ما زالت الأوضاع السياسية في مصر ملتهبة في ظروف معقدة أبرزها حال الانقسام الشديد التي تسيطر على الشارع وهو ما وضع عبئًا جديدًا على كاهل النخبة المصرية، ودورها في تجاوز الصعاب، لتحقيق أهداف ثورة 25 يناير التي خرج الملايين من أجلها. وقد عقدت مناظرة بعنوان "الوضع السياسي في مصر بعد الثورة" إلا أنها تحولت إلى ندوة بسبب غياب الطرف الثاني والمتمثل في نادر بكار، المتحدث باسم حزب النور السلفي وشارك فيها د. رفعت السعيد ود. نادر الفرجاني. وفي إطار مناقشة أوضاع مصر الراهنة طرح كل من د. رفعت السعيد، ود. نادر الفرجاني عددًا من الحلول أمام الرئيس محمد مرسي، لتهدئة الأوضاع وفتح باب الحوار مرة أخرى في حال تطبيقها، ومنها تشكيل حكومة إنقاذ وطني، وتشكيل لجنة من القانونيين لتعديل الدستور، وعدم التغيير بنظام الحكم المحلي قبل الانتخابات التشريعية ومن بين أهم الحلولتشكيل لجنة قضائية للتحقيق وتقديم المسئول الحقيقي عن قتل المتظاهرين للمحاكمة. سرقة الربيع د. رفعت السعيد رئيس حزب التجمع قال : من المستحيل أن نفهم ما يحدث في مصر بمعزل عما يحيط بنا من أحداث، وفي الفلسفة هناك ما يسمى بالافتراضات، وإذا تكرر الافتراض بذات القانون يحدث قانونًا عامًا، والافتراض الذي تكرر هنا أنه بالنظر إلى أن ربيع تونس بما انتهى إليه الحال في اليمن وليبيا والعراق وحاليًا سوريا، هذا يعني أن جهة ما تحاول أن تسرق منا ربيعنا، سواء كانت داخلية أو خارجية وتريد لهذه المنطقة أن تُسلب منها ربيعها. فنجد تونس واليمن لا يوجد بهما جيش، أما ليبيا فيوجد بها أكثر من جيش يحارب بعضه، وكذلك حال سوريا والعراق، ولم يتبقَ سوى الجيش المصري الذي ينطبق عليه ذات القانون، وهم يحاولون الآن إضعاف الجيش. وبتحليل الموقف نكتشف أن الأيدي الخارجية هي تركيا وقطر، وكل هذا يتم لحساب أمريكا دون أن يظهر على السطح الوجه القبيح للعميل الأساسي ألا وهو الكيان الصهيوني. أسباب للتظاهر وقد تم توجيه عدد كبير من الأسئلة لرفعت السعيد منها ما هو طبيعي وبعضها كان المقصود منها إحراجه ولكنه رحب لكل الأسئلة، وأكد أنه لا يوجد سياسي يحترم نفسه لا يعرف أن يجيب عن سؤال هو طرف فيه، لذا أقول: "من لديه أي أسئلة أنا أتقبلها؟". . ومن هذه الأسئلة: لماذا تتظاهرون فتعطون غطاء للعنف؟ ورد قائلًا: نحن نتظاهر ليس لأن الدستور يعطي حق التظاهر فهو يعطينا حقوقًا كثيرة وليست محل تطبيق، لكننا نتظاهر لأن الشعب غاضب، كما أن الناس عندها الرغبة في التظاهر لأنهم يشعرون بأن ثورتهم سلبت منهم، وأتعجب من تصور البعض أن جبهة الإنقاذ قادرة على تحريك مئات الألوف في كل ميادين مصر، وأن الجبهة إذا كانت قادرة على فعل ذلك فهي تكون قوة جبارة ويتعين في هذه الحالة على الجميع أن يخضع لها. وبالنسبة للعنف الذي يشهده الشارع الآن أكد السعيد أن جبهة الإنقاذ ضد العنف بكل صوره وأشكاله وضد من يرتكبوه، ولكن هذا لا يعني أن تمنع الجبهة الخروج في مظاهرات حتى لا يقال عليها: "إنها غطاء للمخربين"، فهل المطلوب ألا نتظاهر؟ هذا لن يحدث لأن الجماهير ستخرج وإذا لم نلتحم معهم سيقولون إننا نخونها ونتخلى عنها، بينما نحن معها. إن الحل لهذا العنف هو رفع الغطاء عن تلك الأيدي الخفية التي تعبث بأمن الناس، أن الأمن إذا وجد مع أي عنصر بالجبهة أي شيء يمكن أن يثير الشغب به فعليه أن يقبض عليه، وأن يقدم للمحاكمة ولكن قبل ذلك يجب محاكمة من قتلوا المعتصمين أمام الاتحادية ومن قاموا باعتقالهم. وأضاف السعيد: من البداية قلنا يجب أن يكون الدستور أولًا، ثم الانتخابات الرئاسية ورفض الإخوان والمجلس العسكري، وجاءوا بالمستشار طارق البشري ولم يكن اختياره مناسبًا، وأيضًا صبحي صالح لم يكن اختياره بالصدفة فهو محامٍ، ومصر بها "500" ألف محامٍ، فلماذا يتم اختيار واحد عضو في مكتب الإرشاد؟ ولماذا لم يأتوا بمحامٍ من بقية الأحزاب؟ كل هذه التساؤلات لا تنفي أن هذه اللجنة التي وضعت الإعلان الدستوري قد حفرت النفق الذي انسقنا إليه، وقد شعر البشري بعد ذلك أنه أخطأ وبدأ يبتعد. إن د. مرسي حصل في الانتخابات على 51% أي أن 49% قالوا لا، فلو أن الجماعة تغسل قلبها كل يوم ستكتشف أن الكثير ممن صوتوا لمرسي يقفون ضده الآن. وذكر السعيد حديث الرسول "صلى الله عليه وسلم": لا يؤم رجل الناس هم له كارهون"، وقال: أنا لا أطالب مرسي أن يجعل الناس تحبه لكن على الأقل لا يكرهوه، ولذلك عليه الاستجابة لبعض مطالبهم، مثال ما حدث في الإسماعيلية والسويس وبورسعيد لو أنه لا يريد أن تكرهه الناس، كان عليه أن يخرج ويقول إنه يتحمل المسئولية وأنه سيكلف المجلس الأعلى للقضاء بتشكيل لجنة للتحقيق في هذه الأحداث وليس النائب العام؛ لأنه محل لغط حتى الآن، حتى إن حزب النور السلفي يرفضه، ويكون مهمة هذه اللجنة الكشف عن المسئول الحقيقي عن هذه الأحداث ليتحاسب. العدالة الاجتماعية وأضاف: إن حبيب العادلي وزير الداخلية السابق لم يحاكم لأنه قتل الثوار بنفسه ولكنه كان المسئول عن ما يفعله ضباطه وعساكره، فإذا كان وزير الداخلية الحالي فعل مثل العادلي، فيجب أن يحاسب مثله فلا يوجد "خيار وفأوس" في البلد.. أما بالنسبة لتطبيق العدالة الاجتماعية فما زال هناك موظفون بالدولة يتقاضون شهريًّا مليون جنيه، كما ما زال هناك آلاف من المستشارين يعملون في مؤسسات الدولة، حتى إن الرئيس يقوم بزيادة عددهم من خلال تعيين مستشارين من جماعة الإخوان المسلمين، في الوقت الذي يوجد فيه الكثير من المواطنين لا يجدون لقمة العيش، وعندما حاولت الحكومة تفكر في حل خرجت علينا بفكرة "الكارت الممغنط" الذي يعطي لكل مواطن 3 أرغفة من الخبز، وهي لا تكفي فردًا واحدًا وإذا حاول شراء خبز ليس مدعومًا سيجعله يجوع أكثر. وقال: إن الحكومة تقول دائمًا ليس هناك أموال في حين أن الحلول متوفرة إذا أرادت أن تحصل على أموال، وذلك من خلال فرض ضرائب تصاعدية، وفرض ضرائب على أموال البورصة، وخاطب الحكومة بقوله: "خذوا من أموالهم ما يطهرهم". حوارات الرئيس وأكد السعيد أن جبهة الانقاذ لن تتفاوض مع الرئيس محمد مرسي إلا إذا اكتسبت ثقة بأن هذا الحوار ليس ملعوبًا فيه وليس ملعوبًا له، كاشفًا عن أن المستشار محمود مكي أرسل إليه الدعوة لحضور أحد حوارات الرئيس بعد أن خرج في إحدى البرامج على الهواء وقال: "لم توجه له الدعوة بالحضور وكان معه صبحي صالح، القيادي الإخواني الذي رد عليه قائلًا: وأنت محتاج لدعوة يا دكتور... روح وخبط وقابل الرئيس، فضحك السعيد وقال: دا أنا لو رحت بالطريقة دي ممكن يقتلوني ولا يعملوا فيا حاجة.. هو بالساهل هيسمحوا لي أقابل الرئيس، وبعد اللقاء تلقيت الدعوة بالحضور ولكني لن أذهب للحوار؛ لأن الرئيس لم يفِ بأي التزامات من قبل وضرب مثالًا بالحوار الذي حدث حول الدستور وتعهد الرئيس بعدم خروج الدستور إلا بعد التوافق عليه ثم أخرج دون توافق، ثم عاد ليطلب منا أن نتحاور على تعديله الآن، فما الذي يضمن لي أن مجلس الشورى سيقبل بهذه التعديلات ووقتها تقول الرئاسة إنها ليس لها سلطة على المجلس، كما أن صبحي صالح صرح من يومين بأن الدستور لن يعدل قبل 4 سنوات. ولفت السعيد إلى أنه يريد أن يرى أمارة واحدة من الرئيس تقول: إنه مع مطالب الشعب وتجعله يوافق على الحوار، مشيرًا إلى أن هذه الأمارة تتضمن أن يشكل لجنة للتحقيق في كل الأحداث التي حدثت الفترة الماضية، ويقدم المسئولين الحقيقيين أيًا كانوا للمحاكمة، وأنه لن يغير ترتيبات الحكم المحلي إلا بعد الانتخابات التشريعية، ووقتها سنجلس للتفاهم معه. مطالب الثورة وقال د. نادر الفرجاني: لدى ثلاق رسائل أساسية: الأولى عن التقييم التاريخي لما حل بالثورة الشعبية العظيمة التي اندلعت بمصر، وأتصور أن التقييم الموضوعي يفيد بأن العزاء مطلوب للموجة الأولى من الثورة الشعبية، حيث إن أهم علامات كسر الموجة الأولى من الثورة أننا انتهينا إلى نظام حكم مشابه للنظام السابق الذي تم إسقاطه. والثورات تأتي على موجات وقد تتعرض أحدهم للانكسار لكن تلحقها موجات متتالية، خصوصًا أن الظروف الموضوعية الدافعة لهذه الموجات وهما القهر والفقر ما زالا موجودين، كما أن تقييد الحريات اشتد وسيشتد مع الدستور الجديد. أما الرسالة الثانية، فتتمثل في أن الشعب مصر لن يقهر وأنه سينتصر وعلامة عدم قهر الشعب هي أنه سيستكمل ثورته بموجات متتالية، ولن يهدأ حتى تتحقق مطالب الثورة، وضرب مثالًا بنابليون عندما احتل مصر، استطاع الشعب المصري أن يقاومه وأخرج نابليون بعد 3 سنوات، بينما قتل قائده الثاني، أما الثالث فقد أعلن إسلامه وتزوج من فتاة في رشيد. والرسالة الثالثة تتضمن الإشارة إلى وجود حالة خطر تحيط بمستقبل مصر، حيث إن مصر تساق لحرب أهلية مصغرة، وهذه المسئولية تقع في المقام الأول على السلطة الحاكمة التي تحاول أن تقيد القضاء عن طريق النائب العام في تحديد مصير البلاد، ثم تتعلل بالمعارضة أنها هي التي تعطل سير العجلة. الخروج من الأزمة وذكر الفرجاني عدة نقاط للخروج من الأزمة، منها وقف التنابذ بين الأطراف المتفاعلة سواء كانت السلطة أو المعارضة، وإنهاء خبل الميليشيات، مشيرًا إلى أننا نعيش بدايات ميليشيات حربية، وقال لدينا قرار من النائب العام بتجريم وتعقب فئة تسمى ميليشيات وقد شاهدنا بالصوت والصورة أمام قصر الاتحادية ما فعلته إحدى القوى لفض الاعتصام، حيث استخدمت القوة، وأقامت نقاط تعذيب ولذلك من الطبيعي أن تدفع هذه الميليشيات إلى ظهور ميليشيات مضادة ومتنافسة. ودعا الفرجاني إلى ضرورة احترام حق التظاهر خصوصًا أن هناك وهمًا لدى النظام أن الحل دائمًا يكون من خلال غزو الصناديق، وبالتالي يكون على الطرف الآخر أن يصمت حتى تأتي الغزوة التالية للصناديق التالية، وهذا لا يتناسب مع الديمقراطية، موضحًا أن هتلر والفاشية جاءوا عن طريق الانتخابات والصمت على السلطة المنتخبة يمكن أن يدفعها إلى الاستبداد. وهنا لا يبقى أمام الشعب إلا أن يعاني حتى الغزوة التالية للصندوق أو أن يعبر عن رأيه بالمظاهرات السليمة. كما دعا إلى ضرورة تعديل الدستور؛ لأنه لم يحدث عليه توافق مجتمعي وهو الشرط الذي أقسم عليه الرئيس، ولم ينفذه وأشاد بحزب النور السلفي الذي يطالب بتعديل الدستور من خلال لجنة من القانونيين كما أعلن أنه لا يصح أن يتولى فصيل واحد المسئولية بعد الثورة. كما يجب أن يكون هناك تنافس شريف في الانتخابات التشريعية القادمة، مع الدفع بالشباب في مقدمة القوائم وعدم التلاعب ببسطاء العامة عن طريق الدين، بالإضافة إلى تكوين حكومة إنقاذ وطني، فنحن الآن نتحرك إلى إعادة النظام الذي نجحت الثورة في إسقاطه ونقوم بالإجراءات نفسها التي كان يفعلها ومنها الاقتراض "من اللي يسوى واللي ما يسواش" ونبيع أصولنا. صراع الأفكار وقد تعرض د. رفعت السعيد لهجوم حاد من قبل بعض الحضور المنتمين للتيار الديني عندما فتح الباب لتوجيه الأسئلة، وأكد السعيد أن الانتخابات الرئاسية الأخيرة ثبت أن الصناديق تم التلاعب فيها، وهذا ليس بشهادتي ولكن بشهادة اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية، التي قالت: إن بعض الأوراق تم التعليم بها بالمطبعة الأميرية لكنها لن تؤثر على النتيجة. وتابع: الديمقراطية الحقيقية تعني احترام الأقلية، أما احترام الصناديق فهناك دراسات أعدت حول كيفية استخدام العاطفة الدينية والتعصب الديني للسيطرة على الجماهير للتصويت لفئة بعينها، فالقضية ليست صناديق بل احترام حقوق المواطنين. فيما قال د. الفرجاني: كفى مؤامرات متوهمة؛ لأنها أساليب النظم المستبدة للاستمرار في الحكم، فالتيار الذي يحكم الآن يحكم ظلمًا وبهتانًا، مؤكدًا أن شعب مصر على منحنى ثوري صاعد.