«الفنون الجميلة المصرية في القرن العشرين» تؤرخ لمصر فنيا خلال القرن الفائت.. وتلقي الضوء على فنانين مصريين "مجهولين" في تاريخ مصر الفني تاريخ مصر الفني خلال 100 عام، منطقة تكاد تكون مجهولة للكثيرين من المهتمين والمتابعين لتطور الحركة الفنية في مصر، إضافة إلى غياب معرفة دقيقة وموثقة لعدد كبير من الفنانين المصريين "المجهولين" عبر تاريخها الفني، أغفلهم التاريخ وسقطوا في غياهب النسيان.. ولعل هذا ما دفع المؤرخ الفني الكبير صبحي الشاروني إلى تدارك هذا النقص الكبير في المكتبة العربية بإخراج الجزء الأول من موسوعته الجديدة «موسوعة الفنون الجميلة المصرية في القرن العشرين»، الصادرة حديثا عن «الدار المصرية اللبنانية»، لتكون على رأس منشوراتها الجديدة في معرض القاهرة الدولي للكتاب الذي سيفتتح بعد يومين.
الجزء الأول من موسوعة الشاروني الجديدة تقع في 140صفحة من القطع الكبير، تشمل لوحات متعددة لكل فنان ممن شملتهم الموسوعة، حيث اختص الجزء الأول بفناني الجيلين الأول والثاني في مصر، ويقول المؤلف عن إصداره الجديد إنه خلاصة جهد متواصل لتوثيق حركة الفنون الجميلة المصرية، استمر على مدى أكثر من ثلاثة عقود، وهذا الجهد المتواصل أتاح إصدارها بهذا الشمول والموسوعية، برغم ما واجهه من صعوبات، حيث كان التوثيق وجمع المعلومات عن الفنانين والرواد صعبًا ليس فقط بالنسبة لتاريخ نشاطهم، ولكنه امتد إلى لوحاتهم أيضًا وتماثيلهم .
وعن إصدار الموسوعة في هذا التوقيت تحديدًا، يقول صبحي الشاروني إنه جاء لمواجهة موجة خبيثة رفعت محاول الهدم لإنجازات جيل الروّاد، بدأت عام 1997، واستطاعت أن تنشر سمومها في مطبوعات تحمل اسم وزارة الثقافة المصرية، ومثل هذه الموجات الخبيثة لا تنجح إلا في ظل غياب المعلومات الموثقة عن إنجازات هؤلاء الأسلاف، ونحن نبدأ بتقديمهم لأننا نفخر بهم، ونعتز بدورهم الرائد البطولي، ونأسف لما يتعرضون له من المغرضين .
يبدأ الجزء الأول من موسوعة «الفنون الجميلة المصرية في القرن العشرين» بفهرس المحتويات، حيث تم ترتيب الفنانين طبقًا لتواريخ ميلادهم، حتى يكون هناك منطق تتابع تاريخي يشير إلى تتابع الأجيال، ويجمع بين المعاصرين لبعضهم في صفحات متتالية، هذا الترتيب الزمني، كما يشير المؤلف، يجعل الموسوعة مفيدة بالنسبة لغير المتخصص الذي يطلع عليها للمعرفة، ويؤكد المؤلف أن الترتيب الأبجدي كان سيجعل منها قاموسًا تقتصر فائدته على الباحثين فقط، ولا يرجع إليها إلّا من يبحث عن بيانات فنان معين وتستحيل قرارتها ككتاب.
كما يوضح صبحي الشاروني أنه قد وضع في نهاية الجزء الأول فهرسًا أبجديًّا بأسماء الفنانين الواردين فيه؛ حتى يسهل على الباحث التوصل إلى الصفحة التي بها اسم الفنان الذي يُطْلَبُ التعرف على بياناته الرئيسية، ويتضمن الفهرس الأبجدي بالإضافة إلى اسم الفنان تخصصه وتاريخ مولده، وسيذيل الجزء الثاني بفهرس يشمل فناني الجزئين، وفي ختام الجزء الثالث سيقدم الفهرس الشامل لجميع فناني الموسوعة.
ونظرًا للظروف التي تمر بها مصر الآن، من هيمنة للتيارات الدينية، التي يعادي أغلبها الفنون والآداب، خصوصًا الفنون التشكيلية بأنواعها المختلفة؛ كالنحت والخزف والرسم، فإن المؤلف حرص في بداية الجزء الأول من هذه الموسوعة المهمة على وضع آراء أشهر علماء الدين في الفنون، مستندا إلى آراء الأستاذ الإمام محمد عبده في هذا المجال، وهي خطوة استباقية تثبت للمعترضين من هذه التيارات أنهم يميلون إلى التشدد، ويبتعدون عن وسطية الإسلام الجميلة.
المؤلف خصص لتلك الآراء فصلا بعنوان (رأي الشريعة الإسلامية حول فوائد الفنون الجميلة)، حيث نقل عن الإمام محمد عبده فتواه حول ضرورة الفنون الجميلة من رسم ونحت للناس المعاصرين، وكيف أن الإيطاليين يحرصون على حفظ الصور المرسومة على الورق والنسيج، وتحدث عن احتفاظ الأمم الكبرى بمثل هذه الآثار في متاحفهم، وعلي تنافس الأوروبيين على اقتنائها، حتى أن "القطعة الواحدة من رسم رافائيل مثلا ربما تساوي مائتين من الآلاف، وكذلك الحال في التماثيل"، ثم يقول نقلا عن الشيخ الإمام "إنه بالإمكان معرفة أسباب حرص الأوروبيين على اقتناء هذه الرسوم والتماثيل بمعرفة ما كان عليه السلف العربي من حرص على حفظ الشعر وضبطه في دواوينه والمبالغة في تحريره خصوصًا شعر الجاهلية"، ثم يتابع قائلا عن التصوير "لقد حفظت هذه الرسوم من أحوال الأشخاص في الشئون المختلفة، ومن أحوال الجماعات في المواقع المتنوعة ما تستحق به أن تُسمّي ديوان الهيئات والأحوال البشرية، يصورون الإنسان أو الحيوان في حال الفرح والرضا والطمأنينة والتسليم. وهذه المعاني المدرجة في هذه الألفاظ متقاربة، ولا يسهل عليك تمييزها بعضها من بعض، ولكنك تنظر في رسوم مختلفة فتجد الفرق ظاهرًا باهرًا، يصورونه مثلا في حال الجزع والفزع والخوف والخشية، والجزع والفزع مختلفان في المعني كما يختلفان فيه عن الخوف والخشية، وإنك إذا نظرت الرسم - وهو ذلك الشعر الساكت – تجد الحقيقة بادرة لك، تتمتع بها نفسك كما يتلذذ بالنظر فيها حسك.. وحفظ هذه الآثار حفظ للعلم في الحقيقة".