"قصة تبحث عن تعليق" باب جديد ينضم إلى الورشة.. سننشر فيه القصص بدون تعليق د. سيد البحراوي، وسننتظر منك أن تعلق برأيك على القصة.. وفي نهاية الأسبوع سننشر تعليقك بجوار د. سيد البحراوي؛ حتى يستفيد كاتب القصة من آراء المتخصصين والمتذوقين للقصة القصيرة على حد سواء.. في انتظارك. "وساد السكون" انطلقت الزغرودة الطويلة تدوى فى قلب بيتنا الصغير , معلنة وصول العريس المنتظر مع أسرته...وفى حماس وضعت شقيقتى الكبرى , اللمسات الأخيرة على شعرى قبل أن تغادر الحجرة على عجل , لتستقبلهم مع أبى وأمى وتقدم لهم مشروبا ما...أما أنا فظللت على جلستى تلك , أتطلع إلى شكلى فى المرآة وأنا بهذا الفستان الذى اختارته أمى بنفسها خصيصا لتلك الليلة...كان الجميع يتحدث من حولى بينما أنا فى عالم آخر تماما.. يتحدثون عن العريس ومركزه وأمواله الطائلة...بينما أتذكر أنا كيف عرفناه فى الأصل...كان ابنا لأحد أصدقاء أبى فى العمل...قابله مرة مصادفة , ومن حينها وهو يكاد يطير به فرحا...تشبث به فى استماتة , وتصور أنه كنز لا يحق لأحد أن يمتلكه سواه...طبعا كما لك أن تتصور , لم يأخذ برأيى...لم يحاورنى كما أمر الشرع والدين وحتى العرف المتبع...أخبرنى بالأمر فقط على طريقة : جعلوه فانجعل...وفى المقابل تصرفت بالضبط كما عهدنى دوما...أطرقت بوجهى أرضا حين علمت بالخبر دون أن أنطق بحرف واحد, فظن بى الخجل وشجعه هذا على المواصلة فى الأمر...وحتى بعد هذا , لم أعترض أو حتى أنبس ببنت شفة...كنت أتابعهم فى البيت وهم يعملون على قدم وساق لكى يظهر كل شىء بصورة ممتازة ونلاقى قبول العريس المنتظر , فأموت حزنا...وأقتل فى داخلى أى إحساس بالرفض أو الممانعة....لقد اختاروا لى كل شىء فى حياتى ولم أعترض أبدا...لماذا ستكون تلك المرة مختلفة اذن؟. فى تلك اللحظة دوت الزغرودة من جديد بالخارج , ليعقبها دخول شقيقتى الحجرة وهى تخبرنى أن أبى يريدنى بالخارج لأقابل الضيوف...ألقيت نظرة أخيرة على نفسى فى المرآة , ثم غادرت الحجرة متجهة إليهم. دخلت وأنا أطرق بوجهى أرضا , بينما دقات قلبى تكاد يسمعها الجالسون...اتخذت مجلسى فى صمت ولم أرفع بصرى لحظة واحدة...مرت الدقائق والجميع يتبادلون أطراف الحديث , ومعهم يهدأ قلبى المضطرب أكثر فأكثر , وابدأ فى اختلاس نظرات خجلى إلى الضيوف...وإلى عريسى المنتظر. كان يجلس فى مواجهتى تماما وبجواره شاب يبدو من ملامحه أنه شقيقه الأصغر سنا , بينما جلست فى الناحية الأخرى والدته وهى تتجاذب أطراف الحديث مع أمى...كان - والحق يقال - وسيما إلى حد كبير...له ملامح هادئة وجذابة تبعث الراحة فى نفسك , وأضفت عليه لحيته الخفيفة منظرا جميلا وقورا للغاية...لسبب ما شعرت بالارتياح يملأ قلبى وأنا أتطلع إليه , بينما هو يتبادل بعض الكلمات البسيطة أو المزاح الهادىء مع أسرتى قبل أن يعود ليطرق بوجهه أرضا فى خجل , يندر أن تجد مثله فى شاب هذه الأيام...خجل شعرت بصدقه على الفور , وأنه لا يتصنع شيئا على الاطلاق و... فجأة انتفضت فى مقعدى مع صوت ضحكة أخيه العالية , فوجدت نفسى أرمقه فى اشمئزاز واضح...كان يمازح أبى ويتحدث معه كما لو كان يخاطب صديقا له على القهوة...لا ينقصه سوى أن يبصق على الأرض ويطلب شايا بالحليب...حتى شقيقه تطلع إليه لحظة فى حرج بالغ , قبل أن يعود ليكمل حديثه مع أمى الجالسة بجواره , فى رقة شديدة , وبتهذيب يليق بلورد وليس بشاب صغير السن مثله...يا إلهى...لماذا يخفق قلبى بهذه الصورة؟...ماذا بى؟!...كيف تسلل إلى قلبى ونجح فى اصطياده بتلك السهولة؟. بلا وعى وجدت نفسى أبتسم ابتسامة دافئة وأنا أنظر إليه دون أن ينتبه...ولكنه حين التفت بغتة تلاقت عينانا للحظة واحدة...لحظة كانت كافية ليقرأ فى عيني مشاعرى تجاهى...لقد وقعت فى حبه بالفعل...لم أعرف طباعه أو أخلاقه...لم أعرف حتى ما اسمه...كل ما أعرفه إنى حقا أحببته وأتمناه لى...أتمناه كما لم أتمن شيئا من قبل...إنى أقبل به...فقط ليسألونى عن رأيى وسأقبل به على الفور. -لم لا تشرب العصير يا (فؤاد)؟ قالها أبى موجها حديثه إلى أخيه هذا...فأطلق ضحكة عالية سخيفة دون مبرر وقال: -لا...هذه الأشياء لا تنفع معى...أرغب فى شاى...شاى أسود ثقيل. التفت أبى إلى بنظرة ذات مغزى , ففهمت على الفور ما يعنيه...نهضت متوجهة إلى المطبخ بعد أن رمقت هذا ال(فؤاد) بنظرة نارية كادت أن تقتله...الحمد لله أن أحدا لم يرنى أفعل هذا. وفى المطبخ بدأت بعمل الشاى للجميع فى لمح البصر...أردت الإنتهاء منه سريعا لأعود مجددا إلى الحجرة , لولا دخول أمى إلى المطبخ وعلى شفتيها تلك الابتسامة التى أعرفها جيدا... - (جميلة)...ما رأيك يا صغيرتى فى عريسك؟...إنه ممتاز بلا شك. نظرت إلى أمى مليا ولم أرد...لم أجد داعيا لهذا بعد أن سألتنى هى وأجابت نفسها...كل ما فعلته أن أشحت بنظرى بعيدا فى خجل , فأعقبت أمى فى حنان: -إنهم يتفقون على كل التفاصيل الآن...مبارك لك يا حبيبتى. قالتها وهى تفسح الطريق لى كى أمر بصينية الشاى , بينما تبتسم لى مجددا....ابتسامتها هذه المرة ملأتنى سعادة فوق سعادتى...ابتسامتها نبهتنى أن اليوم هو أول يوم فى حياتى لن أتضايق من اختيارهم شىء ما لى...بل العكس , سيكون أول يوم أتقبل اختيارهم هذا وأكاد أطير به فرحة. عدت إلى الحجرة , حاملة صينية الشاى , وأنا أرسم على شفتى أسعد ابتسامة لى فى عمرى كله...انتبه لى أبى فى تلك اللحظة فتوقف عن الكلام , ورفع وجهه إلى قائلا بابتسامة حانية: -قدمى الشاى لعريسك يا (جميلة). احمر وجهى فى حياء عذرى وأنا ألتقط أحد الأكواب من الصينية وأعطيه لعريسى بابتسامة خجلى و... --لقد عنيت (فؤاد) يا صغيرتى...يبدو أنه قد اختلط عليك الأمر. اتسعت عيناى فى ارتياع وقد صفعتنى الجملة على وجهى بمنتهى القسوة مع ضحكة أبى القصيرة التى أطلقها فى حرج من هذا الموقف...أحسست بالدماء تهرب من وجنتى , وساقى لا تكاد تحملنى , بينما الدوار يغزو عقلى بشدة...فقط ليهرب الكوب من بين أصابعى ويسقط ليسيل ما به على الأرض...ومن أعماق قلبى كاد الصراخ يهرب بغتة لولا أن كتمته شفتاى فى اللحظة الأخيرة وأبقته مقيدا فى صدرى : -مستحيل...(فؤاد) هو العريس؟...لا..ليس هو...ليس هو. هب أبى من مجلسه وهو يهتف: -خيرا..خيرا..لا تقلقى يا صغيرتى. هرعت أمى لتمسح ما انسكب على الأرض , بينما تركت أنا هذا كله وتطلعت إليه...إليه هو فقط...وعيناى تصرخ به مستغيثة: -انقذنى أرجوك...لا تتركه ينالنى...أنا لا أريد أن أكون لغيرك...أرجوك. عقدت والدته حاجبيها بشدة , وهى تتطلع إلى الموقف دون أن تنطق بحرف واحد...بينما هو بهت فى مكانه وهويحدق إلى غير مصدق لما يحدث...أعلم أنه قد فهم...أعلم أنه قد أحس بى وبمشاعرى تجاهه , ولكن ليس بيده شيء ليفعله...اكتفى بأن يلوذ بالصمت أمام نظراتى إليه , وأطرق بوجهه أرضا ليتحاشى عينيى الدامعتين. وهنا هتف أبى بمنتهى الغضب وهو يتابع هذا المشهد الغريب: -(جميلة)...لماذا تقفين هكذا يافتاة؟...هيا...اعتذرى لعريسك حالا. إلتفت إليه لأقول فى تهدج ودموعى تنهمر كالمطر: -لا يا أبى...أنا آسفة ولكنى لن أقبل به...لن يكون لى أبدا...أبدا. هوت كلماتى على أبى كالصاعقة وهو الذى لم يسمع منى رفضا فى حياته قط...وجدته ينكسر على أقرب مقعد إليه غير مصدقا وهو يتمتم فى خفوت: -ماذا تقولين يا (جميلة)؟. مسحت دموعى بكفى وأنا أسرع لأغادر المكان متجهة إلى حجرتى , ولكنى لم أجسر على الدخول وإغلاق الباب من خلفى...وقفت أرمق عريسى الوهمى من وراء الباب وقلبى لا يطاوعنى أبدا أن أغلقه أمام نظراته الملتاعة...وهنا نهضت الأم فى سكون وحملت حقيبتها , متجهة إلى باب الشقة ومن ورائها (فؤاد) يتبعها فى صمت...وعند الباب توقفت للحظة لتنظر إلينا قائلة فى أسف: - كل شىء قسمة ونصيب. قالتها ثم استدارت مغادرة البيت فى هدوء , دون أن يعترض أحدنا أو ينطق بشىء وقد ألجم الموقف كل الألسنة...أما هو فقد ألقى نظرة أخيرة على ثم أشاح بوجهه بعيدا , كاتما تلك الدمعة من الهرب من عينيه , قبل أن يستدير بدوره ليرحل فى صمت و.... وساد السكون. وقفت أتطلع من وراء الباب إلى المكان الذى كان يقف فيه منذ لحظات وفى عقلى ألف سؤال وسؤال... هل سيعود يوما؟...هل سيقدر على مواجهة أسرته وشقيقه الوحيد من أجلى أنا؟...أم سيكتفى بما حدث ليكون مجرد ذكرى يضحك عليها يوما ما مع شقيقه؟. لا أعرف الإجابة حقا... أو بالأحرى أعرف , ولكنى لن أقدر على مصارحة نفسى بها... لن أقدر أبدا. عادل
التعليق:
الموضوع يصلح لقصة قصيرة تقليدية، لكن الصياغة المطولة حولته إلى حدوتة خالية من العمق. اللغة سليمة والقدرة على القص موجودة لكنها تحتاج إلى قراءة أكثر في القصة القصيرة د. سيد البحراوي أستاذ الأدب العربي الحديث بكلية الآداب، جامعة القاهرة