للاستعمال وغير ذلك أنه ممكن أن يكون لدول عربية من الغنى ما سمح لها أن تقوم بشراء جنود من المرتزقة، لكن الدول مثل مصر وسوريا والجزائر أخشى أن تكون أجهزة المخابرات فى هذه الدول المسؤولة عن العمل فى الخارج انخرطت فى العمل فى الداخل وهذا يقلقنى جدًّا لأنى أتمنى أن يكون العمل فى الخارج المبنى على الرؤية الاستراتيجية فالمسألة مسألة معلومات بالدرجة الأولى ولا نريد أن تكون هناك عمليات قذرة فى أى بقعة من بقاع العالَم لم نعُد نستطيع أن نتحمل أى نوع من العمليات لكن أريد رؤى حقيقية ولا أريد أن يكون هناك أناس يتحدثون فى الداخل أو أن يكون هناك مخابرات فى هذه الدول، السعودية مثلا مع الأسف الشديد تمارس دورها من خلال الأمير بندر، والأمير بندر قد لا يكون عليه غبار لكن الدور المخابراتى للسعودية فى سوريا ليس منضبطا والدور المخابراتى لعدد كبير جدًّا من الدول العربية ليس دقيقا وأعتقد أن عام 2014 لا بد أن يشهد عودة دور المخابرات التى تمثل قرونًا للاستشعار للدولة خارج حدودها جاهزة لأداء واجبها.

■ تحدثنا فى السابق عن أجهزة الاستخبارات التى كان من المفترض أن يكون نشاطها فى الخارج، لكنها انخرطت فى العمل الداخلى بسبب المستجدات، هل تستطيع هذه الأجهزة أن تصد بعض الاختراقات ليس كلها لكن على الأقل بعضها، أشعر أن البلد أصبح ملعبا لكل الاستخبارات الأجنبية وليس فقط لأمريكا؟

- مع الأسف الشديد، وهذا ينطبق على كل العالم العربى، أصبحنا ساحة مستباحة عندما سقطت روادع معينة، قديما لم يكن بالإمكان أن يتحدث بلد عربى عن بلد عربى آخر حتى فى العلاقات مع إسرائيل، كان هناك ثوابت أخلاقية كان على الأقل هناك مشروع نظام، وكانت الناس تراعى لكن فى الاستقطاب الحاد اجتماعيا فى العالم العربى.

■ وإعلاميا مثل «الجزيرة»؟

- و«الجزيرة» وأنا مختلف مع السياسات التى تنتهجها، خصوصا «الجزيرة مباشر مصر» لأنى أعتقد أنها مشروع خطر من أوله إلى آخره، من أول التخطيط له وحتى مرحلة التنفيذ، لكل بلد هناك سيادة، فالفضاء المصرى لم أكن أمانع أن يكون هذا الأمر من الخارج، وأن يقول ما يشاء، لكن أن تكون هناك قناة اسمها «الجزيرة مباشر مصر»، قل رسالتك حيث أنت كما تشاء، لكن بهذا الشكل المقصود والمحدد بتسميتها بمصر، لكن لا تجىء لبلدى وتسمى المحطة باسم بلدى إلا إذا كنا داخلين فى حرب، مثلا عندما قام ديجول بتأسيس محطة موجهة لفرنسا تحمل اسمها فى ظروف بلد محتل وقوة احتلته يعطى فرصة لزعيم فرنسا الحرة أن يقول ويتحدث، ولكن ما يحدث الآن هو أمر فادح فى تجاوزه، وأنا قلت هذا الرأى فى كل وقت وفى تكاليفه أيضًا فادح.

■ نحن إذن ساحة مستباحة؟

- القضية ليست فقط ساحة مستباحة، القضية قضية أكبر، مثلا لدينا أجهزة فى مصر، مثلا لدينا أمن الدولة وقطاع آخر فى المخابرات اسمه الأمن القومى، مقبول أن يكون الأمن القومى وأمن الدولة مسؤولين عن الداخل، لكن أعتقد أن الجزء الأكبر للمخابرات العامة لا بد أن يكون للخارج على أقل تقدير، لا أقول أنه يكون فاعلا لكن على أقل تقدير يعطينى عيونا خارج أوطانى تستطيع أن ترى بها الدولة، بالطبع فى العصر الحديث وعلى سبيل المثال أمر مثل الخارجية أرى أن التمثيل الدبلوماسى الحالى يحتاج إلى مراجعة، لأن المعلومات الآن تسبق أى سفراء، ونحن لدينا مشكلة الآن فى كل السفارات، أن يقال على أحدهم إخوان أو ليسوا إخوان، مثلما كان يقال فى السابق أعداء الثورة والإقطاعيين، لكن عودة لما قيل لا بد أن يكون لديك أذرع داخلية مثل الأمن القومى فى المخابرات وأمن الدولة، وفى الخارج الأذرع التى تطل على العالم الدولى والعالم الخفى أيضا.

■ لكن هل تستطيع هذه الأجهزة فى الداخل أن تصد بعض الاختراقات؟

- بعض منها، كل الاختراقات بالإذاعات وكل الاختراقات بالوسائل الصالحة بالإنترنت، شركة مثل «أمازون» مثلا المخابرات الأمريكية داخلة فيها، وأنا أحد الأشخاص الذى يطلب كتبهم باستمرار عبر «أمازون»، لكن أنا محدد وليس لدى حساب على الإنترنت أو «فيسبوك» أو «تويتر» وعندى علاقة مع «أمازون»، عندما أشترى كتبى منها، لكن عندما نشعر أن حد مثل «السى آى إيه» دخل فى «أمازون» بشكل أو بآخر يصيبك بعض القلق، فنحن أمام عالم به بعض الاختراقات نستطيع أن تحدى منها وبعضها قد لا نستطيع أن نحد منها فى كل الأحوال، أستطيع أن أقول إننا نريد فى كل الأحوال إلى من ينبهنا بمواقع الاختراق وغيرها لكى نتلافى بعضها على الأقل إنذارات أو قرون استشعار.

■ هذا العالم الجديد به قوى جديدة تتدخل على السطح من الصين إلى الهند إلى روسيا؟

- هناك قوى جاهزة وأخرى فى طريقها للجاهزية، أنا أتصور أن روسيا الآن جاهزة للعب دور وهى مهتمة بالشرق الأوسط، وهى تشعر أنها منطقة عمقها، أليس غريبا أننا استعملنا الإسلام ضد كل القوى الكبرى بلا استثناء، الصين نفسها لديها ورقة إسلامية تدعم باسم الجهاد فى سينج هانج، والهند لديها قوة مقاومة تدعم باسم الجهاد بسبب كشمير، ونحن ما زلنا نطارد الاتحاد السوفييتى فى الشيشان باسم الإسلام. أحيانًا أشعر بالخوف والذهول مما فعلناه لكن خذى روسيا وجاهزة، لكن أنا أعتقد أنها فى وقت بوتين، وأنا أتحدث لا بد أن لا تنسى وقائع التجارب، فهى لا تضيع، لأن الثقافة هى محصلة التجارب، وبالتالى سنجد أن روسيا قادمة وهى على حذر، فقد قرصت من هذا الجحر مرتين وأسىء إليها وطوردت فى إفريقيا، أحد رؤساء وزرائهم يقول أنتم حاربتم على مدار العشرة أيام الأولى من حربكم مع إسرائيل كله بسلاح سوفييتى، وهى الأيام التى تحقق فيها النصر الأكبر، صحيح أتينا بأسلحة من أماكن أخرى مثلا الميراج لم تدخل فى الحرب إلا بعد أكتوبر، حتى آخر مسمار كان السلاح المستخدم روسى بامتياز، صعدنا الطائرة ونحن معها وهبطت الطائرة وكسينجر معها، وكان يقول ذلك وهو متعجب، ولا أعلم كيف فعلت هذا فى إقلاعها تكون مع روسيا والهبوط تكون مع أمريكا، وبالتالى روسيا مقبلة بحذر.

■ قلقة؟

- ليست قلقة لكنها حذرة، ولذلك الصفقة الخاصة بالسلاح التى أبرمت بالفعل من خلال السعودية 2 بليون دولار، السعودية ذهبت ودفعت الأموال فى مواعيدها، لكن المشكلة هنا أنك تعاملين قوى مترددة، مثلا لو أخذنا الصين، أنا أعتقد أنها من القوى الصاعدة التى ستظهر بشكل أكبر خلال الفترة المقبلة، وأنا أتذكر هنا أحد القادة العسكريين الكبار فى مصر هنا كان يقابل وفدا عسكريا صينيا وقد تحدثت فى هذا الأمر سابقا بشكل ما، ولا أعرف هل أحدث تأثيرا أم لا؟ وأنا كنت أرى أن اليابان وأتساءل متى يمكن أن تقوم بدور حقيقى فهى عملاق اقتصادى، لكن قدماه من الفخار، وقال وقتها أخونا العسكرى المصرى الكبير هذا الكلام للفريق الصينى، فرد عليه الصينى قائلا فى رد غريب «2015 تقابلونا»، أنا أعتقد أن الصين تستكمل قواها، وأنه لا يمكن لأحد أن يتحدث فى الداخل عن سياسة داخلية إلا إذا كان عنده ما يبرر.

■ لكنها دولة اقتصادية عظمى منذ فترة؟

- نحن نتحدث عن الصين كدولة اقتصادية عظمى، هى بالفعل دولة اقتصادية عظمى، لكن إذا قسنا بعدد السكان نسبة للولايات المتحدة الأمريكية يظهر هنا أن الولايات المتحدة أكبر ثلاث مرات من القوة الصينية بنسبة أيضًا ما يخص الفرد من الثروة، فصحيح هى قوة اقتصادية مهولة، لكن إذا حسبت وفقا لنصيب الفرد فأنت أمام معادلة أخرى لكنها تستكمل بسرعة رهيبة، فنحن نتحدث عن معدلات نمو ما بين 10-12% كل عام.

■ هل الصين هنا تتحول من مجرد كونها قوة اقتصادية عظمى إلى دولة تتدخل بشكل أكبر؟

- أنا أعتقد أن الصين سوف تؤثر بشكل كبير، لكن فى العقلية الصينية ونحن نقرأ التاريخ، الصين عبر التاريخ لم تغزَ فى الداخل، السواحل غزيت والغرب لكن لم يصل إلى العمق، لكن قلب الصينى المملكة الوسطى لم تغزَ، فقد بقى بتراثه وثقافته لم يحدث له انكسار مثل الذى حدث عندى بقدوم الأتراك أو اليونانيين قديما، ولا الإغريق أو الرومان، ففى امتداد الثقافة أو اللغة حدث عندى مشاكل كبيرة جدًّا، وهناك شىء ما كسر، لكن لم يحدث فى الصين، أكتشف فى الصين وأنا كنت أحد معجبى رئيس الوزراء الصينى شون واى، وفى مكتبه فى بكين قمنا بعمل حوارات طويلة، وكان رأيه أن القوة تنبع من الداخل بدرجة أو بأخرى، وأنك تستطيعين أن تؤثرى دون أن تتدخلى، بمعنى أن قوة الصين ستكون ظاهرة وأنا مرحب بها جدًّا، لكنها ليست متداخلة، هى قوة قادمة بالاستثمارات أو النفوذ الثقافى.

■ فهى على موعد فى 2015؟

- نعم أعتقد من الممكن أن تحدث تأثيرا فى التوازن العالمى من نوع جديد، الغريب جدًّا أن الصين مثلنا هناك مثيل للسيد رفاعة الطهطاوى أرسلوه فى بعثة لأوروبا فى الوقت الذى كان فيه رفاعة الطهطاوى فى باريس، وجاء طهطاوى وكتب كتاب «تلخيص الإبريز فى تلخيص باريز»، فقد أحدث نهضة هائلة فى التعليم، لكن حدث لها مشاكل، لكن فى المقابل الرجل الصينى أحدث طفرة كبيرة حتى فى عهد الإمبراطورة سكسكى، أحدث نهضة لم تنقطع ومن الممكن أن يكون هناك خطأ للطهطاوى أنه أحدث مدارس مدنية وأخرى أزهرية، فأصبحنا كأننا نسير على خط حديد متوازييين، بحيث لا تلتقى القضبان، فى الصين لم يحدث هذا.

■ لكن الصين موجودة فى إيران بكثافة كبيرة؟

- موجودة فى إيران وأوروبا اقتصاديا بقوة النموذج، بقوة التنمية، لكن نموذج التنمية الصينى غير قابل للتكرار، هناك أشياء تستلهم من التجربة الصينية ويستفاد بها، وهناك أشياء ترى فيها، لكن بالنسبة للحجم وللثقافة وأنا أتحدث عن الثقافة الصينية التأثير الأساسى الكنفوشيوسى، فكرة النظام والمراتبية موجودة فى الثقافة الصينية مقارنة بالفوضى التى لدينا فى العالم العربى، وهى فكرة التنظيم والمجتمع المنظم، الكنفوشيوسية رسخت أنه لا شىء إلا عشرة مبادئ، ونحن نتحدث عن المعلم، كل قيمته أنه درس، والديانات الصينية لم يكن فيها حمولات مقارنة بالحمولات التى أضيفت للكتب المقدسة فى المنطقة فى التاريخ الإسلامى كله، والاجتهادات الإسلامية والفرد مزقت روحه بشكل كبير بين عقاب ينتظره وبين ثواب لا يلقاه، لكن التجربة الكنفوشيوسية أعطت مجموعة من المبادئ للإنسان أهمها العمل.

الهند وهى دولة قوية وموجودة فى المنطقة.

- الهند دولة قوية موجودة فى المنطقة لكن هناك أمورا مهمة فى الهند أخجل أن أذكرها، بدأت معنا، فحزب المؤتمر الهندى بدأ توازيا مع الوفد، الأخير أصابه ما أصابه بشكل ما، ولا أريد أن أخوض فى ذلك، لكن الأول أكمل بنهرو ولكن ظل ما يشبه الوراثة، لكن ظل نهرو أن الطليعة الهندية المثقفة ظلت مخلصة لمشروع الهند، لا يوجد فلوس كثيرة من الهند تهربت إلى الخارج، كل الرأسماليين الهنود ظلوا فى الهند، وبالتالى وبشكل ما ظل هناك فى الهند المقوم الثقافى الذى يحافظ على ثروة الهند الذى يحافظ على النخبة مقارنة بهنا، حيث ضيعت هذه النخبة.

■ تأثير الهند على المنطقة؟

- نفس الأمر الهند سوف تدخل بالنموذج، وأنا أعتقد أن أهم تحديات السياسة الخارجية المصرية خلال الفترة المقبلة هى كيف يمكن استعادة الصين والهند، فى يوم من الأيام كنا نحن والصين والهند ثلاثى موجود وبقوة.

■ عدم الانحياز؟

- ليس عدم الانحياز فقط، نحن الدولة التى رجحت الميزان فى مارس سنة 56 بالاعتراف بالصين، فالصين كان ينقصها أن تعترف بها إحدى الدول العربية فيتبعها الآخرون، وأخذت الصين موقعها فى مجلس الأمن كالصين الوطنية، الصين والهند تشعران أنهما قريبتان من المنطقة كثيرة، لكن هذا ومع الأسف الشديد ضمن الأصول التى أضعناها مثل إفريقيا.

■ ماذا عن إيران؟

- إيران هى عقدة العقد، وأنا أتصور أن إيران بعض الناس قد يلحظون فى مرات كثيرة أنى منحاز لإيران، وهذا صحيح، لدىّ تحفظات وقد يكون هذا مقبولا على الدولة الإسلامية هناك، لكن هذه المنطقة بها ثلاث دول رئيسية منها تركيا ومصر وإيران، ثم إسرائيل على الهامش، وقت الشاه كانت كمية التعاون الموجودة بين الشاه وإسرائيل كانت كبيرة جدًّا، حيث كانت موجودة أقرب لتل أبيب أكثر منها إلينا، هذه كارثة إذا وقع نظام الثورة الإسلامية، فأنا أخشى أن يأتى نظام قريب من الشاه فى تعاملاته مع إسرائيل، هناك إحساس فى إيران أننا توجهنا إلى العالم العربى، وأهنّا أنفسنا فى سبيل استعادة العلاقات مع الدول العربية، ومع ذلك لا يزال النظام العربى يصد. وهذا يصب فى رأى النظم القديمة فى إيران التى ترى أن الحضارة الآرية وهم منبعها، والفارسية ممكن جدًّا أن تتحدث مع اليهود، وهناك علاقات قوية مع الدولة الإسرائيلية بعد ذلك، وإذا تحولت إيران إلى إسرائيل فسيكون هذا تحولا استراتيجيا فى المنطقة لا يمكن بأى حال من الأحوال مواجهته ببساطة.

■ لكن وبغض النظر عن التجربة النووية العظيمة فى إيران، يبقى النظام والتجربة الحالية أنه نظام قمعى على المرأة والمعارضة؟ هل لا يوجد إلا الدولة الاسلامية أو دولة الشاه؟

- عندى تحفظات كثيرة جدًّا، وأنا فى أحد مطاعم إيران جاءت إلىّ سيدة يبدو أنها عرفتنى، وجاءت للسلام علىّ لكنها وهى تصافحنى سلمت علىّ من تحت الشادور، فقلت لها أنا لن أسلم عليك، ظلت مترددة مترددة حتى صافحتنى، المرأة الإيرانية هى طبقة متقدمة جدا.

■ لكنها قمعت؟

- هذا النظام أعطيه بقدر رصيده، لأنه أسهم فى تطوير التعليم فى إيران، وأنت تتحدثين عن التجربة النووية، أنا لا يهمنى الطاقة النووية فقط، يهمنى أن يكون بإيران نظام للتعليم يخرج مثل هؤلاء الناس، وأنا أعجبت بزويل عندما تحدث عن تجربة التعليم عدة مرات، وكيف استفاد فى عهد عبد الناصر، وأنا هنا لا أتحدث عن عبد الناصر الشخص، لكن عن نظام تعليم، أول مرة رأيت فيها الخومينى فى لندن وكان موفقا فى هذا اليوم، عندما سألته قلت له «ما الذى يجعل علماء الدين يفهمون عندكم فى العلوم البشرية؟» هو رد قائلا برد مفحم، وأنا أعترف، قائلا «قل لى الضباط الحاكمون فى العالم العربى ماذا يعرفون؟»، على الأقل لا بد أن تمنحى هذا النظام على الأقل أنه فهم ضرورات العصر من ناحية التعليم.

■ لكنه يقمع المعارضة؟

- مسألة قمع المعارضة أنا لست متأكدا منها.

■ يقتل الناس فى الشارع ويقمع السنة مثل مجاهدى خلق؟

- لا تكررى غلطة التشييع التى قام بها الأزهر فى زيارة أحمدى نجاد مع الأسف كانت غير موفقة ما هو التشييع؟

■ أنا لا أتحدث عن التشييع، لكن أتحدث عن قمع السنة داخل إيران؟

- لا أظن هذا.

■ لا يوجد هناك إنترنت؟

- من أصدقائى الكبار فى إيران هو محمد خاتمى، وتقريبا هو زعيم المعارضة، أريد أن أقول صحيح المرشد لديه سلطة أكبر مما ينبغى، وبمجرد أنه يشير أنه لا يعجب وغير راض بشخص من الأشخاص هذا يكفى لمواجهة المتاعب، لكن بجوار أى تجربة فى العالم نضع السلبى والإيجابى، ثم قبلها أرى أين مصلحتى؟ أن أقيم أحكاما على إيران هذا ليس موضوعى، لكنى هنا أتحدث عن مخاوفى أن ينقلب النظام الإقليمى بتغيير الموازين إذا ذهبت إيران أن تتغير الشرق الأوسط، والنظام الإيرانى اقترب كثيرًا من العالم العربى لدواع كثيرة، أهمها القدس، سمّ ما شئت منها، الإسلام، لا يهمنى، ماذا يفعل هناك فى إيران، ليس مهما بالنسبة إلىّ رغم احترامى الشديد للنظام الإيرانى.

■ وهو محتل للجزر الإماراتية؟

■ لا أريد هذا الكلام، مثلا فى الجزر الإيرانية وأنا كنت فى هذا الوقت أحد المفاوضين فى عهد عبد الناصر، وكان استقلال الخليج قادما، وكان الملك فيصل موجودا وقتها وفاعلا فى هذا الأمر، ووافقنا أن تبقى البحرين دولة عربية، رغم أن بها أغلبية شيعية، وأن الجزر الباقية فى البحر لا يمكن أن أقول لإيران اخرجى من الخليج كله، هذا غير ممكن، إذا كنا فى البحرين ونسبة الشيعة فيها 70% ومع ذلك حكمها سنى، وقبلنا بهذا، لا بد بشكل أو بآخر أن تكون هناك معادلة توازن مع سكان الجوار، أنا مسلم، إن بعض الناس عندها حقوق، لماذا لم نتحدث مع الشاه حول هذه الجزر؟ وحتى قامت الثورة الإيرانية كان يفصلنا عنها عقد ولم يفتح أحد فمه حول هذه الجزر، كانوا يخافون من الشاه، لكن متى بدأت قضية الجزر؟ أنا أعرف الآن أن بعض العرب من الممكن أن يقولوا إن لديهم بعض الحق فى جزء من هذه الجزر، وهنا لا بد أن نفرق بين الرئيسى والمهم، والفرعى الرئيسى فى هذه المنطقة هو حفظ التوازنات الكبرى فيها، إذا كانت جاءت بعض التوازنات الموالية لى، وما أعتقد، فلا بد هنا أن نقيس ما حولى بمقاييس مصالحى، بمقياس أمنك وبمقياس ما يمكن أن يؤدى إلى التوافق بينك وبين القوى المؤثرة فى المنطقة.

■ أوروبا هل ستكون أكثر تدخلا فى 2014؟

- العالم لم يعد سيتدخل بالجيوش، لكن سيكون التدخل عبر المرتزقة بالطريقة التى ذكرتها، وبالاقتصاد والتكنولوجيا بكل الوسائل، لكن عصر القوة المباشرة لم يعد قائما، حتى لو رأيناه فى ليبيا بالطريقة التى حدثت، حتى أوروبا عجزت أن تصنع شيئا فاضطر الأسطول الأمريكى والطيران أن يضرب لحسم مواقف أمام النظام القديم، أنا أعتقد أن الاحتلال البريطانى فى مصر كان له مزايا، وهو إنشاء الإدارة الحديثة عبر كرومر، لكن هذا العصر انتهى، سيدخل من بعيد ويأخذ كل المكاسب ويترك كل المشاكل تحيط بك.

■ إذن نحن فى 2014 مقبلون على عالم بلا مايسترو بلا قائد؟ من هو مجلس قيادة العالم من يجلس ويقرر؟

- سأقص عليك قصة هامة تخص رئيس وزراء الصين شوين لاى، وهو مؤسس نهضة الصين الحديثة، عندما تربى وعاش فى فرنسا وأصبح شيوعيا ثوريا، هناك وآخر مرة رأيته، كنا مقبلين على قرن جديد، وسألته قبل أن يموت كيف ترى العالم ونحن مقبلون على قرن جديد وقتها؟ وأنا أتذكر جيدا ما قاله «أفكار قديمة تقع، أفكار كثيرة حديثة تبحث عن طريقها، ونظم قديمة تتهاوى ونظم جديدة تتحسس مكانها، وفوضى فى كل مكان».

■ فوضى، هذه نراها الآن؟

- فى آخر القرن الماضى سقطت الشيوعية وأفلست الرأسمالية، والنظم الديكتاتورية أصبحت غير قابلة للبقاء، والعالم مقبل على تشكيل جديد، لكن القديم لا يولد من الجديد بشكل مكتمل، فنحن فى مرحلة أعتقد فى مرحلة عائمة، وهى فترة يتشكل فيها عالم جديد، ولن أقول فترة انتقالية، لكن فى هذه الفترة وهناك عالم يوشك أن ينتهى وعالم يوشك أن يبدأ موجود بوسائله الحديثة، وهو مروع، وضعى فى اعتبارك أننا هذه الفترة حجم المطالب والتمنيات سنجد أنها تسير بسرعة الإنترنت من خلال الأزرار، لكن تنفيذ المطالب يستغرق وقتا، لأنه يسير على الطبيعة دون أزرار، على التضاريس مقارنة بالإشارات الإلكترونية، ومسكينة حكومة الببلاوى فهناك من يطلب بسرعة الإنترنت وهى تسير بسرعة القطْر، وهنا يبدأ التناقض وحتى يولد العالم الجديد وينقضى العالم الراهن فأنت أمام فترة ولادة غاية فى العسر، عسر حقيقى.

■ مَن هنا المدير؟

- لا يوجد مديرون وهذه المشكلة، مثلا الاتحاد السوفييتى انتهى بالفعل، لكن بقيت روسيا تمارس بشكل أو بآخر، لكن بطموح أقل لم يعد لديها الشيوعية ولم يعد لديها بقية أرجاء الإمبراطورية، وبالتالى الطموح أقل، مثلا الولايات المتحدة الحلم الأمريكى يزول دورها الإمبراطورى، لكن يبقى الدور المؤثر العالمى باق، مثلا هناك ألمانيا تصعد فى مقابل أوروبا، وهناك حذر من قبل أوروبا تجاه ألمانيا بسبب تجربة الماضى، فى كافة العهود بما فيها هتلر، فهناك مواريث باقية تمنع أى أحد أن يظهر بشكل صريح، وبالتالى نحن أمام إما ناس قوتها أقل وما زالت تمارس وتؤثر، وإن كانت بطموحات أقل، وإما أن هناك من يتحسس طريقه ولا يزال يخشى من موروثات الماضى المترسبة، وهناك القوى الآسيوية التى ترغب فى الانتهاء من بناء نفسها، كل طرف الآن يتقدم لأداء دور فى السياسة الدولية وحتى لو كان صغيرا، يكون أول سؤال يطرح عليه من أنت؟ وماذا تريد؟ وكيف تحققه؟ وفى طاقتك أم لا؟ فالدول التى تتقدم للعب دور فى النظام الدولى، مطالبة أن تكون لديها طاقات اعتماد وبطاقات هوية، لدينا فى هذه اللحظة هناك إمبراطوريات لم تعد كما كانت، وأصبح دور الدول القوية الطبيعية المؤثرة والقادرة دون الإمبراطوريات، هنا انتقال، وأن هنا قوى حقيقية تتحسس طريقها لأسلوب جديد فى التعامل.

■ مجلس إدارة العالم بشكله الجديد؟

- لم يعد قيادة، الكل الآن والمشهد العام هناك قوتان قديمتان كانت تحدثان التوازن مثل روسيا وأمريكا، وأخرى تتحسس طريقها مثل ألمانيا والصين والهند، إما أنها قوى قديمة فقدت بعض قوتها تريد أن تكون عملية فى مواجهة ما هو مقبل، وبالتالى تتحدث مع غيرها بطريقة أخرى أكثر إخلاصا فى ضوء صراحة لا يمكن لأحد فى العالم أن يتعامل بغيرها، فهو عالم يتحسس طريقه إلى شكل قيادته، فى هذه اللحظة نرى إلى أى مدى كان التفاهم بين روسيا وأمريكا فى أزمة سوريا والضربة وإنهاء الأزمة هناك، المشكلة أن هناك قوى من العالم القديم متلكئة على سبيل المثال فرنسا تحتاج إلى إعادة تأهيل نفسها وقد تأخرت طويلا لكن لا يزال حلم الإمبراطورية موجودا.
■ لكن فرنسا تتدخل فى مالى بالجيوش؟

- تتدخل وتواجه متاعب وسوف تواجه متاعب أكبر، هى فى مالى تدخلت، قامت بعمليات عسكرية، سوف تتعب أكثر ولكن ستبقى بلدان مثل بريطانيا وفرنسا هما بلدان تحتاجان إلى إعادة تصور وتأقلم، وكنت مع أربعة أو خمسة رؤساء للوزارة فى إنجلترا، وكنت أقول لهم إنها تحتاج وتتأقلم مع زمن جديد تعطيه قوة ثقافية فى العالم أقوى من الإمبراطورية، لديكم إمبراطورية لغوية كبيرة، لكن إمبراطورية الأساطير انتهت ولم تعد موجودة، لم يعد بوسعكم فعل شىء الآن، لكن قوة الثقافة المتمثلة فى أن لغتكم هى لغة العالم فى الوسائل مثل الكمبيوتر وغيرها، والعالم لا يزال يعيش، وهذا جزء من الفوضى، مرحلة تأقلم جديد.

■ هل 5+1 أو أزمة إيران تمثل نوعا من التعاون الدولى للكبار؟

- هى صيغة جديرة بالدراسة، دولة استطاعت أن تعبر التخوم مقتربة من قوة معينة، والكل لا يريد أن ينضم أحد جديد للنادى النووى، حتى الهند أصبحت تعترض على الدول الأخرى النووية، لكن أمامنا عالم أمامه مشروع خريطة فيها توازن قوى مختلفة تماما، وبات هناك تناقض غير مقبول، عندما تتحدث أمريكا عن بعض ما يخص حقوق الإنسان فى مصر، ويقول لى أنت تقوم بحبس ناس دون محاكمات معينة، وأنا أقول أتفق معاك فى الرأى، لكن أريد أن أقول إنه بقرار واحد من الرئيس أوباما نفسه، بالطائرات الموجهة دون طيار قتلوا 4000 ومن حولهم ولم يحاكموا حتى الآن فى العراق وغيره.

■ حتى فى بن لادن؟

- نعم قتله وحرق جثته ورماها، لم يكن هناك محاكمة ولا ضمانات، لكن دول أحست أنها مهددة أخذت القانون فى يدها وتصرفت بحس قوتها دون مراعاة. قرأت قصة عن جندى أمريكى فى نهاية خدمته أخذ شهادة تقدير تقول له أنت تكرم لأنك أطلقت كذا فأدت إلى قتل كذا، فأعادها، هنا جزء من الأخلاقية، باختصار العالم بلا قيادة فى هذه اللحظة، لكن ليس لكن هناك قوى سواء كانت موجودة أو قوى أعادت تأهيل نفسها أو قوتها تحاول تتلمس ظروفا مختلفة، تكنولوجيا مختلفة، مناخا مختلفا، وتوازن قوى مختلفا، تتحسس طريقا جديدا فى أسلوب إدارة العالم لم تصل إليه حتى هذه اللحظة، وكما قال شوين لاى «فوضى فى كل مكان».

■ هل ستزال الجماعات الإرهابية والتكفيرية تقوم بدور مهم فى هذه الفوضى؟ هل هناك مستقبل لهم فى المنطقة العربية؟

- الموجود على الأرض أن الأفكار لا تموت بسرعة، ولا حَمَلة الأفكار يختفون ببساطة، لكن أنت يظل لديك بعض المواريث، صحيح الإرهاب أثبت أنه عقيم لكن إحنا، أنا حزين مما صنعناه فى الإسلام هذا الدين العظيم وبالطريقة التى استغل بها يقلقنى جدًّا الصورة التى أعطاها للعالم، ويكفى إذا أراد أحد أن يعبر عن الإسلام أن يقوم بوضع لحية كبيرة غير منمقة ولا مهندمة وعمة حمراء أو سوداء، وشىء ما فى الجبهة، الصورة بشعة التى أعطيانها للإسلام حتى يختفى، هذا نحن نحتاج إلى قوى تنوير تظهر وتتحدث، وأنا أعتقد أن من مزيات ما حدث فى مصر فى 2013 أن مصر عادت إلى مدنيتها بشكل أو بآخر، هذا الاقتحام باسم الدين للدخول إلى السلطة وهى مدنية بطبيعتها، ولا يمكن أن تكون غير ذلك، لأن الدولة موجودة هنا الإدارة شؤون الدنيا، وبالتالى لا يمكن أن تكون إلا مدنية، استعادة مدنية الدولة فى 30 يونيو سيأخذ وقتا طويلا، وأنا ما يقلقنى الآن من مسألة مدنية الدولة تصفية الحسابات المصاحبة لمدنية الدولة باستمرار فى أوقات التغيرات الكبرى، وهذا كان موجودا فى الثورة الفرنسية والروسية والإيرانية، تصفية الحسابات الصغرى فى وقت الأحداث الكبرى والدكتور محمود فوزى وزير الخارجية ونائب رئيس الجمهورية كان يقول «الحوادث كبيرة والرجال صغار»، وهو صاحب فكرة الدوائر الثلاث التى تدور فيها مصر، وأعتقد أنه قام بدور كبير جدًّا، ومن مقولاته الشهيرة التى كان يقولها وكان قلقه الشديد قبل موته لهذا قال العبارة، ففى عز ما كانت مصر تواجه شبح الاستيلاء باسم الدين، ليس لأن الدين أمر مقدس آخر، لكن كما قلت استعادة مدنية الدولة تعتبر أمرا هاما فى 2013، لكن فى ظل هذه الأحداث الجلل لا زلت أرى أشياء لا تليق فى تصفية الحسابات القديمة والجديدة وهى تقلقنى بلا شك. لكن ونحن فى منطقة انتقال أو مرحلة نبحث وسط هذه الفوضى عن خارطة جديدة للعلاقات، وتحت قيادة لم تتحدد بعد، لكنها موجودة، وأنا لدىّ إحساس فى ظل صعوبة بل استحالة استخدام القوات والجيوش المسلحة، يبقى هناك الوسائل الجديدة ممكنة، والتكنولوجيا تقوم بدور ما، الأمانى تسبق الإنجازات ونحن أمام عالم قلق.

■ إذا عدنا للجماعات الإرهابية التكفيرية؟

- ستبقى موجودة لفترة ما.

■ لكن هناك دعما دوليا لها بشكل خفى مالى ومخابراتى؟

- سيستمر، وهذا نتيجة لأحوال العالم العربى، حدث اختلال كبير فى أوضاع العالم العربى، العالم كله رأى فوضى فى شبه حرب أهلية، تقريبا كل من فيه يجارب كل من فيه، والنفاذ الخارجى الذى يشغل الجماعات التكفيرية أو بشكل ما يعتمد على عناصر فى الداخل، لا أحد يريد لهذه المنطقة أن تقف، العقد القائمة هو أن أصحاب الموقع لا يستطيعون أن يحموه، ولا أحد آخر يبسط سيطرته عليه، الخلل القائم منا بالأساس، وأعتقد أن التحديات المقبلة كيف تفعل؟ ما يجرى فى أوروبا وأمريكا وآسيا على سبيل المثال من إمكانية جمع تحالف أو مجموعة قوى ليتدبروا شكل المستقبل بطريقة عاقلة، وأعتقد أننا مطالبين بشكل أو بآخر كما جرى أمامنا، بوتين يعتقد أن أوباما لا شىء، وأوباما يعتقد أن الأول ديكتاتور يتعامل بالعضلات فقط، ومع ذلك الضرورات والمسؤولية أمام العالم بتفرض نوع من الاقتراب، وأنا أعتقد أن مسؤولية مصر فى 2014 وما بعدها كيف يمكن أن تجمع تجمعا للقادرين والراغبين فى العالم العربى، ومن يقدرون بشكل ما كما يجرى الكلام بين روسيا وأمريكا وبين روسيا وألمانيا وروسيا وألمانيا والصين.

■ فى العالم العربى؟

- فى قوى كثيرة، مثلا الجزائر لا تزال بعيدة، لا بد أن تذهبى إليها وتجتذبيها والمغرب.

■ شىء غير الجامعة العربية؟

- إذا سقطت الجامعة العربية، أنا أعتقد أننا لن نستطيع أن ننشئ شيئا آخر، دعيها تكون مشروعا لنظام عربى وليست مشروعا كاملا «أمل»، ومشروع لم ينفذ، دعيها تكون مشروع أمل، لكن لم تعد هى الإطار الذى يمكن عمل شىء من خلاله، مصر مع بعض الدول التى لا يزال لديها القدرة يمكن.

■ مثل من؟

- مصر والسعودية والجزائر ودول الخليج الجديدة المليئة بالشباب، مصر عليها ليس الحلف أو الجبهة، لكن على الأقل أن تجرى مشاورات بين القادرين والراغبين والمستعدين، البحث فى إمكانية أنه أولا إنقاذ شىء من العالم العربى قبل أن يغرق كله، استعادة بعض إرادة الفعل الموحد بشكل ما، مواجهة الاختراقات الموجودة، مواجهة العالم بصوت عربى عاقل، أنا أخشى أن العالم وهو يتابعنا ونحن نتصل بهم ويسمعون أصواتا مختلفة، حيث الفوضى فى كل مكان، لا يوجد من يمكن الحديث معه فى وقت من الأوقات، كان بالإمكان الحديث مع بلدين، إما مصر لأنها معسكر شعبى ملىء بالقوى، وإما السعودية باعتبارها القوة المحافظة، أنت لا تعرفين عنوانا للقوة العربية، وبهذا الشكل وفى هذه الأيام يصبح غياب عنوان القوة العربية الذى يمكن أن تراسل عليه.

■ يتركنا عام 2013 وهذه آخر حلقات 2013، ما شكل مصر والعالم العربى؟

- أعتقد أن أول شىء هناك فوضى، لكن هناك شيئا ما طالما هناك حياة، إذن هناك أمل، أنا أعتقد أن هذا البلد بمجرد بدأ يتنبه أن مصر ليست هى الموجودة قبل 25 يناير وليست هى الموجودة قبل 30 يونيو، وأن ثمة مصر جديدة بشكل ما تتشكل، وأعتقد أن هذا أمل. أعتقد أيضًا أن السعودية ستدرك أن كل هذه المغامرات الحادثة فى سوريا وإرسال السلاح وتصريحات سنكمل المشوار بمفردنا فى سوريا ستخرج الأصوات العاقلة، الخليج لا بد أن أعترف أنى متأثر جدًّا بالشباب الظاهر هناك، الذين رأيتهم فى الإمارات، ورأيت كثيرا منهم فى قطر، وبيروت لا تزال هناك قوى حية من واجب القاهرة خلال العام الجديد أن تبحث كيف نجمع شتات العالم العربى؟ التمنى لم يعد شيئا، أنا مضطر أن أعمل بما بقى أمامى من آثار إعصار طاحن فى العالم العربى، مثل مواجهة تسونامى، ولا يزال مستمرا، لا بد أن نجفف آثار الطوفان، وبعض القادرين للوقوف على قدميهم أن يعودوا إلى مساكنهم، ويروا كيف يمكنهم بداية حياة جديدة مهما كانت الخسائر.

■ يرحل 2013 على مصر بمشهد ماذا؟ 30 يونيو كانت فارقة؟
- صحيح أنها فارقة، لكنها فى لحظة خطر رهيبة، قلت إن المنطقة المحيطة بمصر الآن كلها أعمدة نار تلتهب، وإن مصر مطالبة بأن تقف على قدميها، أنا أعتقد أن عام 2013 ينتهى على مصر وهناك من يريد أن يقف وينبغى عليه أن يقف، أعتقد أن 2014 إذا استطعنا أن نجعلها سنة مبشرة أصحابها قادرين عليها، وأن يفهم أصحاب اللحظة ما يجرى حولهم، وعلى استعداد أن يمدوا روابطهم وأن يمدوا أيديهم لكى يعيش الجميع، الآن لا أحد بمفرده يمكنه صنع شىء، لا مصر ولا الخليج ولا السعودية ولا أحد طرف، لا بد أن تقف مصر وأن تنادى العالم العربى بما بقى فيه من أمل، لتكون نواه قوة، نواة إرادة، نواة أمل، وأن تتمسك به وأن تصنع من 2014 بداية طريق.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.