في تطور أدهش المراقبين، بدأت القوات المسلحة السعودية عملية عسكرية على الحدود مع اليمن، لصد تسلل عناصر من التمرد العسكري الحاصل في شمال اليمن. هذه الخطوة أثارت مخاوف حلفاء السعودية في المنطقة من تورط سعودي عسكري في اليمن، شبيه بما جرى للجيش المصري حينما تورط بحرب اليمن خلال الستينيات، مما أرهق الجيش المصري قبل موقعة يونيو 1967، كما أن الدعم الإيراني للميليشيات الحوثية معروف للجميع، مما زاد من خطورة الخطوة السعودية؛ إذ ربما أن كل ما يجري هو فخ إيراني لفتح بؤرة صراع أخرى لجبهة الممانعة بين اليمن والسعودية.
وفي الواقع أن ما يجري على الحدود اليوم بين الدولتين هو أمر غير متوقع، فالتسلل الذي قام به عناصر التمرد الحوثي إلى الأراضي السعودية غير مفهوم وغير مبرر، فالتمرد الحوثي له أسبابه التي ربما يقتنع بها البعض في اليمن، ولكن أن تعبر ميليشيات الحوثي الحدود داخل المملكة السعودية فهو أجراء لا يهدف إلا لاستفزاز القيادة السعودية فحسب، وجعلها مجبرة على مهاجمة ميليشيات الحوثي.
وعلى ما يبدو فإن المواجهة بين السعودية وميليشيات الحوثي أمر يعدّ له منذ فترة، فمنذ الضربة الأولى للمواجهة السادسة بين ميليشيات الحوثي والجيش اليمني راح الإعلام الإيراني يروّج لنظرية أن الجيش السعودي يشارك في العمليات التي تجرى في اليمن، بل أن الإعلام نفسه يصر على أن الجيش السعودي اليوم يقصف ميليشيات الحوثي داخل الأراضي اليمنية المتاخمة للحدود.
ولكن ما هي أهداف دخول ميليشيات الحوثي إلى السعودية؟؟ حقيقةً الأمر واضح للعيان، فمن الصعب التصور أن تلك الميليشيات المسلحة دخلت الأراضي السعودية من أجل التنزّه، أو قضاء أوقات سعيدة، فمن المؤكد أن ميليشيات الحوثي كان لها أجندة تخريبية داخل الأراضي السعودية، بل وربما تكون تلك الأجندة هو إرهاق الجيش السعودي لصالح الأجندة الإيرانية الإقليمية، حتى لا تجد السعودية أمامها إلا مفاوضة طهران من أجل التهدئة مع الحوثيين، تماماً كما فعلت الرياضوطهران معاً يوماً ما مع الرئيس جمال عبد الناصر حينما قاموا بإرهاق الجيش المصري في حرب اليمن للخلافات السياسية بين المعسكرين، ولم تهدأ الأمور إلا بمفاوضات مباشرة بين الرئيس جمال عبد الناصر والملك فيصل.
ولعل السلوك الأخير للتمرد الحوثي ينقله من قائمة الحركات السياسية ذات مطالب دينية إلى حركة فوضوية تسعى إلى القيام بعمليات إرهابية في أكثر من دولة، مما يعجّل بوضع التنظيم في قوائم الإرهاب الدولية، ليتساوى مع تنظيم القاعدة وحركة طالبان وغيرهما.
ومن ناحية أخرى يُعتبر التصرف السعودي الأخير تصرفاً سليماً من الناحية القانونية والإنسانية، فكل دولة لها الحق في الدفاع عن أرضها ضد أي تدخل أجنبي، خاصة لو كان السبب المنطقي الوحيد لدخول تلك الميليشيات إلى الأراضي السعودية هو القيام بعمليات تخريبية، إضافة إلى ذلك فإن السعودية وإيران بينهما حرب باردة منذ قيام الثورة الإسلامية الإيرانية عام 1979، ومن المبكر الحكم على الأنباء التي ترددت حول وساطة سورية بين الرياضوطهران، مما يعني أن دخول الميليشيات اليمنية المتمردة إلى السعودية خطوة غير موفقة بالمرة، وتجعل الميليشيات ترتدي ثوباً إجرامياً، بينما السلطات السعودية للمرة الأولى يكتسب موقفها ضد الحوثيين شكلاً قانونياً.
والأخطر من ذلك أن الجيوش عادة ما تفشل في السيطرة على العمليات العسكرية مع الميليشيات، مما يجعل شبح هزيمة السعودية يلوح بقوة في أفق المعركة، ويطرح أسئلة لم تُطرح من قبل حول خيارات الدولة السعودية حال استفحال الخطر الحوثي داخل السعودية، أو حتى إذا ما وجد الحوثيون دعماً من داخل السعودية.
وتتحدث تقارير إخبارية عن تحالف محتمل بين الحوثيين في السعودية وتنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية، وهو تحالف غريب من نوعه؛ إذ إن القاعدة تصنف على أنها سُنية، وراحت تذبح وتقتل زعماء وأئمة ومساجد ومزارات الشيعة في العراق، بينما الحوثيون ينتمون إلى الفريق الشيعي، مما يجعل تحالفهم مستحيلا، بل إن إيران سوف تسعى بكل جدية إلى تجنيب الحوثيين الانخراط في تحالف مع القاعدة من أجل عدم توريط طهران في قائمة حلفاء القاعدة.
ويأتي التورط السعودي في المستنقع اليمني، بينما المملكة العربية السعودية تعيش مشهداً داخلياً متشابكاً، فقد قدّم الأمير متعب بن عبد العزيز آل سعود وزير الشئون البلدية استقالته منذ أيام وسط أنباء عن اعتراضه لتولي أخيه نايف بن عبد العزيز منصب النائب الثاني لرئيس الوزراء، مما جعل الأخير يباشر مهام منصب ولي العهد؛ نظراً لأن ولي العهد الأمير سلطان بن عبد العزيز يقضي رحلة طبية خارج البلاد منذ أكثر من عامين.
وإضافة إلى منصب ولي العهد يتولى الأمير سلطان وزارة الدفاع، ووزارة الدفاع هي المسئولة عن العمليات العسكرية ضد التسلل الحوثي، مما جعل ابن وزير الدفاع الأمير خالد بن سلطان يدير وزارة الدفاع نيابة عن والده المريض.
وعلى صعيد مواجهة عناصر القاعدة بالسعودية، أدى تولي الأمير نايف بن عبد العزيز لمنصبه الجديد إلى فراغ منصبه الوزاري كوزير للداخلية، مما جعل ابنه الأمير محمد بن نايف يقوم بالمهمة.
وقد أدى هذا التضارب في صلاحيات ولي العهد ووزارتي الدفاع والداخلية إلى تساؤلات في الشارع السعودي حول خارطة التوازنات داخل الأسرة الحاكمة، مما يضيف المزيد من الأسئلة على مستقبل المملكة السعودية الواقعة اليوم بين مطرقة القاعدة وسندان الحوثي.