وقف الجميع على قبري ينتحبون يحركون أفواههم في صمت أتراهم يرثونني ام إياي يلعنون حجر ثقيل يجثم على صدرها .. أشياء كثيرة تقيد حركتها .. عبثا حاولت أن تحرر نفسها .. أن تنهض من مرقدها .. ان تصرخ .. تطلب استغاثة .. حاولت البكاء لكن عيناها أبتا ان تريحها ما الذي يحدث ؟ اين انا .. اين الجميع وما هذا الظلام الذي يلف المكان؟ في صباح ذلك اليوم استيقظت على جرس المنبه .. فتحت عينيها بصعوبة .. صداع قاتل يلف رأسها الصغير ، من كثرة ما اعتادته أصبحت تتعامل معه على انه جزء طبيعي من روتينها اليومي ،اعتدلت قليلا في جلستها .. انتبهت إلى كونها عارية تماما .. نظرت حولها فأيقنت أنها قضت ليلتها مع احدهم .. امتدت يدها الى علبة سجائرها وأشعلت سيجارة .. ابتسمت بسخرية عندما حاولت ان تتذكر كيف كانت ليلتها بالأمس .. وجوه كثيرة وكاسات خمر وموسيقى صاخبة .. رقص وقبلات حارة .. اناس تعرفهم واخرون تستقبلهم في بيتها دون سابق معرفة .. الجميع يشتركون في شئ واحد -مرارة تملئ القلب- ولكل منهم أسبابه للشعور بالمرارة .. وكل منهم يهرب من مرارته بنفس الطريقة. وقعت عيناها على صورة والدتها المعلقة على الجدار المقابل لسريرها .. نهضت من سريرها واقتربت من الصورة ، وقفت تنظر إليها بتحد وهي تنفس دخان سيجارتها لأعلى ليكون سحابة ضبابية أمام وجه أمها .. وقد خيل إليها أمها وهي تسعل من دخان سيجارتها. لعقت شفتيها وارتسمت على وجهها نظرة شامتة وهي تنظر إلى أمها - أتعرفين لما احتفظت بصورتك هنا؟ لما أمارس الجنس كل ليلة على سريرك هذا ؟ أدارت ظهرها للصورة وقالت بطريقة مسرحية : بالطبع تعرفين أعذبك كما عذبتني .. التفتت للصورة مرة أخرى وأشارت بيدها في غضب .. أنت من أوصلتني الى كل هذا ؟ أخذتي مني كل شئ .. انتزعت أدميتي .. اخذت تضحك بهيستريا وشرعت في تقليد والدتها بحركات مبالغ فيها لماذا ترفضين الزواج من ابن خالتك ؟ .. الرجل لا يعيبه شئ .. اين ستجدين رجلا مثله .. الا تدركين كم انت قبيحة .. احمدي ربنا انه طلب يدك للزواج .. فتيات كثيرات اجمل منك لا يحصلن على رجل مثله .. اياك ان تظني انه مغرم بعيونك .. لولا ما تعرض له من خيانة طليقته لما فكر في الزواج من فتاة في قبحك .. تزوجيه .. تزوجيه عادت تضحك من جديد وأكملت حديثها لصورة والدتها قائلة : تزوجته .. وماذا فعل بي؟ تتقمص شخصية زوجها وتقلده - من الذي دخل البيت في غيابي - لا احد عبوات المياه فارغة لابد من وجود احد .. هل تخونني - اقسم انه لم يأتي احد - اين ذهبت المياه - استخدمتها في الطبخ - لا اصدقك .. ولكن لا .. ما من احد سينظر لك .. هل تعرفين لما تزوجتك ؟ .. لأنك قبيحة والمرأة القبيحة العفة تفرض عليها .. فما من رجل يهوى القبح تعود لتتحدث الى صورة امها .. اترين ماذا فعل بي؟ تسقط الملاءة التي تلف بها جسدها وتقف امام صورة والدتها عارية انظري الي جسدي .. اترين ماذا فعل بي بكت بشدة وهي تصرخ .. احرقني عادت تضحك مرة اخرى وتحدث امها - قال لي انه بحرق جسدي يتأكد انني له وحده - اه .. كم اكرهه واكرهك .. كم اشتاق الى بناتي .. اشتاق الى ضمهم لصدري - ارايت ماذا فعلتي بي .. بكت بشدة حتى غابت عن الوعي ظهر نفس اليوم غرفة بيضاء .. اطباء .. ممرضات .. اصوات تتداخل طبيب يؤكد انه هبوط حاد في الدورة الدموية جهاز انعاش القلب يصعقها .. تشعر بصعقاته كأنها دغدغات خفيفة .. تغيب مرة اخرى عن الوعي .. تعود لتسأل من جديد .. ماذا حدث؟ .. اين انا ؟ .. وما ذلك الثوب الذي يقيدني ؟ .. لماذا لا اقدر على الحركة ؟ تسمع همهمات آتية من بعيد .. قرآن يتلى .. صوت بكاء شقيقتها .. كلمات غير مفهومة .. ضوء خافت يضئ المكان .. تبتسم ابتسامة ناعمة .. ويبدو وجهها صافي لأول مرة .. تتنهد بارتياح .. تهمس لروحها .. الآن فقد ستعرفين معنى الرحمة التي لم تصادفيها على الأرض