بالمزيد من الترجمات التي تكسر الحدود وتصنع حالة من الحراك المستمر بين الثقافات المختلفة. مؤتمر الترجمة الذي شهدته القاهرة مؤخرا جاء بمثابة خطوة كبيرة على طريق الترجمة التي تواجه العديد من المشكلات وتطرح الإشكاليات المختلفة. توضح د. سحر صبحي أستاذ الأدب المقارن جامعة القاهرة، أن الترجمة تتم وفقاً لرؤية ومسارات محددة وفق علاقتها بالثقافة السائدة في المجتمع، ومدي تأثيرها في المجالات الثقافية المختلفة وثقتها في نقل الرؤي المطروحة وحاجتنا إلي فتح حوار ما بين هذه المجالات الثقافية والتخصصات المختلفة من أجل توسيع مفهومها والتي تعتمد علي نقل الأفكار والنصوص والأطروحات والخطابات الثقافية المتنوعة، التي تترك أثرها علي ثقافتنا، ومعارفنا، علي أن يتم ذلك من خلال ثلاث محاور أساسية: النقل من لغة إلي لغة ، والقيام بنقل الأفكار من تخصيص ومجال ثقافي إلي آخر، والترجمة عبر الأزمنة وعلاقتنا بالتراث وترجمته في العصر الحاضر. وأشارت إلي أنه بالرجوع تاريخياً نجد أن أغلب المترجمين الذين اهتموا بالتنظير في عملية النقل الثقافي خلال القرن ال 19 وحتي منتصف القرن ال 20 ظلوا يتعاملون مع هذه الإشكالية باعتبارها علاقة ما بين نصين متوازيين - النص المصدر والنص المنقول إليه مع الالتزام بالترجمة الحرفية دون تدخل من المترجم بينما اختلفت الحال خلال فترة الستينيات والسبعينيات. ومع ثبوت وتأكد مدرسة ما بعد اليونانية ، كان قد تم الاعتراف بوجود عناصر تتحكم في عملية الترجمة، ومنها المترجم أو الناقل ما بين الثقافات المختلفة، وتأثير اللغة كمفردات وألفاظ ، والسياق ودوره في تشكيل النص المترجم والمتلقي الذي اعتبر جزءا مؤثرا في عملية قراءة النص المترجم ! وقالت: إن مع ازدياد الحديث عن الترجمة والحوار الدائر ما بين رؤيتين أساسيتين - الترجمة الحرفية في نقل الفكر من ناحية ، والعمل علي توسيع مجال الترجمة وإطلاق يد المترجم أو المتنقل ما بين الفكر من ناحية أخري والتأكيد عليه مما دفع العديد من المترجمين بوعي منهم أو دون وعي إلي تهميش ذواتهم والعمل علي إبراز دور النص المصدر من خلال النقل الحرفي الأمين له، الأمر الذي لايزال يسيطر علي حركة الترجمة حتي اليوم !.. فيما وجدت د. فاليريا كير بتشينكو - الروسية الأصل - إن اللغة العربية قد تبدو للوهلة الأولي وكأنها لغة واحدة بينما هي تختلف وتتغير عبر التاريخ لأنها تستخدم في التعبير علي مستويات مختلفة للوعي الإنساني والمفهوم الجمالي لذا فإن مهمة المترجم هي إيجاد المصطحات المناسبة التي تعبر عن هذا التوجه والحركة في اللغة، وهو أمر بالغ الصعوبة في اللغة الروسية التي لا يوجد فيها مصطلحمات تقابل هذا الازدواج اللغوي الموجود في اللغة العربية .. وهي المشكلة التي واجهت كتاب الخمسينيات ، ومع بداية عقد الستينيات ظهرت مشكلة جديدة تمثلت في اتجاه الكتابة الأدبية العربية إلي التعبير عن أعماق النفس البشرية من خلال المونولوج الداخلي ، والتعبير عن اللاوعي واللامعقول، مما دفع المترجمين إلي إيجاد صيغة تعبيرية جديدة لهذه الظواهر المتعددة ! إلا أنه مع بداية القرن العشرين تطور الأدب العربي ولاقى تطوراً سريعاً مما تتطلب معه استخدام أدوات تعبير وصيغ نحوية وتركيبته تختلف تماماً عن الترجمات السابقة فترة الخمسينيات والستينيات ، بعد أن أصبح لكل كاتب عربي معاصر أسلوبه الخاص المتميز ومن ثم أصبح من الصعوبة إيجاد المصطلحات التعبيرية المقابلة في اللغة الروسية والمغادرة علي نقل النص الأصلي بأمانة وإتقان!. أبرزت د . إيزابيلا كاميرا دافليتو الإيطالية دور المؤسسات في الترجمة، ومدي تدخل الناشر ورؤيته في اختيار النص واللغة المستخدمة ، وتأثير المؤسسة في عملية تسويق الكتاب ونشره ومسؤليتها في فرض رؤية جديدة تؤدي إلي تغيير الذوق العام وعن المشكلة التي واجهتها عتد الترجمة عن العربية قالت انها تمثلت في جمود اللغة سواء في الكتابات السابقة أو المعاصرة " الكتابة الأدبية ".. وقالت إنها نفس المشكلة التي تواجه كتاب اللغات المختلفة عند النقل عن العربية لذا وجدت أن الحل يكمن في الوعي بتلك المشكلة حتي يمكننا الخروج من هذا المأزق ومحاولة التقريب ما بين المفردات اللغوية العربية المستخدمة في الشارع وتنشيطها في خدمة الأدب الحديث أو فكرة الثقافة العربية عند المتلقي حتي لا يكون النص المكتوب في واد ولغة الشارع في واد آخر! أما الروائي المصري أيمن طاهر لفت إلى وجود علاقة وطيدة ما بين المجالين سواء في نقاط الالتقاء أو الاختلاف بينهما وأن الصورة شأنها شأن النص المكتوب من زاوية تركيبها وتصويرها وإختلاف المتلقي ونظرته لها تبعا لخلفيته الثقافية ومعتقداته لذا فهي قابلة أيضاً للتفسير والتأثير والحكم عليها وأشار د . جوت سميرز هولندا - إلي دعم الأممالمتحدة للتنوع الثقافي وقيامها بإصدار كتيب في هذا الشأن في فترة التسعينيات وذلك بعد دعوة سابقة من إيران ، إلا أن الفكرة ما لبثت أن ماتت وضعفت بضعف المرافقين عنها !. وألمح إلي قرار الأممالمتحدة الذي صدر في أكتوبر من عام 2005 بتحديد عام للاحتفاء بالتنوع والتعدد الثقافي والذي اعتبره نجاحاً ينبغي علينا إستثماره ودعمه والتحرك في هذا الاتجاه نحو التعددية والتنوع الذي يعتبر أصدق تعبير عن الديمقراطية الحقيقية !.. مؤكداً أن أحد أهم أهداف حقوق الانسان هو الحق في التنوع والاختيار الحر !.. وانتقدت د. دعاء إمبابي أستاذ الأدب المقارن بجامعة عين شمس النظرة الدونية للمجتمع لمهنة المترجم ، وذلك علي الرغم من العائد المجزي لها وتساءلت عن قيمة الترجمة ومكانتها وإن كانت تأتي في الدرجة الثانية أم أنها عمل أصيل؟ وقالت إنها إذا ما وضعت في مجال اختيار ما بين قراءة النص الأدبي الأصلي والمترجم لاختارت دون تردد قراءة العمل بلغته الأصلية! المصمم المهندس عمرو حلمي ذكر وجود ارتباط بين ما يشكلنا ثقافياً من النص أو الفكرة ، وفن العمارة وتأثيره فى الذوق العام ، وأن المساحة يتم توزيعها واستغلالها لكي تستوعبنا دون أن نشعر وكذلك الأمر مع الفكر واستيعابنا له وتحكم المساحة والتصميم في رؤانا والتأثير فينا، وكذلك الكتاب الذي نقوم بشرائه بعد اختيارنا له، ودعا إلي نقل روح التطور الوظيفية من خلال استيعاب وهضم حضارة الآخر لإفراز ما يتناسب وبيئتنا وثقافتنا العربية الإسلامية، وببنما يحافظ علي هويتنا الشرقية في تصميم المباني التي يتم فرضها علي المواطنين دون اختيار منهم وكذا الأمر في الملبس والموسيقي وغيرها من شئون الحياة اليومية. وأشار د . فريدي ديكريوس إلي أن الترجمة كأسلوب يحقق تواصل الخصوصيات ويحولها إلي رؤي العالم وتتحدد من خلال تصور كل من الشرقي والغربي للعالم، وكيفية دمج تصوراتنا المختلفة ورؤيتنا ، مشيراً إلي أن التوجه الحالي للغرب نحو الشرق يسعي إلي البحث عن رؤي جديدة، بعد أن مرت أوروبا بمرحلة شديدة من التشرذم خلال فترة ما بعد الحداثة، الأمر الذي دفعهم إلي ترجمة الأدب العربي في محاولة للتواصل والتفاعل معه! وتعرضت د. لبني يوسف أستاذ الأدب الإنجليزي إلي تجربتها التي قامت من خلالها بترجمة ودراسة الشعر الروماني إلي اللغة العربية خلال فترة ظهوره ومدي تأثرنا به وقالت إنها لم تكن لديها أي رؤية محددة عند الترجمة مما عرضها لضغوط شديدة وأشارت إلي أن الشعر الروماني الذي جاء إلي مصر مع الاحتلال الإنجليزي وأنه بعد أن تعرف المصريون عليه تحول إلي عامل مهم ومؤثر أدي إلي قيام ثورة ثقافية لم تلبث أن تحولت إلي ثورة شعبية ضد الاحتلال الإنجليزي ذاته ! وطرحت د . نادية الخولي إشكالية الفصحي واللغة الدارجة فيما يتعلق بأدب الطفل وترجمته باعتباره عملها الأساسي، وصعوبة إيجاد قصص مصورة تناسب طفل ما قبل المدرسة وهي الإشكالية التي واجهتها منذ سنتين في مشروع القراءة للجميع ومبادرة السيدة حرم الرئيس مبارك بإصدار سلسلة – "اقرأ لطفلك " لتتناسب وهذه المرحلة ، إلا أن نتيجة لعدم وجود كتب مناسبة فضلاً عن اللغة وإشكالية الكتابة للطفل باللغة الفصحي أو العامية الدراجة أو لغة الصحافة ، ومن هنا كانت محاولة الوصول إلي وسطية تسحب الطفل تجاه الفصحي دون فصل تماماً عن اللغة الدراجة !. ولفتت إلي كتب الأطفال التي تم تحويلها إلي أعمال سينمائية مثل " والت ديزني " وآخرها " هاري بوتر " بأجزائه الثلاثة والذي لقي نجاحاًكبيراً علي مستوي العالم الغربي وذلك عكس الفشل الذي منيت به تلك الأعمال في المنطقة العربية نتيجة تأخر ترجمة القصة لمدة ثلاث سنوات فضلاً عن سوء الترجمة وبتر التفاصيل، وإغفال دورالمتلقي والثقافة السائدة التي يقدم فيها النص وهو ما أدي إلي فشل الفيلم ! وبدورنا نؤكد أن الترجمة التي تشكل الآن أداة أساسية في علاقة الإنسان بذاته خاصة بعد التطور الذي يشهده هذا العصر لا بد أن تلقى مزيدا من الاهتمام من جميع الجهات وعلى كل المستويات.