قرأت حوارًا لأستاذى لويس جريس على صفحات جريدة «الوطن»، قال فيه إنه أحب المسيح عليه السلام من القرآن وليس الإنجيل، فما قرأه فى الإنجيل أسطر قليلة، ولكن القرآن يبجّل المسيح والعذراء فى أكثر من سورة وآية. ولم يتطرَّق الزميل صفوت الدسوقى الذى أجرى الحوار إلى عديد من المواقف فى حياته التى تلقى ظلالًا عديدة على تلك التركيبة الإنسانية لهذا الرجل الذى اقتربت منه، والراحلة زوجته الفنانة القديرة سناء جميل، قبل أكثر من ثلاثين عامًا، فتأكدت أن لقاءهما كان قدريًّا، روى الأستاذ أنه عندما التقى سناء فى مطلع الستينيات وبدأت مشاعرهما تتحرك عاطفيًّا، لم يسألها عن ديانتها، كان موقنًا أن اسمه يقطع بأنه مسيحى، ولكن سناء جميل من الممكن أن تكون مسلمة، كان قد قرر الزواج ولم يستفسر حتى من أصدقائه عن أى تفاصيل أخرى. حتى اللحظة الأخيرة فقط قبل عقد القران عرف أنها مسيحية، سألته هل كنت ستتزوجها لو كانت مسلمة، أجابنى: نعم.
موقف آخر حكاه لى الأستاذ عندما قرر المخرج كرم مطاوع أن يقدّم مسرحية «الحسين شهيدًا» لعبد الرحمن الشرقاوى، اتصلت به سناء جميل، وقالت له مستعدة أن أشهر غدًا إسلامى لو وعدتنى أن ألعب دور السيدة زينب شقيقة الحسين.
هذه المواقف وغيرها فى حياة لويس وسناء يجب أن لا نقرأها ونحن نرتدى نظارة دينية، ترى الأمور فقط من خلال الانحياز الدينى، مسلمًا كنتَ أم مسيحيًّا، عندما لم يسأل لويس عن ديانة سناء قبل عقد القران فإن زاوية الرؤية هنا تعنى أنْ لا سناء ولا لويس فكَّرا قبل إعلان ارتباطهما فى الديانة، ولكن مشاعر الحب هى التى دفعتهما إلى الزواج، بينما إعلان سناء أنها مستعدة لإشهار إسلامها هو تعبير عن عشق الفن، أعلم أننا الآن لم تعد لدينا القدرة على استيعاب تلك الرؤية وهى نفسها التى دفعت رجلًا مسلمًا قبل 70 عامًا إلى أن يسمى ابنه وليام حبًّا فى الزعيم والخطيب الوفدى المفوَّه واسمه الثلاثى وليام مكرم عبيد.
النظرة القاصرة للدين لم تعد قاصرة فقط على مصر، مثلًا فى لبنان تدخَّلت سلطة الكنيسة المارونية وأوقفت قبل بضع سنوات عرض مسلسل إيرانى يتناول حياة السيد المسيح عيسى، عليه السلام، طبقًا لما يراه الإسلام، وكان قد عرضت أولى حلقاته على قناتَى «المنارة» و«N.B.N»، والقناتان معروفتان بميولهما الشيعية.. والمسلسل من إنتاج إيران.. وهكذا أصبحت الجريمة متكاملة الأركان!!
تتمتع بالتأكيد الفضائيات فى لبنان بسقف عالٍ من الحرية، ولكن المساس بالأديان أو الطوائف خط أحمر، ولهذا فإن الدولة من خلال رئيس الجمهورية ميشال سليمان، قد تدخَّلت لإجبار أصحاب هاتين القناتَين بإيقاف عرضه.. تظل خصوصية الأديان منطقة ممنوعة لا يجوز الاقتراب منها، ولكن من قال إن المسيح فى الإسلام من الممكن أن يثير حساسية لدى المسيحيين.. أستبعد تمامًا أن تقدّم أى مرجعية دينية إسلامية سنية أو شيعية عملًا فنيًّا يغضب المسيحيين، لأن القرآن يحمل تقديرًا وتوقيرًا لسيدنا عيسى، عليه السلام، رغم أن عيسى فى القرآن ليس هو عيسى فى الإنجيل.. سبق أن قدَّمت محطة تليفزيون «بى بى سى» مسلسلًا عن عيسى فى الإسلام ومنع الأزهر قبل بضع سنوات عرضه فى أى قناة مصرية لنفس السبب، وهو أنه يتعارض مع يسوع فى الإنجيل، رغم أن النظرة المحايدة كان ينبغى أن تؤازر عرض مسلسل يتناول حياة سيدنا عيسى عليه السلام، ومن الواضح أن هناك قوى ضاغطة فى عديد من الدول العربية لمنع تلك الأعمال، حتى إن المخرج الأردنى محمد عزيزية قرَّر أن ينتج مسلسله «عيسى فى القرآن» خارج حدود عالمنا العربى!
المسيح فى الإسلام رؤية نستطيع أن نقدم من خلالها صورة صحيحة للإسلام الذى كثيرًا ما أسأنا إليه نحن المسلمين، بتصدير صورة خاطئة عن تعاليمه، بل وعن نظرته إلى أصحاب الديانات الأخرى.. رغم أن القرآن ملىء بالآيات البيِّنات التى توقِّر سيدنا عيسى والسيدة مريم التى فضَّلها القرآن على نساء العالمين. الكنيسة فى عهد البابا شنودة لم تكن ترحب بأن تُقدَّم أعمال درامية تتناول المسيح فى القرآن ولا أدرى ما موقف البابا تواضروس.. لو شاهد المسيحيون عيسى كما يراه الإسلام سوف يدركون إلى أى مدى كان هو الأقرب إلى قلوب المسلمين، ولكنها الحساسية التى تفضِّل دائمًا إغلاق الباب حتى تريح وتستريح، لكنها فى الحقيقة لا تريح ولا تستريح!!