توجيهات مهمة من وزير التعليم العالي للجامعات بشأن امتحانات نهاية العام    الدكتور خالد عامر نقيباً لأطباء أسنان الشرقية    وزارة التموين: خفض أسعار زيت الطعام 36% والألبان 20%    صندوق النقد الدولي: مصر ملتزمة باستكمال رفع الدعم عن الطاقة    توريد 14 ألف طن قمح لشون وصوامع بني سويف حتى الآن    باحث في الشئون الروسية: التصعيد العسكري الأوكراني سيقابل برد كبير    مصر تواصل أعمال الجسر الجوي لإسقاط المساعدات بشمال غزة    تشكيل فرانكفورت أمام بايرن ميونيخ.. عمر مرموش يقود الهجوم    نجما جنوب أفريقيا على أعتاب نادي الزمالك خلال الانتقالات الصيفية    بالصور| "خليه يعفن".. غلق سوق أسماك بورفؤاد ببورسعيد بنسبة 100%    وزير التعليم ومحافظ الغربية يفتتحان معرض مخرجات ونواتج التعلم    ال دارك ويب أداة قتل طفل شبرا الخيمة.. أكبر سوق إجرامي يستهدف المراهقين    النقض: إعدام شخصين والمؤبد ل4 آخرين بقضية «اللجان النوعية في المنوفية»    بعد 24 عاما على إصدارها.. مجلة rollingstone الأمريكية: "تملي معاك" ل عمرو دياب أفضل أغنية بالقرن ال21    ما حكم الحج عن الغير تبرعًا؟ .. الإفتاء تجيب    قافلة طبية مجانية لمدة يومين في مركز يوسف الصديق بالفيوم    بيريرا يكشف حقيقة رفع قضية ضد حكم دولي في المحكمة الرياضية    مكتبة مصر العامة بالأقصر تحتفل بالذكرى ال42 لتحرير سيناء.. صور    الإمارات تستقبل دفعة جديدة من الأطفال الفلسطينيين الجرحى ومرضى السرطان    جامعة القاهرة تناقش دور الملكية الفكرية في تحقيق أهداف التنمية المستدامة    وزير التعليم ومحافظ الغربية يفتتحان معرضًا لمنتجات طلاب المدارس الفنية    غدًا.. قطع المياه عن قريتين ببني سويف لاستكمال مشروعات حياة كريمة    وزيرة التضامن: فخورة بتقديم برنامج سينما المكفوفين بمهرجان الإسكندرية للفيلم القصير    علي الطيب يكشف تفاصيل دوره في مسلسل «مليحة»| فيديو    رئيس جامعة جنوب الوادي: لا خسائر بالجامعة بسبب سوء الأحوال الجوية وتعطيل العمل غدًا    أهمية وفضل حسن الخلق في الإسلام: تعاليم وأنواع    قائمة باريس سان جيرمان لمباراة لوهافر بالدوري الفرنسي    الصحة: فرق الحوكمة نفذت 346 مرور على مراكز الرعاية الأولية لمتابعة صرف الألبان وتفعيل الملف العائلي    كرة اليد، موعد مباراة الزمالك والترجي في نهائي بطولة أفريقيا    «شريف ضد رونالدو».. موعد مباراة الخليج والنصر في الدوري السعودي والقنوات الناقلة    السيسي يتفقد الأكاديمية العسكرية بالعاصمة الإدارية ويجري حوارًا مع الطلبة (صور)    وزير الري يشارك فى فعاليات "مؤتمر بغداد الدولى الرابع للمياه"    هيئة شئون الأسرى الفلسطينيين: الوضع في سجون الاحتلال كارثي ومأساوي    وسط اعتقال أكثر من 550.. الاحتجاجات الطلابية المناهضة لإسرائيل بالجامعات الأمريكية ترفض التراجع    سياحة أسوان: استقرار الملاحة النيلية وبرامج الزيارات بعد العاصفة الحمراء | خاص    تحرير 134 محضرا وضبط دقيق بلدي قبل بيعه بالسوق السوداء في المنوفية    قوافل بالمحافظات.. استخراج 6964 بطاقة رقم قومي و17 ألف "مصدر مميكن"    استمرار حبس عاطلين وسيدة لحيازتهم 6 كيلو من مخدر البودر في بولاق الدكرور    مستشار الرئيس الفلسطيني: عواقب اجتياح رفح الفلسطينية ستكون كارثية    رئيس البرلمان العربي يكرم نائب رئيس الوزراء البحريني    أبو الغيط: الإبادة في غزة ألقت عبئًا ثقيلًا على أوضاع العمال هناك    بسبب البث المباشر.. ميار الببلاوي تتصدر التريند    وزيرة التضامن توجه تحية لمهرجان الإسكندرية للفيلم القصير بسبب برنامج المكفوفين    خبيرة: يوم رائع لمواليد الأبراج النارية    الليلة.. أحمد سعد يحيي حفلا غنائيا في كندا    الدلتا للسكر تناشد المزارعين بعدم حصاد البنجر دون إخطارها    «السياحة»: زيادة رحلات الطيران الوافدة ومد برنامج التحفيز حتى 29 أكتوبر    «بيت الزكاة» يستقبل تبرعات أردنية ب 12 شاحنة ضمن حملة إغاثة غزة    متصلة تشكو من زوجها بسبب الكتب الخارجية.. وداعية يرد    رئيس جهاز العاصمة الإدارية يجتمع بممثلي الشركات المنفذة لحي جاردن سيتي الجديدة    محافظة القاهرة تكثف حملات إزالة الإشغالات والتعديات على حرم الطريق    طلب إحاطة يحذر من تزايد معدلات الولادة القيصرية    أفضل دعاء تبدأ وتختم به يومك.. واظب عليه    خبير أوبئة: مصر خالية من «شلل الأطفال» ببرامج تطعيمات مستمرة    وزير الخارجية يتوجه إلى الرياض للمشاركة في المنتدى الاقتصادي العالمي    إشادة دولية بتجربة مصر في مجال التغطية الصحية الشاملة    "كنت ببعتله تحياتي".. كولر يكشف سر الورقة التي أعطاها ل رامي ربيعة أثناء مباراة مازيمبي    عمل نفتخر به.. حسن الرداد يكشف تفاصيل مسلسل «محارب»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عفاريت الأسفلت
إنهم يكسرون عصا الطاعة
نشر في آخر ساعة يوم 12 - 03 - 2012

تحولت الشوارع المصرية إلي لعنة بسبب الزحام المروري وضجيج عربات الميكروباص والمشاجرات اليومية هنا وهناك سواء بين السائقين أو مع الركاب. وتحول المشهد إلي فوضي وبخاصة بعد الثورة التي استتبعتها حالة من الانفلات الأمني في الشارع. (عفاريت الأسفلت) كسروا عصا الطاعة تماما مثلما اعتادوا علي مخالفة القوانين وكسر إشارات المرور.
في هذا الملف نحاول البحث عن أسباب تمردهم واعتيادهم العنف والبلطجة في بعض الأحيان من خلال استطلاع آراء بعضهم وآراء الخبراء النفسيين، وكذلك كشف سبب انتشار ظواهر أخري مثل ظاهرة (التوك توك) وتحول بعض السلفيين والإخوان من تجارة الأعشاب إلي (سبوبة) الميكروباص التي ظل بعض ضباط وأمناء الشرطة يسيطرون عليها لسنوات طويلة قبل الثورة. التفاصيل في سياق الملف التالي..
لم يجد وطناً يحتويه سوي الميكروباص الذي يستقله في رحلة تمتد لأكثر من عشرين ساعة يومياً بحثاً عن الرزق، ليجد اتهامات الكثير له بالعصبية والتهور وإثارة الخناقات مع من يعترضه في الطريق، لكن من ينظر بداخلهم ويعرف ماضيهم وحاضرهم يؤمن بأنهم إحدي فئات المهمشين في مصر الذين يعانون من الفوضي والجهل والفقر.
سائقو الميكروباص فتحوا قلوبهم ل "أخر ساعة" ليفسروا الفجوة التي حدثت بينهم وبين المجتمع، فيقول رشاد الشهير بين السواقين ب "ابو الدكتور محمد" إن ما يواجهه السواق كل يوم يجعله يخرج عن شعوره، فمعاملة الركاب سيئة لأنهم لا يحددون من البداية المكان المحدد الذين يريدون الوصول إليه، كما أنهم يجعلون السواق يقف كل عدة أمتار رغم تأكيده عليهم بالنزول، مما يثير الخناقات بين الطرفين.
ويضيف: السواق الذي لا يتبع السرفيس هو الذي يقوم برفع الأجرة لأن السرفيس هو تحديد خط سير الميكروباص من مكان للتاني، وأغلب المواقف عشوائية وليس لها طريق محدد، لذلك يسير السواق في الشوارع الجانبية مما يزيد من المشاكل المرورية اليومية.
وينفي دور الحكومة في تأمين السواق إذا تعرض لحادث، فلا توجد خدمات صحية لهم رغم أنهم تابعون للسرفيس، كما أن المعاش لا يتعدي الأربعين جنيها، ويستطرد: "دخلي في الشهر ألف جنيه ولا تكفي تعليم أولادي ومصاريف الميكروباص، ولولا عملي كسائق في (بلاد برا) لم يصبح ابني دكتور، فهناك فرق شاسع بين السواقين في باقي البلاد وسواقي مصر".
ويشكو محمد عبد الفتاح من اضطهاد سائقي الملاكي لهم قائلا: نجدهم يقفون فجأة أمامنا مما يصيب سيارته بكسور ورغم ذلك يجبروننا علي إصلاحها حتي لا يتصل أحدهم بأي شرطي يعرفه ويقوم بسحب الرخصة منا، فكل مشكلة تحدث يلقوها علي عاتقنا مما جعلنا نخرج عن طوع الحكومة التي تتهمنا بالفوضي والشغب في حين إنها لا تلتفت إلي مطالبنا الأساسية.
ويستكمل السائق الذي يعاني من تضخم في الكبد: الزباين بتخنقنا فيختارون الميكروباص علي مزاجهم، ولا يضعون في اعتبارهم أن هناك دورا، بالإضافة إلي أنهم يريدون أن يأكلوا ويشربوا سجاير في قلب العربية، ولو اتكلمت معاه يشتمك، وأبسط حل إني أبطل العربية في وسط الطريق، وكل واحد يعمل اللي هو عايزه طالما عافية.
الفجوة التعليمية بين سواق الميكروباص و(الراكب أو سائق الملاكي أو رجل الشرطة) السبب في خلق الخلافات التي نراها كل يوم كما يري رمضان الذي يعمل بالمهنة منذ 32 عاما، مضيفا: السواق إما معاه (إبتدائية أو إعدادية) أو مش متعلم خالص، وطول عمره متمرمط في الشارع، من الطبيعي أنه لا يملك مهارة التعامل مع الآخرين باحترام، فعندما يتحدث مع زبون دكتور أو مهندس يقلب الموضوع لخناقة.
لذلك لابد أن تهتم الدولة بتعليم السواقين الذين يشعرون بالظلم والقهر طول الوقت؛ فالزبون يتعامل معاه بتعال علي أساس أنه شحات، وأن الأجرة إحسان منه، كما أن شرط استخراج الرخصة أن يحمل السائق أي شهادة، وإذا كان غير متعلم فيضطر إلي الحصول علي شهادة محو الأمية ب 006 جنيه، في حين أن الكثير لا يملكون ذلك المبلغ، مما يجعلهم يخالفون القوانين ويسيرون في الطريق بدون رخصة، فكل هذه المعوقات وراء خلق ظاهرة (المواقف العشوائية وسائقي الميكروباص تحت عمر 81 سنة)، وهذه كارثة كبيرة فهم يستولون علي جانب من الطريق مدعين أنهم يحصلون علي تصريح من الحي.
ويجد السائق الثائر علي حال مهنته أن الحل هو تسهيل الإجراءات أمام السائقين من مخالفات وضرائب واستخراج الرخصة حتي نتخلص من "بعبع" الميكروباص.
ويقارن محمد عطية بين الوضع قبل وبعد الثورة؛ فكانت أغلب عربات الميكروباص ملك بعض رجال الشرطة مما جعل السائق يتمتع بحصانة كبيرة أثناء سيره في الطريق، أما الآن فالوضع اختلف تماماً وانتقلت الملكية إلي أشخاص عاديين.
ويعبر عطية عن استيائه من الانفلات الأمني في الشوارع مؤكداً ضرورة اصطحاب السواق لأي آلة حادة معه في الميكروباص لأنه الأكثر عرضة للبلطجية في الطريق، ويتعرضون من وقت لآخر لحرامية يسرقون أموالهم وعرباتهم، نافياً امتلاكهم لأسلحة نارية حتي لا تتحول البلد إلي غابة، وأنه من حقه حماية سيارته والركاب في نفس الوقت.
ويصف الكارتة بالنصب والبلطجة، لأن هناك بالفعل أشخاصاً يقومون بتنظيم الموقف مقابل جنيهين علي الدور لكل عربية، أما من يعترضنا في الطريق لأخذ الكارتة فهو بلطجي.
سائقو الميكروباص في شوارع مصر دائما ما توجه إليهم الاتهامات بأنهم وراء الفوضي المرورية والزحام والسبب الرئيسي في وقوع الحوادث نتيجة السرعة الجنونية، بالإضافة إلي اتهامهم بأنهم يستغلون المواطنين البسطاء ويحصلون منهم علي الأجرة أكثر مما هو مقرر لأنهم جشعون ، لكن هل هذه هي الحقيقة؟.. وما هو موقفهم من هذا الكلام ؟
عندما واجهنا سائقي الميكروباصات بهذه الاتهامات قال السائق عمرو همام، أعمل علي خط (العاشر والمرج) ولكني لا أستطيع الوقوف داخل موقف العاشر نظرا للغرامات والمخالفات وطالب بموقف خاص يحمل منه فعندما أقف في الدائري لتحميل الركاب أحصل علي غرامة 005 جنيه.
وأضاف "حاتم علي" سائق علي خط (تحرير – إمبابة ) أنه يتعرض إلي ملاحقة رجال المرور بشكل يومي مما يترتب عليه القيادة بشكل سريع ودفع غرامات وهذه المبالغ تجعل حياتنا المعيشية صعبة خاصة مع الالتزام بأقساط السيارة .
أما محمد عبد المقصود سائق ميكروباص علي خط " موقف العاشر المرج " فيري أن المخالفات المرورية من أهم المشاكل التي تواجه السائقين ومن أبرز هذه المشاكل أنه عندما يقوم بدفع الغرامات والمخالفات يفاجأ بوجودها كما هي فيضطر إلي دفعها مرتين وذلك للعودة إلي العمل .
ويري أشرف مسعد الذي يعمل علي خط " تحرير فيصل " أنه يقطع كارتة مجمعة كل 3 شهور مقابل 003 جنيه وأحيانا تصل إلي أكثر من ذلك حتي يستطيع أن يتابع عمله بشكل منتظم داخل الموقف .
ويطالب أحمد صلاح سائق يعمل علي خط " تحرير فيصل " بإنشاء كشك لإصدار خطابات تغيير خط السير داخل الموقف وخاصة أنهم يواجهون صعوبة في الحصول علي هذه الخطابات من المرور فهذه الأكشاك توفر الكثير من الوقت والجهد.
ويعترف محمود حسن سائق ميكروباص أن هناك بعض سائقي الميكروباصات لايلتزمون بقواعد المرور ويتعمدون الوقوف في الممنوع لتعطيل المرور من خلفهم حتي لاتلحق بهم الميكروباصات القادمة من الخلف كما أن هناك سائقين جشعين يحصلون علي الأجرة مرتين من خلال تقسيم الطريق وبهذه الطريقة يدفع الأجرة مرتين وفي المقابل هناك سائقون ملتزمون وخريجو جامعات أيضا فكل فئة بها الصالح والطالح.
ويبرر محسن عبدالعال سائق، عدم التزامه بالوقوف داخل المواقف المخصصة التابعة لخط سيره في منطقة الهرم بسبب بطش مسئولي السرفيس الذين يحررون له المخالفات دون أي سبب صباحا ومساء ويشير إلي أن هناك قلة من السائقين المخالفين الذين يتسببون في تشويه صورة الجميع وهم زادوا مع غياب دور الرقابة عليهم.
ويشير أيمن بشير سائق ميكروباص إلي أن الحكومة المقبلة، عليها عبء كبير ومهم في التصدي لقطع الغيار المضروبة التي تملأ الأسواق والتعامل مع جهات ومؤسسات يجب تغييرها وإدخال أخري بديلة تضمن سلامة هذه المواصفات بدلاً من البحث في مسائل أخري، الكلام نفسه يؤكد عليه أحمد حماد الذي يطلب محاسبة التجار الفاسدين والمستوردين الذين يجلبون قطع الغيار بأسعار زهيدة طمعاً في الربح السريع وعدم النظر إلي عواقبها، خصوصاً الإطارات الصينية التي يحدث لها تشققات وانفجارات بعد السير عليها بعدة مئات من الكيلو مترات وبدلاً من إصدار تشريعات تحمي أرواح المواطنين والتي تصل إلي 15ألف قتيل سنوي بسبب هذه الحوادث نجد شركات التأمين الإجباري رفعت قيمة هذا التأمين من 575جنيهاً إلي 900جنيه لتغطية التعويضات التي تقع علي الطرق بفعل الحوادث أي أننا نعالج خطأ بخطأ آخر، وهو فرض ضرائب ترهق أصحاب السيارات والسائقين في الوقت نفسه، أما فضل صابر أحد السائقين القدامي فيؤكد أن فئة السائقين هي الفئة الأكثر ظلماً في المجتمع والتي تحصل علي معاشات ضئيلة جداً بالمقارنة بموظفي الشركات والهيئات.
ويقول أشرف خميس مؤسس رابطة سائقي الميكروباص، أن سائقي الميكروباص يعدون من أكثر الفئات تعرضا للقمع والإهانة اليومية ويعانون بشدة من تعنت ضباط المرور سواء علي مستوي المخالفات المجحفة أو من قرار الحضانة المطبق حديثا، لذلك كانت هناك رغبة عارمة لدي السائقين لوجود شكل يدافع عنهم، خاصة في ظل تخاذل النقابة العامة لسائقي النقل البري التي يتبعها السائقون.
ويضيف أن هذه النقابة لاتقوم بأي عمل إيجابي لسائقي الميكروباصات بل تركتهم فريسة إلي الكارتجية والبلطجية يفرضون عليهم إتاوات هذا بالإضافة إلي عدم مراعاة الأحوال المعيشية لهذه الفئة المطحونة التي لا يفهم عنها غير أنها هي التي تفتعل الفوضوية في الشارع وتقوم بأعمال البلطجة .
لقد نجحت رابطة سائقي الميكروباص بالقيام من قبل بعدة أنشطة منها إنشاء مواقف جديدة، وعمل صندوق تكافل للسائقين بالإضافة إلي تنظيمها العديد من الإضرابات للمطالبة بالنظر في أمر المخالفات وصيانة حقوقهم وبالفعل نجحت الرابطة في مواجهة هذه التعديات .
وفي الوقت الذي يدافع فيه السائقون عن موقفهم إلا أنهم مازالوا في نظر المواطنين المسئول الأول والأخير عن الإهمال والعشوائية الموجودة بالشارع.
سائق ميكروباص.. رغم أنفه!
تختلف مؤهلات سائقي الميكروباص فمنهم من يكون في سن المدرسة الإعدادي أو الثانوي ولكن اضطرته الظروف لترك دراسته والعمل في تلك المهنة وهناك خريجو الدبلومات وهم الفئة الأكبر بين سائقي الميكروباصات وهناك خريجو الجامعات وتحديدا خريجي كليات التجارة والآداب هذا ما لاحظناه خلال تجولنا بموقف سيارات الجيزة ومنطقة العشرين بفيصل وموقف السيدة عائشة.
ورغم السمعة السيئة لسائقي الميكروباص في مصر بسبب كثرة الحوادث التي يرتكبونها إلا أن الإقبال علي تلك الوسيلة للمواصلات لم يقل، وعادة ما يظهر سائقو الميكروباص كضيوف مستمرين في صفحات الحوادث وتتنوع جرائمهم ما بين المخالفات المرورية وحوادث السير والبلطجة والاغتصاب وأحيانا القتل.
ودفعت تلك الحوادث بعض السفارات الأجنبية في مصر، ومنها السفارة الأمريكية، إلي تحذير رعاياها من ركوب الميكروباص، نظرا لسمعته السيئة سواء في مجال حوادث السير أو التحرش بالنساء.
وعلي اختلاف المناطق التي يوجد بها ستجد أن مواصفات السيارة الميكروباص تكاد تكون واحدة، فالسائق عادة ما يكون أسمر اللون من كثرة التعرض للشمس، يشغل مسجل السيارة بأعلي صوت، أيا كان المحتوي الذي يقدمه سواء كان أغاني شعبية أو رومانسية هابطة، أو حتي شرائط تتضمن خطبا دينية لشيوخ مجهولين، يتحدثون عن فتاوي ما أنزل الله بها من سلطان، أطلقت عليهم وسائل الإعلام "دعاة الميكروباص"، ومساعد السائق (التَبّاع) يصيح طوال الوقت علي الزبائن.
عالم خاص يميز تلك الفئة من العاملين بمشروع الميكروباص، وهم في العادة ثلاث فئات: مالك السيارة الذي عادة ما يمتلك أسطولا من السيارات، والسائق الذي يعمل أكثر من وردية في اليوم مقابل أجر هزيل والتبّاع الذي ينادي علي الزبائن طوال الطريق بعدما يُخرج نصف جسده العلوي من نافذة السيارة مقابل أجر رمزي.
وبدون قصد تسبب سائقو الميكروباص في فتح ملف التعذيب في أقسام الشرطة المصرية، بعد قضية السائق عماد الكبير الذي قام أحد ضباط الشرطة بتعذيبه وهتك عرضه في قسم شرطة بولاق الدكرور بالجيزة (غرب القاهرة) عام 6002 وصور الواقعة بالفيديو ووزعها بين الناس، لتحال الواقعة إلي القضاء الذي حكم علي الضابط بالسجن المشدد 3 سنوات.
ويعتبر رجال الشرطة أول أعداء سائقي الميكروباص نظرا لكثرة تحرير المخالفات المرورية ضدهم أو سحب تراخيص القيادة أو تراخيص السيارة ولكن قبل الثورة كان هناك بطش من قبل ضباط الشرطة ضد سائقي الميكروباصات وكانوا يفرضون الإتاوات ضدهم ولكن انقلب الحال بعد الثورة تماما فأصبح وجود ضابط الشرطة في الشارع لضبط المرور وتنظيمه كعدمه.
أما ثاني أعداء سائقي الميكروباص، فهو السولار والبنزين وخاصة بعد الأزمات المتلاحقة التي واجهت قطاع البترول بعد الثورة.
ففي بداية الجولة قابلنا محمد سعيد وهو أحد السائقين بموقف سيارات الجيزة – حلوان والذي أكد أنه بعد أن تخرج من كلية التجارة وجد نفسه لايجد أي فرصة للعمل فتعرف علي أحد السائقين عن طريق جلوسه بأحد المقاهي بميدان الجيزة وكان ذلك منذ خمس سنوات تقريبا وطالبه بأن يعمل سائقا علي السيارة التي يمتلكها وكانت الظروف الاجتماعية هي التي جعلته يتجه الي الموافقة علي العرض الذي تم تقديمه إليه .
وأضاف: علي الرغم من قبولي لهذا العرض ولكنني لم أتوقف عن البحث عن فرصة عمل في مجال دراستي ولكنني فقدت الأمل في العام الماضي وبدأت في تحويش مبلغ كبير من المال لكي أستطيع أن أشتري عربة خاصة بي وهو ماأسعي إليه في الوقت الحالي.
وقال عاطف محمد 72 سنة وهو خريج أحد الدبلومات الصناعية أنه عمل في تلك المهنة منذ عشر سنوات وقبل حصوله علي شهادة الدبلوم وأوضح أن سبب اتجاهه الي تلك المهنة سيارة والده والتي كان يعمل عليها منذ 02 عاما والآن يعمل عليها بعدما منعت الظروف الصحية والده من قيادة الميكروباص.
أما مجدي عوض وشهرته الأسطي عطوة، وهو سائق علي خط فيصل - التحرير، في الخمسين من عمره، يختلف عن السائقين الآخرين في أنه يملك سيارته ولا يقبل أن يعمل عليها أي سائق غيره، الأمر الذي انعكس علي اهتمامه بالسيارة وصيانتها بشكل مستمر.
يقول عطوة "اشتريت هذه السيارة منذ ثمانية أعوام بعد أن قضيت 21 عاما أعمل سائقا لدي آخرين، وبمجرد أن توفرت لدي الأموال الكافية اشتريت هذه السيارة بالقسط علي ثلاثة أعوام".
ويبرر عطوة رفضه أن يعمل لديه سائق آخر بقوله "السائق عندما يعمل علي عربة غيره لا يهمه سوي المكسب الأمر الذي يجعله يهمل في السيارة وصيانتها".
وأوضح أن هناك العديد من المصاعب التي تواجهه مثل المخالفات المرورية وزحام الشوارع وتعنت رجال الشرطة معه في بعض الأحيان.
السير عكس الاتجاه
ارتفاع نسبة البطالة وراء انتشار التوك توك
التوك توك وسيلة مواصلات جديدة لم نكن معتادين عليها ، ظهرت في ظل الأزمات الاقتصادية المتلاحقة وافتقار الشباب لوسائل الكسب المشروع ، فمعظم هؤلاء ممن يجيد ولا يجيد قيادة السيارات اتجه لقيادة الميكروباص و التوك توك ، فهي وسيلة مربحة فسائق التوك توك من الممكن أن يتحصل علي أكثر من 002 جنيه يوميا.
استنكر معظم سائقي الميكروباص وجود التوك توك واعتبروه دخيلا علي مهنتهم التي هي أقدم وأفضل فينظرون لسائقي التوك توك نظرة استعلائية كونهم غير مرخصين ومن الممكن إيقافهم في أي وقت، وعلي العكس ينظر سائقو التوك توك بكل فخر للآخرين نظرة استهزائية كونهم فرضوا أنفسهم وبقوة علي الشارع المصري وأصبحوا محل تفضيل لدي فئات متعددة.
اختلاف الوسيلتين يبدو واضحًا لدي العديد ممن اعتاد ركوب واحدة منهما ولكن هناك شيئاً واحداً لا يشعرك بالفرق وهو الأغاني التي تسمعها بداخله فهي متباينة بدرجة تجعلك تتساءل: هل أنت مستقل توك توك أم سيارة فاخرة؟!!
أغلب الميكروباصات والتكاتك بها "ساوند سيستم" يمكنك سماع كل ما تتمني " أغان أجنبية لمطربين عالميين، أغان هابطة ورديئة الجودة، أغان شعبية.
وهناك شيء ملحوظ وهو المنافسة بين السائقين علي تجميع أكبر قدر من الأغاني، فضلا عن الكتابات التي يحملها الزجاج الخلفي للميكروباصات والتكاتك فهذه الكتابات تعكس شخصية كل سائق منهم، وبعض من هذه الكتابات يأخذ شكلا ساخرا والبعض الآخر يأخذ شكلا دينيا والبعض الآخر يعد خروجا علي الآداب العامة مثل " بص يا أبو جلامبو أنا البرص إللي جانبوا" ،"يا ناس يا شر كفاية قر"، "اتنين ملهمش أمان الفرامل والنسوان"، "لوكان الرزق بالجري مكنش حد حصلني " .
أكد الدكتور محمد سيدهم أستاذ هندسة النقل والمرور بجامعة الإسكندرية أن التوك توك أصبح من أخطر الظواهر الاجتماعية الحالية وتفشيه بهذا الشكل سيتسبب في كوارث مرورية وأمنية خطيرة خاصة بعد غياب الأمن والرقابة عليها، مضيفا أن تزايد أعدادها بصورة كبيرة أدي إلي حدوث ارتباك مروري خاصة في الشوارع الرئيسية والأماكن المزدحمة مما يهدد بحدوث نتائج كارثية في المستقبل.
اختلف علماء الاجتماع فيما بينهم حول أضرار وأسباب ظهور التوك توك المصري ، فالبعض منهم أكد أن السبب الرئيسي وراء انتشار التكاتك في الشوارع المصرية هو ارتفاع نسبة البطالة بشكل كبير خاصة بعد الثورة والانهيار الاقتصادي الذي طال فئات متعددة من الشارع المصري ،فبالرغم من الأثر السيئ الذي أشار إليه العديد منهم إلا أن البعض أيد وجوده كونه أتاح فرص عمل لأكثر من 002 ألف عاطل وساهم في حل أزمة المواصلات في المناطق العشوائية والمناطق الريفية، والبعض منهم أشار إلي أن التوك توك أصبح من أكثر المشكلات التي يصعب مواجهتها فأصبحت التكاتك أوكارا لتجارة المخدرات، ولذلك انحرف التوتوك عن هدفه الرئيسي في حل مشكلة المواصلات وأصبح وسيلة سهلة للجريمة في ظل إسناد قيادته للصبية والخارجين علي القانون.
أكدت د.نادية رضوان أستاذ علم الاجتماع أن أغلب سائقي تلك المركبات من صغار السن وغير مؤهلين بالدرجة الكافية لقيادة السيارات، ولذلك لجأ معظم هؤلاء لتعاطي المواد المخدرة لتحمل أعباء أكثر من سنهم الطبيعي، فضلا عن الحوادث المستمرة التي يتسبب بها التوك توك، مشيرة إلي أن البعض ينظر لتلك الوسيلة كحل ساهم في أزمة المواصلات والبطالة غافلين بذلك عن الجرائم التي تسببها فأضرارها أكثر من مميزاتها وأضافت أن للدولة دورا هاما في حماية مستقلي التوك توك من أخطاره عن طريق ترخيصه وعدم ترك سائقيه دون رقابة فيجب تدريبهم وإعطاؤهم رخصا للقيادة وتنظيم هيئة تتولي رعايتهم بحيث يأخذ هذا شكلا قانونيا لحماية كل الأطراف.
محسن محمد، سائق توك توك، مستاء كثيرا مما سمعه حول فرض ضرائب علي سائقي التوك توك قائلا: إن الوضع العام بالنسبة لسائقي التوك توك لا يتحمل فرض ضرائب جديدة، لأن إجمالي الدخل اليومي لا يتجاوز 05 أو 06 جنيهاً تكفي بالكاد لسداد الالتزامات اليومية لأسرة صغيرة.
ميكروباصات شبرامن قبضة الضباط
إلي عصمة السلفيين!
المصريون من أكثر الشعوب استهلاكا للمواصلات علي مستوي العالم وخصوصا الميكروباص الذي يحظي بمواصفات خاصة فالميكروباص في مصر له قصة أخري تلك الحافلة الصغيرة التي تسع علي الأكثر 41 راكبا يصطفون بجوار بعضهم البعض في تلاحم وتناغم قد يتحول بعضهم إلي أصدقاء بحكم "بهدلة المواصلات"وقد يصبح واسطة الخير ووش السعد علي آخرين فكم من زيجات وقصص حب شهدها هذا الميكروباص.
وتحول الميكروباص إلي كائن خرافي فرض نفسه بقوة علي المجتمع المصري خلال السنوات الأخيرة، وأصبح يشكل إمبراطورية الطرق الموازية، فدون الميكروباص، وبحسب إحصاءات إدارات المرور في المحافظات المختلفة فإنه في حال توقف عمل هذه الحافلة فإنه ستصاب حياة نحو 5.2 مليون مصري بالشلل، وهؤلاء يستخدمون تلك الحافلات يوميا من بين 21 مليون مستخدم للمواصلات.
والغريب أن أعداد تلك الوسيلة في زيادة مستمرة وإلي الآن لا تستطيع أن تحدد هوية أصحابها فقد سرت شائعات عديدة أن بعض ضباط وأمناء الشرطة يقومون بشراء الميكروباصات وتأجيرها لبعض السائقين الذين يثقون في نزاهتهم وأمانتهم ليعملوا عليها، وبعد ذلك يقتسمون العائد وبالطبع فإن هذا الضابط أو أمين الشرطة يستعين بنفوذه وعلاقاته ليرفع الغرامات والمخالفات المقررة علي السائق مما يعطي السائق إحساسا بالتميز والتفرد عن أقرانه فيتحكم في مصائر الركاب والزبائن فهو كما يعتقد "في حماية الباشا"ولكن بعد ثورة يناير واهتزاز هيبة الشرطة آثر الكثير من هؤلاء الضباط أن يحولوا البيزنس إلي شراء وبيع الأراضي ليطفو علي الساحة مالك جديد لم يترك مجالا إلا واقتحمه ليتخلص من عقدة النقص والترهيب التي مارسها النظام السابق عليهم ألا وهم أباطرة جماعة الإخوان المسلمين والتيار السلفي الذين أصبحوا يسيطرون علي معظم مواقف الميكروباصات في المحافظات وكانوا يستعينون بها في جولاتهم الانتخابية وبالطبع فقد تمتعوا بحصانة كبري، ولم لا فقد أصبح برلمانا الشعب والشوري ملكا لهم وقد يملكون مصر بأسرها في غمضة عين.
(آخرساعة) بحثت عن سر تحول شيوخ السلفية والإخوان إلي تلك التجارة بعد تجارة الأعشاب؟ وما المكاسب التي تعود اليهم من ورائها؟ ومن يحمي ظهورهم ويدعم سيطرتهم علي الأسفلت؟؟
بمجرد دخولك إلي حي شبرا الخيمة التابع لمحافظة القليوبية سرعان ما تأخذك الدهشة وتصيبك الحيرة مما ستراه من مشاهد عشوائية فهي عربات لم يتبق منها سوي الهياكل، أربع صفائح مفرغة علي أربع عجلات، ولا أثر لزجاج الشبابيك حتي يتسني للركاب الجلوس علي حوافها، ولا وجود للأبواب فمكانها قد ينتفع به أكثر من راكب، والمقاعد مثبتة بحبال في هيكل العربة، أما الأرضية فتراوحت بين الحديد والخشب "الأبلاكاش"، الميكروباصات متناثرة في كل شق من الحي يقف علي أبوابها "أنطاع" بمطاوي ليثبت للراكبين وزملائه أنه يستطيع حماية نفسه ولقمة عيشه وقد يكون هذا »النطع« ماهو إلا طفل لم يتجاوز عمره العاشرة ساقته الأقدار ليعمل في تلك المهنة التي التهمت آدميته وأنسته طفولته، يقودهم جلادون غلاظ القلب لايقيمون وزنا لطفولتهم البريئة فيسبونهم بأقذر الشتائم ويحولونهم تدريجيا إلي بلطجية وشبيحة لايختلفون كثيرا عن أطفال الشوارع وبالطبع تحولت أظافرهم الناعمة إلي أظافر برية تنهش كل من يقترب منهم إضافة إلي تحول مزاجهم الغنائي إلي الأغاني الهابطة الخادشة للحياء وتشعر كأنها ألفت خصيصا لتلك المركبة.
وقد أصبحت شبرا الخيمة، عدا المنطقة المجاورة للإدارة المرورية، ورقة مطوية مهملة بين أوراق إدارة المرور وأجهزة الأمن، حيث اكتفت الإدارة بالقيام بحملة سنوية، وتركت أجهزة الأمن كافة الأبواب مفتوحة للبلطجة والفوضي، ووضع مجلس المدينة موظفي "الكارتة" لفرض إتاوة علي السائقين الذين لايسعهم سوي زيادة الأجرة من حين لآخر بدعوي ارتفاع أسعار البنزين وما علي المواطن البسيط سوي الدفع.
ولكن الملاحظ أنه بعد ثورة يناير تغير هذا المزاج الغنائي فتحولت معظم الميكروباصات إلي سماع الأناشيد والابتهالات الدينية مع الترتيل القرآني ومواعظ أقطاب السلفية كالشيخ محمد حسان ومحمد حسين يعقوب وبسؤال السائقين عرفنا أن صاحب الميكروباص "هو عم الشيخ السلفي".
وبإمعان التفكير عثرنا علي سبب تحولهم إلي تلك التجارة فثورة الشباب ساعدت في تحرر معظم التيارات الإسلامية وخروجها من القمقم التي دفنت به علي مر الثلاثين عاما الماضية إضافة إلي سيطرتهم علي معظم الكعكة البرلمانية سواء في مجلسي الشعب أو الشوري ناهيك عن سقوط "بعبع أمن الدولة"كل هذه العوامل شجعتهم علي العودة مرة أخري إلي معترك الحياة الاجتماعية والبحث بجدية عن أبواب الرزق التي وجدوا أن إغراءها يكمن في مكاسب الميكروباص الخيالية..
يقول محمود العتال سائق ميكروباص بشبرا الخيمة: مما لاشك فيه أن متطلبات الحياة لاتنتهي خاصة في ظل ارتفاع أسعار المواد الغذائية وأسعار البنزين التي هي في زيادة شبه يومية ناهيك عن المبلغ المدفوع للمسئولين عن الكارتة والذين لايكفون عن مطالبتنا بالإتاوة التي ندفعها علي كل "دور"فنضطر إلي تحميل أكثر من عشرين راكبا في عربة لاتستوعب أكثر من عشرة أفراد حتي نستطيع دفع الأقساط والمخالفات المتراكمة علينا كما أن ضباط وأمناء شرطة المرور كانوا يتعاملون معنا بصلف وغرور ولابد من دفع المعلوم لهم حتي نمتص غضبهم ونتلافي انتقامهم.
ويستكمل العتال قائلا: ولكن بعد ثورة يناير وإسقاط هيبة الشرطة أصبحنا لانخاف من تجاوزاتهم واطمأنت قلوبنا إلي حد كبير ولكن الغريب أن أقطاب السلفية الذين يقطنون منطقتنا تنامي دورهم بصورة كبيرة وأثناء الانتخابات البرلمانية كانوا يستأجرون منا الميكروباص لاستخدامه في جولاتهم وحملاتهم الانتخابية بأسعار خيالية علي حد اعتقادنا وصلت إلي الأربعمائة جنيه إضافة إلي الهدايا الرمزية التي كانوا يغرقون بها أطفالنا والتي كان يسيل لها لعابنا وبعد انتهاء الانتخابات ونجاحهم الساحق في البرلمان قام أحد الوسطاء الذين ينتمون إلي التيار السلفي بإقناعي ببيع الميكروباص إلي أحد كبار شيوخهم بمبلغ خيالي ويقومون هم بتسديد كل الغرامات والمخالفات المالية كما أنهم سيقومون بتأجيره مع اقتسام حصيلة الإيراد فوافقت علي الفور نظرا للنزاهة والأمانة التي عرفت عنهم.
ويتفق معه في الرأي سيد البنهاوي أحد السائقين والذي روي تجربته قائلا: منذ أن تفتحت عيناي علي الدنيا وأنا أعمل"كتباع"علي أحد الميكروباصات في منطقة بهتيم بحي شبرا الخيمة وقد كنت أتعرض إلي المعاناة النفسية والبدنية من قبل الركاب والسائقين وتحملت هذه المعاناة وعاهدت نفسي أن أرتقي بمستواي المعيشي ولعل الله يوفقني في شراء ميكروباص او المشاركة فيه مع أحد رفاقي وبعد مرور عدة سنوات قابلت أحد أصدقائي الذي عرض علي فكرة تأجير أحد الميكروباصات الذي يملكه اثنان من منطقة ام بيومي أحدهما ينتمي لجماعة الإخوان المسلمين والآخر كان يعمل مدرسا بدولة الكويت لمدة تزيد علي العشرين عاما واتفقنا علي تأجيره واقتسام الحصيلة اليومية معهما والغريب أن هناك العديد من التسهيلات المرورية التي حظينا بها نظرا لعلاقات الإخوانجي العديدة مع مسئولي رئاسة الحي وضباط المرور.
من جانبه، أكد مصدر مسئول بإدارة المرور، طلب عدم ذكر اسمه، قيام الإدارة بحملات تفتيش شبه يومية علي محطات منطي وأم بيومي وبهتيم فقال:مما لاشك فيه أن حماية أمن المواطن هو دور شرطة المرور ولهذا نقوم بشن حملات يومية وشهرية علي هذه المحطات كما أن هناك حملات أخري علي الطريق الرئيسي المؤدي للكوبري الدائري ونحاول بأقصي الطرق الحفاظ علي الأمن وقد طالبنا مراراً بإنشاء وحدة مرور خاصة بمنطقتي منطي وأم بيومي علي أن يكون قوامها 02 ضابطاً وحوالي مائة عسكري.
وعن تجارة السلفيين والإخوان بهذه التجارة قال:نحن كشرطة مسئولة لا يهمنا ملكية السيارات ولكن ما يهمنا هو الحفاظ علي أمن المواطن وسلامته مع الالتزام بدفع الغرامات المقررة عليه وحيازة رخصة القيادة ولا أعلم صحة هذا الكلام مطلقا.
أما الدكتور لطفي الشربيني أستاذ الطب النفسي فقام بتحليل دافع هذه التيارات الدينية في خوض تجربة شراء الميكروباصات مثلهم كمثل ضباط الشرطة في عهد ما قبل الثورة فقال: بمجرد اندلاع ثورة الشباب ونجاحها في إسقاط الفرعون وزبانيته تشجعت تلك التيارات لتشعر بحريتها واستقلاليتها فهذه هي العقدة التي ظلت مستمرة معهم لأكثر من ثلاثين عاما وكان يدعمها جهاز أمن الدولة فبمجرد نجاح الثورة التي شاركوا فيها متأخرين عن ذويهم من باقي الأحزاب السياسية قاموا بالخوض في مجالات كانوا بعيدين عنها كل البعد كمجال السياسة فاشتركوا في الانتخابات البرلمانية ونجحوا فيها باكتساح نظرا للخلفية الدينية التي استهووا بها الجماهير كما انهم بعدوا إلي حد ما عن أنواع التجارة التي كانوا يعرفون بها كتجارة العطارة والأعشاب الطبية وغيرها من أنواع التجارة التي احتكروها فأرادوا الانتقام من ضباط الشرطة الذين كانوا يجرعونهم الأمرين فتجرأوا وخاضوا تجربة شراء الميكروباصات وتأجيرها لعلمهم التام بأنها هي وسيلة المواصلات الشعبية الأولي في مصر وقد كانوا يستخدمونها في الدعاية والحملات الانتخابية من قبل.
رغم أهمية الميكروباص كوسيلة مواصلات حيوية إلا أنها سلاح ذو حدين بسبب مايرتكبه عفاريت الأسفلت من تجاوزات وكوارث في المجتمع.. ولكن رغم مايتسم به هؤلاء من مظاهر البلطجة والعنف والسلوك العدواني إلا أنهم قد يعانون من القهر الذي انعكس بلا شك علي حالتهم النفسية التي أفرزت هذه السلوكيات، بالإضافة لطبيعة العمل الشاقة وكذلك الفقر وانعدام المستوي التعليمي والاجتماعي الذي أثر بالسلب علي سلوكياتهم مع الناس.. فلابد أن هذه العوامل أوجدت تركيبة نفسية خاصة بهم وأصبحت قاسما مشتركا بينهم .. فما هو التحليل النفسي لسائقي الميكروباص؟.. ناقشنا المختصين في هذه القضية لنتعرف علي تفسيرهم لها.
سائقو الميكروباص تحت مجهر التحليل النفسي
يعد الميكروباص من أهم وسائل المواصلات بمصر.. فقد أجري مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء دراسة تقول: إن 68٪ من المواطنين يستخدمونه بشكل دائم .. فمرفق النقل العام لايفي الآن باحتياجات المرور ولايستطيع وحده احتواء الأزمات المرورية.. ولكن الميكروباص هو الوسيلة الأكثر استخداما مع المترو وخاصة في المسافات البعيدة ولكنه مع ذلك سلاح ذو حدين فبقدر منافعه فله أيضا أضراره ومشاكله وذلك للمخالفات الكثيرة والتجاوزات المتعددة. لدي سائقيه الذين يتسمون بالسلوك العدواني ومظاهر العنف المختلفة التي تنعكس في تعاملاتهم مع الركاب أو حتي في مشاجراتهم مع بعضهم البعض بالإضافة إلي اتسامهم بالجرأة علي اختراق القوانين والبلطجة المستفزة واللا مبالاة والفوضي والهمجية.. ولم يتوقف الأمر عند ذلك فقط بل تجاوز أيضا إلي ارتكابهم جرائم القتل والدهس وسفك الدماء علي الأسفلت بسبب الرعونة والسرعة الجنونية وتجاوز كل الخطوط الحمراء وكل قوانين المرور.. وبذاءة اللسان وذلك لانحطاط المستوي الطبقي والتعليمي.. فهذه الفئة المحيرة والمثيرة للتساؤلات لانستطيع الجزم إن كانوا جناة أم مجنيا عليهم.. فهم كانوا مقهورين من رجال الشرطة فأحيانا يشعر الراكب بالتعاطف معهم عند محاربتهم في أرزاقهم وفرض إتاوات عليهم وعمل مخالفات لهم وأحيانا أخري نشعر أنهم يستحقون أشد العقوبات بسبب مايسببونه من كوارث وجرائم.. فكثير منهم »مسجلون خطر« ومتعاطو مخدرات فهم يحتلون الشارع والمواقف بالبلطجة والفتونة.. وأكثر السيارات التي يستخدمونها متهالكة ولا تصلح حتي لنقل الدواب وأحيانا الأبواب أيضا مما يعرضهم هم أنفسهم للخطر هم والركاب.. بل تعدي الأمر أيضا إلي السير بدون لوحات معدنية ويقودها سائقون قد يكونون ليسوا علي مستوي القيادة فمنهم أطفال وصغار السن ولاتوجد أي رقابة عليهم ولا متابعات مع غياب تطبيق القوانين.
يقول د. أحمد عبدالله أستاذ الطب النفسي بجامعة الزقازيق: لانستطيع التعميم في الحديث عن سائقي الميكروباص لأنها فئة غير متجانسة ومتنوعة جدا فمنهم الجامعي الذي لايجد أمامه عملا غير ذلك بالإضافة لكونها مهنة حرة دون قيود عليه وكذلك لأنها مهنة مربحة إلي حد ما.. ومنهم الأمي الذي لم ينل قسطا من التعليم.. فهي مهنة تضم مستويات تعليمية مختلفة ومستويات بيئية وطبقية مختلفة أيضا.
أما القاسم المشترك بينهم أنهم كانوا (ملطشة) الداخلية.. فأمناء الشرطة كانوا يستعرضون عليهم هم والبائعة الجائلين فهذا معناه أنهم عرضة للظلم والذل والإتاوات والمعاملة السيئة.. فهم يعانون من القهر والعدوان.
يضيف د. عبدالله منذ فترة سمعت مسألة عمل حملات توعية للسائقين وإعطاء منح لهم كتجديد سياراتهم والمتابعة معهم والاعتناء بهم وأنا أري أنه لو حدث ذلك فسوف يكون هناك تقدم ورقي ويحدث تحسن في الحالة المرورية وسوف يعدل ذلك من سلوكياتهم مع الناس ويرفع من حالتهم النفسية وهذا مهم جدا لأن هناك ركابا كثيرين يتعاملون معهم يوميا ومنهم لمسافات طويلة.. كما اقترح عمل نقابة لهم تدافع عنهم وعن مشاكلهم حتي مشاكلهم التي بينهم أو مع غيرهم.
فلو شعر السائقون أن هناك من يرعاهم ويقدرون جهودهم وقيمة عملهم فسوف تتحسن سلوكياتهم.
وتري الدكتورة عفاف إبراهيم أستاذة علم النفس والاجتماع بالمركز القومي للبحوث أن مظاهر الإجرام والسلوك المنحرف ترجع إلي طبيعة العمل الشاق والمرهق لساعات طويلة بالإضافة إلي أن الأغلبية منهم صغار السن وليس لديهم خبرة بالحياة والتعامل والإرهاق النفسي والعصبي فهذه الضغوط النفسية تسبب نوعا من التوتر وتولد المشاكل والشتائم والعنف والمشاجرات الكثيرة فإذا كان السلوك المروري للناس الآن ليس به انضباط وهم جزء من هذا السلوك.. فليس هناك إدارة منظمة للعمل وهذا نوع من الجرأة علي اختراق القوانين فسائق الميكروباص يقف فجأة ويمشي بسرعة جنونية فجأة وليس هناك ضابط، ففجأة تحدث الحوادث ولايوجد إحساس بالمسئولية لأن المسألة متروكة دون حساب ولاتنظيم ولا عقاب رادع.. ونحن نعاني هذه الأيام من زيادة نسبة الجريمة وانشغال الشرطة وتفشي البلطجة، بالإضافة لكثرة عدد هؤلاء السائقين وتنافسهم ولذلك تظهر مخالفاتهم بكثرة عن أي قطاع آخر ومع ذلك لانستطيع القول بأنهم جناة أم مجني عليهم لأن هناك نقاطا كثيرة ومتشابكة.. ولاننسي أيضا أن من ضمن هذه التأثيرات المستوي البيئي والتعليمي وكذلك الفقر والمستوي المتدني والضغوط الكثيرة عليهم بالإضافة لعدم شعورهم بالاستقرار والأمان فليس عندهم تأمينات اجتماعية ولا معاشات ولا أي نوع من الاستقرار في العمل وبالتالي كل هذه الأشياء تؤثر عليهم بهذا الشكل.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.