اتفق عدد من النقاد والأدباء علي أن مصطلح الكتابة الجديدة مصطلح مراوغ؛ نظرًا إلي أنه في كل العصور هناك ما يسمي "الكتابة الجديدة"؛ الأمر الذي يجعل منه مصطلحًا لا يرتبط بعمر معين أو جيل؛ فكتابات نجيب محفوظ وبيرم التونسي تعتبر كتابات جديدة. جاء هذا في المؤتمر الذي عقده اتحاد الكتاب العرب بالقاهرة، تحت عنوان "تيار الكتابة الجديدة"، بمشاركة عدد من الكتاب والنقاد؛ منهم: د. شريف الجيار؛ والناقد احمد ابو العلا؛ والناقد د. حسام عقل؛ ود. محمود الضبع، والناقد عمر شهريار؛ ورئيس اللجنة الثقافيه للاتحاد محمد عبد الحافظ.. وبدأت الفعاليات بتسليم درع الاتحاد للفائزين بجائزة الدولة التشجيعية؛ وهم: مسعود شومان، ايهاب البشبيشي، ود.حسام عقل، بغياب الكاتب محمد سلماوي رئيس الاتحاد لمشاركته في مؤتمر بقطر. وقد اعتبر الناقد عمر شهريار، أنه لابد من التفريق بين مصطلح الكتابة الجديدة، ومصطلح الرواية الجديدة الذي ارتبط بفترة الستينيات في تاريخ الرواية الفرنسية.. واضاف: وعلي "أية حال" فمعني الكتابة الجديدة يقودنا إلي التفكير في العلاقة بين الأجيال، وأتصور أن فكرة الأجيال في الأدب تحتاج إلي مراجعة خاصة مع الزخم والرواج الشديد اللذين نلحظهما في الآونة الأخيرة خاصة في القصة أو الرواية. وأشار إلي أن الساحة المصرية الآن تشهد حراكا روائيا ضخما تصنعه مجموعة كبيرة من الشباب هي بالقطع موهوبة ومختلفة، ومتنوعة، من حيث أسلوب الكتابة، ومن حيث جرأة طرح الموضوعات. أما الناقد أحمد أبو العلا، فيري أنه ليس هناك ما يسمي بالكتابة الجديدة، بل هناك ما يسمي بالكتابة الجيدة وغير الجيدة، إذن فهناك أعمال تظل وتبقي في وجدان البشرية تتأثر بهم وتؤثر فيهم، وأعمال أخري تتسم بالخفة تتبخر سريعا، ويزول تأثيرها.. واضاف: إن مصطلح الكتابة الجديدة "هو مصطلح مطاط"، ويثير مفاهيم ومدلولات كثيرة؛ فهل المقصود به تلك الكتابات التي يكتبها الشباب في اللحظة الآنية، أم مقصود به السمات الجديدة التي يفرضها كل عصر؟ فيما أشار الناقد محمود الضبع الي ان هناك اتساقًا بين الكتابة الجديدة والحداثة؛ فالحداثة تعني السعي المستمر نحو المستحيل في التجاوز المستمر للأشكال، في حين أن مجموع الرؤي أو الطرائق الفنية في الكتابة الجديدة، يمكن أن يستقر ويصبح نتاجاً تاريخياً وزمانياً بل ويتجاوزها وتقوم علي إثره كتابة جديدة أخري. ولعل أهم مقولات تمايز الخطاب القصصي في الكتابة الجديدة تتلخص في التالي: كسر الترتيب السردي الاطرادي، وفك العقدة التقليدية، وتحطيم سلسلة الزمن السائر في خط مستقيم.. إضافة إلي الغوص إلي الداخل، واقتحام مغاور ما تحت الوعي، واستخدام صيغة الأنا العميقة لتعرية الذات؛ بحيث يصبح للحلم والكابوس والهذيان مضمون وشكل وفعالية أساسية.. وكذا تهديد بنية اللغة المكرسة، وتدمير سياق اللغة السائد المقبول.. فضلًا عن توسيع دلالة الواقع من خلال الحلم والأسطورة والشعر، ومساءلة أو مداهمة الشكل الاجتماعي القائم، وتشييد واقع فني جديد له قوانينه ومنطقه الخاص. ورأي د. حسام عقل ان محمود درويش كان حصادا لمرحلة أدبية ونقدية التحمت فيها الحركة الأدبية باحتقانات الثورة السياسية، كما التحمت في الآن ذاته بجهود الميديا؛ حيث كانت للثقافة مساحة مهيبة في نشاط الميديا، وهي ظروف جعلت من تسويق أسماء بذاتها عملا ميسورا بتألق نجيب محفوظ بنجومية القص وتألق درويش ونزار بنجومية الشعر وتألق الحكيم والشرقاوي بنجومية المسرح، وهكذا دواليك. وأضاف: أما الآن فإن الميديا لا تنظر إلي رموز الحركة الأدبية باعتبارهم نجوما يمكن أن تتحلق حولهم الجماهير، كما أن المثقف نفسه أو المبدع انسحب إلي الظل وأصيب دوره التنويري والوطني بعطب شديد عزله عن الجماهير، وأنا أوجه سبابة الاتهام دون مواربة أو مجاملة فارغة إلي التجربة السبعينية التي أقامت مع الجماهير سدودا وحدودا فعاقبتها الجماهير بالانفضاض عنها فتحطم جسر الصلة الذي نحاول الآن ترميمه وإعادته. وعن الكتابات السردية باللغة العامية، تحدث د. شريف الجيار.. منتقدا قبل كل شيء: لا بد من ذكر الجنس الكتابي الذي يقصد، حتي يتمكن القراء من تحديد آرائهم بدقة في صلاحية المستوي المستخدم، وتفاوت الدرجات الممكنة للمستويات الوارد استخدامها في كل نوع.. واضاف: كما أن هناك فارقاً بين أن يستعمل الكاتب لغة سهلة بسيطة قريبة من اللغة اليومية، خالية من التقعر، وبين أن يستخدم أساليب لهجية موغلة في المحلية. أما تحديد الأبعاد الثقافية والاجتماعية للكتابات السردية المستخدمة فيها لغة عامية، فهو متوقف علي طبيعة كل كتابة، وعلي الكم المدرج من أساليب العامية في سياقات واقعية، أو أن تكون مقحمة من أجل الاستعراض أو التحدي أو الجاذبية، وعما إذا كانت اللغة الفصحي قاصرة في التعبير عن بعض المواقف - خلافاً لبعض أساليب العامية - فذلك صحيح في حالات ليست للفصحي تجربة استخدام فيها، لأن اللغات ومستوياتها مثل الكائنات الحية؛ ما لم يكن لها تاريخ في الاحتكاك بتلك المواقف، فإنها لا تتمكن من زرع التجربة الحياتية فيها، لكي ينطلق التعبير عفوياً وملائماً للحدث، ويرجع أسباب كتابة السرد بالعامية إلي الاستسهال، وليس هذا بغريب؛ فالعامية الآن أصبحت لسان العرب، ولغة الثقافة، والإعلام، وحتي التعليم، فما يحدث لا ينفصل عن ثورة تلهيجية شاملة. وتساءل: أليست الكتابة السردية أدبًا؟ أوليس ينبغي للأدب أن يرقي بلغته عن لغة الشارع؟ أوليس الأدب هو محيي اللغة أو مميتها؟ إنْ كانت الإجابة بالنفي، فقلنا: إن الكتابة السردية ليست أدبًا، ولا ينبغي أن ترقي بلغتها بل إنها تنحط إلي لغة العوامّ، وألا علاقة للأدب أصلاً بحياة اللغة ولا حالها، أمكن عندئذ أن نطمئن إلي أن الكتابة السردية العامية لا تعدّ إضعافاً للغة الأمّ (الفصحي)، فليصنع الكاتب ما يشاء، فالعامية محدودة المعجم وبدائية في طاقتها التعبيرية والتصويرية، محصورة تاريخيا وجغرافيا. واستطرد: فالرواية ليست خطابا في اللغة، بل خطاب في الإبداع؛ ومن هذا المنطلق أقول إن اللغة هي عنصر ضمن مجموعة العناصر التي يستعملها المبدع في صناعة عمله الأدبي. أما محمد عبد الحافظ؛ فاعتبر ان هناك ثمة احترازات قائمة من الباحث تجاه استخدام مصطلح (الكتابة الجديدة)؛ واضاف: وأشير من خلال هذا المصطلح إلي الكتابة الراهنة التي تصدر وفق رؤية متصلة بالراهن المعاش، وبالسياقات السياسية والثقافية التي أنتجت هذه الكتابة المرتكزة علي آليات مستمدة من الراهن المعبأ بثقافة لها آلياتها الجديدة ومستمدة كذلك من "رؤية للعالم"، والتي تعد علامة علي نسق رؤيوي "ما بعد تسعيني"، نسق يأتي في ظل سياق سياسي وثقافي موار ومغاير عن السابق؛ حيث أري أن هذا الجيل مغاير في سياقاته وتكويناته السياسية والثقافية عن الأجيال السابقة؛ فهو لم يلتق علي حلم، ولم يتوحد حول مشروع كما حدث - مثلاً- مع جيل الستينيات من الكتاب، حيث كان الحلم الناصري آنذاك إيذاناً بمشروع عربي قومي الملامح له أثره الفاعل في صياغة النسق الستيني من الكتابة؛ فهذا الجيل يكتب في ظل سقوط ما يسمي (بالمقولات الكبري)، إنه يعيش في ظل رؤي غائمة، وارتباكات لا حصر لها. واضاف: لقد أنتجت الحقبة التسعينية وما بعدها - في رأيي- لحظة روائية بامتياز، وهذا ما يبدو بارزاً في تلك الموجات الجمالية المتتالية التي حظي بها فن السرد؛ ولا شك أن السياقات السياسية والثقافية، كما ذكرت، كان لها دورها المتميز والفاعل معاً في هذا التحول، والملاحظ أن الكتابة الإبداعية التي ينتجها هذا الجيل ليست كتلة واحدة، أو بعبارة أدق فإن الكتابة الجديدة لا يمكن النظر إليها ككتلة صماء، بل هي تحوي بداخلها تنوعات مختلفة.