افتتح د. شاكر عبد الحميد وزير الثقافة المؤتمرالدولى "الثورة والثقافة" بالمسرح الصغير بدار الأوبرا والذى يقيمه المجلس الأعلى للثقافة، وتستمرباقى فعاليات المؤتمر بالمجلس حتى 16 أبريل الجارى، يشارك فى المؤتمر نخبة من الباحثين المصريين والعرب والأجانب . تضمن الإفتتاح إلقاء كلمات لكل من وزيرالثقافة ، الأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة ، وأحمد بهاء الدين شعبان . رحب الوزير بالحضور في المؤتمر الأول الذي يعقد في وزارة الثقافة حول الثورة والثقافة كما رحب بمثقفي مصر والعالم العربي والعالم عامة ، قائلا لماذا نعقد هذا المؤتمر ، لماذا تقوم الثورات وتجهض أحيانا كما نشهد الآن . مضيفا بأن الثورة ليست شيئاً إفتراضيا وليست بالشئ المجرد ولا فكرة كبيرة فقط ، الثورة ممارسة ليست بعيدة عن الواقع ولايعنى قولى بأن الثورة ليست شيئا إفتراضيا بأنها لا تستعين بالواقع الإفتراضى ، وقد رأينا فى الثورة المصرية والتونسية والليبية واليمنية وغيرها هذا الحضور الكثيف والجارف والواضح للميديا والتقنيات الحديثة التى يطلق عليها أحيانا لقب الواقع الإفتراضى لكنى ما أقصده أن الثورة ليست مطلقه فهى ممارسة ترتبط بها الهوية فالثورة ماهى إلا هوية ، هذه الهوية ليست خارجة عن الزمان والمكان ، فهى ليست شيئاً مثبتاً على لحظة زمنية بعينها ، مضيفاً بأنه لا يمكن ان نتصور الثورة على أنها ترتبط بالماضى ، فعندما ترتبط بالماضى فقط فإننا نقيدها ونجمد معناها ونجعلها تقع فى أسر إطار مغلق جامد متكرر يعمل ضد الثورة ويعمل ضد الإبداع فينبغى أن ننظر إليها على أنها موجودة فى إطار زمنى مُنفتح يجمع بين الماضى والحاضر والمستقبل وفى الواقع ، فالثورة موجودة بشكل كبير فى المستقبل أكثر من وجودها فى الماضى ، وهى عملية مستمرة تجدد نفسها وتضيف إلى نفسها الكثير والكثير ، فى كل مرحلة من مراحل تطورها وإزدهارها فلا يمكن تصورها فى قوالب نمطية من التفكير والسلوك والوجدان . وأشار إلى أن هوية الثورة تتشكل عندما يواجه الواقع أو المجتمع أو الناس الموت ، وعندما يواجهون موت الأفكار، والموت بالمعنى المادى ، وعندما يواجهون الجوع بالمعنى المادى والمعنوى وعندما يفقد الواقع معناه ، ويفقد الإنسان معناه ويجد نفسه واقعا فى إطار الأشياء التى تفقد الحياة وتفقد الروح هنا لابد أن يعبر الإنسان عن ذاته وعن ثقافته وعن وجودة وأفضل هذه التعبيرات هى الثورة و التمرد و الرفض . واستطرد بأن الثورة تعبيراً عن الإبداع ، والإبداع يعمل ضد النمطية والتكرار ، والتكرار نوع من الآلية ، والآلية والنمطية نوعان من فقدان الروح ،ونوعان من الموت ، فهم حالتان متضادتان للإبداع ، فالثورة فعل إبداعى والثقافة فعل إبداعى أما التكرار والتثبيت على لحظة زمنية بعينها وكذلك نوع من أفعال الموت والعيش خارج الحياة ، فالثورة هي تَجدد وحياة وإبداع دائم مستمر ،وكذلك الثقافة ينبغى أن تكون بها نوع من الوجود المنفتح على أساس الحوار والعقل والخيال والتسامح والإنفتاح على الآخر القريب والبعيد ، والإعتراف بتعدد الرؤى ووجهات النظر لا الإنكفاء على أحادية من التفكير ، فينبغى أن يكون العقل المهيمن على الثورة والثقافة هو ذلك العقل الحواري الذى تحدث عنه " باختيم " وقال من خلاله أن الوجود الإنسانى بشكل عام والوجود الإبداعى بوجه خاص هو وجود من خلال الآخر فدائما الآخر موجود ولا يمكن أن نفكر بمعزل عن الآخر وأن نوجد فى حالة حوار مع الآخر . وأوضح بأن العقل المنغلق الأحادى هو أساس التدهور والموت فالعقل المنغلق الذى يرتكز على الماضى فقط ولا ينظر نحو الواقع فى إطار ممتد هو عقل جامد ميت لايريد أن يميت نفسه ولكنه يميت الآخرون ممن حوله أيضا . وأشار إلى أن كثيرا ما تصبح الثورات بعد إندفاعاتها الأولى الناجحة المتأججة المتألقة الجامحة مسئولة من الماضى و القديم من الأفكار و من الصور وهنا يحدث مايسميه "فالتر بنيامين" التراقب وليس التركيب ، فالتراقب بين القديم والجديد يخلق حالة من الشك والإلتباس والحيرة والفقدان لليقين وحالة من الغرابة التى تعمل أحيانا ضد الإبداع ، وليس من علاج لهذه الحالة والحيرة والشك والفقدان التى نعانيها الآن سوى الحوار وتقريب وجهات النظر والتقارب والتخلى، ولو تدريجيا عن هذا التسفيه الجامد على الماضى فقط لندرك الواقع والثورة والثقافة فى إطار زمنى منفتح وننظر إلى الذات على أنها موجودة فقط فى ضوء علاقتها الإيجابية مع الآخر. وأشار د .سعيد توفيق الي أنه كان مقررا أن تحدث فعاليات هذا المؤتمر في الذكري الأولي لثورة الخامس والعشرين من يناير الماضي ، ولكن تم التأجيل إلي الموعد الحالي بسبب المظاهرات والإضطرابات التي جرت منذ ذلك الحين ، ولم يفضل تأجيل هذا الموعد مرة أخري رغم أنه يصادف عطلات رسمية في الدولة ، قائلا من الضروري أن نفهم إبتداءً معني هذا الذي حدث ، ولماذا حدث قبل أن نستشرف أفقه ، فهناك من يرونه أقرب إلي الإنتفاضة ، لا الثورة بمعناها الدقيق ، لأن الثورة تعني تغييرا في النظام ذاته ، في بنية المجتمع ، فلابد أن نعترف أن ما حدث كان ثورة وإن لم تكتمل بعد ، فالحقيقة المؤكدة أن الثورة لا يمكن أن تكتمل إلا إذا صاحبها تغيير في الثقافة ذاتها بالمعني الواسع، أي تغيير في وعي الناس ، فحياة الناس وعالمهم لا يمكن أن يتغيرا إلا عندما يتغير الوعي ذاته ، فهذا هو الدرس العميق الذي تعلمناه من الفيلسوف هيجل ، فالعالم إذا لا يتغير بذاته ، وانما يتغير من خلال الوعي ، ونحن أيضا لن يتغير عالمنا ومن ثم لن تكتمل ثورتنا ، إلا عندما يتغير وعي الناس أي جموع الناس الذين يعيشون في القري والنجوع ، فعندما يعرف هؤلاء الناس أن العلمانية ليست كفرا ولا إلحادا ، وأن الليبرالية ليست تحررا من القيم الأخلاقية، وعندما تصل الثقافة التحتية إلي الناس وتكون فاعلة علي أرض الواقع وقادرة علي تغييره ، وحينما تتخلخل بنية ومنظومة قديمة قائمة لتحل محلها بنية جديدة مغايرة ، ولدينا أيضا اجتهادا في هذا الصدد يقدمه الدكتور فالتر في حديثه عن الواقعية البنائية وحلول التغيير الثوري ، فهذا هو الدور الذي يمكن أن تضطلع به الثقافة في خدمة الثورة ومن أجلها بدأ أحمد بهاء الدين شعبان كلمته بالوقوف دقيقة حدا علي أرواح شهداء 25 يناير قائلا أن هذا اليوم تنعقد فيه وقائع هذا المؤتمر الذي يحمل عنوانا دالا : " الثورة والثقافة " وليس هناك علاقة إرتباط موضوعي لا إنفصام بين مكوناتها ، مثل تلك العلاقة التي تربط بين " الثورة " ، " والثقافة " حتي لا يكاد أن يكون التداخل بينهما عضويا ، بحيث يتعذر وجود ثورة حقيقية بدون تمهيد ثقافي ضروري ، يزلزل الأفكار البالية المستقرة في العقول البليدة ويطرح المفاهيم الثابته علي بساط البحث ويحطم الهالات المصطنعة ، ويؤسس للزمان الجديد ، فإن هذا الوضع هو ما شهدته كل الثورات الإنسانية الناجحة ، مثل دور فلاسفة التوير ، والموسوعيين ، الثورة الفرنسية ، دور المثقفين الثوريين ، الإشتراكيين ، في التمهيد العميق للثورة الروسية ، بل ودور المثقفين النقديين الاجتماعيين ، في النصف الأول من القرن الماضي في مصر ، ونصيبهم في التمهيد لثورة 23 يوليو 1952 ، حتي يتم التأكد من الدور المحوري ، الإستراتيجي، التأسيسي الذي تلعبه الثقافة ، ليس فحسب في التمهيد للثورات والتبشير بمقدمها ، وإنما حمايتها من المؤامرات ، فقد كان للمثقفين المصريين دورا مشهودا في الدفاع عن الديمقراطية وهو ما تبدي في معركة " اللجنة التأسيسية " الأخيرة التي حسمها القضاء العادل بحكمه التاريخي المشهود ، وأضاف بهاء الدين أنه في هذا المحمل الثقافي أطرح مجموعة من النقاط ، أري ضرورة وضعها أمام الأنظار لتكون شحذا للهمم والانتصار علي ما يواجهنا من مشكلات ، وهي هناك من يستهدف العبث في مكونات الهوية المصرية المستقرة ، وإتجاهات متحفزة تتربص بالثقافة والإبداع ، وهي تري فيها تخريفا إن لم يكن تجديفا وتنظر إلي ما قدمه كاتب كبير كنجيب محفوظ الذي إعترف العالم كله بأدبه الراقي ، بإعتباره أدبا فاسدا عاطلا عن القيمة ، وتزري بالمنجز الحضاري المصري والإنساني التاريخي العظيم ، وتعتبره إنحطاطا وعفنا ، كما أن هناك من يسعي للهيمنة علي فضاء الحرية النسبية التي انتزعتها الجماعة الثقافية الوطنية المصرية بجهد ونضال وتضحيات أجيال من وراء أجيال ، ومن وراء تسلط الحكم ومحاولاته الدائبة من أجل " تدجين " المثقف المصري وإدخالة الحظيرة ، كما أكد إلي أن هناك بعض المحددات الضرورية حول الثقافة خاصة في هذه الفترة المرتبكة من تاريخنا والتي ستؤثر تأثيرا ضخما علي ملامح مستقبل مصر ووعيها ودورها الحضاري ، وهي أن الثقافة حق أصيل للشعب ، وليست منحة من حاكم أو هبه من طرف ، وأن الثقافة عنصر أساسي في البناء المعنوي للإنسان وهي ركيزة بناء الوعي بالوجود والكون والحياة ، ووسيلة إعلاء القيم الإنسانية وتحقيق السمو الأخلاقي ، كما أنها سلاح في أيدي الملايين من أبناء الشعب ، كما أن الثقافة المصرية عنوان هوية شعب مصر الراكزة التي ترسخت علي مدي آلاف السنين ، وهي المدخل الفعال لنشر قيم التسامح والتعددية والقبول بالآخر والعقلانية والرشد ، وهي أحد أهم أدوات ترسيخ المواطنة والتآخي الإنساني ، كما تسعي لنشر مناهج التفكير العلمي والنقدي وتتصدي للتفكير العشوائي في عصر العلم والثورات التكنولوجية .