لجميس جويس مقولة يقول فيها : "لو أنَّ رجلا كان يهذى وأمسك بقطعة حديد وظل يضرب على جذع شجرة , فرسم شكل بقرة , هل نسمى هذا شكلا فنيا؟ ويجيب حويس ايضا بقوله : " بالطبع لا , لأن الشكل الفنى لابد أن يكون خلفه وعى جمالى ونفعى " والخطاب الشعرى لهذه القصيدة يعتمد شكلا يبدو فيه الوعى الجمالى والفنى والذى اعتمد على نظام الدفقات الشعورية التى تهبط تارة وتعلو تارة وفق حالة المد والجزر الشعرى يمتد هذا الخطاب عبر خيط درامى يبدا من شعرية العنوان " ليست بحارا تنفلق"وهذا السياق التركيبى يضعنا أمام حالة شعرية تنبئ بالعنفوان فى الخطاب المعتمد على حالة النفى المطلق المعتامد على بقعة جغرافية تمثل مصدرا للحياة ومعادلا للوطن المتموج فى الافعال السياسية, فهل تحقق هذا العنوان فى متن النص؟ والعنوان علامة مختزلة ومفتقة للدلالة في نفس الوقت ,مستفزة للبنى الخفية في النص, والعنوان يقوم على تركيب نصي يعد مفتاحا منتجا ذا دلالة ليس على مستوى البناء الخارجي للعمل فقط بل يمتد إلى البني العميقة في النص ويتوالد فيها, والعنوان يشكل بنية إشارية دالة تحمل الكثير مما يخفيه النص بل أن العنوان أحيانا يقول ما لا يقوله النص, ولذلك فهذا النص يواجهنا بتركيب نسقى عجيب " ليست بحارا تنفلق" وهذه البنية النسقية فى تركيبها السيميائى تشير إلى إيقاع نصي يجمع بين البحارباعتبارها رمزا للوطن العربي والكرامة العربية المهانة بقعل من خرجوا علينا رافعين سيف الحق والدين وهم يعلمون لصالحهم, ثم تأتى جملة "لاتنفلق"لتغلق الدائرة الدلالية وتصبها فد إطار التأكيد التراكمى للمعنى العام الذى لا يقبل الهزيمة والجرح الموغل في الألم والكرامة المهانة فى مقابل قوة الشعوب التى لا تقوى الانظمة على افلاقها, ومن هنا فإن العنوان اختزل الدلالة الكبرى للنص, وتفتق على أكثر من دلالة جزئية تطرح أسئلة مشروعة, من باب: لماذا تنفلق ؟ وكيف تنفلق؟ ومن الذى يفلقها؟ وكيف تحولت القصيدة إلى شعرية الحالة؟ هذا ما سوف يجيب عنه متن النص استهلال النص نواة متنه لفاتحة النص دور كبير في إشراق النص جماليا ودلاليا أو تشتته والفاتحة هنا اعتمدت على صيغة خبرية محكمة ودافعة بقوة إلى الولوج في عالم النص " مُروا جميعاً أنبياءَ ومؤمنين وكافرين إلى الغرقْ هذى بحار لا يمر بموجها موسى ولا فرعونها ليست بحارا تنفلق عبثت أيادٍ فى الحشا وتدممت أظفارها والقيح يلعن كل آن خائنين ومرتزقْ إن الامر هنا (مروا جميعا)يؤسس لفاتحة دالة على الدهشة ووصف ووصف لحالة الذات المتوترة وتمهد لانفتاح النص على خطاب ذاتي وتاريخي واجتماعي يصف الحالة ويؤكد على عمقها مستخدما مفردات تستدعى الثابت التاريخى والمقدس "انبياء /مؤمنين / موسى/ فرعون/ " بما يشير إلى أن الشاعر تؤكد شعرية الحالة ووجوديتها في آن، ويكشف عن علاقة القصيد بالواقع المنهار والمتردي موظفا التاريخى لصالح ابراز الحاضر وتدعيم المعنى المركزى فى القصيدة وهو تنديس الواقع بعفل رموزه الطكالعة من جديد على المشهد السياسى وهنا يبدو ذكاء الشاعر فى وضع المقدس فى موجهة المدنس وعلينا ان نقبض على ما بينهماوهذه الحالة تتوالد داخل النص كأنها نواة بن عليها الشاعر نصه, ومن خلال النص تكشف(العنصر الذاتي) بموضوعية في شكل منطقٍ شعري/ خصوصي/ يتجه نحو الذات ونحو الأفكار في آن واحد , وتكمن تأويليته في دنوها الواضح من المتلقي، بلا ترميز غامض، وكأن نصه بقدر ما يكشف، يحكي، ويؤكد، امتداداً وفضاءً مفتوحاً، عبر تلك الفاتحة في مقدمة النص والشعرية الموازية لها، والدافعة في ذات الوقت نحو الحالة التي يرصدها النص، إذا تفهمنا آلية الشاعرة، منذ العنوان، حيث يؤكد حقيقة ماثلة داخل العنوان(الخبري) وفي(ثنائية) مفارقة، ف"" إنا كفرنا بالفئات وباللغات وبالخطب فوضى عجب خلاقة هتكت حجابك يا عرب هم يضربون قبيلة بقبيلة ببساطةٍ عبث غريب يا نزار ويعلنون بكل يوم عن وفاة للعرب عرب عرب كانوا عرب ذهب العرب إنا عدو فى عدو فى ملايين السنين سنغترب فى حَلْبةٍ صفعوا قفانا دون فوز أو لقب صرنا دمى صرنا لعب وكأَن وجود(الحياة الكريمة فى مقابل المهانة من الحكام الجدد) داخل الواقع النصى وصراعهما الدائب أصبح حقيقية- موضوعية- راسخة،.. تحول الحالة إلى جحيم يشبه جحيم "دانتى" وأبطال "كافكا" الذين ألقى بهم الصراع على الحياة والبؤس في العراء, وأصبحوا منفيين في زوايا العالم, و الولوج إلى عمق النص تيمهده لنا الشاعر من خلال هذا الصراع بين ثنائية كرامة الشعوب ومهانة الحكام وهي-هنا- ليست لعبة مثاقفة، بل روح وعي ثقافي، سنجده ميزة صياغة مدروسة لقصيدته، وكأنه لا يسجل إنثيالاته بشكل عفوي، بل يعيد كتابتها شعراً من داخل عقلا قبل وجدانه وبشكل فلسفى عميق، لذا يبدو، وقد اتخذ حالات الاستذكار والسرد في مبنى حكائي دال، هو خطاب الشاعر المعنى بفضح رموز الشيوخ / الحكام وخطاب النص المعنى بالجمال الشعرى وتثوير النية الشعرية التى تخدم هذا المعنى في آن واحد. فيجوس الشاعر في الذات، ثم يصف المكان من خلال انطباع ذاتي.. مأساوى, لذا يدخل منطقة الموضوعي شعراً، كضرورة، يعتقدها لازمة في إيضاح الفهم لصياغتها الشعرية ، مستبعدة الاحتمالية أو التأويلية وإنما يضعنا مباشرة أمام التاريخ والجغرافيا, و التاريخ في الإسقاط الذي صنعه داخل نصه مع موسى وما يحمل من رمزية مقدسة تضرب فى عمق التاريخ مبررة فى ذلك شرعية الخلود والبقاء " والجغرافيا في جغرافية الماء التى تشكل مرآة الروح وفضاء الذات الشاعرة المتوترة الباحثة عن مرفأ نقى فى مقابل عفن الواقع من خلال ظاهرتى المد والجزر "هى هجمة وعمالة وتملق وتسلق وخداع الله يعلم أنها أزمات شعب شقه نصفين ضيعه الضياع عودوا لمخبئكم جميعا عودوا إلى من يدفعون السنت والدولار والدينار واليورو الملوث بالدماء أنتم جميعا سافلون ومرجفون كما الأفاعى القاتلات ولا عزاء هذا فظيع أن تذبح أمة وعلى الهواء " فالتوحد مع الواقع المهزوم بالدينار والدولار موت والخروج منه بقاء وهنا يتحول النص إلى لوحات من(طبيعة): بشرية/ وحياتية، واختلاجات، تتراتب جملة، جملة، ومقطعاً مقطعاً، بقصيدة- كأنها كتلة لهب- ذات إيقاعات جمالية مساعدة، ورؤي، وقص..، قصيدة مديدة، وتلك هي تحكمية آلية الكتابة لدى الشاعر فشعره لا ينفلت عنها، بل يصاغ بوعي موضوعي حيث تجد تلك القرابة المتلازمة بين جملة وأخرى وبين مفردة وأخرى في تعالق نصي عجيب تفضى كل مفردة إلى أخرى في تشكيل حجم المأساة يا أنبياء مبشرون بجنة الفردوس نجلس فى الأرائك والرياض وفواكه .. والطير مذبوحا ومشويا تساقط فوقنا فى خيمة التحرير أو منعم رياض والحور رفرف شعرها الذهبى من بين الخيام مقصورة فى عفة كالبدر يحرسه الغمام فجملة يا انبياء مبشرون بالفردوس" اسيدعت الارائك والرياض والجلوس والفواكه والطير مذبوحا او مشويا فى علاقات رمزية عمقت المشهد حد المأساة والموت هنا الخلود الحقيقى وهنا يتوالد العنوان داخل النص بما يشبه سدى الحائك ويصبح المتن هو ذلك العلاقة العضوية الشعرية التى تأسست على شرعية العنوان وهكذا يستمر الشاعرة في كشف منطقة اشتغاله(الشعري/ النوعي/ الخصومي) عبر ثنائية العنصر الذاتي هو- دائماً- ظرف الخطاب ووجهة النظر -الأحكام- حيث كما أشرنا يدخل بالضرورة ذلك المنطق في كل فعل للفهم، داخل نسيج القصيدة ، لذا يلجأ الشاعر داخل النص إلى الصيغ الانشائية كالامر والنداء الدالة والكاشفة عن عمق التجربة الشعرية للتشبث بالأمل، و كتعويض عن بؤس الحياة بفرح الخلود الأبدى فمن مات فى الميدان ليس يموت وهؤلاء اصحاب الايدلوجيات الزائفة سوف يسقطون لامحالة لانهم يضحكون علينا ومنا ونحن البحار التى لا تنفلق والشاعر هنا لا تسعى إلى"زيادة القول" بل تقربه إلى ذاكرة الحاضر مستبق الكمال، وتحركه الإرادة القوية وثقافتها الدينية والتاريخية وتفضيل الخلود الباقى على البقاء الفانى معتدة على توهج ثنائية: (الشموخ فى مقابل الهوان والزيف) ليفتح بذلك وعيا جديدا في تلقى نصوص الحالة الشعرية الواقفة عند حد الذات المخلصة لوطنها الواعية بحدود واقعها والداخلة فيه والقصيدة متوهجة أيضابما تحمل من ميزات جمالية وإيقاع موسيقى هادر يناسب طبيعة الفوران الشعري في الحالة ,ولغة صاخبة معظم حروفها مفخمة كاشفة عن بركان الثورة في الذات الشاعرة , هنا يبدو الخلود مطلبا واعيا لدى الشاعر والمتلقى معا وتحقق بذلك لذة التلقى ويعمقها المعنى الساخر الذى غلف به الشاعر نصه فجاء متفجرا متوهجا حقا. **كاتب المفال كاتب وناقد الأمين العام لمؤتمر أدباء مصر