يُقبل معظم الشباب حالياً على فصل الصيف والإجازة الصيفية التي تبلغ حوالي ثلاثة أشهر، كثير منهم ينطلق إلى الاعتماد على نفسه فيخرج للعمل -أي عمل- من أجل توفير مصاريف الدراسة للسنة المقبلة، وهذا شيء جيد.. بينما يحرص البعض الآخر على الخروجات مع الأصدقاء والذهاب للمصايف وغيرها من وسائل الترفيه، وهذا شيء يُحترم.. وهناك من يتّجه إلى تعلّم لغة أو كمبيوتر أو تنمية بشرية، وهذا مفيد.. وهناك من يبحث عن الأنشطة التطوعيّة بالجمعيات الخيرية، ويحاول إفادة مجتمعه؛ وخاصة المحتاجين منهم، وهذا في تقديري شيء مهم.. فهل فكّرت عزيزي القارئ يوماً ما أن تتطوع؟ التطوع خبرة واستفادة كثير من الشباب الذين تطوّعوا أوضحوا أنهم استفادوا كثيراً من الخبرات من العمل التطوّعي..
"تطوعت 7 سنوات بجمعية "رسالة" في نشاط دروس التقوية للطلبة المحتاجين، وكانت أفضل فترة في حياتي، وتعلّمت الكثير من هؤلاء الأطفال، وخاصة مهارات التعامل معهم، وكيفية تربيتهم بطريقة جيّدة، والقرب من قلوبهم".
هذا ما قالته هند جمال -حاصلة على بكالوريوس تجارة- وقد تطوّعت بجمعية "رسالة" فرع القناطر، وأضافت أنها تعلّمت الكثير من مهارات التفاعل الاجتماعي، كما أن المعلومات والمقررات التي كانت تقوم بتدريسها للأطفال أفادتها كثيراً في حياتها ولفتت هند أنها كانت تشعر دائماً أنها تُقدّم شيئاً مفيداً للمجتمع؛ مؤكدة أنه لا تزال هناك علاقة وثيقة بينها وبين هؤلاء الأطفال رغم أنها كانت تكره "التدريس"؛ ولكن التطوّع جعل من التدريس شيئاً مفيداً لها في حياتها.
أما هشام محمد -الطالب بمعهد التعاون الزراعي- فمتطوع بجمعية "رسالة" منذ خمس سنوات بفرع المهندسين، ويذكر أنه تعلّم من التطوع كيفية التعامل بالحُسنى مع الناس، مضيفاً أنه منذ أن بدأ يتطوع انتابه الشعور بالمسئولية؛ خاصة وأنه متطوع بأكثر من نشاط بالجمعية قائلاً: إن ثواب التطوع عظيم عند الله، وممكن يدخلني ربنا الجنة بسبب تطوعي".. وذكر أنه تعلّم من خلال تطوّعه مهارات التعامل مع الكمبيوتر وبعض أساسيات اللغة الإنجليزية، مشيراً إلى أن التطوّع لم يقف عائقاً أمامه في أثناء الدراسة لأن الجمعية تتيح للطلبة فُرَص عدم الحضور أثناء المحاضرات والامتحانات.
وتوضّح نسمة سعيد -حاصلة على بكالوريوس تجارة ومتطوعة بجمعية رسالة- أنها استفادت الكثير من خلال تطوعها؛ وخاصة فيما يتعلق بمهارات حل مشكلات الأطفال، والهدوء والتركيز عند التعامل معهم، وأشارت نسمة أنها اكتسبت الكثير من المعلومات الدينية من زملائها بالجمعية، والتي كانت لا تعرفها قبل تطوعها.
اعرف قيمة نفسك من خلال ما تُقدّمه لمجتمعك "حسّيت إن الواحدة بتفيد مجتمعها بجد، وبترضي ربنا من خلال إدخال السرور على بعض المسلمين بمساعدتهم ابتغاء مرضاة الله"؛ هذا ما عبّرت عنه بسمة عبد الفتاح مسئول إدارة المتطوعين بجمعية رسالة أيضاً بفرع "مصر الجديدة" وهي إحدى المتطوعات بنشاط الأخ الأكبر والقوافل الخيرية، وأشارت إلى أن عمل الخير ليس من الضروري أن يكون بالمال فقط؛ بل هناك وسائل كثيرة مثل التضحية بالوقت والجهد والكلمة الطيبة؛ لافتة إلى أنه يكفي المتطوع أن يدعو له المحتاجون بالخير.
وأشارت بسمة إلى أن فوائد التطوع تختلف باختلاف العمل الذي يقوم به المتطوّع، وأهمها أن يدرك الفرد من خلال التطوّع نِعَم الله عليه التي لا تُعدّ ولا تُحصى، وأن هناك كثيرين محرومين من نِعَم عديدة وفي معاناة، وبالتالي يتحقق لديه الرضا عن نفسه ومجتمعه، وتأتي لديه الرغبة في عمل الخير.
وأضافت بسمة أن كل هذه الأعمال التطوعية تُساعد بالفعل في نهضة المجتمع وتُظهر الإخاء والألفة بين الناس وتقضي على كثير من المشاكل التي قد يتعرض لها المحتاجون؛ مؤكدة أن التطوّع قد يُساهم في تفادي أسرة معيّنة للفقر الذي قد يضطرهم لسؤال الناس.
وذكرت منى سمير -مسئول إدارة المتطوعين بجمعية "رسالة" بالمهندسين- أن إدارة المتطوعين بجميع فروع الجمعية تستقبل المتطوعين وتشرح لهم الأنشطة المتاحة للتطوّع بالجمعية، ويختار الفرد ما يناسبه دون التقيّد بوقت للحضور أو الانصراف، كما تتابع الإدارة المتطوعين بالاتصال باستمرار وتُذكّرهم بمواعيد بداية النشاط وتشجّعهم على الحضور، وتحاول أن تُزيل العقبات أمامهم لفعل الخير.
3 طرق إلى العمل التطوّعي يُذكر أن جمعية رسالة للأعمال الخيرية لديها ما يقرب من 19 نشاطاً تطوعياً مثل نشاط الأخ الأكبر، ورعاية المكفوفين، ومساعدات الأُسَر الفقيرة، ومعارض الملابس، وطبق الخير، ودروس التقوية، ومحو الأمية، والقوافل الخيرية، وغيرها من الأنشطة لمساعدات المحتاجين على اختلاف احتياجاتهم، كما أن "رسالة" لديها حوالي 49 فرعاً على مستوى الجمهورية.
وليست "رسالة" فقط هي النموذج الوحيد للتطوع في الأعمال الخيرية؛ بل هناك أمثلة كثيرة نذكر منها "دار الأورمان" ومن أنشطتها رعاية الأيتام وبعض المشاريع للفقراء والمحتاجين ومحدودي الدخل، وتوزيع المواد الغذائية على الفقراء مثل لحوم العيد، وتوزيع بطاطين الشتاء، وتنظيم معارض الملابس، كما أنهم لا يُجبرون المتطوعين على الحضور يومياً؛ بل متاح لهم الحضور في أوقات فراغهم ولدار الأورمان فروع كثيرة، منها فرع المهندسين، ويمكن الاتصال بهم على رقم 33449591 أو من خلال الرقم المختصر 19455.
وهناك أيضاً "جمعية بنك الطعام المصري" التي تقتصر أنشطتها على تقديم الأطعمة والأغذية للجمعيات الخيرية الصغيرة وخاصة في المواسم، وأشارت يمنى يحيى -أخصائي متطوعين بالجمعية- أن الجمعية في الفترة القادمة تستعدّ لتوزيع أطعمة رمضان؛ حيث يقوم المتطوعون بتجهيز كراتين وشُنط رمضان، ويسلّمونها لمن يحضر إليهم بمقرّ المخازن الخاصة بالجمعية، ويمكن الاتصال بهم من خلال الرقم المختصر 16060.
مصر تفتقد ثقافة التطوع رغم أهميته
وتشير عبير صابر -باحثة علم النفس بمرحلة الدكتوراة وأحد المتطوعين بجمعية رسالة- أن هناك عشوائية في عملية التطوع في مصر؛ حيث إننا نجد أن هناك أكثر من جمعية تعمل في نفس المجال في نفس المنطقة، كما نجد أن هناك مناطق أخرى تخلو من الجمعيات الخيرية، كما أضافت أن بعض الجمعيات لا تهتم بتطوير مهارات المتطوّعين وتحفيزهم من أجل إزالة الملل الذي قد ينتابهم؛ خاصة أن العمل التطوّعي يقوم على مبدأ العطاء دون مقابل، وعلى الجانب الآخر نجد أن الشباب المتطوعين قد لا يستمرّون متطوعين ويقلّ حماسهم بعد فترة معيّنة من التطوع.
وأوضحت أن الأسرة تلعب دوراً كبيراً في غرس ثقافة التطوع في الأطفال منذ الصغر، كما أنه من الواجب أن يهتمّ بهم الإعلام ويلقي الضوء عليهم، كما أنه لابد أن تهتم إدارات الجمعيات بتحفيز المتطوعين وتطوير مهاراتهم من خلال المسابقات والتكريم.
ولفتت أن التطوع يجعل الفرد أكثر إيجابية داخل مجتمعه ويولّد لديه الانتماء للمجتمع، ويجعله مشاركاً في تنمية مجتمعه، كما أن المتطوّع يصبح أكثر نجاحاً في العلاقات الاجتماعية والتواصل مع الآخرين، ويدفع الفرد إلى المشاركة بفعالية في حل مشكلات مجتمعه.
وأكّدت عبير أن التطوع يجعل الفرد مقبولاً من الآخرين بسبب عمله للخير، وهذا ينعكس على الناحية النفيسة لديه؛ فيصبح راضياً عن نفسه، وتتولد لديه مشاعر الأمل والتفاؤل والتقدير والثقة بالنفس بسبب شعوره بأنه له دوراً فعالاً في تنمية مجتمعه.