رغم ما وعد به د.جودة عبد الخالق وزير التضامن والعدالة الإجتماعية بمحاربة الغلاء وجشع التجار وضبط الأسواق وبما فيهم "أزمة الخبز" ، والتي باتت قضية تؤرق في جميع قرى ومدن محافظات مصر ، وامتدت هذه الأزمة بعد الثورة وفشلت الوزارة الحالية من إيجاد حل لها وباتت الطوابير أمام المخابز ومنافذ التوزيع ، وتزاحم المواطنون للحصول على رغيف الخبز والوقوف لساعات طويلة أمر مسلم . وقد ساهمت حكومات النظام البائد في إختلاق المشكلة وتفاقمها بسياساتها الخاطئة التي حولت مصر إلى بلد لايستطيع أن ينتج طعامه ، حتى يلهث المواطن وراء "لقمة العيش" حتى لايفكر ويظل تفكيره قاصراً على تدبير إحتياجاته فقط من "ملبس" و"مسكن" رغم الشعارات التي تغنت بها الحكومات السابقة "من لا يملك طعامه لا يملك قراره" ؛ فسعت على تدمير الإنتاج الزراعي وتحولت الأراضي الخصبة إلى كتل خرسانية ومدن سكنية ، وهجر الفلاح أرضه ، ولم تتحرك الحكومة لحماية ماتبقى من أراضٍ إلا بعد "خراب مالطة" ، وبعد أن تحقق للمتربصين بها ماخططوا له منذ عقود . رحلة معاناة المواطنين تبدأ منذ الصباح الباكر في طوابير طويلة لاتنتهي إلا بإنتهاء المخابز من إنتاج الخبز ، لكن معظم المواطنين في هذه الفترة وعلى عكس ما سبق يصبرون على هذه الأزمة ؛ لأنهم يعلمون ظروف البلد الإنتقالية ، وأنها ليست في حاجة إلى تصرفات خارجة . فلقد شهد مركز "جهينة" بمحافظة سوهاج واقعة غريبة من نوعها ، بعد قيام صاحب مخبز بإطلاق الأعيرة النارية في الهواء من طبنجة مرخصة بقصد التهديد بسبب إزدحام المواطنين أمام المخبز ، مما نتج عنه إصابة شخصين بأعيرة نارية . وفي هذا السياق ، يقول كمال العطيفي عضو مجلس محلي إن الجميع سواء النساء أو الرجال أو الأطفال يخرجون بعد صلاة الفجر إلى المخابز ومنافذ التوزيع ينتظرون فتح شباك المخبز ويعودون الساعة العاشرة صباحاً بعد صراع للحصول على الخبز ، وفي أيام رمضان القادمة تزايد المعاناة كما زاد سوء حالة الرغيف . ويؤكد مرسي عبد الحفيظ عضو مجلس محلي طما أن أزمة رغيف الخبزمستمرة ولم تنتهي ، متسائلاً هل نحارب من أجل الحصول على العمل أو التعايش مع غلاء الأسعار أو الحصول على رغيف العيش؟ ، وقال إن الحل يكمن في زيادة فترات عمل المخابز وزيادة الحصة المقررة للدقيق حتى نلبي إحتياجات كل منطقة ، وكذلك تشديد العقوبات على أصحاب المخابز المخالفة ، خاصةً الذين يقومون بتسريب الدقيق المدعم وبيعه في السوق السوداء . من جهته ، أكد صبري المعبدي رئيس المجلس المحلي بمدينة طما أن الأهالي بقرى ومدينة طما يعانون الأمرين من أجل الحصول على رغيف العيش ، وتحدث مشاكل مختلفة بسبب الطوابير المختلطة بين النساء والرجال . أما هاني محمد هاشم أحد أهالي مدينة أخميم فأكد أن أزمة رغيف العيش مستمرة سواء قبل رمضان أو أثناء رمضان ، وأصحاب المخابز يصرون على بيع الدقيق بالسوق السوداء ، وخبز ثلث الكمية المسلمة إليهم وبيع الكمية الباقية بالسوق السوداء . على صعيد الخبراء ، يؤكد د.حمدي عبدالعظيم الخبير الإقتصادي أن الزحام الشديد على المخابز أمر غير مبرر ، لاسيما وأن المخزون الإستراتيجي للقمح يكفي حتى شهر أغسطس المقبل ، بالإضافة إلى أن الحكومة الحالية تدرس حالياً توقيع أذونات جديدة لإستيراد القمح ، منتقداً زيادة عمليات بيع وتسريب الدقيق المدعم ، فضلاً عن سوء إستخدام المواطن رغيف الخبز وإستخدامه في بعض الأحيان كعلف للماشية بدلاً من الأعلاف نظراً لإرتفاع ثمنها ، موضحاً أنه على الرغم من فرض الجيش سيطرته وتشديد العقوبات والغرامات على المتلاعبين بلقمة عيش المواطن المصري إلا أن الرقابة حتى الآن على المخابز ضعيفة ، وتحتاج لمزيد من التشديد . ويرى الخبير الإقتصادي أن إرتفاع أسعار توريد القمح من المزارعين سيسهم نسبياً في تحقيق الإكتفاء الذاتي من قمح الخبز عن طريق تشجيع المواطنين على زراعة القمح ، ومن ثَم تخفيف الزحام عن المخابز ولكن هذا الأمر سيكون تدريجياً ، موضحاً أن رغيف الخبز المدعم الذي يشتريه المواطن ب 5 قروش يتكلف 27 قرشاً بما يعني أن الدولة تتحمل 22 قرشاً في الرغيف ، وهذا المبلغ قد يزيد أو يقل حسب السعر العالمي للقمح بهدف أن يصل الرغيف إلى المواطن . ويضيف "عبدالعظيم" أن الفترة القادمة ستشهد موجة من التضخم عالية نتيجة إرتفاع الأسعار ؛ لأن القمح سلعة أساسية وإستراتيجية وارتفاعه سيترتب عليه سلسلة من الإرتفاعات تبدأ بأسعار الحبوب ، مثل الذرة وتنتهي بأسعار اللحوم والدواجن ، مؤكداً أن البدائل والحلول لتجنب الأزمة موجودة ولكن لايحاول أحد أن يطبقها ، والتي تتمثل في زيادة الإكتفاء الذاتي من القمح من 45% إلى 75% ، فضلاً عن زيادة المخزون الإستراتيجي من 2 مليون طن إلى 7 ملايين طن ليكفي عاماً كاملاً وليس أربعة أشهر فقط ، بجانب التوسع الأفقي في المساحة المنزرعة للقمح من 3 ملايين فدان إلى 4 ملايين فدان ؛ ما يحقق فرق 2 مليون طن ، بالإضافة إلى زيادة الإنتاجية وذلك بتطبيق البحوث الزراعية ، ودفع عجلة الإستثمار في هذا القطاع . وفي وقت سابق ، كان د.أحمد جويلي الأمين العام لمجلس الوحدة الإقتصادية العربية ، وزير التموين المصري الأسبق قد أكد أن عملية الزحام الشديدة على المخابر عملية نفسية لاتتعلق بنقصٍ في رغيف الخبز ؛ لأن المستهلك مصاب بحالة من الخوف والهلع لما يكتب في الجرائد عن أن المخزون الإستراتيجي على وشك الإنتهاء ، أو أنه لايكفي . ويرى "جويلي" أن مصر من الممكن ألا تعاني من أزمة قمح ٍ، في حال توسيع الرقعة الزراعية له ، وتبني المشروعات الزراعية التي ستحقق التكامل بين الحبوب الزراعية ، موضحًا أنه من الممكن أن يستخدَم محصول الذرة الشامية كبديل للقمح في صناعة الخبز ، خاصة أن مصر لديها محصول كبير جداً من الذرة الشامية نتيجة تقلص مساحة الأرز ، مطالباً بضرورة الإهتمام بقطاع الزراعة ؛ لأن هذا القطاع مهمل منذ أكثر من 20 عاماً ، وما يحدث كان نتيجة سوء السياسات الزراعية الماضية ، واستيراد حكومة نظيف لأقماح غير صالحة للاستخدام الآدمي .