لا نفوسنا باتت قابلة لهذا النظام المستبد وحزبه الفاسد الحاكم.. ولا قلوبنا العليلة باتت بقادرة علي تحمل كل هذا الفساد وكل هذا العبث والإجرام الذي يجري بمقدرات هذا البلد.. فالإحساس العام لدي الكثيرين من المواطنين أننا أصبحنا نعيش وسط فساد طال كل شيء في الدولة.. ولعل أبرز ملامح هذا الفساد خلال العامين الماضيين تمثلت في فضيحة مصنع أجريوم للبتروكيماويات في دمياط ورشاوي شركة ديملر بنز الألمانية.. فقبل نحو عامين تفجرت أزمة شركة «أجريوم» الكندية التي سعت لإقامة مصنع للبتروكيماويات والأسمدة في منطقة اللسان برأس البر بمحافظة دمياط وقوبل المشروع بمعارضة كبيرة من جانب أهالي دمياط عبرت عن نفسها في مظاهرات ولافتات ووقفات احتجاجية.. ووقتها تردد أن الموافقات الرسمية علي إقامة هذا المصنع سبقها دفع رشاوي وعمولات.. وأكد ذلك السفير الكندي في القاهرة «فيليب ماكينون» في رسالة بعث بها لوزير البترول المصري المهندس سامح فهمي وقال فيها: إن شركة «أجريوم» دفعت عمولات ورشاوي لمسئولين مصريين لتسهيل إنشاء هذا المصنع وأن إلغاء المشروع تحت ضغط مواطني المحافظة الرافضين للمشروع يستوجب رد تلك المبالغ.. ولأن موضوع العمولات والرشاوي أمر يخالف القانون والنظام العام في مصر تقدم عدد من المحامين من داخل دمياط وخارجها ببلاغات إلي مكتب النائب العام للتحقيق في الموضوع.. ووقتها أيضا أعلن ناصر العمري منسق اللجنة الشعبية لمناهضة إقامة مصنع «أجريوم» للكيماويات أن اللجنة تعد قائمة سوداء بأسماء المتورطين في الموافقة علي إقامة هذا المصنع وأن القائمة تضم عددا كبيرا من المسئولين وأعضاء مجلس الشعب والشخصيات العامة وسوف يتم إعلان تلك القائمة علي الرأي العام.. وإذا كانت غضبة أهالي دمياط وثورتهم الناضجة العاقلة قد نجحت وقتها في وقف مشروع إقامة مصنع «أجريوم» لكن الملاحظ واللافت للانتباه أن مكتب النائب العام لم يحقق في البلاغات التي قدمت إليه بشأن العمولات والرشاوي التي دفعت للحصول علي الموافقات الخاصة بإقامة مصنع «أجريوم» في دمياط.. والملاحظ كذلك أن الأخ ناصر العمري منسق اللجنة الشعبية لمناهضة مشروع مصنع «أجريوم» لم يكشف للرأي العام قائمة المرتشين الذين تلقوا العمولات.. وحتي السفير الكندي في القاهرة «فيليب ماكينون» لم يفصح عن أسماء من تلقوا رشاوي من الشركة الكندية للحصول علي الموافقات الخاصة بإقامة مصنع «أجريوم».. وإذا كان البعض ينظر للنيابة العامة المصرية علي أنها جزء من السلطة التنفيذية تميل أحيانا مع «توجيهاتها».. وأن أعضاء اللجنة الشعبية لمناهضة مصنع «أجريوم» ربما يكونون قد تعرضوا لضغوط للملمت الموضوع وعدم الخوض في الأسماء.. لكن صمت السفير الكندي بالقاهرة طوال هذه الفترة وحتي الآن كان غير مبرر علي الإطلاق وعدم إفصاحه عن أسماء المسئولين المصريين الذين تلقوا الرشاوي بدا أمرا مستغربا لا يليق باسم ومكانة كندا كدولة ديمقراطية متحضرة يقوم نظامها السياسي علي الشفافية وعدم التستر علي أي فساد.. والذي جعلنا نتذكر موضوع رشاوي شركة «أجريوم» الكندية هو ما أثير في إحدي المحاكم الأمريكية قبل أسبوعين من اتهامات لشركة «ديملر بنز» الألمانية المنتجة لسيارات مرسيدس بشأن تقديمها رشاوي لمسئولين في عدة دول بينها مصر بغرض تسهيل أعمال ومبيعات الشركة في تلك الدول وأن عملية دفع الرشاوي والعمولات لمسئول مصري عبر شركة تدعي «مصر للاستثمار» جرت بين عام 1998و2004 وأن الرشوة الأولي كانت بمبلغ 1.1 مليون مارك ألماني أما الرشوة الثانية للمسئول المصري فكانت بمبلغ 322 ألف يورو وأن هذه الرشاوي شملت سيارة مرسيدس من فئة s تتجاوز قيمتها قبل الجمارك 300 ألف دولار.. والمثير والمدهش في موضوع رشاوي مرسيدس أن الحكومة المصرية التي تمتلك عدة أجهزة أمنية للمعلومات تكتمت اسم المسئول المصري الذي تلقي رشاوي شركة «ديملربنز» الألمانية ولم تفصح عن شخصيته وهو ما أدي بدوره إلي تنامي الشائعات حول عدد من الأسماء كان من بينها اسم رئيس وزراء سابق واسم ابن مسئول كبير في الدولة يعمل في مجالات «البيزنس».. وكان الواجب يحتم علي الحكومة أن تبادر لكشف شخصية المرتشي مهما كان حفاظا علي سمعة الشرفاء الذين قد تطالهم الشائعات. ويرتبط بقضايا الرشاوي والعمولات كأحد أشكال الفساد في مصر قضية الصناديق الخاصة القائمة خارج الميزانية الرسمية للدولة والتي تزيد علي ألف صندوق.. ومشكلة هذه الصناديق أنها لا تخضع لرقابة الجهاز المركزي للمحاسبات لا في أوجه الإنفاق ولا في لوائحها ولا في نظم عملها.. ولكنها تتبع بعض الجهات والمؤسسات السيادية «ذات الأنياب والمخالب».. ولهذا لا يجرؤ احد علي الاقتراب منها ولا حتي مجلس الشعب بأعضائه.. وقد جاء ذكر تلك الصناديق خلال الأسبوعين الماضيين في تقرير الجهاز المركزي للمحاسبات وفي مناقشة وقائع الفساد في مصر في بعض الصحف والفضائيات التليفزيونية حيث قدرت أرصدة هذه الصناديق برقم تريليون و273 مليار جنيه مصري جاء معظمها من خلال جيوب المواطنين البسطاء متمثلة في تذاكر دخول المستشفيات وغرامات ورسوم طريق ورسوم استخراج أوراق رسمية وغيرها.. وتمول هذه الصناديق مصاريف ونفقات ومخصصات «الكبار» الشهرية في عدة جهات ومؤسسات وكذلك مصاريف مكاتبهم إضافة إلي مكافآت نهاية الخدمة لهم ولكبار معاونيهم.. ويحدث هذا في الوقت الذي تجري فيه استباحة أموال التأمينات والمعاشات من قبل وزير المالية.. وإذا كان النائب المستقل كمال أحمد قد ضبط الحكومة وهي تمد يدها علي مبلغ 24 مليارًا و300 مليون جنيه يمثل فائض الحساب الاكتواري لأموال التأمينات والمعاشات واستغلته لسد العجز في نفقات عامة وبالمخالفة للدستور والقانون - فأن الأخطر من ذلك ما قاله الدكتور محمد عطية سالم الوكيل الأسبق لوزارة التأمينات في صحيفة «الدستور» الأربعاء الماضي من أن هناك 121مليار جنيه من أموال المعاشات البالغة 430 مليار جنيه لا يعرف أحد مصيرها ولا يتحدث عنها أحد.. وهو كلام خطير يجعلنا نسأل حكومة علي بابا: من أخذ تلك المليارات وما هو مصيرها؟!.