قصتي انا و الكلب طبعت على جبينها قبلة ثم ودعتها حاملة حقيبتي و كتبي و اقلامي ..فودعتني بنظرة حانية و دعوة مستجابة " تروحي و ترجعي بالسلامة حبيبتي و ما تتأخريش في الكلية " فقلت لها " دعواتك يا أمي .. سلام" .. انها تشير الى الثانية عشر ظهر يوم الجمعة .. لقد تأخرت .. يجب ان اسرع .. خرجت مسرعة قفزت في اقرب " ميكروباص" ذاهبا الى الكلية .. اخيرا .. المعمل .. ارتديت البالطو سريعا .. حملت حقيبة ادواتي المعملية و نزلت مهروله الى مشتل الكلية .. نعم انها حديقة كبيرة مترامية الاطراف في مكان بعيد عن مباني الكلية به من الاشجار ما هو متنوع و من الازهار مختلف الوانها .. و به حمام سباحة .. او بالاحرى هو حوض دائري مبطن ببلاط " السيراميك" .. عمقه يتعدى الثلاث امتار بقليل قطره حوالي اربعة امتار مملوء بماء راكد يحمل على سطحه فطريات و طحالب تكسبه اللون الاخضر .. قليلا ما يمر احد بالممشى الطويل بجواره .. المكان هادئ كالمعتاد .. هدوء لا يشوبه الا صوت الغربان و البوم فوق الاشجار...ذهبت متوجهة الى الجثث الملقاه في مكان ما على اطراف الحديقة .. انها جثث الحيوانات موضوع البحث الخاص بي .ففي علم الحشرات العدلي لابد من وجود الجثث للدراسة عليها كما هو الحال في الطب الشرعي و غيره.. اخذت ملاحظاتي على الجثث و ما طرأ عليها من تحلل و اخذت عينات من الذباب و يرقاته و غيرها زوار تلك الجثث ..انهيت ملاحظاتي المعملية و لملمت ادواتي عائدة الى المعمل .. و في تلك الاثناء قررت ان اغير طريق العودة ..قررت ان اعود من طريق الممشى المار على حوض الماء الراكد في ظل الهدوء العميق . .يجول برأسي الف فكرة .. كيف سأتعامل مع هذه اليرقات ..كيف سيتم معالجتها .. و هل التجربة تأخذ طريقها الصحيح ؟؟ و انا منغمسة في افكاري .. اذا بصوت يشق حنايا الصمت القابع على المكان .. وقفت للحظة .. كذبت اذناي..مجرد خيالات.. اسأنفت السير على الممشى غير ملتفتة لشيء.. فإذا بالصوت يتكرر و بحدة اكثر.. انه صوت استغاثة!! صوت امرأة مخنوقة أو طفل يتألم ..كيف لهؤلاء ان يكونوا في هذا المكان !! قطعآ كذبت اذناي للمرة الثانية .. و شققت طريق العودة كالسيف فأنا اعلم ان هذه الكلية كثيرا ما حكي عنها حكايات غريبة و احداث عجيبة و اصوات مرعبة و عفاريت متربصة و اشياء و اشياء ....... صرخة مدوية للمرة الثالثة تعلن عن نفسها و تؤكد ان ما اسمع ليس بخرافات و انه شيءحقيقي ..انه صوت استغاثة يأتي من خلفي..أيكون هناك شخص ما يحاول الاستغاثة من وراء الاشجار!! أيكون شيئا يحاول ان يوصل لي رسالة ... لا اعلم على اتخاذ القرار و بسرعة .. إما الالتفات و اكتشاف ما يحدث او المضي قدما للخروج من باب المشتل و من ثم الخروج من ذلك الموقف ..حسنا ساخرج و انهي القضية و لكن ماذا لو كان هذا الصوت استغاثة حقيقية و ماذا لو لم انقذ صاحب الصوت !!! سألوم نفسي دهرا.. لا الأمر بسيط سالتفت و علي مواجهة الموقف و ليس الهروب .. في لحظة التفت على حذر بالغ .. و على استحياء عميق .. تجول عيناي جنبات المكان .. فمشيت خطوات للخلف بحذر ابحث بأذناي عن مصدر الصوت وراء الاشجار المحيطة بحوض الماء الراكد .. لم اجد شيئا .. خفت الصوت ..سرت الى الخلف اكثر ..اتحسس تفاصيل اكثر .. فإذا بالصوت يخرج من تحت الماء بالحوض الراكد..مشهد عجيب اصابني بالذهول للحظة .. انه كلب كبير يغرق في الحوض تتشبث قدماه بإستماتة على اطراف الحوض يحاول الخروج و لكن السطح الزلق لهذا الحوض و مخالب الكلب لا يتلائمان..فهو يحاول الخروج و لكنه يسقط و يحاول ثم يسقط.. مرارا .. كم من الوقت لبثت في هذا ايها المسكين.. هذا المشهد اصابني بالذهول هل انقذه ام انقذ نفسي و اهرب فهذا الكلب انا اعرفه انه من هاجمني الاسبوع الماضي اثناء جمع عيناتي ..لقد جرى ورائي بكل قوة ..جعلني اصرخ و القي بادواتي و اصطدم بالشجيرات الى ان انتهى بي الحال ساقطة على الارض مفزوعة مختبئة وراء الشجر بعيدا عن ناظره الى ان جاء زميلي و انقذني من تلك المأساه.. اصبح الموقف خطيرا ..ان انقذته ربما عاود مهاجمتي.. لا وقت للتفكير ..فهذا المخلوق يموت امام عيناي .. اتخذت القرار في لحظة القيت ادواتي و رحت أبحث عن شيئ امده اليه كي يتعلق به .. جزع شجرة .. ليس افضل من هذا.. التقط الجزع و ممدته اليه من بعيد و بتخوف شديد و انا اناديه " امسك بأة ماتبقاش حمار.. و عارف لو جريت ورايا بعد اما اطلعك هاتبقى ابن كلب بصحيح.. " فهمني الكلب و مد يداه الاثنان و امسك بالطرف الاخر من طوق النجاه ..و لكن في اقل من ثانيتان فشل الكلب في التشبث و سقط عميقا في الماء .. هل غرق؟؟لا فسرعان ما طفا بصعوبة مرة اخرى ليتشبث بحافة الحوض..مددت اليه الجزع من جديد و انا اناديه" امسك كويس المرادي ابوس ايدك" مسك الجزع ..بدأت اسحبه..و لكنه افلت مرة اخرى..يا الهي .. هل مات؟؟ انا من قتلته .. لا انه طفا طفا ثانية و لكن في حالة اشد سوءا..انه يحتضر .. ان سقط للمرة الثالثة فلن يعود .. فشلت محاولة الانقاذ .. اخشى إن اقتربت منه و اخذت بيديه ان يجرني الى اسفل الحوض و انا لا اجيد السباحة و عمق الحوض يغرقني.. هل اجازف بحياتي مقابل حياته.. ام اهرب و يكفيني شرف المحاولة .. لن ادعه يموت .. القيت بالجزع بعيدا و جريت ناحية الحوض مسرعة مادة يداي اليه لامسك بكلتا يديه ..حسنا امسكت بك ايها الكلب .. و بكل ما اوتيت من قوة سحبته للخارج.. و الا سيكون العكس هو مصيري.. و اخيرا خرج الكلب من الماء ..خرج و هو يحاول الوقوف على اربعه و انا احاول التوقف عن الرعب.. كانت احداث الموقف تمر بسرعة سارقة .. و لكن حين نظرت اليه فلق قلبي مظهره المتداعي فوددت لو امسح على رأسه لأواسيه..و اقتربت منه على حذر و ممدت يدي و انا اقول له " ايه بس اللي كان وقعك كدة ؟؟ حمدا لله على سلامتك.. " لم اكمل الجملة و لم تصل يدي الى جبينه حتى انتفض بقوة فانتفضت معه .. كان يحاول ازالة بقايا الماء عنه و لكنه في الحقيقة كان ينفضه عن جسمه ليدخل عيناي و فمي و ينتشر فوق ملابسي و يغرق ادواتي..للوهلة الاولى ..تخيلته ينتفض ليهاجمني و لكنه كان يحتفل بنجاته من الغرق بطريقته ووجدتني اقول له "" الله يخرب بيتك بهدلتني.. " لملمت اشيائي المبعثرة في كل مكان مسرعة لاعود للمعمل لأطهر ما اغرقني به و لسان حالي يقول اسرعي قبل ان يفوق ذلك الكلب و ينقض عليك من جديد ...فأسرعت و هممت بالرحيل متلفتة خلفي لأتأكد انه لا يتبعني .. سرت بسرعة و قبل ان اصل الى البوابة الحديدية الكبيرة للحديقة لمحته يتتبعني .. فأسرعت .. فأسرع ورائي..فجريت فجرى ورائي و انا اصرخ " اه يابن الكلب صحيح انا غبية و الله ..." اخيرا وصلت الى البوابة ..خرجت بسرعة..اغلقت ورائي الباب ..نظرت اليه من وراء القضبان ..فإذا به ينظر الي يحاول ان .. يحاول ان يشكرني انه يريد مرافقتي ..شاورت له ان وداعا و رجعت ادراجي الى معملي فإذا بصوته يعلو ثم يعلو .. انه نداء .. و لكنه هذه المرة ليس استغاثة و انما نداء شكر و طلب صداقة جديدة ... رضا جمال -- ابوعلى