عشرات من ضباط الشرطة الملتحين يتظاهرون أمام وزارة الداخلية للمطالبة بالعودة إلى العمل، الوطن ينقسم وتزداد وتيرة الصراعات داخل كل قطاعاته، بالتأكيد اللحية حرية، لكن دلالات إطلاقها هى التى دفعت وزارة الداخلية إلى استبعاد هؤلاء الضباط، كما أن هذه الدلالات تحديدا هى التى أحالتنا إلى فريقين يتصارعان على لحية!! قد تبدو تفصيلة، لكنها فى الحقيقة تشير إلى أننا بصدد وطن ينشطر لا يمكن أن نسأل فى هذه الحالة عن الأغلبية مع من، نتابع النزيف بينما الحاكم القابع فى الاتحادية لا يدرك أنه لا يمكن أن يرأس بلدا بعضه بلحية يمزق بعضه الذى لا يطلق اللحية
فى 25 يناير نترقب العديد من موجات الغضب، لا يتمنى أى مخلص لتراب هذا الوطن أن يصل الأمر إلى صدام دموى، ولكن حتى لو عبرنا فى يوم ذكرى الثورة تلك المعارك التى أرى من الآن شراراتها، فإننا لا نزال نرى وطننا وهو يئن وينتفض وجعًا وألمًا.
الحياة التى تراها عبر الفضائيات لم تعد عالمًا افتراضيًّا، الانقسام الفضائى هو فى حقيقته انقسام على أرض الواقع. المظاهر الصاخبة والدائرة الآن بين كل التيارات السياسية سيطرت على كل مناحى الوطن، أصبحت السماء تُمطر برامج لا تعرف سوى التراشق بين كل الأطياف المتصارعة، بل إن الطيف الواحد صار منقسمًا على نفسه، الحياة لم يعد لونها بمبى كما تقول سعاد حسنى، ولكن البرق والرعد والعواصف والأنواء السياسية أحالت البمبى المسخسخ إلى كُحلى غامق.
ورغم ذلك فإن كل ما تراه الآن هو مجرد تسخين لما هو قادم، برنامج تابع لقناة فضائية تناصر الإخوان يهاجم برنامجا يقف كحائط صد مدافعا عن جبهة الإنقاذ. كل فريق صار يقف خلف ساتر يحميه من الهجوم المباغت، حيث يرسل زخّات من البرامج الأرشيفية على طريقة «إن كنت ناسى أفكرك» التى أصبحت بسبب ضراوة المعركة إلى «إن كنت ناسى أكفرك»!!
رأينا مثلا كافتيريا مصممة طبقا لمقاييس السلفيين، حيث إنهم يمنعون الموسيقى والاختلاط ويشترطون أن يسألوا من يصطحب معه فتاة هل هى زوجته أو أخته أو أمه، ما عدا ذلك فإنه ممنوع الدخول، أتصور أن الدائرة التى نراها الآن محدودة سوف تتسع مع الأيام، لنرى محلات كشرى على الطريقة الإسلامية تواكبها محلات كشرى على الطريقة الليبرالية، هناك قناة فضائية لا تعمل بها سوى المنتقبات فقط، وتشترط أن من تتصل من النساء بالبرنامج ينبغى أن تخبرهن بأنها منتقبة فلا سماح حتى للمحجبات. لقد شاهدنا قبل ثورة 25 يناير كوافير ومصورا فوتوغرافيا للمحجبات فقط، ولكن الأمر الآن قابل للانتشار السريع، لنرى مظاهر موغلة فى تعنتها تسعى لتغيير ملامح مصر.
الأسابيع القادمة سوف تشهد أيضا أعمالا فنية تنتجها شركات يتم فيها مراعاة المواصفات الإخوانية والسلفية، التى كنا نشاهد بعض إرهاصاتها فى ما كان يعرف فى فترة ما بالسينما النظيفة، القادم أكثر نظافة، فلا وجود فى عدد من تلك الأعمال الفنية للنساء والموسيقى.
من حق كل الفصائل المختلفة بالطبع أن تعبر عن نفسها سياسيا، ولكن ما نراه الآن هو إفراز ثقافى واجتماعى بل ونفسى يشوه روح مصر المتسامحة.
المصريون بل العرب كانوا دائما ما يقال عنهم إنهم بقدر ما اختلفوا فى السياسة اتفقوا على صوت أم كلثوم، لأننا أصحاب مزاج فنى واحد، فلم يكن هناك فريق مثلاً يستمع إلى أغنيات أم كلثوم الدينية ويرفض أغانيها العاطفية، ولكن الكل أحب أم كلثوم «انت عمرى» وأم كلثوم «ولد الهدى». ما نراه الآن هو أبغض ما يمكن أن يعيشه الوطن بتلك القسمة التى كلما تأخرت محاولات الصلح ورأب الصدع يتسع فيها الخرق على الراتق.
ستجد فيلما يرى أن الليبراليين الذين لا يطلقون لحاهم يحملون الخراب لمصر ليرد عليه فيلم آخر يرى أن الإخوان والسلفيين الذين يطلقون لحاهم ينذرون بدمار مصر.. الفريقان يحركهما دافع الرفض للآخر، سيصبح التعريض بمن يقف على الشاطئ المقابل هو الهدف كأننا نستعيد ما حدث على أرض المحروسة قبل نحو ستة أشهر عندما صوَّت الناس لمرسى كراهية فى بلوفر شفيق، وصوتوا لشفيق كراهية للحية مرسى، وما نراه الآن فى ربوع مصر هو رقص على إيقاع الكراهية والغنيمة لحية!!