الحرب الباردة هي مصطلح يستخدم لوصف حالة الصراع والتوتر والتنافس، التي كانت بين الولاياتالمتحدةالأمريكية والاتحاد السوفييتي، وحلفائهم من الفترة من منتصف الأربعينيات حتى أوائل التسعينيات، وظننت كما ظن الكثيرون أن هذه الحرب انتهت منذ انهيار الاتحاد السوفييتي عام 1991، ولأن الجمهورية الروسية هي كبرى جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق، وهي الوريث (الشرعي) له بعد انفصال أربع عشرة دولة عن الجسد السوفييتي الراحل العملاق؛ فقد استمرت الحرب باردة تارة، ودافئة تارة أخرى، عبر العقدين السابقيَن، حتى انفجرت ساخنة على أرض سوريا الحبيبة، أوائل عام 2011. وعبر العقدين الماضيين، اتضحت رغبة قادتها في بسط سلطانها على العالم، وسيطرتها على منطقة البحر المتوسط والبحر الأحمر والخليج العربي، وبعد أن سيطرت على منابع البترول في العراق، ومن قبلها على بحار بترول وثروات الخليج، واستطاعت باختراعها الجهنمي؛ الحرب على الإرهاب السيطرة على أفغانستان والعراق، وأصبحت في بضع سنوات (الشبّيح) الأول في العالم، لا ينافسها على هذه المكانة أية دولة، أو أية قوة في العالم، وروسيا منافسها القديم لم يبق لها في منطقة الشرق الأوسط إلا قاعدةٌ واحدة في ميناء طرطوس السوري، فقد أدخلهم حافظ الأسد إلى سوريا منتصف تسعينيات القرن الماضي قبل وفاته، ولن يخرجوا إلا على جثثنا أو جثثهم !
أما في الداخل السوري؛ فقد حرص العلوي حافظ الأسد منذ توليه السلطة عام 1970، على (علونة) الجيش والحكومة والسلطة، بحيث لا يتولى منصبا رفيعا في الحكومة، أو رتبة عليا في الجيش إلا العلويون المخلصون له، ولنظام حكمه البعثي العلوي المستبد، ويذكر السوريون أحداث حماة عام 1982، إذّاك؛ هدمت قوات الجيش السوري بقيادة رفعت الأسد حماة على رؤوس أهلها، وقتلت دبابات وصواريخ وطائرات الجيش السوري الباسل أربعين ألف سوري، بدعوى أنهم كانوا يخططون لقلب نظام الحكم والاستيلاء عليه..
ومرت الأيام، واندلعت الثورة في كل أنحاء سوريا، منذ أوائل عام 2011 حتى الآن، وأعداد القتلى الشهداء تتزايد كل يوم، وهرب أهل سوريا إلى البلاد المجاورة التي استقبلتهم كلاجئين، وارتكب الجيش السوري (الباسل) مذابح يندى لها جبين كل حر، ولكن يبدو أن الدنيا لم يعد فيها أحرار ذوي جباه تندى، فقد وقفت كل دول العالم تتفرج والأمر لا يعنيها، وكأن من يُقتلون ذبابٌ لا قيمة لهم ولأرواحهم، فلماذا وقفت كل دول العالم هذا الموقف ؟ هل هو الخوف من اندلاع الحرب بين روسيا وأمريكا ؟
الحرب تدور رحاها بالوكالة فعلا بين الدولتين العظميين، على الأرض السورية، وقودها دماء السوريين، ودمارها يحيق بالأرض السورية، والمساجد السورية، والبيوت السورية، والحياة السورية، الروس لا يقبلون التنازل عن قاعدتهم في طرطوس، والأمريكان لا يقبلون بديلا عن السيطرة على العالم بزوال القاعدة الروسية، وسوريا تدفع ثمن الحرب من دماء مائتي ألف شهيد، ومليون مصاب، وملايين اللاجئين حتى الآن.. فهل إلى خروج من سبيل ؟ هل إن رحل بشار الأسد أو قُتِل ستحل مشكلة سوريا ؟
أبدا.. سيستمر القتل والتدمير، لأن القوتين المتحاربتين على الأرض السورية، كلاهما لها أطماعها ومصالحها، كما أن لها تاريخها الدموي الإرهابي في تدمير الحياة أينما حلت، أمريكا لم تقم إلا على أنقاض حضارة سكان الأرض الأصليين الذين أسموهم الهنود الحمر، وأبادوا عشرات الملايين منهم عبر مائتي سنة، والشيوعيون في الاتحاد السوفييتي أبادوا عشرين مليونا من المسلمين في خمسين عاما، ستالين وحده قتل منهم أحد عشر مليونا.. فكلتا الدولتين قامت على الدم والإرهاب، والقتل والتدمير، والحرب التي ادعوا برودتها لم تكن أبدا باردة إلا في الإعلام، وبقيت طوال عشرات السنين ساخنة مشتعلة، وبالأخص في منطقتنا، منذ أن شاركت قوى الاستخراب في زرع دمّل إسرائيل في خاصرة دول المنطقة، وتآمرت مع حكامها على ضمان أمن إسرائيل، ومنهم بالطبع عائلة الأسد، التي لم تطلق قواتها طلقة رصاص واحدة على جيش إسرائيل المحتل، ولم يكن تسليح الجيش في عهد حكم الأسد إلا لقتل السوريين.
ولقد وصف الرسول صلى الله عليه وسلم حالنا هذه الأيام في حديث بليغ جامع، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( يوشك أن تداعى عليكم الأمم من كل أفق كما تداعى الأكلة على قصعتها، قلنا يا رسول الله أمِنْ قلة بنا يومئذ؟ قال: أنتم يومئذ كثير، ولكن تكونون غثاء كغثاء السيل، ينتزع المهابة من قلوب عدوكم، ويجعل في قلوبكم الوهن، قلنا: وما الوهن؟ قال: حب الحياة وكراهية الموت).. إن أمة الإسلام تعيش هذه الأيام حالة الوهن، مليار ونصف من المسلمين، لا سمع ولا بصر، لا تأثير ولا أثر، ولا أمل لنا إلا بأن نعلن عن رغبتنا الأكيدة في أن نتغير، وحينها فقط سنستحق أن يغير الله ما نزل بنا: (إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ ) الرعد 11.. والله من وراء القصد.