وزير الرياضة يفتتح ملتقى الشباب الدولي للإبداع والابتكار في الذكاء الاصطناعي    انطلاق مسيرة في إسطنبول تنديدا بالحرب الإسرائيلية على قطاع غزة (فيديو)    إعلام إسرائيلي: متظاهرون يحتجون قرب منزل نتنياهو لمطالبته بالتنحي    البيت الأبيض يعلن موعد افتتاح «رصيف غزة العائم»    ولي العهد ورئيس الوزراء العراقي يستعرضان العلاقات الثنائية    رئيس جامعة دمياط يكرم بطلة المنتخب للملاكمة يمنى عياد    ضبط 135 ألف عبوة سجائر مختلفة الأنواع محتكرة لرفع أسعارها    زاهي حواس يكشف تكلفة حفل الزفاف الأسطوري للملياردير الهندي (فيديو)    ملك أحمد زاهر: تخوفت من دوري في مسلسل محارب قبل التصوير    فرقة بني سويف تقدم ماكبث على مسرح قصر ثقافة ببا    الصاوي يستقبل الفريق الزائر لضمان الجودة والاعتماد بكلية اُصول الدين والدعوة بالمنوفية    نشرة «المصري اليوم» من الإسكندرية: المحكمة توقف حبس فرج عامر لهذا السبب.. والبابا يصلي قداس أحد الشعانين بكنيسة رئيس الملائكة    الرئيس عباس يطالب أمريكا بمنع إسرائيل من "اجتياح رفح" لتجنب كارثة إنسانية    خيانة جديدة للسيسى ..امتيازات الإمارت ب"رأس الحكمة" تحولها لدولة داخل الدولة على حساب السيادة المصرية    الشيبي يلجأ إلى الشناوي ومعلول لتبرئته في قضية حسين الشحات    نهائي كأس مصر للكرة الطائرة.. الأهلي 16-13 الزمالك.. الشوط الأول    حفيظ دراجي يرد عبر «المصري اليوم» على أنباء رحيله عن «بي إن سبورتس»    "صفقة تبادلية مع برشلونة".. تقارير تكشف موقف بايرن ميونخ من رحيل نجم الفريق    أون لاين.. خطوات إصدار بدل تالف أو فاقد لبطاقة تموين 2024    غدا .. محاكمة 27 متهما بإنهاء حياة شخص بأسيوط    تحذيرات عاجلة لهذه الفئات من طقس الساعات المقبلة.. تجنبوا الخروج من المنزل    امتحانات الفصل الدراسي الثاني.. نصائح لطلاب الجامعات ل تنظيم وقت المذاكرة    وزير السياحة السعودي: هجمات الحوثيين لا تشكل تهديدا لمنتجعات المملكة على البحر الأحمر    الوفد ينظم محاضرة تحديات الأمن القومي في عالم متغير    بعد عامين من انطلاقه.. «محسب»: الحوار الوطني خلق حالة من التلاحم والتوافق بين أطياف المجتمع المصري    حكم ورث شقة إيجار قديم بالتحايل؟.. أمين الفتوى يوضح    دعاء راحة البال والطمأنينة قصير.. الحياة مع الذكر والقرآن نعمة كبيرة    شركة استرازينيكا: مبادرة 100 مليون صحة ساهمت في القضاء على فيروس سي    منها تناول السمك وشرب الشاي.. خطوات هامة للحفاظ على صحة القلب    «حرس الحدود»: ضبط كمية كبيرة من الأسلحة والذخائر قبل تهريبها    جدول امتحانات الصف الأول الإعدادي بمحافظة الأقصر    التشكيل الرسمي للمقاولون العرب وسموحة في مباراة الليلة    بروتوكول بين إدارة البحوث بالقوات المسلحة و«التعليم العالي»    "الرعاية الصحية" تشارك بورشة العمل التي أطلقتها منظمة الصحة العالمية    فيلم «شقو» ل عمرو يوسف يتجاوز ال57 مليون جنيه في 19 يوما    إعلام عبري: 30 جنديًا بقوات الاحتياط يتمردون على أوامر الاستعداد لعملية رفح    رمضان عبد المعز: فوّض ربك في كل أمورك فأقداره وتدابيره خير    حجازي: مشاركة أصحاب الأعمال والصناعة والبنوك أحد أسباب نجاح التعليم الفني    وزير بريطاني يقدر 450 ألف ضحية روسية في صراع أوكرانيا    نشرة في دقيقة | الرئيس السيسي يتوسط صورة تذكارية عقب افتتاحه مركز الحوسبة السحابية الحكومية    طريقتك مضايقاني.. رد صادم من ميار الببلاوي على تصريحات بسمة وهبة    الرئيس العراقي خلال استقباله وزير الري: تحديات المياه تتشابه في مصر والعراق    مستشفيات جامعة بني سويف تستقبل مرضى ومصابي الحرب من الأشقاء الفلسطنيين    رفض والدها زواجه من ابنته فقتله.. الإعدام شنقًا لميكانيكي في أسيوط    رئيس هيئة الدواء يبحث سبل التعاون لتوفير برامج تدريبية في بريطانيا    بصلي بالفاتحة وقل هو الله أحد فهل تقبل صلاتي؟..الإفتاء ترد    الليلة .. سامى مغاورى مع لميس الحديدى للحديث عن آخر أعماله الفنية فى رمضان    «رجال الأعمال المصريين» تدشن شراكة جديدة مع الشركات الهندية في تكنولوجيا المعلومات    سفير روسيا بمصر للقاهرة الإخبارية : علاقات موسكو والقاهرة باتت أكثر تميزا فى عهد الرئيس السيسى    موعد مباريات اليوم الثالث بطولة إفريقيا للكرة الطائرة للسيدات    «صحة المنيا» تنظم قافلة طبية في قرية جبل الطير بسمالوط غدا    تأجيل محاكمة 11 متهمًا بنشر أخبار كاذبة في قضية «طالبة العريش» ل 4 مايو    اعرف مواعيد قطارات الإسكندرية اليوم الأحد 28 أبريل 2024    «فوبيا» تمنع نجيب محفوظ من استلام «نوبل»    قضايا عملة ب 16 مليون جنيه في يوم.. ماذا ينتظر تُجار السوق السوداء؟    خلال افتتاح مؤتمر كلية الشريعة والقانون بالقاهرة.. نائب رئيس جامعة الأزهر: الإسلام حرم قتل الأطفال والنساء والشيوخ    البوصلة    حسام البدري: أنا أفضل من موسيماني وفايلر.. وكيروش فشل مع مصر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ملف خاص.. معاناة جمهورية الميكروباص
نشر في الدستور الأصلي يوم 17 - 03 - 2013


أعد الملف: أسماء فتحى - إيمان البصيلى
من منا لا يستخدم الميكروباص؟ وهو وسيلة السفر الرئيسية التى تربط القاهرة بكل محافظات الجمهورية، وهو وسيلة المواصلات البديلة للألوف، ربما الملايين، الذين لا يستطيعون تحمل نفقات ركوب «التاكسى»، أو شراء سيارات خاصة.
ومن هنا تبرز الأهمية الحيوية «الشريانية» العظمى للميكروباص فى حياة المصريين، وهو ما زاد بروزا ووضوحًا خلال الأيام الفائتة، عندما أضرب سائقو الميكروباص، وتوقفوا عن العمل احتجاجًا على نقص السولار، فأصيبت حياة المصريين بالشلل، وتعطلت مصالحهم، وتوقف كثير من المصالح والهيئات عن أعماله، بسبب تعذر وصول الموظفين إلى مكاتبهم لممارسة أعمالهم.
ودورة الميكروباص ليست مجرد أربع عجلات فقط، بل تمتد إلى أكثر من ذلك، فهى منظومة كاملة تشترك فيها السيارة بكل ما تحتاجه من سولار وطرق ممهدة والسائق وما يواجهه من أزمات مع الغرامات والمخالفات والتعامل مع بلطجية الكارتة وقاطعى الطرق، مرورا بمواقف السيارات، وكل ما يحدث بها، وعلاقة السائقين بالداخلية وإدارات المرور نهاية بالركاب، وعلاقتهم بالسائقين. وفى كل مرحلة من هذه المراحل كثير من القصص والحكايات المثيرة والعلاقات المضطربة بين السائقين وباقى أفراد هذه المنظومة، التى تتسبب فى وقوع كثير من المشاحنات والمشاجرات سواء بين السائقين وبعضهم أو بينهم وبين أصحاب محطات البترول، للحصول على السولار أو مع بلطجية الكارتة، لرفض الكارتة الإجبارية أو مع الركاب عند رفع الأجرة ليجد السائق فى النهاية أنه محاصر من كل الجهات، وأنه يحارب مجتمعًا بأكمله، مجتمعًا ينظر إليه على أنه «فئة دنيا»، انتهازية تتحكم بباقى الفئات لمجرد امتلاكها سيارات تقلهم، والشريحة العظمى منهم مدمنون وتجار مخدرات، وهو ما يخالف فى مضمونه كثيرا من أوجه الحقيقة التى إذا نظرنا إليها بعمق نجد أن هؤلاء السائقين مثلهم مثل باقى المجتمع الذى خرجوا من رحمه يكافحون للبقاء وكسب قوت يومهم رغم الضغوط الكثيرة التى يفرضها عليهم المجتمع والظروف المعيشية الصعبة التى نشؤوا بها ليبقى الميكروباص وسائقه معيارا قويا على الحياة الاجتماعية للمجتمع وطبيعة كل شريحة به، خصوصا الفئة العظمى التى تركب الميكروباص.
1. السولار.. وقود حياة السائقين
أزمات السائقين ومشكلاتهم فى مصر، أحد الملفات الشائكة المتخَمة بالعديد من التفاصيل، إضافة إلى أنها دائما «محلك سر» لا تحظى باهتمام المسؤولين، وربما لا يعيرونها اهتماما من الأساس، فكلهم يركب سيارته الخاصة بسائق خاص، ولا يعنيهم فى كثير أو قليل أن يخصصوا قليلا من الوقت للبحث عن حل لأزمة الأزمات فى النقل والمواصلات!

تتعدد المشكلات والهموم ويبقى السولار هو الهم الأكبر الذى يعانى منه السائقون فى كل محافظات الجمهورية، ففى أكثر من موقف لسيارات الأجرة، استطلعت «الدستور الأصلي» رأى السائقين عن أزماتهم، ودائما ما كان يأتى على رأس الجواب «السولار.. هو أزمتنا الكبيرة، بنتبهدل ونبات فى البنزينات ونتحمل الإهانات، علشان كام لتر سولار».

«السولار هو الحياة».. هكذا تحدث محمد أحمد، سائق بموقف رمسيس «طريق مصر إسكندرية»، الذى أوضح أن قوت يومهم يتوقف على وجود السولار، فإذا «وجد السولار، دارت السيارة، وجبنا رزقنا، غير كده وقف حال وخراب ديار».

أحمد قال إنهم لا يرغبون فى قطع الطرق ولا تعطيل مصالح المواطنين، ولكنهم لا يلجؤون إلى ذلك إلا عندما يفيض بهم الكيل «يعنى لما أفضل بالأيام بلف حوالين نفسى عشان أجيب صفيحتين سولار، وماألاقيش وأركن العربية، مين هيأكّل عيالى بعد كده؟! لازم أقطع الطريق عشان نقول للى فوق إن فيه مشكلة».

أما عصام عبد القادر، سائق بموقف رمسيس، فقال إنهم يعانون «الأمرّين» فى الحصول على السولار، ف«صفيحة الجاز اللى ب22 جنيه بنقف طابور طويل 50، 60 عربية بالساعات عشان ناخدها ب45 جنيه، ومش لاقينها!»، مضيفا أنهم بعد كل هذه المعاناة فى محطات البترول يضطرون إلى رفع الأجرة على الركاب، وهو ما يدخلهم فى مناوشات ومشكلات أخرى «بس نعمل إيه غصب عننا لازم نعوض الساعات اللى وقفناها فى البنزينة وفرق سعر الصفيحة يعنى الأجرة ب2.5 جنيه يوم ما بتقفل معانا بنرفعها ل3 جنيه، واللى مش عاجبه مايركبش»!!

ووافقهما فى الرأى، طارق ياقوت سائق بموقف عبد المنعم رياض، الذى أكد أن السولار هو الأزمة الحقيقية التى تواجه السائقين، خصوصا مع غياب الرقابة وانعدامها على محطات البنزين، موضحا أن «هناك سائقين نقل ثقيل يصنعون بسياراتهم (تنكين) على جانبى السيارة وسعتهما تقدر ب1700 لتر وبعضهم يورد للبائعين فى السوق السوداء والبعض الآخر يتاجر بنفسه فيه»، مضيفا أن محطات البنزين تسهم بشكل كبير فى خلق هذه المشكلة من خلال سماحها للخزانات وأصحاب عربات الكارو بشراء السولار، لأنهم يدفعون لهم نسبة أو ما يطلقون عليه «الشاى»، مشددا على أن «الأزمة لن تنتهى إلا بعد عودة الرقابة».

عادل فتحى سائق بموقف حلوان، لم يخالف سابقيه، مؤكدا أيضا أن «السولار» هو أكبر مشكلاتهم التى تتسبب فى وقوع العديد من المشاجرات بينهم، لكنهم قرروا اتخاذ إجراءات تصعيدية فى مواجهة الأمر، منها رفع الأجرة على الركاب والمتضرر يلجأ للقضاء أو الاعتصامات والتظاهر وربما الإضراب، وهو ما تم خلال الأيام الماضية، واتضح للجميع خطورة أبعاده وآثاره السلبية على الجميع.

2. قيمة المخالفات تتجاوز سعر السيارات !
مشكلة أخرى لا تقل خطورة وفداحة عن نقص السولار بالنسبة إلى السائقين، فدائما ما يشكو سائقو سيارات الأجرة من «المخالفات والغرامات المجمعة» التى تقدر بمبالغ «جزافية» طائلة عندما يذهبون لتجديد رخص سياراتهم، هذا على الرغم من الفراغ الأمنى والمرورى الذى عاشه الشارع، وما زال، بعد الثورة ليجد السائقون أنفسهم مجبرين على دفع هذه الغرامات دون إبداء أسباب أو حتى الاعتراض، وهو ما يثير غضب السائقين ويفجر ثورتهم من آن إلى آخر دون حسم أو حل لهذه المشكلة.

خالد الجمصى، رئيس اللجنة الشعبية للدفاع عن حقوق العمال، وأحد السائقين، قال إن إدارة المرور «غاشمة ولا تراعى ضميرها فى ما تقوم به من عمل، فهى تستند إلى (السرفيس) الذى يقوم بفرض الإتاوات على السائقين بالمواقف إضافة إلى قيام ضباط إدارة المرور بتوقيع الغرامات العشوائية على السائقين رغم انسحابهم من الشارع منذ بدأت الثورة حتى الآن».

الجمصى قال إنهم حاولوا التفاوض بشأن هذه المخالفات الباهظة التى تقدر بشكل عشوائى ولكن دون جدوى، فالأزمة من وجهة نظره، تكمن فى إدارة المرور، والمحافظة لا تملك إلا القيام بدور الوسيط مع إدارة المرور، موضحا أن «إدارة المرور منذ اندلاع الثورة لا تقوم بأى عمل حقيقى فى الشارع، وكل ما تفعله هو البلطجة على السائقين واستنزاف أموالهم والتسول من كل سيارة ووضع مخالفات دون وجه حق لهم فيها على تلك السيارات»، مضيفا أن السائقين تظاهروا أكثر من مرة لتنفيذ حكم القضاء الصادر عام 2008 بإلغاء «الكارتة المجمعة» و«المخالفات المرورية».

من جانبه، أكد عمرو سيد سائق بموقف أحمد حلمى، أن السائقين يجدون غرامات باهظة مسجلة عليهم قد تصل إلى 100 ألف جنيه، وهو ما يفوق فى كثير من الأحيان ثمن السيارة ذاتها! قائلا «ده خراب بيوت والضابط اللى بيكتب مخالفات وهو فى بيته علشان يقفل أوراقه لازم يتعاقب»، مضيفا أن هناك مخالفات سجلت على سيارته بقيمة 30 ألف جنيه، رغم التزامه بخط سيره، لكنه فى الوقت ذاته يرفض دفع إتاوات السيرفيس، على حد وصفه.

3. الكارته.. والدفع بالإكراه وإلا... ؟
أما ثالثة الأزمات التى يعانى منها السائقون، فهى «الكارتة»، أو قيمة ما يدفعونه فى الموقف للقائمين عليه، أو بشكل أدق، «فارضو الإتاوات»، ومن يرفض الدفع، فعقابه معروف!

«آجى من هنا أدفع.. أروح هناك أدفع».. جملة بسيطة لكنها معبرة عن لسان حال السائقين الذين يعانون من مشكلة «الكارتة»، سواء كانت كارتة البلطجية داخل الموقف أو قطاع الطرق خارجه، الذين يقفون على الطريق ويصطادون السيارات ولا يسمحون بمرورها إلا بعد دفع «المعلوم» تحت قوة السلاح أو سرقة السيارة بأكملها، والمفاوضة بعدها على أخذ «معلوم» أكبر حتى يعيد السيارة إلى صاحبها وهو ما يشكل عبئا إضافيا على السائقين الموجودين فى الموقف وعلى الطريق باستمرار، فما بين الخوف على الحياة والخوف على السيارة يجبر السائقون على دفع هذه الكارتة.

مئات القصص بل ربما آلاف عاشها السائقون وحدهم أو وركابهم معهم، وبالفعل عاشت «الدستور الأصلي» عددا من هذه القصص، كنا شهود عيان على ما يحصل فيها.

الساعة السادسة مساء تنطلق سيارة من موقف المنيب فى طريقها إلى مركز العياط، وعند اقترابها من مطلع الدائرى يهجم شخص على باب السائق ويفتحه ويظل ممسكا به حتى يوقف السائق السيارة تحت تهديد «الأليكترك» أو «الصاعق الكهربائى»، مشيرا إلى عدد من زملائه بالاقتراب، وسط اندهاش واستغراب الركاب الذين لا يعون ما يحدث والشخص الغريب يحيطهم بهالة من الكلام غير المفهوم عن قصة صديق له مات بسبب أخطاء السائقين، وبعد مفاوضة السائق على سحب الرخصة ينهى كلامه ب«طب هاسيبك بس هات المعلوم الأول» ومن 200 جنيه حتى 50 جنيه كان خلاص السائق ومن معه ولسان حالهم جميعا «هو إحنا وصلنا لكده نتثبت فى قلب المنيب والساعة 6 المغرب»، ناهيك عن سرقة السيارات، خصوصا على طريق المريوطية ومساومة أصحابها على آلاف الجنيهات لردها إليهم بعد أن يكون دفع ما يقرب من نصف ثمنها مجددا.

عبد الله السيد سائق بموقف عبد المنعم رياض قال إنه لا يوجد موقف يخلو من كارتة البلطجية فهناك الكثير من البلطجية بالقرب من زهراء مدينة نصر على الطريق الدائرى، وموقف العاشر بجميع خطوطه يأخذون كارتة دون سند قانونى لها وكل سائق يدفع ما يقرب من 9 آلاف جنيه سنويا، فخلال الوردية الواحدة يقوم السائق بثلاثة أدوار يدفع فى كل دور 4 جنيهات كارتة، وربما أزيد من ذلك وإذا رفض الدفع يمنع من تحميل سيارته وربما يتطور الأمر للاشتباك معه، وتكسير زجاج سيارته خصوصا أن بحوزتهم أسلحة وبمجرد نزول الشرطة يختفون تماما.

السيد قال إن هناك نوعًا آخر من الكارتة أو ضريبة المرور التى يدفعها السائق على الطريق، عندما يعترض طريقه مجموعة من البلطجية، ويأخذون منه أموالًا تحت تهديد السلاح «خلاص الأمن انعدم وبقينا بنتثبت جوة المواقف وبراها وفى كل الأحوال لازم ندفع».

4. حتى الطرق.. باتت أزمة للسائقين
ربما تصل الساعات التى يقضيها السائق على الطريق أكثر كثيرا من الساعات التى يقضيها من عائلته، ولذلك يشعر كثيرا بالارتياح إذا كان الطريق ممهدا ويأمن له سلامته وسلامة سيارته، وهو ما لا يحدث كثيرا فى مصر التى يعانى معظم طرقها من تكسيرات ومطبات وعيوب خطيرة، ينتج عنها الكثير من الحوادث سنويا، ليجد السائق نفسه مضطرا للاختيار بين طريقين كليهما مر، فإما المضى فى هذا الطريق بكل عيوبه وأضراره على سلامة سيارته وإما البحث عن طريق آخر أفضل حالًا منه، حتى لو سلك طريقا عكسيا خصوصا شباب السائقين وهو يعرض بعضهم للخطر.

طريق المريوطية خير مثال على هذه الطرق فمن منطقة سقارة تبدأ معاناة السائقين، حيث ينقسم الطريق إلى حارتين يفصل بينهما ترعة المريوطية، إحداهما وهى المتجهة إلى منطقتى المنيب والهرم بها الكثير من المطبات العشوائية إضافة إلى حفر وتكسيرات كبيرة فى بنية الطريق، يلجأ السائقون إلى السير فى الاتجاه العكسى فى مواجهة السيارات القادمة من المنيب، فقال رمضان محمد أحد السائقين على خط برنشت - المنيب إنهم يعانون من هذا الطريق الذى يعرض سياراتهم لأخطار كثيرة، قد تصل إلى كسر شىء فى بنية السيارة إضافة إلى شكوى الركاب الكثيرة من المطبات، وهو ما يضطر السائقين إلى السير بسرعة أقل وبدلا من أن يقوم بأربعة أو خمسة أدوار يقوم بثلاثة فقط فالفارق بين السير على هذا الطريق والسير فى الاتجاه العكسى الممهد يصل ل20 دقيقية على الأقل، «إحنا بندخل الاتجاه العكسى غصب عننا مش بمزاجنا رغم أن ذلك يعرضنا للأخطار والمخالفات، ولكن هو أفضل من الطريق التانى المكسر وكله مطبات والركاب بيشتكوا منه».

محمد قال إنه رغم أن طريق المريوطية طريق سياحى، وأن طريق الاتجاه إلى المنيب أنشأ بعد طريق العودة فإنه منذ إنشائه به الكثير من العيوب، وعندما حاولت المحافظة إصلاحه «زادته عيوبا على عيوبه»، وبعد الثورة لم يعد يهتم به أحد.

وهو نفس الحال بالنسبة إلى طريق الصف - حلوان من ناحية الكورنيش، والذى يضطر السائقون لرفع الأجرة على الركاب وأن يستبدلوا به طريق الأوتوستراد السريع مما يعرض حياتهم للخطر، خصوصا أن السرعة عالية على هذا الطريق، وهو ما ينتج عنه وقوع الكثير من الحوادث، والتى تكون أغلبها بالغة الخطورة أو «حوادث موت»، على حد تعبير السائقين.

5. التكاتك.. عفاريت الأسفلت
«التوك توك» مشكلة تواجه السائقين فى عدد كبير من المحافظات والقرى، فهو يسرق الزبائن حسب تعبير أصحاب الميكروباصات، ويغريهم بتوصيلهم حتى أبواب منازلهم، وهو ما يوتر العلاقة بين سائقى التوك توك وسائقى الميكروباص الذين يعنفون أصحاب التكاتك، بل وربما يدخلون فى مشاجرات معهم بسبب الركاب إضافة إلى السخرية الدائمة من التوك توك وسائقيه.

أحمد جميل سائق توك توك بمركز الصف التابع لمحافظة الجيزة أكد أن سائقى الميكروباص كثيرا ما يتشاجرون معهم فى المواقف بل ويطردونهم منها، وقد يصل الأمر إلى استخدام الأسلحة البيضاء، لكنهم لا يخافونهم فهم يسعون بحثا عن رزقهم والراكب هو من يختار وسيلة المواصلات التى يركبها مضيفا أن سائقى الميكروباص يخافونهم، ويعترضون طريقهم من آن لآخر» أفضل أوقات عمل لأصحاب التكاتك هى التى يضرب فيها سائقو الميكروباص أو يتظاهرون فنشعر أنه لا يوجد شركاء لنا أو أى منافسين على الطرق».

سيد جمال سائق ميكروباص بالمنيب قال إن لديهم أكبر نسبة تكاتك، لذلك فمعاناتهم أكبر، فقد يقف الميكروباص بجوار محطة المترو نصف ساعة لتحميل الركاب، فى الوقت الذى لا يكل التوك توك عن العمل ويقوم بنقل عشرات الركاب أمام السائق، وهذا ما يستفزه وربما يتطور الأمر إلى الاعتداء عليه فى محاولة لإبعاده عن أماكن تجمع الميكروباصات، إلا أنه دائما ما يأتى إلى الموقف نظرا إلى صغر حجمه و«يسرق الركاب» على مرأى ومسمع من السائقين.

هذا بينما قال خالد الجمصى سائق بحلوان إن التكاتك تهدد السائقين، خصوصا الذين يعتمدون فى عملهم على الطرق الداخلية بالمركز، فيجدون أن التوك توك يأخذ من رصيد الميكروباصات من الركاب، وهذا ما يتسبب دائما فى المشاحنات بين كلا الطرفين، مؤكدا أن شوارع حلوان الداخلية تعج بالتكاتك، والميكروباص يضطر إلى الانتظار لوقت طويل حتى يقوم بالتحميل، معتبرا أن التوك توك أحد أهم العوامل التى تُفشل إضراب السائقين، لأنه يؤدى ذات العمل الذى يقومون به، وبالتالى تأثير الإضراب يقل، وهو ما ظهر جليا فى إضراب أصحاب الميكروباصات قبل عدة أيام، فاستغل أصحاب التكاتك الأزمة وقاموا بنقل الركاب إلى المناطق التى تتوفر بها وسائل مواصلات، وحصلوا على أضعاف أجرهم، فالتوك توك كالتاكسى يتعامل «بالتوصيلة» على حسب طول المسافة أو سوء الطريق، على عكس الميكروباص «المحدد الأجرة».
«عماد الكبير» نموذج علاقة السائقين ب«الداخلية»
تاريخ من الإهانة والبطش من قبل ضباط الداخلية تجاه سائقى الميكروباص.. وبعد الثورة «انكسرت الهيبة»!

تدور الأيام وتتعدد الأسماء والأحداث ويبقى اسم «عماد الكبير» محفورًا فى أذهان السائقين ورمزا على ما عانه السائقون على يد الداخلية، هذا السائق الذى فتح ملف التعذيب والاعتداء الجنسى على المحبوسين داخل أقسام الشرطة فى عز جبروت وزارة الداخلية عام «2006» وبطشها، ليصبح على مدار أشهر طويلة حديث المجتمع ومعه الوجه الآخر فى بطولة القصة، النقيب إسلام نبيه، معاون مباحث قسم بولاق الدكرور الذى ألقى القبض على «الكبير» دون سند قانونى، وقام باحتجازه وتعذيبه ثم هتك عرضه بالقوة، وتصوير عملية التعذيب وهتك العرض بكاميرا موبيل للضغط على «الكبير» بفضحه بين زملائه السائقين.

ورغم إصدار محكمة جنايات الجيزة حكمها بمعاقبة نبيه بالحبس ثلاث سنوات فإنه تم الإفراج عنه فى 26 /3 / 2009 بعد قضاء ثلاثة أرباع المدة فى سجن مزرعة طرة، وتم إلحاقه للعمل بمديرية أمن سوهاج، لتبقى ذكراه مثالًا قويا على أزمة العلاقة بين السائقين ووزارة الداخلية.

«كلنا كنا عماد الكبير قبل الثورة».. هكذا قال على جمال أحد السائقين بموقف حلوان، مضيفا أن الشرطة كانت تتعامل بقسوة شديدة مع السائقين «أى حد كان يتم أخذه إلى أقسام الشرطة دون مبررات ويعامل أسوأ معاملة قد تصل إلى الانتهاكات الجنسية، ليصبح عبرة لغيره من السائقين، وحتى أصغر أمين شرطة لم نكن نقدر على مخالفته فكانوا يمارسون علينا أسوأ أنواع العنف الجسدى والنفسى دون وجه حق، ومن يعترض يفضحونه بين زملائه علشان تنكسر عينه»، مضيفا «علاقة الشرطة بالسائقين قبل الثورة كانت مبنية على الخوف والإرهاب لكن بعد الثورة الأمر اختلف تمامًا فقد كسرت هيبة الشرطة بل لم يعد لها أى وجود بالشارع، ومن تسول له نفسه من أفراد الشرطة العودة إلى الأفعال القديمة السائقون هم من يلقنونه درسا لا ينساه». متابعا «الآن يرفض السائقون دفع أى جنيه واحد كرشوة لأمين شرطة، وإذا حاول الأمين تغريمه قد تنشأ مشاجرة بين الطرفين، وهذا نتاج حالة الكره التى تملأ نفوس جميع السائقين تجاه رجال الشرطة، نتيجة أفعالهم ووحشيتهم التى أهانوا بها كرامة جميع المواطنين وعلى رأسهم السائقون قبل الثورة».

جمال قال إنه على الرغم من العلاقة المضطربة بين السائقين والشرطة فإن غيابها عن الشارع لا يفرحهم فهم بحاجة إلى دورها فى حمايتهم من بلطجية الطرق الذين يسلبون أموال السائقين وحتى سياراتهم تحت قوة السلاح، مضيفا لكن على الشرطة أن تعى أن السائق مواطن وله حقوق حتى يستطيع أن يؤدى ما عليه من واجبات.

مواقف الميكروباصات.. موالد يومية متكررة!
القاهرة من أكثر المحافظات المكدسة بمواقف السيارات التى تجعلها فى المركز من أكبر شبكة ربط بين معظم محافظات الجمهورية، فمن موقفى عبود ورمسيس اللذين يربطانها بمحافظات الوجة البحرى، إلى موقف المنيب الذى يربطها بالوجه القبلى وموقف عبد المنعم رياض وحلوان وأحمد حلمى لوصلها بباقى مناطق القاهرة الكبرى فى خريطة يصعب تعقبها، وإن كانت مواقفها تمثل «موالد» يومية متكررة بما تشهده يوميا من بشر ووقائع وأحداث!

فالحياة داخل الموقف تختلف كثيرا عن الحياة خارجه، حيث قوانين وأعراف خاصة وصارمة تسود بين السائقين وبعضهم بعضا، إضافة إلى أن الموقف فى الأصل مجتمع كائن ومستقل بذاته.. فيه كل ما يباع ويشترى من مأكل ومشرب وملبس وأحذية مرورا بالمخدرات ومصادقة النساء.

ويعد موقف حلوان أحد الأمثلة الدالة على هذه التجمعات الخاصة، فهو أحد أكبر المواقف فى العاصمة، حيث يجمع الميكروباصات التى تتحرك إلى جميع القرى والمراكز المحيطة ويتجمع به أكبر عدد من السائقين، وطالما شكل هذا الموقف دورا هاما فى وقت اعتصامات أو تظاهرات السائقين، حيث يستطيع سائقو هذا الموقف شل الحركة فى محافظتى القاهرة والجيزة.

على سالم أحد السائقين بالموقف، الذى يعتمد خط سيره على طريق «حلوان أطفيح الصحراوى»، قال إن الموقف «وكر» لجميع أنواع البشر فبه البلطجية والمتعلمون وأرباب المهن وبه تجارة المخدرات، وما هو على شاكلتها من منبهات تجعل السائق يستيقظ لوقت أطول، حيث إنهم يدفعون ثمن حماية البلطجية لهم داخل الموقف، خوفا من تكسير سياراتهم وضربهم السائقين أو إحداث عاهات مستديمة لبعض السائقين كى يكونوا عبرة لغيرهم «قبل الثورة كان هؤلاء البلطجية يجمعون الإتاوات بداخل الموقف فى حماية رجال الشرطة، لكن بعد غياب الشرطة صاروا فى حماية بلطجتهم وقوتهم البدنية».
سالم قال إن السائقين بالموقف أسرة واحدة، خصوصا أن معظم أوقاتنا بنقضيها فى الموقف، وكل شىء فيه متوفر أمامنا «كل اللى تفكرى فيه موجود بالموقف حشيش، بانجو، برشام صداقات مع نساء، إحنا عندنا كل حاجة والناس مظبطة بعضها على الآخر».

ويعد الوضع بهذا الموقف ليلا بالغ الخطورة خصوصا بالنسبة إلى النساء اللاتى يتحرش السائقون لفظيا بهن،وبالتأكيد هذه الصورة لا تقتصر على موقف حلوان وحده، بل تمتد إلى كثير من مواقف مصر ولا نستطيع أيضا أن نقول إن هذه الصورة هى التى تلتقط للموقف الواحد فكل موقف «له ما له وعليه ما عليه».

أما عن عدد سائقى الميكروباص فى مصر، فربما من الصعب جدا الوصول إلى إحصاء دقيق وصحيح بنسبة 100% عن عدد سائقى الميكروباص فى مصر، إلا أن «الدستور الأصلي» حاولت الوصول إلى أرقام تقريبية من عدد من اللجان النقابية للسائقين بالمحافظات، خصوصا أن كل السائقين لا يسعون إلى تسجيل أنفسهم باللجان النقابية، لكننا حاولنا رصد الأرقام المسجلة، التى جاءت بصورة تقريبية.

خليل عبد العزيز صدومة رئيس اللجنة النقابية بمحافظة الجيزة، قال إن عدد السائقين المندرجين بلجنته النقابية لا يقل عن 150 ألف سائق، أما حسين أنور رئيس اللجنة النقابية بسوهاج فقال إن لديه 4 لجان «سوهاج وطما وطهطا وجرجا» بسوهاج بها نحو 67 ألف سائق، بينما قال عادل عيسى رئيس اللجنة النقابية للسائقين بالبحيرة إن هناك نحو 80 ألف سائق مندرجين بالنقابة، أما حسين عوض رئيس اللجنة النقابية للسائقين بمحافظة الغربية فقال إن تعداد السائقين المندرجين بنقابته 140 ألف سائق.

كيف يصبح طفل عمره 7 سنوات سائقًا للسرفيس؟
«السن 15 سنة أو أكثر قليلا.. المهنة سائق»، عبارة لا نقرؤها كثيرا، لكن نسمعها ونراها فى شوارعنا كل يوم، وعلى الرغم من تخوف بعضنا من الركوب معهم أو جرأة البعض والركوب، لكن يبقى دائما السؤال: كيف أصبح هذا الصبى سائقا وهو فى هذا العمر؟

«تباع.. سائق أجرة.. أسطى مسؤول عن سيارة بكاملها وعن سلامة ركابها».. تلك هى المراحل التى يمر بها سائق الميكروباص، منذ سن مبكرة وهو «صبى صغير» إلى «أسطى سواق»، حسبما شرح لنا عبد المحسن سلامة، أحد السائقين بموقف المنيب، مضيفا أنه ليس جميع السائقين صغار السن يمرون بتلك المراحل، فبعضهم أبناء سائقين تعلموا المهنة من آبائهم وصاروا سائقين بدلا منهم، وهؤلاء عددهم كبير، لكن الشائع للوصول إلى درجة «السائق» هو أن يأتى طفل صغير السن لا يتجاوز عمره 7 سنوات إلى الموقف ليعمل فى أى شىء بدءا من جلب الشاى والمشروبات استرضاءً للسائقين أو تنظيف الموقف لاسترضاء المشرفين حتى لا يتم طرده أو بيع بعض الأشياء لوازم السيارات لمصادقة السائقين والركوب معهم وحتى عرض العمل معهم بالمجان والتحايل عليهم لتعليمه قيادة السيارات فى أوقات الفراغ. بعدها يتدرج الطفل حتى يصبح «تباعا» يأخذ 10 جنيهات فى اليوم، وعند إثبات كفاءته يرتفع راتبه ل30 جنيها، وهى أكبر يومية يصل إليها «التباع» حتى يجيد القيادة ويجد من يستأمنه على سيارته فيصبح «سائقا»، يقول سلامة «وبعد كل هذا العناء يحقق أمنيته التى ربما يستغرق تحقيقها 7 سنوات أو أكثر».

سلامة قال سماح الشرطة لهؤلاء الأطفال الصغار بهذه المهنة الخطرة هو ما أسهم فى انتشار هذه الظاهرة خصوصا أن أغلب هؤلاء الأطفال ينفقون على أنفسهم وبعضهم يعيل أسرة بأكملها، وهو ما يجعله يتحمل «الأمرّين» للتعلم ليصبح «أسطى سواق».

محمد على لم يتجاوز عمره ال16 سنة، قال إنه اضطر إلى احتراف مهنة «السواقة» بدلا من والده الذى أقعده المرض وكبر السن فى المنزل، فلجأ هو إلى تعلم قيادة السيارات للإنفاق على أسرته، مضيفا أنه فى البداية كان يرافق والده فى أثناء العمل، وبعد مرور الوقت تعلم القيادة وأصبح مسؤولا عن السيارة.

محمد الذى يعمل سائقا لسيارة «ترامكوا» على خط «الجيزة - المنيب» قال إن كثيرا من زملائه يأتون إلى الموقف لمصاحبته فى أثناء «الدور» بحجة التسامر معه فى أثناء الطريق أو مساعدته فى النداء على الركاب والقيام بعمل التباع وخلال ذلك يقوم هو بتعليمهم القيادة حتى يستطيعوا الإنفاق على أنفسهم «كتير من أصحابى بيبقوا عايزين يشتغلوا عشان يصرفوا على نفسهم ده غير اللى أبوه بيبقى سايب البيت ومصروف البيت يدوب على الأد فهو عشان يريح نفسه بيخرج يشتغل عشان مايمدش إيده لحد ولما يكبر يعيش حياته ويجوز نفسه وربنا يكرمه بقى».

محمد قال إنهم يتعرضون لبعض المضايقات من السائقين الأكبر منهم سنا، لكنهم يمررون الأمر ولا يحاولون الدخول فى مشكلات مع أحد، إضافه إلى أن كثرة عددهم باتت أمرا طبيعيا، وجعلت السائقين الكبار يعتادون عليهم ويصادقونهم إلا أن الأمر لا يقتصر على السائقين بل يمتد إلى الركاب أيضا، فأكثر من مرة ينزل الراكب من السيارة عندما يرى سائقها صغير السن أو يظل طوال الطريق يقول «حاسب يا بنى»، لكن ردنا دائما عليهم «ماتخفش يا أبويا أنا سواق قديم».

كراهية ومشاجرات مستمرة.. عن العلاقة بين الركاب والسائقين نتحدث
علاقة دائما مشحونة ومتوترة، تشيع فيها اللعنات والشتائم والدعاء ب«حسبى الله ونعم الوكيل فيهم من اللى بيعملوه فينا»! ويصدق على تلك العلاقة التعبير الدارج فى الثقافة المصرية الشعبية «عاملين زى ناقر ونقير»، فكلاهما لا يستغنى عن الآخر، هذا لقضاء مصالحه وحاجته إلى الخدمة، والآخر للاسترزاق والحصول على المكسب، ومع ذلك، فكلاهما أيضا لا يطيق الآخر ولا يتحمله!

الركاب يرجعون شعورهم بالكراهية للسائقين بسبب سوء معاملتهم وبذاءة ألفاظهم واستغلالهم لاحتياج المواطنين ورفع الأجرة، بينما يرجع السائقون عدوانيتهم ومعاملتهم الفظة الجارحة للركاب إلى أنهم يظنون أنفسهم فى سياراتهم الخاصة، ويحاولون التحكم فى السائقين وإهانتهم أحيانا وتعمد إشعارهم بأنهم دائما دون مستوى «السادة الركاب».

على جمال، أحد المواطنين الذين اعتادوا الركوب من موقف حلوان العمومى، قال إن السائقين «هم أسوأ فئة فى الشعب بأكمله! فلسانهم بذىء والوقاحة تجرى فى دمهم، وهم يستغلون احتياج الركاب إليهم ويرفعون الأجرة من وقت إلى آخر خصوصا فى ساعات الذروة»، إضافة إلى توقفهم عشرات المرات بالطرق فى غير محطاتهم بحثا عن مزيد من الركاب ولا يلتزمون بأى قواعد مرورية، كما أن أغلبهم يتعاطى المخدرات، وعدد كبير منهم بلطجية ومسجلو خطر، لكنهم يقودون السيارات ويدفعون الرشاوى للشرطة لحمايتهم، ومن يحاول الاعتراض على تصرفاتهم يصبح مصيره الضرب، وربما يتركونه ولا يجد سيارة يركبها.

وقال على رضا سائق بذات الموقف إن السائق لا حول له ولا قوة، فهناك كثير من الضغوط الواقعة على عاتقه، بدءا من الداخلية التى تجمع منه إتاوات وتفرض عليه غرامات وصولا إلى أسرته التى تحتاج إلى المال لسد احتياجاتها مرورًا ببلطجية الموقف الذين يفرضون عليه نوعًا من التعامل وأسلوبا للعلاقات قد لا يحبذ السائق استخدامه، لكنه يضطر لذلك حتى لا يستضعفونه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.