شغلت قضية الإعلام المصري حيزًا كبيرًا من المناقشات الفترة الأخيرة، حول دورها وتأثيرها، وقد انعكست سخونة الأحداث الراهنة على المناظرة التي عقدت بعنوان "دور الإعلام وتأثيره في تطور المجتمع المصري"، وشارك فيها الإعلاميان حافظ الميرازي وحسين عبد الغني، المنتميان للقوى المدنية في طرف، وحازم غراب، ورئيس قناة "مصر25"، ود. محمود خليل، مدير عام إذاعة القرآن الكريم، المنتميان لجماعة الإخوان المسلمين في الطرف الآخر. في بداية المناظرة، قال الكاتب الصحفي محمود شرف: "دائمًا نرى الإعلام قابعًا في قفص الاتهام، ويغفلون أن له دورًا مهمًا في تطور الشعوب في اللحظة الراهنة، فدوره له أهمية كبرى في كشف الحقيقة والتنوير، وهو دور لا يمكن الاستغناء عنه، فلماذا يتهم دومًا أنه يثير القلاقل؟ وأن له توجهات ويعمل لصالح المنفعة الخاصة؟ وهي اتهامات تلاحق الإعلام منذ أيام النظام السابق، هل الأمر له علاقة بالصراع السياسي، وبالتالي يتهم بالتحريض؟! ثم كيف ننزه الرسالة الإعلامية عن بعض المثالب؟. بدأ حازم غراب، رئيس قناة "مصر 25"، بالتحدث باعتباره أكبر الحضور سنًا، قائلًا: إنه عمل لفترة في الجزيرة مع كل من الميرازي وعبد الغني لعدة سنوات، وبعد هذا العمر من الخبرة الإعلامية أقول: إن الإعلامي عليه أن يخلع رداءه الحزبي عندما يمارس الإعلام وينحي السياسة جانبًا.إن الإعلام من الممكن استخدامه في الهدم، فهناك التعتيم والتضليل السياسي، والأمريكان استخدموا هذا النوع من الإعلام كبديل للقنبلة النووية في مهاجمة الآخر، من خلال الدراما التي تؤثر على العقول إضافة إلى الأخبار. وتابع: "عندما أصبحت مسئولًا عن قناة يملكها عدد من المساهمين المنتمين لجماعة الإخوان المسلمين قلت: "لن أكون إعلاميًّا حزبيًّا أو طائفيًّا، ووضعت عددًا من المحددات للعمل للقناة"، وأتصور أنها تصلح لكثير من وسائل الإعلام ومنها جعل الإعلام كالمرآة، التي لابد أن تكون سلمية لا مقعرة ولا محدبة، بحيث تعكس ما أمامها أيًا كان، ومن المحددات أيضًا عمل برامج ترصد أخبار الجميع دون تمييز". وأشار إلى أن الوحدة الوطنية مهددة وتحتاج إلى أن يضع الإعلام هدفًا له يساعد في تقويم نسيج الأمة، داعيًا إلى عدم تصنيف المواطنين إلى نوبة أو عرب سيناء، واصفًا ما يحدث من تصنيف كلام فارع بالإضافة إلى التكامل مع الآخر حتى لا تحدث صراعات. وأوضح أن "مصر 25" قناة إخبارية، ولكن الناس تمل من صراع "الديوك"، فلابد من أخبار خفيفة.. أما عن عدم استضافة القناة للرأي الآخر، لفت إلى أن القنوات الأخرى تفعل ذلك فماذا لا يفعل مثلهم؟!. وقال: إن الحجاب هوية للمسلمات، ولن أسمح بظهور غير المحجبة على القناة وهناك قنوات أخرى يمكن أن يذهبن إليها للعمل تسمح بذلك، فانفعلت إحدى الحضور من السيدات، وقالت: "الحجاب حرية شخصية". معايير مهنية من جانبه قال الإعلامي حافظ الميرازي: "كنت أتردد في إلقاء جملة "السلام عليكم" حتى لا تفسر بأنها مجاراة للموجة، وعن عملي بالجزيرة، في البداية لم أوافق على العمل بها، اعتقادًا مني أنه لا يمكن أن يكون هناك إعلام عربي حقيقي يمكن أن يمثل كل التيارات، وبعد أن تأكدت أنها قناة للرأي الآخر وافقت على العمل فيها من واشنطن، وتركتها عندما وجدتها تتحول ولا تعبر عن الآراء، وأن المنظومة العامة فيها موجهة في اتجاه واحد". وطالب الميرازي بضرورة وجود معايير مهنية للإعلامي، بحيث إذا كان الضيف يمثل اليمين فعلى الإعلامي، أن يطرح وجهة النظر الأخرى التي قد يحملها المشاهدون للبرنامج. ودعا إلى أن يعلن الإعلامي عن قناعاته الشخصية أحيانًا في بداية البرنامج بأن يقول: "أنا في مأزق لأن رأيي كمواطن ذلك"، مثال عندما يسلق الدستور "سلق بيض" من حقي أقول لا، في إطار احترام الآخرين في الحوار فلابد من احترام الضيف مهما اختلف معه وعدم اللجوء إلى مضايفة الضيف من أجل استفزازه وإجباره في بعض الأحيان إلى المغادرة كوسيلة لتسخين الموقف وزيادة البيع، ففي الشارع نقول ما نقول لكن في الأستوديو لا يصح فلابد من جهاد النفس. وأشار إلى أنه يختلف مع قناة مصر 25؛ لأنها لا تستضيف التيار الآخر المعارض للتيار الإخواني. وأضاف الميزاري تعليقًا على ما قاله غراب حول استخدام الأمريكان للإعلام كبديل للقنبلة النووية، يكفي أن أمريكا لا تستخدمه ضد مواطنيها، بينما نحن هنا تسيطر الحكومة على الإعلام وتستخدمه، وهذا عيب عليها أن تبيع شيئًا ضد المواطن. الإعلام الحر وقال الإعلامي حسين عبد الرازق: "العالم الغربي لم يأخذ العالم العربي في الإعلام على محمل الجد إلا بعد ظهور الجزيرة، وعندما كنا نعمل فيها كنا نقبض على الجمر في مسألة احترام القواعد المهنية، وكل الذين اعتبروا أن الجزيرة أول تجربة عملية تنطبق عليها المعايير خرجوا منها عندما وجدوا أنها تخضع لتوجيه تيار معين". وأضاف: "لا يمكن أن تنطلق بلد بعد ثورة عظيمة إلى الديمقراطية إلا من خلال إعلام حر وقضاء مستقل، وأعتقد أننا نواجه ظروفًا أسوأ من الظروف التي مرت بنا في عهد "مبارك"، فقد تعرضنا من قبل إلى كسر الكاميرات والاعتداء على الصحفيين أثناء تغطيتنا لدوائر انتخابية لقادة من الإخوان المسلمين، لكن النظام السابق لأنه كان على رأسه بطحة، فعندما كانت تحدث مواجهة معي كان كما يقال بالمثل الشعبي "يلم الدور". أما الآن -والكلام لحسين عبد الغني - فهناك نوع من أنواع شيطنة الإعلام لسبب أو آخر، فبدلًا من أن يكون عدو النظام الجديد الذي انتخب بفضل الثورة هو الفقر والجوع وانعدام احترام كرامة الإنسان، أعيد قلب جدول أعمال الثورة ليصبح العدو هو الإعلام والقضاء، وفي الشهور الماضية استهدف الإعلام حتى تمت محاصرة مدينة الإنتاج الإعلامي، والقضاء، حتى بلغ الأمر إلى محاصرة المحكمة الدستورية العليا. ودعا "عبد الغني" الإعلاميين إلى العمل في حدود القواعد المهنية، مهما كان القرب أو الابتعاد عن السلطة، فبعض الإعلاميين يهدرون حرية الإعلام لقربهم من الرئيس، مشيرًا إلى أن الإعلاميين المنتمين لتيار الإخوان هاجموا الإعلام في مقالات بجريدة الأهرام، لذلك أطلب من حازم غراب أنه إذا كان قد أوفى من دين لتيار قريب منه أن يعمل في قنوات غير حزبية. وأشار إلى أن الشبكة العربية لحقوق الإنسان رصدت في الثلاثة أشهر الأولى من عهد الرئيس مرسي 48 انتهاكًا لحرية الرأي والصحافة والإعلام، وهذا لم يحدث حتى في عهد الاحتلال البريطاني، ولا أحد يجلس مع الرئيس مرسي إلا ويستغرق نصف الحديث عن الإعلام وكله مرارة. وأكد عبد الغني أن الرئيس السادات وصل إلى مهاجمة الإعلام بعد انتفاضة 18 و 19 يناير، فيما وصل إليها الرئيس المخلوع في العشر سنوات الأخيرة من حكمه، أما أن يصل مرسي لها بهذه السرعة فهي مسألة مثيرة للقلق. وأضاف أن الدستور المصري المشوه تعامل مع حرية الصحافة بطريقة تقتل هذه الحرية، لافتًا إلى أن الجمعية رفضت كل الصياغات الخاصة بربط الدستور بالمواثيق الدولية والحقوق التي وقعت عليها مصر، كما رفضت الابتعاد عن الألفاظ المطاطة التي يمكن تفسيرها من كل سلطة حسب أهوائها. إنقاذ الوطن بينما قال د. محمود خليل، مدير العام بإذاعة القرآن الكريم: "مهمتنا الآن إنقاذ الوطن، نحن كتيار إسلامي نؤمن بالديمقراطية، والقول بأننا استخدمناها لنصعد بها على السلم لنصل إلى المناصب ثم ركلناه، فمن العيب أن يقال ومن العيب أن نعلق عليه". نحن نؤمن بالأداء الشورى للديمقراطية، وأتعجب من الذين ملئوا الدنيا وشغلوا الناس بالكلام، وأتساءل: أين أعمالهم من الديمقراطية؟..أريد الشريك المشارك على الأرض، وليس شريكًا بالكلام وفرقاء عند التجمع فالتنمية لا يصنعها تيار واحد، ومن يسألوا عن النهضة فهي موجودة، وأقول لكل الفرقاء السياسيين أن يكونوا أصحاب رؤية "هاتوا ما عندكم وسنقبل الأيادي".. رجال الأعمال وطبقًا لنظام المناظرة كان لكل ضيف من التيارين أن يعلق على كلام الآخر وبدأ حازم غراب، رئيس قناة "مصر 25"، كلامه بتوجيه اتهامات لرجال الأعمال المالكين أصحاب القنوات الفضائية الخاصة، قائلًا: "في العشر سنوات الماضية قام مجموعة من رجال الأعمال بإنشاء قنوات خاصة، ومنهم من كون ثرواته من النهب والعلاقات غير الشرعية بالسلطة، ولما جاءت الثورة خافوا أن يضيع ما نهبوه، فلجئوا إلى استخدام إعلامهم في السب والمهاجمة كسلاح للمقاومة.. وأصحاب هذه القنوات يدفعون مبالغ باهظة لبعض الإعلاميين تصل إلى 400 ألف جنيه بالشهر، وبعضهم بلغ مليون جنيه، فماذا يفعل هؤلاء ليأخذوا هذه المبالغ من رجل أعمال "حرامي"، نافيًا ما يقال بأن هذه المبالغ تدفع من الإعلانات، مشيرًا إلى أن كعكة الإعلانات في مصر تبلغ مليارًا ونصف المليار بينما تكلفة الفضائيات الجديدة 6 مليارات.. وأكد أن الفساد في عهد النظام السابق طال كل شيء حتى القضاء، مدللًا على ذلك بأنه لا يسمح بتعين سوى أبناء القضاة، كما أشار إلى أن المحكمة الدستورية العليا لم تحكم في قضية منذ عام 95 وحكمت في قضية أخرى الأيام الماضية في شهر واحد. بينما عقب حافظ الميرازي، قائلًا: "لن أدخل في قصة رواتب الإعلاميين، وأتمنى أن أصل إلى هذا المبلغ، ولن أعتبر أن هناك أي نجاسة وأنه يدفع لي لأفعل شيئًا، فالشركات الإعلانية هي التي تحدد رواتب الإعلاميين، فالإعلام كالسوق، ونذكر أن قناة مصر 25 تعاقدت مع معتز مطر ثم ضاقت منه.. وأضاف أنه يأخذ على "غراب" قوله بأنه لن يسمح لواحدة غير محجبة أن تظهر في القناة، فهو بهذا الكلام لا يختلف عن صفوت الشريف أو أنس الفقي عندما قالوا: "لن نسمح للمحجبة بالظهور". وتابع: "موضوع من يملك الإعلام مهم جدًا، وإذا كنا نهاجم رجال الإعمال أصحاب القنوات فالحكومة في المقابل تدفع 2 مليار حتى تحتكر كل ترددات الإذاعة والتليفزيون، والرئيس مرسي يدفع خسائر الجمهورية والأخبار والأهرام، ليكونوا ترسانة وعليه أن يتنازل عنها. الإعلام الإخواني فيما قال حسين عبد الغنى: "كنت أدافع عن جماعة الإخوان وتوالى ذلك في وجودي في مكتب الجزيرة بالقاهرة، حيث كنت أرفض أن يوضع استضافة الإخوان مقابل بقاء المكتب". وأكد أن ما أوقع مبارك تراكم النقد المستمر من وسائل الإعلام التي يواجهها الإخوان المسلمين الآن، ولم يكن الإخوان جزءًا من الاحتجاجات التي أسقطته وطالب الإخوان بأن يعودوا لقياداتهم ويسألوهم: كم أعطوا للمحطات الفضائية لتتبنى إعطاء أولوية لمرسي على متسابقين منافسين له في الدعاية الانتخابية؟! كما أكد أن نمط الملكية للتليفزيون المصري منذ جاء مرسي لم يحدث فيه تغيير سوى أنه استبدل "أسامة هيكل" بأحد المنتمين للتيار الإخواني "صلاح عبد المقصود". بينما قال محمود خليل: حالة الهلهلة موجودة في معظم مؤسسات في عهد النظام السابق، ففي القضاء سنجد سفهاء، وفي الثقافة سنجد جهلة، فكل مكان به أمور من هذا، فنحن بصدد وطن يعيد اكتشاف نفسه".