ياااا شعبي الحبيب الصبور المهاود.. قرار ديكتاتوري رقم واحد.. من محمد مرسي فرعون مصر الجديد ومفرق القطرين ونيرون العصر الحديث، بإسقاط كل أحكام القانون الذي ثار الشعب ليضمن سيادته، وإهدار كل الشرعيات المعمول بها في كل دساتير الدنيا، وتجاهل كل الأعراف الدولية، وإعادة مجلس الشعب المنحل بحكم المحكمة الدستورية العليا، ولا عزاء للقانون.. ثم كان على الفرعون أن ينحني على الميكروفون ويهتف بصوت مبحوح: هااااااااه.. دلالة على أن الشعب فرحان. وطبعا كما يفعل أي نظام ديكتاتوري منذ الأزل، عليه أن يؤكد أن إسقاط القانون وضرب سيادته بأقدم حذاء هو إرادة شعبه وثورته.. وهناك طبعا من سيصدق هذا.. فالمشكلة الكبرى في فترة ما بعد الثورة هي أن الكل مصاب بقصر نظر مرضي رهيب، ناشئ عن موجة لا مثيل لها من الحقد والكراهية والغل، الذين يعمل البعض على تزكيتهم وضمان استمرار اشتعالهم طوال الوقت، اعتمادا على حالة الحماس الانفعالي لدى الشباب ورغبتهم في أن يكون لهم دور على الساحة.. والرغبة في أن يكون لك دور هو رغبة طبيعية تماما، ولكن كيف يكون الدور؟ هذا هو السؤال الأهم.. فهل تريد أن يكون لك دور في بناء المستقبل؟ أم في هدم المستقبل؟! ولتعلم قبل أن تجيب أن الحماس وحده لا يكفي.. لا بد وأن يصحبه العقل وتصحبه الحكمة.. وأن ينيره بُعد النظر.. وبدون هذا فالحماس مدمر.. وقديما قالوا: أسوأ من تواجهه أحمق ذو قضية.. وكلمة أحمق هنا لا تعني الحماقة بمفهومها العام.. إنها تعني الحماس الشديد لقضية ما بلا فهم كامل وبلا تبصر واضح للعواقب.. الكثيرون من الشباب أرادوا أن يكون لهم موقف قوي يثبت وجودهم على الساحة، فامتنعوا عن التصويت أو أبطلوا أصواتهم.. وعندما كان الأكبر سنا يحاولون تبصيرهم بعواقب العناد عندما يتعلق الأمر بمستقبل الوطن الذي هو في الواقع مستقبلهم، كانوا يبتسمون في سخرية باعتبار أنهم الأعلم والأحكم والأكثر فهما.. وعلى أيدي هؤلاء الأبطال سقطت مصر في فخ ديكتاتورية لم تشهد مثلها في تاريخها كله، وحتى في عهد النظام السابق نفسه.. صحيح أن مرسي حاول جعل الأمر يبدو في صورة قرار له شرعية ثورية، ولكن.. أي شرعية ثورية تلك بعد أن صار هناك شرعية فعلية؟! مصطلح الشرعية الثورية هذا كان يطلق فقط قبل وجود شرعية دستورية.. وإلا فلماذا كان كل هذا؟! لماذا سعينا إلى شرعية دستورية لو أننا سنستمر بالشرعية الثورية التي يتصور البعض أنها تبيح كل موبقات الدنيا؟! لماذا؟! لماذا؟! وألف ألف لماذا؟! فالشرعية في أي وطن حر ليست هي شرعية الرئيس وحده.. الديكتاتورية الفاشية المطلقة هي التي تضع الشرعية في يد رجل واحد.. الشرعية الحقيقية هي شرعية كل مؤسسات الدولة.. شرعية المؤسسة القضائية.. وشرعية المؤسسة التشريعية.. وشرعية المؤسسة التنفيذية.. وفي أي دولة تنشد مستقبلا حقيقيا تكون كل سلطة من السلطات الثلاث مستقلة غير خاضعة للأخرى.. هذا هو التوازن الذي يضع الديمقراطية الحقيقية.. وفي كل ديمقراطية حقيقية تكون السلطة القضائية فوق كل السلطات.. وبهذا تقوم الدولة.. وبهذا يكون لها مستقبل.. وحضارة.. وأمل.. وعندما يتولى رئيس الدولة الحكم بشرعية دستورية فإنه يقسم على الولاء للوطن وعلى احترام استقلال سلطاته وعلى احترام الدستور والقانون.. وفخامة فرعون مصر لم يبر بقسمه هذا.. هذا لأنه ينتمي إلى جماعة، ترغب في السيطرة على كل شيء.. وأي شيء.. ومخطئ هو من يتصور أنه رئيس له إرادة مستقلة.. الأيام القليلة التي جلس فيها على عرش مصر أثبتت أنه مجرد قطعة شطرنج في تنظيم كبير.. وأنه ديكتاتوري النزعة أو أن من يمسكون خيوطه كذلك، لأنه فاز بشرعية دستورية، فلما لم تحقق لمن وراءه ما أرادوه نكص بعهوده وأسقط قسمه وتجاهل الشرعية الدستورية وبدأ يتحدث عن الشرعية الثورية الشعبية.. أي شرعية تلك في رئيس لا يحترم أحكام أعلى سلطة قضائية في البلاد؟! وماذا تتوقع منه إذا ما حكم البلاد من هذا المنطلق؟! من منطلق تحدي القانون وإسقاط أحكامه.. هل سيدفعك غضبك من المجلس العسكري إلى قبول إهدار أحكام القانون وطعن سيادته في مقتل، فتكون كمن يهلل لاشتعال منزل جاره الذي يبغضه ثم لا ينتبه إلا والنيران تشتعل في ثيابه هو؟! لا بد أن تنحي مشاعرك المندفعة هذه جانبا ولو لمرة واحدة، وتنظر إلى المستقبل وليس تحت قدميك فحسب.. فاليوم يسقط الديكتاتور أحكام أعلى هيئة قضائية في البلاد باسم الشرعية الثورية.. وغدا يسقط حقوقك وحريتك تحت الاسم نفسه.. وبعد غد يلقيك في السجون والمعتقلات لأنك ضد الشرعية الثورية.. وبعد بعد غد لن يكون لك غد.. فكّر بعقل وحكمة.. ودون انفعال واندفاع.. إنك أمام مشكلة ديكتاتورية، ولست أمام خلاف مع أفراد أو أشخاص.. أنت في عنق الزجاجة ما بين بناء دولة سيادة القانون وضياع سيادة القانون.. وسل نفسك: هل الأمر ثوري بالفعل كما يقول الديكتاتور؟! وهل لو كان مجلس الشعب المنحل ذا أغلبية ليبرالية كان مثل هذا القرار الثوري سيصدر؟! اطرح مشاعرك وغضبك وكراهيتك جانبا وأجب السؤال.. فوطننا مصر يمر الآن بأخطر مرحلة في تاريخه كله.. المرحلة التي ستحدد ما إذا كنا سنصبح دولة تخضع لسيادة القانون أم نصبح كيانا يخضع لكل ديكتاتور يحكمه. اطرح كل انفعالاتك عن نفسك وانصت في اهتمام.. فما تسمعه ليس صوت الإرادة الشعبية أو الثورية.. إنه صوت الديكتاتورية.. صوت رغبة مسعورة في السيطرة على كل شيء.. وأي شيء.. في السيطرة عليك.. وعليّ.. وعلى مقادير ومستقبل وطن بأكمله.. ونحن نقف عند الخط الفاصل.. والأخير.. اطرح عنك كل مشاعرك السلبية وانصت بكل حواسك.. انصت جيدا.. فمصر تناديك.. مصر التي أنت جزء منها.. وهي جزء منك.. مصر المستقبل.. الذي يضيع.. انصت.. ولبِ النداء.. يا كل من تريد بناء المستقبل الحر.. مستقبل مصر.. الحرة.