طالعتنا الأخبار هذا الأسبوع بأن حالات الطلاق والخُلع في مصر وصل عددها إلى مليون حالة في العام الواحد، وبحساب بسيط تقريبي بالنسبة لعدد السكان فإنه مِن بين كل 40 زوجاً وزوجة جُدد هناك زوج وزوجة تؤول حياتهم في النهاية إلى الطلاق أو الخُلع، وقد قدر الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء أن هناك حالة طلاق تحدث كل 6 دقائق، ورصدت الإحصاءات240 حكماً بالطلاق، تصدر كل يوم في محاكم الأحوال الشخصية. الجدير بالذكر أنه منذ شهور قليلة صدرت إحصائية عن جمعية المأذونين الشرعيين في مصر توضح عدداً من الأرقام يثير التساؤل.. فعدد حالات الطلاق -بدون الخُلع- وصل إلى 264 ألف حالة في عام 2008، 42% من هذه الحالات تتم بين المتزوجين حديثاً من السنة الأولى إلى الرابعة، ولكن الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء خرج بتقرير جديد أكثر مأساوية أكد فيه أن عدد حالات الطلاق خلال العام المذكور وصلت إلى أكثر من 84 ألف حالة طلاق. وبجولة سريعة في الأخبار اليومية، سنكتشف أن هناك ظاهرة جديدة أكثر خطورة ظهرت في مجتمعاتنا؛ وهي الطلاق خلال الأسبوع أو الشهر الأول من الزواج، بل إن الصحف تطالعنا بخبر الفتاة الشابة التي ارتبطت عن قصة حب، وتم عقد قرانها ثم طلقت ثلاث مرات قبل الزفاف، وفجأة وجدت نفسها هي وزوجها قد حُرّما على بعضهما البعض وانتهت حياتهما من قبل أن تبدأ من الأساس. وهذا يدفعنا اليوم للتساؤل.. لماذا كثرت حالات الطلاق بهذا الشكل، وأصبحت سريعة حتى أن الزوجين اللذين يُكملان عاماً كاملاً معاً يصبحان -تبعًا لهذه الإحصاءات- قد قاما بإنجاز يحسب لهما؟!! وقد طُرحت على الساحة عدة أسباب: - البعض يعتبر أن ذلك نتاج لتغيّر في طبيعة المجتمع؛ فالمجتمع ككل أصبح أفراده أقل قدرة على الصبر والمثابرة، وأكثر مللاً وميلاً للتخلّص من أي عقبة بشكل سريع قد يصل لحد التهور، كما أن قيما كاحترام فكرة تكوين الأسرة وتقييم الأمور بشكل أكثر موضوعية والاعتراف بالخطأ، أصبحت الآن بالنسبة للجميع تقريبًا أمورا مندثرة، لذلك فقد غابت هذه القيم عن الشباب بالتبعية، وأدت إلى أن يدخل الزوجان لهذه الحياة الجديدة وهما يحملان معهما كافة سلبيات المجتمع، ليطبقوها في حياتهم وعلى الطرف الآخر الذي يقوم بالمثل، لذا فإن الحياة تنتهي عند أول صدام. - في ذات الوقت أرجع البعض هذه الظاهرة إلى وصول دعاوى تحرير المرأة إلى حدها الأقصى، قائلين بأن المرأة أصبحت تشعر باستقلالها المادي والمعنوي عن زوجها، مما جعلها تشعر بأن الزوج بل وفكرة الزواج كلها أمور قابلة للاستغناء عنها، ولذا لم تعد المرأة الآن راغبة في تحمّل معاناة الزوج في العمل وتلقي غضبه أو ضيقة بصدر رحب ورغبة في الصفح؛ فالزوجة نفسها تخرج للعمل وتلاقي من المشاكل والأزمات كما يلاقي الزوج وتعود وهي ترغب في زوج يتحملها هي شخصيًا، لذا فيفضل الطرفان في النهاية إنهاء الحياة المشتركة، والزوجة ترى بأنها ليست في حاجة لهذا الرجل والزوج يرى بأنه لم يجد لدى زوجته ما كان يطمح إليه. - هناك قلة اعتمدت على إحصائية الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء التي سجلت أعلى نسبة طلاق في الفئة العمرية من 25 إلى أقل من 30 سنة، وقرروا أن ظاهرة الطلاق المبكر مرجعها الزواج في سن صغيرة، ولكن هذه الفئة خاصة مردود عليها، فلا يمكن أن يكون مثل هذا السبب هو المبرر الرئيسي للطلاق المبكر؛ فسن الزواج في الجنسين قد ارتفع كثيرًا عن العصور السابقة حتى أصبح ارتفاع سن الزواج مشكلة يدعو البعض لإيجاد حل لها، وإنه كان أولى على هذا الحال أن تتواجد هذه المشكلة في السابق وتختفي الآن وليس العكس ولذلك فمن غير المنطقي إرجاع هذه الظاهرة لهذا السبب. - أما آخر الآراء فتحدثت عن ضيق ذات اليد بالنسبة للشباب، والأزمات الاقتصادية الطاحنة التي يعيشها الجميع؛ فبجوار ما قد تسببه هذه الأزمات من غضب وعدم صبر وسرعة اشتعال الأعصاب، فإن كلا من الزوجين يدخل متنمرا للطرف الآخر وفاقدا للثقة به، ويشعر بالخوف نظرًا لما تكلّفه في هذا الزواج، ويهاب أن يكون الطرف الآخر ينوي الغدر، أو يدخل مشروع الزواج وهو يطمع به، لذا تفسر كل حركة بشكل خاطئ فيؤخذ ضدها رد فعل عنيف، يفسره الطرف الآخر بشكل خاطئ أيضًا، وهكذا دواليك يدخل الزوجان بل وأسرتاهما في دائرة مغلقة من الشك والقلق تدفعهم دفعًا في النهاية إلى إنهاء هذا الزواج؛ خوفًا من تفاقم الخسائر، بجانب هذا فإننا سنعود إلى إحصائية أخرى أصدرها الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء في تقريره، وهي أن أعلى نسب للطلاق تحدث في مواسم الأعياد؛ حيث تتزايد متطلبات الأسرة، مما يشكل عبئا ماديا شديدا يؤدي في النهاية إلى الاختلاف فالطلاق. والحقيقة أنه بنظرة موضوعية فإن هذه الأسباب كافة تشارك في صنع الأزمة وتفاقمها، وقد نصح بعض خبراء الاجتماع بأنه من الواجب أن يكون لدينا في مصر وعالمنا العربي مستشارون للزواج، كما يوجد في الغرب يمكن للزوجين عند الحاجة اللجوء إليهم، ليجدوا من يوضح لهم الأمور وينظر للمشكلة نظرة موضوعية بعيدة عن التحيز، قد تساعد الزوجين في تخطي الأزمة وإكمال مشوار الحياة، بينما يرى آخرون أن الدين الإسلامي وضع نموذجا للإصلاح عن طريق إحضار حكم من أهل الزوج وآخر من أهل الزوجة ليعملوا على الإصلاح وفض الخلاف.. وسواء كان اللجوء للطب النفسي ومستشاري الزواج أو لتحكيم من كبار الأسرتين، ففي النهاية وجب الانتباه بشدة لهذه الظاهرة حتى لا نجد أنفسنا فجأة وقد وصلنا إلى نمط مختلف تمامًا في الحياة لا يقوم على الشكل المتعارَف عليه وهي (الأسرة)، بل نتحوّل مثل كثير من الدول الغربية التي تتكوّن أغلب عائلتهم من طفل مع أحد الزوجين فقط، أو زوج مطلّق وزوجة مطلّقة يعيشان بلا أسرة متكاملة، وهو الأمر الذي يُقلق علماء الاجتماع؛ حيث إننا نسير تجاهه بخطى حثيثة.