يبدو أن كلمة سر فساد النظام السابق كانت "حسني"؛ فما بين الفرعون الكبير "حسني مبارك" والذي سيطر علي مقدّرات البلد، خلال فترة اعتلائه سدة الحكم لمدة ثلاثين عامًا، والفرعون الصغير "فاروق حسني" والذي اعتلي المشهد الثقافي قرابة الربع قرن في وزارة الثقافة بالنظام السابق، عانت خلالها الحياة الثقافية من مختلف أشكال الضعف والانحدار والتدهور، كما يشهد بذلك عدد من مثقفي مصر بل والعالم أجمع.. والأحداث الجارية لا شك تفرض علينا ضرورة معرفة أخطاء النظام السابق؛ للتطلع إلي رؤية جديدة لإدارة النظام الجديد.. "صوت البلد" استطلعت آراء بعض المثقفين للوقوف علي رأيهم في نظام وإدارة فاروق حسني لوزارة الثقافة، ومعرفة: هل كلمة "حسني" هي بالفعل مربط الفرس وسر الفساد؟ وما مساوئ عصر فاروق حسني طوال هذه الفترة؟ وكيف يمكن التغلب عليها؟ فقال الشاعر ماجد يوسف إنه ضد السياسة الثقافية التي اتبعتها وزارة فاروق حسني؛ وذلك لعدة اسباب؛ اهمها: ان هذه الوزارة فرغت الثقافة من مضمونها الحقيقي كقوة اساسية لتغيير وتنوير المجتمع الي عدد من المهرجانات والمؤتمرات التي تتكلف الكثير ولا تضيف شيئا جديدا للثقافة المصرية، كما أن دأب الدولة لم يكن المعيار في احتلال المنصب والادارة الثقافية لاصحاب الرؤي والافكار، إنما لاصحاب الولاء ومحاسيب الوزير، بغض النظر عن فكرهم وقيمتهم الثقافية، فظل المعيار الوحيد لتحديد قيمة المثقف هو علاقته بالنظام . واضاف بأن طول فترة وزارة فاروق حسني، كانت كفيلة بالاطاحة بهذا النظام مهما كان حسن النوايا، فهذه المدة ادت الي تصلب الشرايين الثقافية، فطوال المدة سمح بتقديم رؤية وتصور واحد، ومنع المثقفين من التجديد والتنوع في الفكر والاراء، وبذلك اصبحت هذه الوزارة تعوق النهضة الثقافية او التقدم السياسي وبالتالي تداول السلطة، فهذا العصر اساء للثقافة لأنه غلب المفهوم السلعي للثقافة، وظلت مؤسسات الدولة الثقافية تبحث عن مصادر لزيادة الدخل الثقافي . وعن الوزارة الجديدة التي تولاها محمد الصاوي، قال يوسف: علينا أن ننتظر، وألا نصدر أحكامًا علي مجرد اسماء.. محذرًا من إدارة الوزارة بمنطق إدارة ساقية الصاوي، فوزارة الثقافة ليست مجرد مكان او مساحة للشباب يمارس من خلالها الديمقراطية، واصبح دور محمد الصاوي الان هو المخطط للثقافة والواضع الاستراتيجي للثقافة المصرية .. وأشار إلي ضرورة الحذر من الوقوع في فخ الديكتاتورية، وعلي الوزارة الجديدة ان تعقد مؤتمرًا حقيقيا تدعو من خلاله جميع المثقفين وتستمع اليهم؛ لمعرفة ما يحتاجه المثقفون والمفكرون، والاستفادة من الخبرات والامكانيات الثقافية الحقيقية . ويري الشاعر عاطف عبد العزيز أن رحيل فاروق حسني عن الوزارة جاء متأخرا، فقد وقع عدد من المثقفين علي بيان طالبوا فيه بتنحي فاروق حسني بعد سرقة لوحة "زهرة الخشخاش"، واضاف: إن وزارة حسني لم تعانِ من قمع للحريات، بل كانت تنظر للثقافة من مفهوم سياحي، فقد كانت تعتني بكل ما هو مظهري ولم تهتم بالجوهر، فكانت تقيم الوزارة العديد من المهرجانات والمعارض والمؤتمرات ولكن لا تمارس من خلالها ثقافة حقيقية . وعن رأيه في الوزارة الجديدة، قال: بعيدًا عن الأسماء، فإنه إذا كان هناك داعٍ من وجود هذه الوزارة فلابد ان يكون الوزير مثقفًا كبيرًا يستطيع ان يقدر الحركة الثقافية ومن الضروري ان يفهم معني الحرية والاعتراف بالاخر وان يكون مؤمنًا بأهمية هذه الحرية للثقافة . وعلي الدرب ذاته، سار أحمد حسن مدير مركز التكعيبة للثقافة والتنمية الفكرية، وقال إنه كان ضد سياسة حسني في إدارة الوزارة، نظرًا لعدم اهتمامه بالمستقلين الثقافيين، فطوال الوقت كان يزعم انه مع الشباب المستقل الباحث عن الثقافة، لكنه في الحقيقة لم تكن هناك مصداقية او تنفيذ لما يتم الاتفاق عليه مع السلطة الحاكمة، كما لم تخلُ وزارة الثقافة من الفساد المالي والاداري كباقي مؤسسات الدولة، فجميع المهرجانات والمؤتمرات المصرية تعاني من فشل وسوء التنظيم والادارة، فمعظم المحاور الثقافية محلية، والمسارح مغلقة، كما لا يتم السماح لاي جهة مستقلة بعرض اعمالها علي هذه المسارح، اضافة الي تهميش دور قصور الثقافة . وعن رأي الفنانين التشكيليين في عهد وزارة فاروق حسني، قال د. السيد القماش وكيل كلية الفنون الجميلة: إن العديد من الفنانين التشكيليين يعانون من تنحيتهم عن الحركة التشكيلية المصرية، وكما افتقدت هذه الوزارة الي ميزان العدل وادت الي عمل فجوة كبيرة بين المثل الاعلي والتطور، فجعلت الفنانين الشباب بلا استراتيجية للفن التشكيلي وقسمت الحركة التشكيلية الي نصفين، وتم كسر التواصل بين الاجيال، كل هذا أدي الي حدوث خلل ثقافي في الحركة التشكيلية . وأضاف: ان هذه الوزارة أثرت بالسلب علي الشباب؛ فتحول كل اهتمامهم الي البحث عن الجوائز دون الاهتمام بالمضمون الفني، وقد اثر ذلك علي الحركة التشكيلية وجعلها تتجه الي اللا فن وضياع الهوية التشكيلية.. وعن تطلعاته التي يتمناها في الوزارة الجديدة، قال إنه يتمني ان تهتم الوزارة الجديدة بالفن التشكيلي المصري والعربي والعالمي، وان تكون ذات رؤية موسوعية، والا يكون التمثيل في المؤتمرات لاصحاب السلطة في الوزارة، وانما لاشخاص ذوي خبرة وفكر وموهبة، بما يؤكد علي مصريته وعالميته بثقافته وفنه .. هذا اضافة الي ان يعلم وزير الثقافة الجديد ان الادب والفن التشكيلي والمسرح والسينما، كلها مقومات تصب في النهاية في لوحة تشكيلية واحدة اسمها الثقافة المصرية، فلابد ان يكون هناك توازن ووعي بأن كل هذه الفنون تؤرخ للحركة المصرية والواقع الذي نعيشه.