في الدورة ال44 لمعرض الكتاب الحالي حقق كتاب (طبائع الإستبداد و مصارع الإستعباد) مبيعات كبيرة في معرض الكتاب على الرغم من مرور أكثر من مائة عام على كتابة هذا المؤلف الهام الذي كتبه المفكر الكبير (عبد الرحمن الكواكبي) و لكن تمر الأعوام و القرون دون الشعور بالجواهر النفيسة التي تقع بين أيدينا دون الإستفادة من سناها البراق إلا أن تأتي أحداث جسام تقع في منطقتنا العربية الأيام الأخيرة لتوقظ غفلتنا تجاه تلك الدرر النفيسة و هذا ما ينطبق على هذا المؤلف الهام لصاحبه الكبير الكواكبي. (عبد الرحمن الكواكبي) صدر هذا الكتاب عام 1902 في العام الذي توفي فيه (عبد الرحمن الكواكبي) و هو سوري من مدينة حلب و قيل أنه مات مسمومًا من أثر السم الذي دُس له في قهوته و دُفن بجبل المقطم و ليكون الكواكبي مفكرًا للقطرين المصري و السوري فكان قتاله للإستبداد موجهًا للبلدين في بوتقة واحدة ألا و هي الدولة العثمانية حيث وجد الكواكبي في نظام السلطان عبد الحميد الثاني الذي كثرت عنه الأقاويل و الآراء مابين مؤيد و معارض نظامًا مستبدًا يخنق الأصوات المطالبة بالتقدم و التطور و ملاحقة الأمم المتقدمة في العالم الغربي و عمل الكواكبي رئيسًا فخريًا للجنة الأشغال العامة بحلب و مديرًا رسميًا لمطبعة ولاية حلب عام 1892 و حدثت في عهده مشروعات عظيمة و قوية حيث زود من رواتب العاملين و جعلهم يشعرون بالكفاية حتى لا يلجأوا للرشوة و الفساد و هنا زادت الكراهية له لأن صلاحه كشف فساد الكثيرين و بالتالي لم يستمر في مهنته . عمل الكواكبي في الصحافة محررًا بجريدة (الفرات) التي كانت تصدر بحلب لمدة سنتان و لكن لمقالاته اللاذعة لم يستمر في العمل فقرر بإنشاء جريدتي (الشهباء) و (الإعتدال) عام و لكن لم تستمر الجريدتين لكثرة مواجهاته للإستبداد و درس الكواكبي الحقوق و برع فيها غاية البراعة و هذا ما أهله للمناصب التي تولاها بحلب و لم يكتفي الكواكبي بذلك بل زاد من تروس هجومه ضد عبد الحميد الثاني مما أدى إلى تضييق الخناق عليه و تعرضه للضيق من الدولة العثمانية فقام بالرحيل كرحالة متجولاً حول بلاد الله ما بين أفريقيا و آسيا إلى أن وصل إلى مصر و كانت مصر قبلته الفكرية ليعاصر أعظم المفكرين و التنويريين ك(محمد عبده – جمال الدين الأفغاني – أديب اسحق – فرح أنطون – قاسم أمين) و يساهم في إنشاء النوادي الخيرية و الجمعيات الإصلاحية لتوعية المسلمين بتحرير عقولهم من الخرافات و الظلام اللذان أصابا عقل الأمة بالتأخر. قسم الكواكبي الأخلاق إلى فرعين ، الفرع الأول فرع يخدم الحاكم المطلق و الفرع الثاني يخدم الرعية و دعا الحكام إلى التحلي بمكارم الأخلاق لأنهم الموجهون للبشر و دعا إلى إقامة خلافة عربية من خلال كتابه (أم القرى) لتحل محل أنقاض الخلافة العثمانية و دعا للثورة على الخلافة العثمانية و هذا ما تحقق عام 1916 في الثورة العربية الكبرى التي أشعلت من لورانس العرب حيث قامت المعارك بين العرب و الأتراك و كانت تلك الثورة مسمار في نعش الخلافة العثمانية عام 1923 بسقوط الخلافة على يد أبو الأتراك (مصطفى كمال أتاتورك) و إعلانه الجمهورية التركية عام 1924. إن كتاب طبائع الإستبداد بمثابة روشتة علاجية للأمم النامية لأن من الواجب إيقاظها من السبات العميق الذي أصابها كما أصيب تنين الأساطير الذي يصحو أيامًا و ينام عقودًا كناية على تأخر الثورات في العالم العربي على وجه التحديد و أشار الكواكبي أن الإستبداد جذر الفساد و علاجه الشورى الدستورية و أن المستبد يلجأ للتسلط و الإستبداد لأنه جبان بطبعه و خائف من رياح الحق لتقتلع جذوره و سيطرته على رأس السلطة و من أهم الفقرات التي ورد في هذا الكتاب: المستبد في لحظة جلوسه على عرشه ووضع تاجه الموروث على رأسه يرى نفسه كان إنساناً فصار إلهاً و في فقرة أخرى: الحكومة المستبدة تكون طبعاً مستبدة في كل فروعها من المستبد الأعظم إلى الشرطي، إلى الفرّاش، إلى كنّاس الشوارع، ولا يكون كل صنف إلا من أسفل أهل طبقته أخلاقاً، لأن الأسافل لا يهمهم طبعاً الكرامة وحسن السمعة إنما غاية مسعاهم أن يبرهنوا لمخدومهم بأنهم على شاكلته، وأنصارًا لدولته، وشرهون لأكل السقطات من أي كانت ولو بشراً أم خنازير، آبائهم أم أعدائهم، وبهذا يأمنهم المستبد ويأمنونه فيشاركهم ويشاركونه، وهذه الفئة المستخدمة يكثر عددها ويقل حسب شدة الاستبداد وخفته، فكلما كان المستبد حريصاً على العسف احتاج إلى زيداة جيش المتمجدين العاملين له المحافظين عليه، واحتاج إلى مزيد الدقة في اتخاذهم من أسفل المجرمين الذين لا أثر عندهم لدين أو ذمة، واحتاج لحفظ النسبة بينهم في المراتب بالطريقة المعكوسة, وهي أن يكون أسفلهم طباعاً وخصالاً أعلاهم وظيفةً وقرباً، ولهذا لا بد أن يكون الوزير الأعظم للمستبد هو اللئيم الأعظم في الأمة تواسي فئة من أولئك المتعاظمين باسم دين الأمة فتقول ((يا بؤساء: هذا قضاء من السماء لا مرد له، فالواجب تلقيه بالصبر والرضاء والالتجاء إلى الدعاء، فاربطوا ألسنتكم عن اللغو والفضول، واربطوا قلوبكم بأهل السكينة والخمول، وإياكم والتدبير فإن الله غيور، وليكن وردكم: اللهم انصر سلطاننا، وآمنّا في أوطاننا، واكشف عنّا البلاء، أنت حسبنا ونعم الوكيل هنا تأكد بعد نظر الكواكبي خاصةً بعد ثورات الربيع العربي التي لازالت مستمرة لأنها أطاحت بإستبداد قديم و أتت بإستبداد جديد باسم الدين خاصةً في مصر و تونس و تحاول ثورتا مصر و تونس تصحيح مسارها بعد أن وقعت في فخ الفاشية الدينية باسم الحق الإلهي المقدس و هذا ما حذر منه الميت بجسده و الحي بفكره (عبد الرحمن الكواكبي).