شهدت الأيام الأخيرة تطوراً ملحوظاً في المحادثات بين الحكومة اليمنية وزعيم المتمردين الحوثيين عبد الملك الحوثي، وأعلن الرئيس علي عبد الله صالح الخميس الماضي بعد اجتماعه بأعضاء لجان الوساطة المشكلة من مجلسي النواب والشوري وقف مختلف العمليات العسكرية في المنطقة الشمالية الغربية المتضمنة صعدة والجوف وعمران، وذلك بعد موافقة الحوثي علي شروط الحكومة المعلنة. وتعد الحرب المندلعة بين الحكومة اليمنية و الحوثيين منذ أغسطس من العام الماضي هي الجولة السادسة من النزاع بينهما و أطول جولات الحرب وأكثرها دموية منذ نشأة الحرب الأولي في عام 2004. مبادرة إلي الحوار وكانت اللجنة الأمنية العليا برئاسة الرئيس علي عبد الله صالح وبعضوية أعضاء من مجلسي النواب والشوري وأعضاء من المعارضة والحزب الحاكم قد تبنت جهود الحوار مع الحوثيين في إطار دعوته إلي إحلال السلام، وحقن الدماء وعودة النازحين البالغ عددهم 250 ألف شخص إلي قراهم والتفرغ للبناء والتنمية وإعادة الإعمار. وجاء قرار الرئيس اليمني بعد تصعيد العمليات في صعدة ووصول الصراع إلي الحدود مع المملكة العربية السعودية مما أقحمها في حرب حدودية في نوفمبر الماضي مما أدي بالنظام اليمني إلي الإعلان عن شن عمليات مكثفة للقضاء علي التمرد بعمليات جوية وبرية عرفت باسم "الأرض المحروقة". وبعد إعلان الحوثيين عن انسحابهم من الأراضي السعودية في الخامس و العشرين من يناير الماضي، ومع تزايد الضغوط الدولية والاقليمية لإنهاء الحرب في صعدة والذي تم التعبير عنه في مؤتمر لندن الذي عقد في السابع والعشرين من يناير، أعلن الرئيس اليمني عن السعي للتفاوض مع الحوثيين خاصة بعد أن أشارت التقارير إلي صعود القضاء علي التمرد الحوثي، كما أعلن عن التجهيز لمؤتمر الرياض في نهاية الشهر الجاري والذي سيركز علي الدعوة إلي حوار وطني بين جميع الفرقاء اليمنيين. ووضعت الحكومة ستة شروط لوقف القتال مع الحوثيين منها فتح الطرق وإزالة النقاط ورفع مظاهر التمترس، والسماح للجيش بالانتشار في الشريط الحدودي، وإنجاز ملف الأسري السعوديين، وإخلاء المباني والمنشآت الحكومية، والانسحاب من المديريات وعدم التدخل في شئون السلطة المحلية وإعادة المنهوبات من المعدات المدنية والعسكرية اليمنية والسعودية، والالتزام بالدستور والنظام والقانون. كما وافقت الحكومة علي إشراك الحوثيين في اللجان الميدانية وإطلاق معتقليهم ما عدا الموقوفين بتهم جنائية وعدم انتقاص أي حق من حقوقهم كمواطنين بينما وافق الحوثيون علي تسليم الأسلحة التي تحصلوا عليها من القوات اليمنية والسعودية. جولات الصراع والتهدئة يذكر أن تمرد الحوثيين قد بدأ منذ عام 2003 كرد فعل لإعلان الرئيس اليمني التحالف مع الولاياتالمتحدة في حربها ضد الإرهاب، ورفع بعضهم شعارات معادية أثناء وجوده في مسجد بصعدة مرددين "الموت لأمريكا. الموت لإسرائيل. النصر للإسلام". وبعد قتل قوات الأمن لحسين الحوثي في سبتمبر عام 2004، انفجرت موجات من القتال في المنطقة الجبلية المحيطة بمحافظة صعدة. وشهد الصراع محاولات للتهدئة بوساطة قطرية في يونيو عام 2007 انتهي باتفاق سلام في فبراير عام 2008 لكنه لم يدم. وفي عام 2008، أعلن الرئيس اليمني انتهاء الحرب من جانب واحد غير أن القتال تجدد في عام 2009 وفي يناير الماضي، عرض المتمردون هدنة وقدموا وعوداً بالانسحاب من الأراضي السعودية بعد معركة ضارية راح ضحيتها 112 جندياً سعودياً. ومع التهدئة الحالية، دخل الصراع مع الحوثيين حيزاً جديداً من الصعب التنبؤ بمدي استمراريته غير أن ذلك سيكون رهناً بتحقيق التقدم في شروط الاتفاق. و أعلن مساعد وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلطان عن بقاء القوات المسلحة دعماً لقوات حرس الحدود علي طول الشريط الحدودي الممتد مئات الكيلومترات بين البلدين، و أمهل الحوثيين 48 ساعة لتسليم الأسري السعوديين الخمسة واشترط عدم تسلل أي مقاتل إلي الأراضي السعودية قبل وقف العمليات نهائياً وتسليم أكثر من 1500 أسير من الحوثيين إلي الحكومة اليمنية. خرق الهدنة وشهدت الساعات الأولي من الإعلان عن التهدئة خروقات من جانب الحوثيين حيث أطلق متمردون حوثيون النار علي سيارة محمد عبد الله القوسي وكيل وزارة الداخلية اليمنية وقتلوا جندياً وأصابوا سبعة خارج مدينة صعدة شمال اليمن. كما شهدت الأيام السابقة علي الاتفاق بين طرفي الصراع تصعيد ميداني حيث قتل 12 عسكرياً يمنياً و 24 متمرداً حوثياً في معارك في شمال اليمن بينما كثف الطيران طلعاته وشن غارات علي مواقع للحوثيين شرق وادي علبة في حرف سفيان. من جانبها، نفت جماعة الحوثي صلتها بمحاولة اغتيال اللواء محمد عبدالله القوسي، وأكدت أن زعيمها عبد الملك الحوثي أمر بإزالة المتاريس وفتح الطرقات بحسب الاتفاق لايقاف الحرب كما أصدر أوامر بوقف القتال علي جميع الجبهات. ونقل الموقع الرسمي للحوثيين أن عبد الملك الحوثي بعث برسالة للجنة الأمنية العليا أعلن فيها عن "استعداده لعدم التدخل في شئون السلطة المحلية بأي شكل من الأشكال، وطالب بانضمام الحوثيين إلي اللجان المكلفة بالإشراف علي تنفيذ النقاط الست وكذلك مشاركة اللقاء المشترك الذي يضم مجموعة من أحزاب المعارضة." وقوبل الاتفاق بين الحكومة اليمنية و الحوثيين بترحيب عربي ودولي كبير. وأعلنت إيران عن ترحيبها بإنهاء الصراع العسكري بطرق سلمية، ووصفت الهدنة بأنها "خطوة نحو تقوية الوحدة الوطنية في اليمن" وفقاً لما نقلته وكالة أنباء الطلبة الإيرانية عن المتحدث باسم وزارة الخارجية الايرانية رامين مهمانبراست. أما علي الصعيد الداخلي، فقد قوبل الاتفاق بترحيب حذر. وركزت قناة العالم الإخبارية الإيرانية علي ترحيب المعارضة بعقد الهدنة، ونقلت المعارض البخيتي قوله أن "وكيل وزارة الخارجية محمد عبد الله الغوشي هو من المتاجرين والمستفيدين في الحرب، حيث زج بالمئات من أبناء القبائل فيها وقتل وجرح العشرات منهم، مقابل الحصول علي الكثير من الأموال". وأكد البخيتي علي أن هناك إرادة سياسية من الطرفين بوقف الحرب شريطة أن تنفذ الحكومة وعودها بالحفاظ علي الحقوق المذهبية للحوثيين. ترقب حذر مع الأيام الأولي لعقد الهدنة بين صنعاء و بين المتمردين الحوثيين ينبغي علينا ألا نعتبر أن هذه هي نهاية الجولات الست الضارية من الصراع بل لابد من الترقب الحذر ليس فقط لنوايا طرفي الصراع ولكن أيضاً للنوايا الإقليمية التي زجت بنفسها في هذا الصراع. فبين الاتهامات المتبادلة من الطرفين بزج الأجندات السعودية و الإيرانية علي الطاولة، هناك أيضاً تاريخ الصراع المندلع منذ سنوات و الذي يشير إلي أن إرادة وقف الصراع ليس بمجرد التوصل إلي اتفاق ولكن بالسعي إلي تطبيق بنوده وآليات الحفاظ عليه وهو الأمر الأكثر تعقيداً لأنه مرهون بأصول الصراع. رغبة الحوثيين الذين يمثلون أقلية مذهبية في المشاركة السياسية لا تزال تلقي علامات الاستفهام في مجتمع يحظي فيه الحزب الحاكم فقط بالسلطة السياسية ويعاني مؤخراً من صدامات متكررة مع المعارضة و لا سيما أحزاب الحراك الجنوبي. ويتخوف البعض من دخول الحوثيين إلي الساحة السياسية عن طريق حركة الإخوان المسلمين خاصة بعد أن أعلنوا عن رغبتهم الانضمام إلي أحزاب اللقاء المشترك المعارضة وخصوصاً حزب التجمع اليمني للإصلاح وهو الذراع السياسية للإخوان المسلمين في اليمن. حتي الآن، لم يتم الإفصاح بشكل واضح عن الأسباب الحقيقية التي أسفرت عن الاتفاق بين صنعاء وبين الحوثيين في هذه الجولة من التهدئة غير أنه من المؤكد أن توقيتها من الأهمية بمكان بعد أن فتحت مؤخراً جبهات عديدة للصراع في اليمن من الحوثيين في الشمال ومن الانفصاليين في الجنوب و من تنظيم القاعدة الذي يستمر في توجيه التهديدات للنظام اليمني كان آخرها التهديد باستهداف مضيق باب المندب الذي يعد من أهم الممرات البحرية إذ يمر عبره خط الملاحة البحرية لقناة السويس، وتمر عبره نسبة كبيرة من النفط العالمية. وكان جناح تنظيم القاعدة في اليمن دعا في تسجيل صوتي إلي "استهداف المصالح الغربية المنتشرة في الجزيرة العربية،" وأعلن سعيد الشهري، الرجل الثاني في تنظيم القاعدة بالجزيرة العربية عن نية القاعدة السيطرة علي مضيق باب المندب، مؤكداً أن ذلك "سيغلق الباب ويضيق الخناق علي اليهود".