ما زال تأثير الثورة على السينما المصرية مستمرًا وما زال الإنتاج السينمائي في تراجع مستمر، فعلى الرغم من أن الدراما المصرية استطاعت أن تخرج من أزمتها منذ العام الماضي بشكل كبير وأن تتحرر من الظروف الصعبة التي تمر بها البلاد منذ الثورة وحتى الآن، إلا أن السينما ما زالت تعيش حالة من التخبط على مدار ثلاثة أعوام متتالية منذ عام 2011، والذي اقتصر فيه الإنتاج السينمائي على 18 فيلمًا بعد أن كان يصل عدد الأفلام التي ننتجها في العام الواحد إلى 40 فيلمًا، ومثله في العام الماضي 2012 ولم تتعدَ أفلامه ال15 فيلمًا، لنجد نفسنا هذا العام أيضًا أمام إنتاج ضعيف يدل على استمرار تراجع السينما ؛ ولأن جميع المؤشرات تشير إلى أن هذا العام سيشهد استمرارًا للتراجع في مستوى الإنتاج السينمائي، فقد انتاب المنتجين والفنانين حالة من القلق تجاه مستقبل السينما وهل الثورة وما تمر به مصر حاليًا هو السبب الرئيس في هذا التراجع أم أن هناك أسبابًا أخرى تعوق عجلة الإنتاج السينمائي؟ وأوضح المنتج "محمد السبكي" أنه بالفعل تمر السينما بأزمة كبيرة ولعل ذلك هو ما يجعله يصمم على الإنتاج في ظل تراجع العديد من المنتجين عن الإنتاج إلا أنه قرر أن يستمر في الإنتاج ولا يستسلم للظروف الحالية ولا يتخوف من الخسارة أو تحقيق أفلامه لإيرادات ضعيفة كما فعل منتجون آخرون، خاصة وأنه يعتبر الإنتاج السينمائي "يجري في دمائه" وهو يحب هذه المهنة جدًا، ويرى نفسه ناجحًا في صناعة الأفلام لذلك لا يجب أن يتخلى عن السينما في أزمتها. وأضاف "السبكي" أنه لابد وأن يدرك المنتجون أن إنتاج الأفلام لا يتوقف فقط عند إنعاش السينما، ولكن هناك العديد من القنوات الفضائية التي يتم إطلاقها يوميًا في حاجة إلى أفلام جديدة، لذلك لابد وألا ينظر المنتجون إلى الإيرادات ويعتبرونها المقياس الأساسي لاستمرارهم في الإنتاج. في حين أكد الناقد "طارق الشناوي" أنه لابد وأن ندرك أولًا أن أزمة السينما ليست فقط في تراجع عدد الأفلام التي كان يتم إنتاجها كل عام، ولكن الأزمة الحقيقية هي في نوعية الأفلام التي يتم إنتاجها، فمع بداية موسم الصيف وجميع الأفلام التي تم إنتاجها تفتقد للواقعية وتميل إلى الإسفاف والاستخفاف بعقل المشاهد، وهذا ما يثير الدهشة حقًا؛ لأنه كان من المفترض أن تسلك السينما طريقًا آخر بعد الثورة، خاصة مع تفتح عقول الناس والذين أصبحوا أكثر وعيًا وإدراكًا بما يدور حولهم ليس فقط في مجال السياسة ولكن أيضًا أصبح لديهم قدرة على تقبل أو رفض ما يعرض عليهم. ووصف "الشناوي" الأفلام الموجودة حاليًا على الساحة بأنها جميعها تندرك تحت مسمى "أفلام المقاولات" مع اختلاف المضمون الذي تقدمه هذه الأفلام إلا أن جميعها في النهاية يتفق في البحث عن الربح، فعلى الرغم من ضعف الإيرادات إلا أن هذه الأفلام تحقق الربح خاصة وأنها تكون قليلة التكلفة، والغرض منها هو التواجد فقط في ظل اختفاء نوعية الأفلام الأخرى والتي تتبناها شركات إنتاج كبرى تكلفها أموالًا كثيرة لذلك تمتنع عن عرضها حاليًا في ظل عدم الإقبال الجماهيري على السينما. ومن جانبه أكد الفنان "أحمد حلمي" والذي اقتحم مجال الإنتاج الفني مؤخرًا، أنه يعيب على شركات الإنتاج والتي يراها السبب الأول في الأزمة التي تمر بها السينما حاليًا؛ لأن تخوف المنتجين وشركات الإنتاج الكبرى من الخسارة وعدم تحقيق الربح أعطى الفرصة لشركات أخرى بأن تقتحم السوق وتسيطر على الإنتاج من خلال إنتاج بعض الأفلام "الساذجة" والتي لا تمثل أي إضافة للسينما المصرية. وأوضح "حلمي" أنه لا يجب السكوت عن الوضع الراهن والذي ينذر بحالة من التراجع الكبير للسينما المصرية، ويجب على الجميع أن يساهم في أن تتخطى السينما أزمتها، فعلى الفنانين التخلي عن الأجور المعتادة وتخفيض أجورهم، كذلك لابد وأن يدرك المنتجون أن مهنة صناعة السينما أعطتهم الكثير وجاء دورهم لتقديم أفلام قيمة تنعش السينما من جديد حتى وإن كانت ستغطي تكلفتها الإنتاجية فقط دون وجود أي ربح. واتفق معه في الرأي المخرج "خالد يوسف" والذي رفض أن يتم إلقاء اللوم على الثورة في تسببها في تراجع الإنتاج السينمائي، والدليل هو أن كلًّا من "تونس" و"سوريا" يشهدان تقريبًا الأحداث نفسها وإن لم تكن أزيد، ومع هذا فإنهم استطاعوا أن يزيدوا من إنتاجهم السينمائي على عكس ما حدث في مصر. وفسر "يوسف" ذلك بأن المصريين أساءوا التعامل مع السينما، فبمجرد حدوث الثورة ظن الكثير أنه يجب عليه تناولها في الأفلام وهو ما يعتبر خطأ كبيرًا، خاصة وإن الثورة حتى الآن لم تنتهِ فكيف يتم تناول حدث لم ينتهِ من خلال فيلم سينمائي؟ لذلك جاءت الأفلام في عام الثورة والعام الذي يليه ضعيفة وتفتقد إلى الفكرة الجيدة، وعبارة عن مجموعة لقطات للثورة فقط، ولأن هذه الأفلام لم تحقق الإيرادات المتوقعة ظن المنتجون أن ذلك بسبب أن الجمهور بدء يمل من الأحداث السياسية، ويبحث عن ما يشغله عنها فاتجهوا لإنتاج أفلام كوميدية ولكنها في الواقع أبعد ما تكون عن الكوميديا، ولعل الإدراك الخاطئ لدى الكثير من المنتجين والمخرجين لما تطلبه السينما ويتطلبه المشاهد في هذه الفترة هو سبب رئيس في تراجع مستوى الإنتاج ومستوى الأفلام القليلة التي تنتج.