لعل من أكثر الأمور التي لفتت الانتباه لرواية ربيع جابر الأخيرة "دروز بلغراد.. حكاية حنا يعقوب" هي فوز الرواية مؤخرا بجائزة البوكر 2012، وهي الجائزة الأقيم عربيا، والتي فاز بها من قبل الروائيان المصريان بهاء طاهر ويوسف زيدان. رواية "دروز بلغراد" هي رواية تأخذ الجانب التاريخي خلفية لها لتحكي لنا رحلة حنا يعقوب المسيحي اللبناني، وكيف تمّ نفيه مع 550 درزيا تحت مسمّى "سليمان غفار عز الدين" بعد أن هرب الباشا التركي سليمان مع والده وجعل حنا يحلّ محله.
الرواية في أساسها تستند إلى حادثة حقيقية وهي قيام بعض الدروز القاطنين في جبل لبنان بالإغارة على جيرانهم المسيحيين وقتلهم عام 1860، وهو ما جعل الوالي التركي وقتها يقوم بنفي 550 درزيا إلى بلغراد عقابا لهم على ما فعلوه.
تتميّز رواية ربيع جابر بروعة السرد الذي يجعلك تدخل في عوالم الرواية منذ اللحظة الأولى منها؛ لتتعرّف على حنا يعقوب بائع البيض اللبناني الذي تمرّد على مهنة والده الذي كان يُشعل النار للناس في مغاطس الاستحمام، وقرّر أن يكون حرا طليقا فقام بتربية الدواجن وبيع بيضها المسلوق.
مع بداية أحداث الرواية تتعرّف على حنا يعقوب وزوجته "هيلانة" وابنتهما "بربارة" وطريقة عيشهم بجوار الكنيسة؛ حيث يخرج حنا طوال اليوم يبيع البيض المسلوق ويعود في نهاية اليوم بعدما يبيع ما معه.
حنا الذي يخرج في أحد الأيام ليجد نفسه دون سابق إنذار محمَّلا مع 550 درزيا في طريقهم إلى قلعة بلغراد حيث مقر نفيهم، حنا الذي أصبح سليمان رغما عن أنفه وأصبح مسلما يتعاطف معه الدروز المسلمون الذين كانوا يقتلون جيرانهم المسيحيين.
الرواية قائمة أساسا على فكرة العلاقات بين المسلمين والمسيحيين في لبنان الذين تركوا جَمال بلادهم لبنان والتفتوا لقتل بعضهم البعض.. إنها حرب لبنان الأهلية في القرن التاسع عشر بكل قسوتها، والتي أوصلت حنا يعقوب لأنْ يُنفى على جريمة لم يرتكبها وذنب لا يد له فيه لمدة 12 عاما هي مدة رحلته حينما خرج صباحا ولم يعد إلى بيته إلا بعد فترة حوالي 12 عاما مليئة بالذل والقهر والإحباط ولمحات من الفرح والسعادة بأمور بسيطة هي من أبسط حقوق الإنسان.
ربما من أكثر ما أحبطني في الرواية هو نهاية رحلة حنا أمام منزله وبعدما يرى زوجته وابنته لتنتهي الرواية فجأة بعد رحلة طويلة للغاية تتعاطف فيها مع حنا ومع مأساته وقسوة ما مرّ به.
هناك بعض المشاهد الأخرى غير المُحكَمة في الرواية، والتي يمكنك أن تتغاضى عنها مع روعة السرد خصوصا النقلات الزمنية المبالغة فجأة بعد هروب حنا من الجيش العثماني في العام الأخير له لقد مرّت 6 سنوات في أقل من 30 صفحة في حين كانت مرت السنوات الستة الأولى فيما يعادل 200 صفحة وهي تنقلات زمنية مبالغ فيها بعض الشيء، وأيضا كيف رأى بعض الجنود حنا ميتا ووصفوا ما حدث له بالضبط، وتجده في الصفحة التالية هائما على وجهه فاقدا للاتجاهات، لكن كل هذه الأمور يمكن التغاضي عنها مع تلك الرحلة الطويلة والمنهكة التي مرّ بها حنا منذ خروجه من لبنان مرورا بقلعة بلغراد حتى يصل إلى سجن الهرسك، ثم وقوعه سجينا في سجون القلعة السوداء حتى يهرب ويعود إلى بيته.
إن رواية "دروز بلغراد" رواية ممتعة تأخذك بين جنباتها في زمن مجهول لنا وحكاية تاريخية يغفل عنها العديد من رواة التاريخ.
الرواية تقع في 235 صفحة من القطع المتوسط وصدرت عن المركز الثقافي العربي ودار الآداب، كما حصلت على جائزة البوكر 2012 بعد منافسة مع 5 روايات أخرى؛ منها روايتا "العاطل" للروائي المصري ناصر عراق، ورواية "عناق عند جسر بروكلين" للروائي والسفير السابق عز الدين شكري.