استقرار أسعار الذهب العالمية والأنظار صوب قرار «الفيدرالي»    خبراء: السيسي يبيع أكبر محطتين للكهرباء بخسارة تتجاوز 140 مليون دولار    رئيس وزراء بيلاروسيا: زيارتي لمصر خطوة جادة لتعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية    مي عبدالحميد: ارتفاع سعر الوحدة السكنية أهم المعوقات التي نواجهها    رئيس الوزراء: مصر قدمت حزمة من الحوافز والتيسيرات لتحسين مناخ الأعمال    وسط انهيار القطاع الصحي.. ارتفاع حصيلة شهداء العدوان على غزة إلى 34 ألفا و535    مقتل شخص وإصابة 7 في غارة جوية روسية على خاركيف    للعام الخامس على التوالي.. بنك مصر يرعى الاتحاد المصري للتنس استمراراً لدوره في دعم الرياضة المصرية    هيئة الأرصاد الجوية تكشف عن حالة الطقس غدا.. انخفاض في درجات الحرارة    أحمد السقا يروج لفيلم السرب قبل طرحه في دور العرض غدا    مجلس جامعة بني سويف يهنئ الإخوة الأقباط بمناسبة عيد القيامة المجيد    مدبولي: العلاقات الوثيقة بين مصر وبيلاروسيا تمتد في جميع المجالات    قوات الاحتلال تغلق مداخل المسجد الأقصى بعد واقعة استشهاد شاب في القدس    رئيس جامعة المنيا يفتتح فعاليات المنتدى الأول لتكنولوجيا السياحة والضيافة    رئيس مجلس النواب يهنئ الرئيس السيسي بعيد العمال    وزير التعليم يتفقد المعرض السنوي لطلاب مدارس القاهرة (صور)    19 منظمة حقوقية تطالب بالإفراج عن الحقوقية هدى عبد المنعم    الدفاع المدني بغزة: تقديرات بوجود أكثر من 10 آلاف شهيد تحت أنقاض البنايات    رئيس الوزراء الفلسطيني: لا دولة بدون قطاع غزة    تقرير حقوقي يرصد الانتهاكات بحق العمال منذ بداية 2023 وحتى فبراير 2024    "دمرها ومش عاجبه".. حسين لبيب يوجه رسالة نارية لمجلس مرتضى منصور    القيعي: يجب تعديل نظام المسابقات.. وعبارة "مصلحة المنتخب" حق يراد به أمور أخرى    عضو إدارة الأهلي: دوري الأبطال ليس هدفنا الوحيد.. ونفقد الكثير من قوتنا بدون جمهورنا    تراجع جماعي لمؤشرات البورصة بمستهل تعاملات اليوم الثلاثاء    حملات مكثفة بأحياء الإسكندرية لضبط السلع الفاسدة وإزالة الإشغالات    ضبط 8 أطنان لحوم ودواجن وأسماك فاسدة بالمنوفية وتحرير 32 محضراً خلال شهر    أول بيان من «الداخلية» عن أكاذيب الإخوان بشأن «انتهاكات سجن القناطر»    وفد شركات السياحة المصرية بالسعودية يكشف تفاصيل الاستعداد لموسم الحج    تدوير 4 معتقلين بالشرقية وتجديد حبس أحمد عرابي ومروة عرفة ومحمد سعد وعمر الدهمة    خطوات ل فحص السيارة المستعملة قبل شراءها ؟    طرح فيلم "أسود ملون" في السينمات السعودية .. الخميس المقبل    مستشار زاهي حواس يكشف سبب عدم وجود أنبياء الله في الآثار المصرية حتى الآن (تفاصيل)    رئيس جامعة المنيا يفتتح معرض سوق الفن بكلية الفنون    لحظة إشهار الناشط الأمريكي تايغ بيري إسلامه في مظاهرة لدعم غزة    الصحة: الانتهاء من مراجعة المناهج الخاصة بمدارس التمريض بعد تطويرها    كيف علقت "الصحة" على اعتراف "أسترازينيكا" بوجود أضرار مميتة للقاحها؟    عشان تعدي شم النسيم من غير تسمم.. كيف تفرق بين الأسماك الفاسدة والصالحة؟    ما هو الدعاء الذي نهى عنه النبي؟.. «وكيل الأوقاف» يوضح    رئيس اللجنة العلمية لمكافحة كورنا يحسم الجدل بشأن حدوث جلطات بعد تلقي اللقاح    مفتي الجمهورية مُهنِّئًا العمال بعيدهم: بجهودكم وسواعدكم نَبنِي بلادنا ونحقق التنمية والتقدم    دعاء آخر أسبوع من شوال.. 9 أدعية تجعل لك من كل هم فرجا    أقدس أيام السنة.. كيف تحتفل الكنيسة الأرثوذكسية بأسبوع آلام السيد المسيح؟    «الثقافة» تطلق النسخة السابعة من مسابقة «أنا المصري» للأغنية الوطنية    وزير الإسكان: نعمل على الاستثمار في العامل البشري والكوادر الشبابية    طلاب النقل الثانوى الأزهرى يؤدون امتحانات التفسير والفلسفة والأحياء اليوم    اليوم.. "الصحفيين" تفتتح مركز التدريب بعد تطويره    اليوم.. الحُكم على 5 مُتهمين بإزهاق روح سائق في الطريق العام    إمام: شعبية الأهلي والزمالك متساوية..ومحمد صلاح أسطورة مصر الوحيدة    كينيا تلغي عقد مشروع طريق سريع مدعوم من البنك الأفريقي للتنمية    ألقوه من فوق مبنى.. استشهاد فلسطيني على يد قوات الاحتلال في الضفة الغربية    مساعد وزير الصحة: قطعنا شوطًا كبيرًا في تنفيذ آليات مواجهة تحديات الشراكة مع القطاع الخاص    هل ذهب الأم المتوفاة من حق بناتها فقط؟ الإفتاء تجيب    موعد عيد شم النسيم 2024.. حكايات وأسرار من آلاف السنين    إيهاب جلال يعلن قائمة الإسماعيلي لمواجهة الأهلي    ليفاندوفسكي المتوهج يقود برشلونة لفوز برباعية على فالنسيا    برج القوس.. حظك اليوم الثلاثاء 30 أبريل: يوم رائع    أخلاقنا الجميلة.. "أدب الناس بالحب ومن لم يؤدبه الحب يؤدبه المزيد من الحب"    خليل شمام: نهائى أفريقيا خارج التوقعات.. والأهلى لديه أفضلية صغيرة عن الترجى    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لماذا صاغ هيكل بيان المجلس العسكري؟!

عاشت مصر لحظات هامة في الأيام الأخيرة وقت خروج كلمات مصيرية من نبرة صوت الفريق عبد الفتاح السيسي وزير الدفاع المصري كخطوة هامة في تجنيب البلاد إراقة الدماء تحت لواء الحرب الأهلية كادت أن تأكل الأخضر و اليابس في بلد لم تذق طعم الحرب الأهلية طوال تاريخها و ذلك بعزل الرئيس الدكتور محمد مرسي من رئاسة الجمهورية مما يعلن عن وفاة جماعة الإخوان المسلمين سياسيًا.
إذا تطرقنا إلى بيان الفريق عبد الفتاح السيسي نجد فيه كلمات راسخة تثبت في الأذهان كسابق خطابات تاريخية تم إلقائها عبر زعماء مصر الكبار كجمال عبد الناصر و أنور السادات في إبلاغ الشعب المصري بأهم لحظات مصر المصيرية ما بين الصعود و الهبوط و الأفراح و الأحزان و كانت تلك الكلمات المتباينة تتناثر على الورق من خلال عقل صحفي سياسي مثيرًا للجدل هو الكاتب الصحفي الكبير الذي لُقب ب(ثعلب السياسة الكبير) محمد حسنين هيكل الذي وضح من كلمات البيان نفحات تعبيراته اللاصقة في الأذهان و سجلات التاريخ.
بدأ الفريق عبد الفتاح السيسي بيانه التاريخي بهذه الكلمات:
(إن القوات المسلحة لم يكن في مقدورها أن تصم أذانها أو تغض بصرها عن حركة و نداء جماهير الشعب المصري التي إستدعت دورها الوطني و ليس دورها السياسي.
إن القوات المسلحة كانت هي بنفسها أول من دعت و لاتزال و سوف تظل بعيدةً عن العمل السياسي و لقد إستشعرت القوات المسلحة إنطلاقًا من رؤيتها الثاقبة أن الشعب المصري الذي يدعوها لنصرته لا يدعوها لسلطة أو حكم و إنما يدعوها للخدمة العامة و الحماية الضرورية لمطالب ثورتها و تلك هي الرسالة التي تلقتها القوات المسلحة من كل حواضر مصر و مدنها و قراها و قد إستوعبت بدورها هذه الدعوة و فهمت مقصدها و قدرت ضروراتها و إقتربت من المشهد السياسي آملة و راغبة و ملتزمة بكل حدود الواجب و المسئولية و الأمانة).
تلك الكلمات تمثل مقدمة إستهلالية لشرح الموقف الراهن الذي تواجهه البلاد كمدخل لإحتواء الأزمة بغرض التهيئة النهائية للقرار المنتظر إتخاذه بترقب شديد من قِبل الجماهير حتى لا تدخل الكلمات كصدمات كهربائية قد تؤدي إلى اتجاه معاكس لا يحمد عُقباه.
هذا ما تم إنعكاسه على الموقف الراهن من إنعاكاسات كلمات جمال عبد الناصر يوم 9 يونيه من العام 1967 في خطابه الشهير المعروف بخطاب التنحي و الذي كتبه هيكل و جاء في مقدمته:
(أيها الإخوة:
لقد تعودنا معاً فى أوقات النصر وفى أوقات المحنة.. فى الساعات الحلوة وفى الساعات المرة؛ أن نجلس معاً، وأن نتحدث بقلوب مفتوحة، وأن نتصارح بالحقائق، مؤمنين أنه من هذا الطريق وحده نستطيع دائماً أن نجد اتجاهنا السليم، مهما كانت الظروف عصيبة، ومهما كان الضوء خافتاً.
ولا نستطيع أن نخفى على أنفسنا أننا واجهنا نكسة خطيرة خلال الأيام الأخيرة، لكنى واثق أننا جميعاً نستطيع - وفى مدة قصيرة - أن نجتاز موقفنا الصعب، وإن كنا نحتاج فى ذلك إلى كثير من الصبر والحكمة والشجاعة الأدبية، ومقدرة العمل المتفانية. لكننا - أيها الإخوة - نحتاج قبل ذلك إلى نظرة على ما وقع؛ لكى نتتبع التطورات وخط سيرها فى وصولها إلى ما وصلت إليه).
دخل الفريق السيسي بكلمات أراد بها إشراك الشعب في المشهد حتى يتم إحتواء الأزمة جيشًا و شعبًا من خلال تلك الكلمات:
(لقد بذلت القوات المسلحة خلال الأشهر الماضية جهودًا مضنية بصورة مباشرة و غير مباشرة لإحتواء الموقف الداخلي و إجراء مصالحة وطنية بين كافة القوى السياسية بما فيها مؤسسة الرئاسة.
منذ شهر نوفمبر الماضي 2012 وجهت دعوة لحضور الحوار الوطني إستجابت له كل القوى السياسية و الوطنية و قوبل بالرفض من مؤسسة الرئاسة في اللحظات الأخيرة ثم تتابعت و توالت الدعوات و المبادرات منذ ذلك الوقت و حتى تاريخه كما تقدمت القوات المسلحة أكثر من مرة بعرض تقدير موقف إستراتيجي على المستوى الداخلي و الخارجي تضمن أهم التحديات و المخاطر التي تواجه الوطن على المستوى الأمني و الاقتصادي و السياسي و الاجتماعي).
و هنا تم إسترجاع تلك الكلمات أيضًا من خطاب التنحي لجمال عبد الناصر و التي تقول:
(ولا نستطيع أن نخفى على أنفسنا أننا واجهنا نكسة خطيرة خلال الأيام الأخيرة، لكنى واثق أننا جميعاً نستطيع - وفى مدة قصيرة - أن نجتاز موقفنا الصعب، وإن كنا نحتاج فى ذلك إلى كثير من الصبر والحكمة والشجاعة الأدبية، ومقدرة العمل المتفانية. لكننا - أيها الإخوة - نحتاج قبل ذلك إلى نظرة على ما وقع؛ لكى نتتبع التطورات وخط سيرها فى وصولها إلى ما وصلت إليه.
إننا نعرف جميعاً كيف بدأت الأزمة فى الشرق الأوسط فى النصف الأول من مايو الماضى. كانت هناك خطة من العدو لغزو سوريا، وكانت تصريحات ساسته وقادته العسكريين كلها تقول بذلك صراحة، وكانت الأدلة متوافرة على وجود التدبيركانت مصادر إخواننا السوريين قاطعة فى ذلك، وكانت معلوماتنا الوثيقة تؤكده، بل وقام أصدقاؤنا فى الاتحاد السوفيتى بإخطار الوفد البرلمانى الذى كان يزور موسكو فى مطلع الشهر الماضى؛ بأن هناك قصداً مبيتاً ضد سوريا.
ولقد وجدنا واجباً علينا ألا نقبل ذلك ساكتين، وفضلاً عن أن ذلك واجب الأخوة العربية، فهو أيضاً واجب الأمن الوطنى؛ فإن البادئ بسوريا سوف يثنى بمصر).
يستعد السيسي بعد صمت قصير لتوضيح مقدمات الخارطة قبل الإعلان عنها بوضوح قائلاً:
(إن رؤية القوات المسلحة كمؤسسة وطنية هو إحتواء أسباب الإنقسام المجتمعي و إزالة أسباب الإحتقان و مجابهة التحديات و المخاطر للخروج من الأزمة الراهنة و في إطار متابعة الأزمة الحالية اجتمعت القيادة العامة للقوات المسلحة بالسيد رئيس الجمهورية بقصر القبة يوم 22/6/2013 حيث عرض رأي القيادة العامة و رفضها الإساءة لمؤسسات الدولة الوطنية و الدينية كما أكدت رفضها ترويع و تهديد جموع الشعب المصري).
تكررت لحظة الصمت القصير كما حدث مع جمال عبد الناصر في كلماته:
(ولقد تحركت قواتنا المسلحة إلى حدودنا بكفاءة شهد بها العدو قبل الصديق، وتداعت من أثر ذلك خطوات عديدة؛ منها انسحاب قوات الطوارئ الدولية، ثم عودة قواتنا إلى مواقع شرم الشيخ المتحكمة فى مضايق تيران، والتى كان العدو الإسرائيلى يستعملها كأثر من آثار العدوان الثلاثى الذى وقع علينا سنة 1956. ولقد كان مرور علم العدو أمام قواتنا أمراً لا يحتمل، فضلاً عن دواعى أخرى تتصل بأعز أمانى الأمة العربية.
ولقد كانت الحسابات الدقيقة لقوة العدو تظهر أمامنا أن قواتنا المسلحة، بما بلغته من مستوى فى المعدات وفى التدريب؛ قادرة على رده وعلى ردعه، وكنا ندرك أن احتمال الصراع بالقوة المسلحة قائم، وقبلنا بالمخاطرة.
وكانت أمامنا عوامل عديدة؛ وطنية وعربية ودولية، بينها رسالة من الرئيس الأمريكى "ليندون جونسون" سلمت إلى سفيرنا فى واشنطن يوم 26 مايو تطلب إلينا ضبط النفس، وألا نكون البادئين بإطلاق النار، وإلا فإننا سوف نواجه نتائج خطيرة.
وفى نفس الليلة فإن السفير السوفيتى طلب مقابلتى بصفة عاجلة فى الساعة الثالثة والنصف من بعد منتصف الليل، وأبلغنى بطلب ملح من الحكومة السوفيتية ألا نكون البادئين بإطلاق النار).
يبدأ السيسي في إظهار كلمات بيانه التي تجعل الأنفاس تتسابق لمعرفتها بلهفة شديدة موضحًا لحظة الحسم قائلاً:
(لقد كان الأمل معقودًا على قوات وطنية وضع خارطة مستقبل توفر أسباب الثقة و الطمأنينة و الإستقرار لهذا الشعب بما يحقق طموحه و رجاءه إلا أن خطاب السيد الرئيس ليلة أمس و قبل إنتهاء مهلة الثماني و أربعون ساعة جاء بما لا يلبي و لا يتوافق مع مطالب جموع الشعب الأمر الذي إستوجب من القوات المسلحة إستنادًا على مسئوليتها الوطنية و التاريخية التشاور مع بعض قوى الرموز الوطنية و السياسية و الشباب دون إستبعاد إو إقصاء لأحد حيث إتفق المجتمعون على خارطة مستقبل تتضمن خطوات أولية تحقق بناء مجتمع مصري قوي و متماسك لا يقصى أحد من أبناءه و تياراته و إحالة الصراع و الإنقسام و تشتمل هذه الخارطة على الآتي:
1- تعطيل العمل بالدستور بشكل مؤقت.
2- يؤدي رئيس المحكمة الدستورية اليمين أمام الجمعية العامة للمحكمة.
3- إجراء انتخابات رئاسية مبكرة على أن يتولى رئيس المحكمة الدستورية إدارة شئون البلاد خلال المرحلة الانتقالية إذ أنها ستتصدى بالتعاون مع وزارة الداخلية بكل القوة و الحسم ضد أي خروج عن السلمية طبقًا للقانون و ذلك من منطلق مسئوليتها الوطنية و التاريخية.
توجه القوات المسلحة التحية و التقدير لرجال القوات المسلحة و رجال الشرطة و القضاء الشرفاء المخلصين على دورهم الوطني العظيم و تضحياتهم المستمرة للحفاظ على سلامة و أمن مصر و شعبها العظيم حفظ الله مصر و شعبها الأبي العظيم
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته).
أستنسخ هيكل تلك الكلمات الحاضرة من كلماته الماضية في خطاب التنحي التي جاءت على لسان جمال عبد الناصر:
(وفى صباح يوم الإثنين الماضى الخامس من يونيو جاءت ضربة العدو. وإذا كنا نقول الآن بأنها جاءت بأكثر مما توقعناه؛ فلابد أن نقول فى نفس الوقت وبثقة أكيدة إنها جاءت بأكبر مما يملكه، مما أوضح منذ اللحظة الأولى أن هناك قوى أخرى وراء العدو، جاءت لتصفى حساباتها مع حركة القومية العربية:. ولقد كانت هناك مفاجآت تلفت النظر
أولها: أن العدو الذى كنا نتوقعه من الشرق ومن الشمال جاء من الغرب؛ الأمر الذى يقطع بأن هناك تسهيلات تفوق مقدرته، وتتعدى المدى المحسوب لقوته، قد أعطيت له.
وثانياً: فإن العدو غطى فى وقت واحد جميع المطارات العسكرية والمدنية فى الجمهورية العربية المتحدة، ومعنى ذلك أنه كان يعتمد على قوة أخرى غير قوته العادية، لحماية أجوائه من أى رد فعل من جانبنا؛ كما أنه كان يترك بقية الجبهات العربية لمعاونات أخرى استطاع أن يحصل عليها.
وثالثاً: فإن الدلائل واضحة على وجود تواطؤ استعمارى معه؛ يحاول أن يستفيد من عبرة التواطؤ المكشوف السابق سنة 1956، فيغطى نفسه هذه المرة بلؤم وخبث، ومع ذلك فالثابت الآن أن حاملات طائرات أمريكية وبريطانية كانت بقرب شواطئ العدو تساعد مجهوده الحربى. كما أن طائرات بريطانية أغارت فى وضح النهار على بعض المواقع فى الجبهة السورية وفى الجبهة المصرية، إلى جانب قيام عدد من الطائرات الأمريكية بعمليات الاستطلاع فوق بعض مواقعنا.
ولقد كانت النتيجة المحققة لذلك أن قواتنا البرية التى كانت تحارب أكثر المعارك عنفاً وبسالة فى الصحراء المكشوفة؛ وجدت نفسها فى الموقف الصعب؛ لأن الغطاء الجوى فوقها لم يكن كافياً إزاء تفوق حاسم فى القوى الجوية المعادية، بحيث أنه يمكن القول - بغير أن يكون فى ذلك أى أثر للانفعال أو المبالغة - إن العدو كان يعمل بقوة جوية تزيد ثلاث مرات عن قوته العادية.
ولقد كان هذا هو ما واجهته أيضاً قوات الجيش العربى الأردنى التى قاتلت معركة باسلة بقيادة الملك حسين، الذى أقول - للحق وللأمانة - إنه اتخذ موقفاً ممتازاً، وأعترف بأن قلبى كان ينزف دماً وأنا أتابع معارك جيشه العربى الباسل فى القدس وغيرها من مواقع الضفة الغربية، فى ليلة حشد فيها العدو وقواه المتآمرة ما لا يقل عن 400 طائرة للعمل فوق الجبهة الأردنية.
ولقد كانت هناك جهود رائعة وشريفة؛ لقد أعطى الشعب الجزائرى وقائده الكبير هوارى بومدين بغير تحفظات وبغير حساب للمعركة، وأعطى شعب العراق وقائده المخلص عبد الرحمن عارف بغير تحفظات وبغير حساب للمعركة، وقاتل الجيش السورى قتالاً بطولياً معززاً بقوى الشعب السورى العظيم وبقيادة حكومته الوطنية، واتخذت شعوب وحكومات السودان والكويت واليمن ولبنان وتونس والمغرب مواقف مشرفة، ووقفت شعوب الأمة العربية جميعاً بغير استثناء على طول امتداد الوطن العربى موقف الرجولة والعزة، موقف التصميم، موقف الإصرار على أن الحق العربى لن يضيع ولن يهون، وأن الحرب دفاعاً عنه ممتدة مهما كانت التضحيات والنكسات على طريق النصر الحتمى الأكيد.
وكانت هناك أمم عظيمة خارج العالم العربى قدمت لنا ما لا يمكن تقديره من تأييدها المعنوى. لكن المؤامرة - ولابد أن نقول ذلك بشجاعة الرجال - كانت أكبر وأعتى، ولقد كان تركيز العدو الأساسى على الجبهة المصرية؛ التى دفع عليها بكل قوته الرئيسية من المدرعات والمشاة؛ معززة بتفوق جوى رسمت لكم من قبل صورة لأبعاده، ولم تكن طبيعة الصحراء تسمح بدفاع كامل؛ خصوصاً مع التفوق المعادى فى الجو. ولقد أدركت أن تطور المعركة المسلحة قد لا يكون مواتياً لنا، وحاولت مع غيرى أن نستخدم كل مصادر القوة العربية، ولقد دخل البترول العربى ليؤدى دوره، ودخلت قناة السويس لتؤدى دورها، ومازال هناك دور كبير مطلوب من العمل العربى العام، وكلى ثقة فى أنه سوف يستطيع أداءه.
ولقد إاضطرت قواتنا المسلحة فى سيناء إلى إخلاء خط الدفاع الأول، وحاربت معارك رهيبة بالدبابات والطائرات على خط الدفاع الثانى.
ثم إستجبنا لقرار وقف إطلاق النار، أمام تأكيدات وردت فى مشروع القرار السوفيتى الأخير المقدم إلى مجلس الأمن، وأمام تصريحات فرنسية، بأن أحداً لا يستطيع تحقيق أى توسع إقليمى على أساس العدوان الأخير، وأمام رأى عام دولى - خصوصاً فى آسيا وإفريقيا - يرى موقفنا، ويشعر ببشاعة قوى السيطرة العالمية التى انقضت علينا.
وأمامنا الآن عدة مهام عاجلة:
المهمة الأولى: أن نزيل آثار هذا العدوان علينا، وأن نقف مع الأمة العربية موقف الصلابة والصمود. وبرغم النكسة فإن الأمة العربية بكل طاقاتها وإمكانياتها قادرة على أن تصر على إزالة آثار العدوان.
والمهمة الثانية: أن ندرك درس النكسة، وهناك فى هذا الصدد ثلاث حقائق حيوية:
1- إن القضاء على الاستعمار فى العالم العربى يترك إسرائيل بقواها الذاتية، ومهما كانت الظروف ومهما طال المدى، فإن القوى الذاتية العربية أكبر وأقدر على الفعل.
2- إن إعادة توجيه المصالح العربية فى خدمة الحق العربى ضمان أولى، فإن الأسطول الأمريكى السادس كان يتحرك ببترول عربى، وهناك قواعد عربية وضعت قسراً - وبرغم إرادة الشعوب - فى خدمة العدوان.
إن الأمر الآن يقتضى كلمة موحدة تسمع من الأمة العربية كلها، وذلك ضمان لا بديل له فى هذه الظروف. 3-
صل الآن إلى نقطة هامة فى هذه المكاشفة بسؤال أنفسنا: هل معنى ذلك أننا لا نتحمل مسئولية فى تبعات هذه النكسة؟ وأقول لكم بصدق - وبرغم أية عوامل قد أكون بنيت عليها موقفى فى الأزمة - فإننى على استعداد لتحمل المسئولية كلها، ولقد اتخذت قراراً أريدكم جميعاً أن تساعدونى عليه: لقد قررت أن أتنحى تماماً ونهائياً عن أى منصب رسمى وأى دور سياسى، وأن أعود إلى صفوف الجماهير، أؤدى واجبى معها كأى مواطن آخر.
إن قوى الاستعمار تتصور أن جمال عبد الناصر هو عدوها، وأريد أن يكون واضحاً أمامهم أنها الأمة العربية كلها وليس جمال عبد الناصر.
والقوى المعادية لحركة القومية العربية تحاول تصويرها دائماً بأنها إمبراطورية لعبد الناصر، وليس ذلك صحيحاً؛ لأن أمل الوحدة العربية بدأ قبل جمال عبد الناصر، وسوف يبقى بعد جمال عبد الناصر.
ولقد كنت أقول لكم دائماً: إن الأمة هى الباقية، وأن أى فرد مهما كان دوره، ومهما بلغ إسهامه فى قضايا وطنه، هو أداة لإرادة شعبية، وليس هو صانع هذه الإرادة الشعبية.
وتطبيقاً لنص المادة 110 من الدستور المؤقت الصادر فى شهر مارس سنة 1964 فلقد كلفت زميلى وصديقى وأخى زكريا محيى الدين بأن يتولى منصب رئيس الجمهورية، وأن يعمل بالنصوص الدستورية المقررة لذلك، وبعد هذا القرار فإننى أضع كل ما عندى تحت طلبه، وفى خدمة الظروف الخطيرة التى يجتازها شعبنا.
إننى بذلك لا أصفى الثورة، ولكن الثورة ليست حكراً على جيل واحد من الثوار، وإنى لأعتز بإسهام هذا الجيل من الثوار. لقد حقق جلاء الاستعمار البريطانى، وحقق استقلال مصر، وحدد شخصيتها العربية، وحارب سياسة مناطق النفوذ فى العالم العربى، وقاد الثورة الاجتماعية، وأحدث تحولاً عميقاً فى الواقع المصرى أكد تحقيق سيطرة الشعب على موارد ثروته وعلى ناتج العمل الوطنى، واسترد قناة السويس، ووضع أسس الانطلاق الصناعى فى مصر، وبنى السد العالى ليفرش الخضرة الخصبة على الصحراء المجدبة، ومد شبكات الكهرباء المحركة فوق وادى النيل الشمالى كله، وفجر موارد البترول بعد انتظار طويل. وأهم من ذلك وضع على قيادة العمل السياسى تحالف قوى الشعب العاملة؛ الذى هو المصدر الدائم لقيادات متجددة تحمل أعلام النضال الوطنى والقومى مرحلة بعد مرحلة، وتبنى الاشتراكية، وتحقق وتنتصر.
إن ثقتى غير محدودة بهذا التحالف القائد للعمل الوطنى؛ الفلاحين والعمال والجنود والمثقفين والرأسمالية الوطنية. إن وحدته وتماسكه، والتفاعل الخلاق داخل إطار هذه الوحدة قادر على أن يصنع بالعمل؛ وبالعمل الجاد، وبالعمل الشاق - كما قلت أكثر من مرة - معجزات ضخمة فى هذا البلد؛ ليكون قوة لنفسه، ولأمته العربية، ولحركة الثورة الوطنية، وللسلام العالمى القائم على العدل.
إن التضحيات التى بذلها شعبنا، وروحه المتوقدة خلال فترة الأزمة، والبطولات المجيدة التى كتبها الضباط والجنود من قواتنا المسلحة بدمائهم؛ سوف تبقى شعلة ضوء لا تنطفئ فى تاريخنا، وإلهاماً عظيماً للمستقبل وآماله الكبار. لقد كان الشعب رائعاً كعادته، أصيلاً كطبيعته، مؤمناً صادقاً مخلصاً.
وكان أفراد قواتنا المسلحة نموذجاً مشرفاً للإنسان العربى فى كل زمان ومكان؛ لقد دافعوا عن حبات الرمال فى الصحراء إلى آخر قطرة من دمهم، وكانوا فى الجو - وبرغم التفوق المعادى - أساطير للبذل وللفداء وللإقدام، والاندفاع الشريف إلى أداء الواجب أنبل ما يكون أداؤه.
إن هذه ساعة للعمل وليست ساعة للحزن، إنه موقف للمثل العليا وليس لأية أنانيات أو مشاعر فردية.
إن قلبى كله معكم، وأريد أن تكون قلوبكم كلها معى، وليكن الله معنا جميعاً؛ أملاً فى قلوبنا وضياءً وهدى.
والسلام عليكم ورحمة).
أستقبل الناس بيان السيسي بترحاب شديد كما أستقبل الناس كلمات جمال عبد الناصر برفض شديد حينما ذكر بيان تنحيه دون أن ينتظر الناس إكمال خطابه مظهرين له الرفض لقرار التنحي و إذا وجدنا التشابه قائمًا بين الخطابين أو البيانين فتشابههما جاءا من عقل و فكر و سليقة كاتب سياسي كبير إتسم بالدهاء و سعة الثقافة و الأفق و فن قراءة المشهد المطروح على الساحة مع معاصرته لأحداث شتى ليست في مصر وحدها بل في العالم أجمع و هذا ما جعل الفريق السيسي يلجأ لهيكل من أجل إضفاء جو من الإقناع و الترحيب من جموع الشعب الغفير بالميادين إلى جانب إجادة هيكل لطرح الحلول الأمنة و المجنبة لأقل الخسائر مثلما أقترح على الرئيس السادات الإطاحة بالكتلة الناصرية بتعريفه نقاط ضعفهم و إظهار السبب بأنهم يمثلون خطرًا كبيرًا على إرساء الديمقراطية التي ينشدها السادات في البلاد.
يتسم هيكل أيضًا برؤيته المستقبلية الثاقبة بعد قراءته للشخصية التي أمامه و ذلك ما وضح في رأيه عن القذافي بعد وصوله للحكم العام 1969 من خلال ثورة الفاتح من سبتمبر قائلاً لجمال عبد الناصر:
(إن القذافي كالحصان الجامح إذا تركته أطاح بالجميع و إذا حجمته أصبح كالحمل الوديع).
هذا ما حدث للقذافي بنهايته المأساوية و من قبلها تحجيمه دوليًا لتؤكد الأيام مدى بُعد نظر هيكل السياسي و الثقافي و هذا ما جعله في مصاف العالمية منذ الستينات تحديدًا و هو برفقة ناصر حتى وفاته إلى جانب إمتلاكه لميزة فن التوقيت و فن القرار و الذي تجسد في إختياره لصف الرئيس جمال عبد الناصر وقت معركته مع اللواء محمد نجيب الذي كان معه هيكل قبل الإنقلاب الشهير العام 1954 بعد إستنباطه لقوة موقف جمال عبد الناصر ليكون كاتبه الأوحد.
أعتقد أن تلك النقاط هي التي جعلت الفريق السيسي يختار هيكل لتلك المهمة حتى يصيب البيان هدفه إصابة دقيقة و متقنة في قلب التاريخ بناءً على خلفية السيسي المخابراتية التي أكسبته الثقافة و الإستنباط لما هو في صالح المرحلة و هذا ما فقده الرئيس المعزول الدكتور محمد مرسي ليختار هيكل كفة من يقرأ الأحداث و يترك من يستمع للإرشاد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.