صورة الشيخ زكريا أحمد فى منزله البعض كان يعتقد أنه أحد أقاربه، بينما زياد الرحبانى يعتز به كموسيقار كبير ويعتبره أحد أفراد الأسرة المقربين. تابعت بشغف اللقاء الذى أجرته منى الشاذلى مع زياد رحبانى فى برنامجها «جملة مفيدة»، حيث صاحبه البيانو الخاص به وعازف الكونترباص أندريه، كما أن صوت فيروز كان يأتى إلينا بين الحين والآخر ليضفى عبقا سحريا ينعشنا ويكمل بدايات غناء لزياد ونحلق مع صوتها للسماء.
كان من المهم أن نقترب من التجربة الرحبانية التى شكلت خطا موازيا على المستوى العربى للتجربة المصرية، ولا تزال تتدفق من خلال زياد الذى أكمل ما بدأه والده عاصى وعمه منصور، وإن كان هذا قد أصاب العم وقتها بجرح، ولكن الأم فيروز راهنت بعد رحيل الأب على الابن فقط. فى هذا الحوار عشنا قليلا من الكلام كثيرا من الأنغام، كانت مفاجأة بالنسبة لى أن الشيخ إمام كان سيغنى «أنا مش كافر» التى اشتهرت بصوت زياد، وانتظرت أن تلتقط منى الخيط، حيث إن الشيخ إمام لم يسبق له أن غنى سوى ألحانه، فكيف كان سيردد لحنا لزياد، كان إمام فى البداية من بطانة الشيخ زكريا أحمد وواحد من أشهر حفيظة ألحانه، ويقال إنه قد حدث بينهما خلاف عندما اكتشف أنه يغنى فى جلساته الخاصة لحنا لأم كلثوم قبل أن يقدمه إلى الناس، وخاف الشيخ زكريا من سرقته، فأبعد الشيخ إمام الذى بدأ فى الاستقلال الفنى وكوَّن بعدها مع أحمد فؤاد نجم هذا الثنائى الذى شكل وجدان الأمة العربية، وظل يغنى فقط ألحانه. انتظرت أن تلتقط منى الخط المشترك بين زياد والشيخ إمام، وهو الشيخ زكريا أحمد، ولكنها قفزت بعيدا بعد أن أخذها الحوار بعيدا.
شىء آخر مهم اقترب منه زياد هو كشف سر هذا الثنائى عاصى ومنصور، عندما قال إن أغنية «ع هدير البوسطة» والبوسطة فى اللهجة اللبنانية تعنى الحافلة، بعد أن كتبها ولحنها زياد وأسمعها لوالده وجد أنها تحتاج إلى ضبط فى الصياغة الشعرية، فقال له اذهب لعمك منصور.
وكأنه يكشف دون أن يقصد جانبا من سر تلك العلاقة التى احتار فيها الكثيرون، فهل كان منصور هو الشاعر، خصوصا أنه أصدر ديوان شعر خاصا به بعد رحيل عاصى، كما أن القريبين من الرحبانية كثيرا ما يشيرون إلى أن منصور فى تلك الثنائية هو الشاعر، بينما عاصى هو الموسيقار، وإن كان بالطبع هذا لا ينفى أن كلا منهما كان يشارك بنصيب ما لدى الآخر، منصور يضيف للموسيقى، وعاصى لديه ومضاته الشعرية.
لدينا فى السينما تجارب مماثلة، الإخوة تافيانى وكوهين وداردين، لم يسأل الناس عن نصيب كل من الأشقاء الثلاثة، لأن العملية الإخراجية بطبعها علنية، هناك شهود إثبات على أن المخرجين كانا معا فى موقع التصوير.
ولكن الإبداع الموسيقى قبل أن يرى النور لا يعرف العلنية، فهو علاقة خاصة بين الشقيقين، منصور سبق أن قال إنه عندما يستمع إلى الأغانى والمسرحيات المشتركة بينهما لا يستطيع أن يحدد هل هذه الجملة الشعرية أو الموسيقية له أم لشقيقه. من اللمحات الهامة فى تلك التجربة اللقاء مع عبد الوهاب الذى كان يرى فى صوت فيروز قدسية الملائكة، فهى تنتمى إلى مقاييس السماء، ولحن لها «سهار» و«مربى» و«سكن الليل» ولكن عاصى ومنصور انفردا بالتوزيع الموسيقى، فاحتفظا بالمذاق الرحبانى، وهو ما تكرر عند غناء فيروز عددا من أغانى عبد الوهاب القديمة مثل «خايف أقول اللى فى قلبى».
زياد يقف بإعجاب لا يمكن إغفاله لموسيقى سيد درويش، ويشبهه بالمناقيش، أى أنه سريع الهضم حلو المذاق، ويرى أن السنباطى عظيم، ولكن موسيقاه أكثر تعقيدا، لماذا لم تلتقط منى الخيط وتسأله عن مصير القصائد الثلاث التى سجلتها فيروز لتليفزيون الكويت بتلحين السنباطى قبل أكثر من 35 عاما، ولم تخرج حتى الآن للناس، يوجد لدى ورثة السنباطى تسجيل نادر فى أثناء البروفة يجمع بين فيروز والسنباطى على العود، استمعت إلى جزء منه، فلماذا لا يستمع إليه الناس.
زياد لا يزال يغنى «كيفك أنت» و«عودك رنان»، وتُكمل فيروز بصوتها ما بدأه زياد، ونظل نتطلع للسماء، وتنتهى السهرة ولا تنتهى النشوة.