تمثل عطاء حسن فتحي أنه استطاع كمعماري أن يعثر من داخل البيئة والتراث المحلي للعمارة الشعبية علي تقنيات يحل بها مشكلة توفير بيت لأغليبة السكان في حدود اقتصادياتهم وامكانات بيئتهم. وإذا كانت بيوت النوبة التي لا يختلف علي جمالها ومكانتها وحسن تصاميمها مبنية من الطوب اللبن والطين فقد استنتج حسن فتحي أن العطن والعتمة في بيوت الفلاحين الفقراء ليس اراجعين لكونه من الطين بل يرجعان إلي الطرق العشوائية والمعوزة التي يبني بها الفلاح بيته دون مرشد معين بعد أن انقطع عن تراثه وفي الوقت نفسه لم تهتم العلوم المعمارية الحديثة بتقديم حلول مرشدة له في بناء بيته وفي حدود امكانياته. لذلك قام حسن فتحي كمعماري بدوره في مجتمعه وهو البحث عن مواد وخامات وامكانيات البيئة كحلول لايجاد مسكن مناسب للفلاح الفقير وأن يتحلي بالمناخ الصحي والشكل الجمالي من هذا المنطلق أهتمت اليونسكو بقرية حسن فتحي فقد انطلقت بمدينة الأقصر ولمدة يومين فعاليات المؤتمر الدولي حول "إحياء قرية حسن فتحي" بمشاركة أكثر من 04 عالمًا وخبيرًا دوليا في مجال العمارة في العالم بدعوة من منظمة اليونسكو وبرئاسة فرانسيسكو بندارين رئيس مركز التراث العالمي ونائب رئيس منظمة اليونسكو. وكانت الأصوات قد ارتفعت مؤخرًا للمطالبة بالإسراع في إنقاذ ما تبقي من معالم قرية حسن فتحي المقامة غرب مدينة الأقصر قبل فوات الأوان، وقال ميشيل إبراهيم رزق الباحث المصري والناشط في اللجنة الشعبية لدعم ومناصرة القضايا الوطنية: إن ما تبقي من معالم القرية بات في خطر ولا يحتمل انتظار أبحاث وتوصيات بل يحتاج إلي تحرك وطني عاجل للحفاظ علي معالم يفد الآلاف من السياح ودارسي فنون العمارة في العالم لزيارتها، وأن منزل حسن فتحي الذي بناه وأقام به المعماري المصري العالمي حسن فتحي بقرية القرنة الجديدة غرب الأقصر والذي يعد تراثًا معماريا لمصر وللإنسانية جمعاء بات مهددًا بالزوال بعد أن تآكلت جدرانه وتشققت أسقفه ومالت حوائطه ونال منه الإهمال. وكشف كريم نصر الدين رئيس لجنة الشئون البيئية بالمجلس الشعبي المحلي لمحافظة الأقصر أن منزل المعماري المصري العالمي حسن فتحي وقصر ثقافته باتا مهددين بالانهيار فيما تحول سوق القرية إلي ورشة لصيانة السيارات المملوكة للمحافظة وتحول مسجد القرية إلي مقر إداري لإدارة الأوقاف في مدينة القرنة، كما بات المسجد مهددًا بالانهيار بعد أن تآكلت جدرانه ونال منه الإهمال أيضًا كاشفا عن تعرض معالم المسجد، خاصة دورات المياه وغرفه وملحقاته الداخلية. وترجع قصة إقامة قرية حسن فتحي غرب مدينة الأقصر إلي أنه كان يوجد ما يزيد علي السبعة آلاف مواطن كانوا يعيشون في منطقة القرنة الأثرية الغنية بمئات المقابر الفرعونية وقد احتشدوا في خمس مجموعات من البيوت المبنية فوق وحول هذه المقابر وكان من الطبيعي أن تحدث عشرات من السرقات لمحتويات تلك المقابر الفرعونية لعل أكثرها تهورًا سرقة نقش صخري "مشهور" ومصنف بالكامل من أحد القبور الفرعونية بعدها قفزت فكرة ترحيل سكان القرية لمكان آخر إلي أذهان عدد من المسئولين الذين قاموا بالاتصال بحسن فتحي لبدء مشروع القرنة الجديدة تسبقه سمعة كبيرة وإنجازات منها تصميمه لبيوت الملكية الزراعية والهلال الأحمر وقد تأثر المسئولون بإمكانات مادة البناء التي استخدمها ورخص تكاليف إقامتها فلم يتجاهل حسن فتحي التراث المعماري الخاص بالقرنة القديمة بل عمل علي وجود أبراج الحمام مثلاً و"المزيرة" مكان توضع فيه جرة المياه "الزير" والأقبية التي توفر ظلالاً قاتمة، وأضاف إلي هذه التنظيمات حلي مفرغة أشبه بمشربيات من الطوب اللبن لتعمل كمرشح طبيعي للهواء. وكانت القرية كلها تتآلف من سبعين منزلاً مبنية وفق هذا الطراز الذي استخدمه حسن فتحي، وهو عبارة عن مكان متسع مسقوف أشبه بمندرة وباب يقود إلي قبو طويل سلالم تصعد بك إلي السطح غرف متقابلة متسعة سرير واحد داخل الغرفة يقع في تجويف هائل بالجدار ظلال ممتدة تقطعها أحيانًا أحزمة من ضوء الشمس تأتي عبر فتحات التهوية والمادة المستخدمة في بناء هذا الطراز هو الطين فقط لا غير، كما تضم القرية مسجدًا كبيرًا، بالإضافة إلي عدد من المنشآت الأخري دار مناسبات سوق ثلاث مدارس والشكل الرئيسي الذي صممه حسن فتحي للقرية كان يعتمد بشكل مباشر علي توزيع المباني وفق ترتيب معين يتيح مساحات واسعة لكل منزل هذه المساحات. المشهد الآن تغير جذريا إذ قام عدد من الأهالي بهدم منازلهم وبنوا عمارات خرسانية وليست هذه المشكلة الوحيدة التي ساهمت في بدء تدمير تراث حسن فتحي. بل إن المحليات أيضًا أعطت بعض الأهالي حق البناء فوق مساحات الفراغ التي تمثل جزءًا من الشكل العام للقرية، وهو الأمر الذي جعل بعض المناطق تتحول إلي العشوائية وأصبحت البيوت الطينية المتبقية متوازية في أحضان العمارات القبيحة التي ارتفعت دون مراعاة لجماليات أو نسق عام! حيث لم يتبق من ذلك التراث المعماري الجميل سوي مسجد القرية وقصر الثقافة وعدة مساكن تتواري كما أسلفنا في أحضان العمارات الاسمنتية وباتت جميعها مهددة بالانهيار. مواطن واحد فقط حرص علي الإبقاء علي منزله بالصورة التي أقامها عليها حسن فتحي هو أحمد عبد الراضي الذي التقاه التليفزيون الألماني وغيره من المحطات الأوروبية مرات ومرات حتي جعل التليفزيون الألماني جزءًا من منزله مقرًا دائمًا لهم بصعيد مصر. ويذكر أن المعماري المصري الراحل د. حسن فتحي هو أحد أبرز وجوه الهندسة المعمارية العالمية الحديثة وصاحب رؤية خاصة اقتربت من النظرية المتكاملة في التفاعل مع البيئة المحيطة وجمعت تصميماته بين الجمال الفني واقتصاد التكاليف.