لم يراوده يوما حلم أن يصبح وزيرا للثقافة، بل الصدفة وحدها هي التي قادته إلي هذا المنصب دون أي ترتيب مسبق؛ إنه فاروق حسني المنحاز إلي اللصوص الذين رافقوه طيلة بقائه بالوزارة وهو أشهر وزير ضبط في مكتبه قضايا سرقة واختلاس ورشوة، فالرجل هو واحد من رجال النظام القديم، وأحد المقربين من السيدة الأولي سوزان مبارك، ولهذه الأسباب بقي في الوزارة 26عاما متصلة، ليصبح واحدا من أطول من شغل حقيبة وزارية بين جميع الوزراء الذين توالوا علي الحكومات المصرية. تولي حسني مسئولية وزارة الثقافة في 9 فبراير 1988 وكانت العلاقة الوطيدة التي جمعت بين فاروق حسني وبين ما يعرف ب "مجموعة باريس " التي كانت تضم عاطف صدقي وفتحي سرور ومجموعة من المثقفين مثل لطفي الخولي ولويس عوض، وكانت علاقة حسني بهذه المجموعة سببا مباشرا في اعتلائه كرسي وزارة الثقافة؛ حيث اعتبره الوسط الثقافي آنذاك شابا غير معروف للوسط الثقافي بالدرجة التي تؤهله لقيادة هذا القطاع المهم. وعندما سُئل الدكتور عاطف صدقي رئيس الوزراء الأسبق عن سبب اختياره لفاروق حسني أجاب بأنه وضع قائمة أمام الرئيس مبارك علي رأسها أحمد هيكل وزير الثقافة السابق و4من أساتذة الجامعة وكان فاروق حسني آخرهم لكن اختيار الرئيس وقع عليه!. وتعد قضية الكسب غير المشروع لمدير مكتب وزير الثقافة إيهاب عبد المنعم آخر قضايا الفساد بمكتب فاروق حسني، حيث اتهم بالحصول علي مليون و246 ألف جنيه بطريق غير مشروع، بعد أن تقاضي مبالغ مالية ومنافع مادية وعينية من بعض المقاولين المتعاملين مع جهة عمله مقابل إنهاء وصرف مستخلصاتهم، وترسية وإسناد بعض الأعمال التي يطرحها صندوق التنمية الثقافية لهم، مستغلاً في ذلك سلطات ونفوذ وظيفته. وترجع وقائع القضية إلي ما كشفته تحقيقات المستشار إيهاب خلف الله، رئيس هيئة الفحص والتحقيق بجهاز الكسب غير المشروع، عن تضخم ثروة أيمن عبدالمنعم، مدير مكتب وزير الثقافة لقطاع الآثار، واعتياده الحصول علي مبالغ مالية ومنافع مادية من المتعاملين مع جهة عمله، حيث بلغت حساباته في البنوك 5ملايين جنيه، بجانب العديد من الشقق والعقارات وشاليهات في الساحل الشمالي وقطع أراض زراعية ومبان بالدقهلية وعدد كبير من سيارات النقل. وأوضحت المستندات التي تم ضبطها عن طريق هيئة الرقابة الإدارية أن أيمن عبدالمنعم كان يتحكم في ميزانية مشروعات وزارة الثقافة التي تم تقديرها بمليارين و200 مليون جنيه، وكان له صلاحيات إرساء عمليات التطوير والترميم للمواقع الأثرية التي تقوم وزارة الثقافة بطرحها علي المقاولين. وواجه حسني تلك القضية بالتحديد بحالة من الدهشة والذهول وقال "إنه لا يصدق أن يكون عبدالمنعم قد حصل علي رشوة صغيرة بهذا الحجم وهو يشرف علي مشروعات بملايين لقد جاءت عملية القبض علي الرجل الأخطر في وزارة الثقافة في وقت غير مناسب بالمرة لوزير الثقافة فاروق حسني الذين كان يزدحم جدول أعماله بتحركات مكثفة لتشكيل لجان مختلفة لدعم ترشيحه لرئاسة منظمة اليونسكو؛ حيث شكل الحدث بتفاصيله ما يشبه الصدمة التي أصابت فاروق حسني وأذهلته تماما؛ فأيمن عبدالمنعم المعروف بالطفل المدلل داخل وزارة الثقافة سقط في ضربة واحدة بعد 24 ساعة فقط من ضبط حسين أحمد حسين رئيس صندوق إنقاذ آثار النوبة متلبسا بتقاضي رشوة من المقاول خالد حسن بقيمة 10 آلاف جنيه. ولم تكن تلك قضية الفساد الوحيدة التي تم التحقيق فيها مع المقربين من فاروق حسني فالقضية المعروفة إعلاميا بقضية الرشوة الكبري هي أهم قضايا الفساد في عهده، وكان بطلها محمد فودة، السكرتير الخاص لوزير الثقافة، والذي سقط أثناء توسطه في رشوة بين رجل أعمال ومسئول سابق لإنهاء إجراءات تخصيص 130 فداناً بطريق مصر الإسكندرية الصحراوي، وأثناء التحقيق معه اكتشف تورطه في وقائع أخري للرشوة واستغلال النفوذ، وحكم عليه في النهاية بالحبس خمس سنوات وتغريمه ثلاثة ملايين جنيه وكما تقول الاتهامات انهم قدموا رشوة لمحافظ الجيزة بواسطة فودة لكي يوافق علي بيع الأرض لبعض المستثمرين . كما تبين من التحقيقات ان المتهم السابع علي إسماعيل إبراهيم، مدير إداري بإدارة الكسب غير المشروع، قام باختلاس أوراق رسمية وجدت في حيازته استغلالا لموقعه الوظيفي، وكان يقدمها لفودة وهي مجموعة من الشكاوي المقدمة ضد فودة، وكان يسلمها له مقابل مبلغ 150جنيها وبعض الهدايا الأخري كمكافأة. الامر جعل المستشار ماهر الجندي محافظ الجيزة السابق واحد المتهمين في القضية يطرح سؤالا هاما ما هو سر التمسك بفاروق حسني رغم أنه اكثر الوزراء الذين ارتبط اسمهم بقضايا فساد تورط فيها أبرز رجاله، من بينهم محمد فودة وأيمن عبدالمنعم؟ كما ان وزير الثقافة كان يدعم فودة ويسانده بقوة، بدليل أن فودة كانت لديه علاقات قوية مع مدير أمن المحافظة حينها وأمين الحزب الوطني، ومفتش مباحث أمن الدولة، ورئيس المباحث الجنائية، وهي قوة مستمدة من الوزير. ويؤكد منتقد فاروق حسني أنه لم يقدم شيئا جادا علي الإطلاق، ويشيرون إلي أنه أفرط في تقديم الأشياء المظهرية، ولم يكن فاروق حسني وزيرا يوجه كل اهتمامه للمهرجانات فحسب، بل هو وزير "المحارق" ففي خلال شهر واحد حدثت ثلاث محارق في 2005 الأولي هي حريق بني سويف الذي أودي بحياة 46 شخصا وتسبب في إصابة 22 آخرين أثناء عرض مسرحي، وما ان قدم فاروق حسني استقالته لمبارك ذ رفضها الرئيس وثبت حسني علي مقعد الوزارة- حتي نشب بحريق ثان يشب باكاديمية الفنون بالجيزة في 16 سبتمبر 2005قبل أن ينشب الحريق الثالث بالمتحف الاسلامي بباب الخلق في 25 سبتمبر من نفس العام، ورغم ذلك لم يقبل الرئيس استقالة وزير الثقافة اللغز، متحديا الرأي العام الغاضب، لكنه أطاح به دون مقدمات في التغيير الوزاري الذي أعقب ثورة الغضب المصرية، في بدايات 2011 في محاولة بائسة لتجميل وجه النظام القبيح.