ام على فراش الحلم يحتضر .. رغما عنه راح يحتضر.. هل يحتضر أحد منا بإرادته؟.. خُيل إليه أن سقف حجرته هو السماء .. راح يبحث عن نجمة مضيئة فلم يجد .. عن سحابة تمطر لتنبت فى قلبه أملا فلم يجد .. لم يمطر عنده إلا دمع عينيه .. كان ثقيلا ثقيلا ..حينما يكون الدمع ثقيلا .. فالشجن أعمق من أن يتفهمه أحد .. أغمض عينيه واستسلم لعبث الأقدار. حين أغمض عينيه ، تذكر والده ووالدته وكل من رحل من دار إلى دار.. من فناء إلى بقاء .. من عدم إلى خلود .. تحسر قلبه كثيرا لضياع العمر .. هو الذى لم يحزن من قبل كل هذا الحزن على فقد أحد .. ماباله اليوم يشعر بكل هذا الحزن يمسك بتلابيب قلبه ويمزقه أربا وقطعا متساوية وغير متساوية.. أيناديه الرحيل حقا..تساءل فى حيرة ..كان يعرف أنه لن يعيش إلى الأبد.. فلماذا الحزن إذن؟. حزين على نفسه .. أبعد كل هذا العمر تحزن..سأل وتسآءل؟ .. ألم يكن هناك من هو أغلى على قلبك منك .. من ينظر لأخرٍ مهما كانت غلاوته على أنه أغلى على نفسه من روحه ..أحبيب يكون ، أم عشيق، أم هى الأم ، أم الأب ، ابن أم ابنة ، من؟! من؟ّ .. هذا هو السؤال الذى ردده بينه وبين نفسه .. لم ينطق بالإجابة رغم معرفته بها .. ولكن صرخة هائلة انطلقت من أعماقه ووجد نفسه يجرى فى حلمه البهى يبكى بدمع عزيز ..يقبل يد الحلم ويتوسل إليه : أرجوك لا تنتهى .. أرجوك لا تنتهى .. فأنت الحلم الذى عشته ليلا ونهارا .. راكبا ومترجلا .. واعيا وغير واع ..أرجوك راح يصرخ .. وما من مجيب.. إن قُدر للحلم أن ينتهى فلسوف ينتهى ولن يوقفه أحد ولا أحد يستطيع. انتهى الحلم إذن وبدأ النزيف ..أخر لحظات النزيف هى الأكثر ألما .. تماما مثل أخر أيام العمر هى الأكثر بعثا على الندم .. الحلم المغزول بخيوط الحقيقة السميكة التى ظن أنها لن تنقطع.. الخيوط التى ظن أنها لن تنقطع انقطعت .. من للصرخة والدمعة والليلة الحزينة؟! .. من يأخذ بيده اليوم وهو المحتضر على فراش حلمه.؟ كم عانده الزمن من قبل .. وكم قال له "لن تستطيع معى صبرا" .. حالما كان.. كان محبا للحياة أكثر بكثير من الموت فلم يصدقه .. فمضي مصرا على أن يمشى الدرب حتى النهاية.. وقد جاءت... قبل موعدها بكثير .. نهاية كالإعصار لم تبق أمامها شيئا وخلفت وراءها الدمار الحزين والدمع الحزين والعذاب الأليم الصارخ فى وجهه راقصا أمامه.. يخرج لسانه له وكأنه كائنا قد قتلت أمه فراح ينتقم. أغمض عينيه مرة أخرى مستسلما لوجع العمر .. من شرفة الجار جاء الصوت يغنى : غريب الدار علىّ جار .. ساخرا ردد بينه وبين نفسه : ما عاد هناك جار غريب ولا دار غريبة كل شئ ولى وانتهى .. كل شئ ولى وانتهى كانت روحه قد صعدت إلى بارئها صعود روحه كان فتحا لبوابة الموت .. بوابة من حديد قد علاها الصدأ .. قديمة وكأنها من عهد أدم ..متآكلة لكنها قوية ومتينة .. شكلها العام يلقى فى قلبك الرعب.. دلف إلى هناك .. هناك وجد القبور متراصة متلاصقة فى شكل لا يدل على أى نوع من أنواع الحضارة .. فلا احترامل للموتى وحرمة الموت .. المكان ليس نظيفا ومتسخا سأل نفسه من كان هنا ليتسخ المكان بهذا الشكل .. الموتى لا يفعلون ذلك .. ملأه الرعب واستدار متهبا للخروج .. حين هم به سمع صرير إحدى ضلفتى البوابة يرتطم بالأخر وأصوات مزاليج تصرخ فى إذنه لتقتل عنده أى أمل للهروب من المكان .. ما أصعب اللحظة التى يقتل فيها عندك الأمل .. هى الأصعب على الأطلاق.. فالأمل حياة وعدمه موت ولكن ..فى عالم وراء بوابة الموت قال : فلتقابل مصيرك ياقلبى الحزين .. ردد لنفسه لا مفر إذن .. استدار مرة أخرى ..هذه المرة خُيل له أن القبور متراصة بإنتظام دقيق والمكان نظيف نظيف .. وقفت مشودها ومنبهرا ..ضاع الخوف تحت مظلة الإنبهار ..فجأة عاد حين وجد القبور تتفتح أمامه ليخرج منها وبإنتظام متتابع من رحل .. كلٌ يلقى عليه نظرة ثم يعود إلى قبره .. لم يكن يدرى أمرحبين هم أم عاتبين لم يدر وكيف له؟! .. ..لدهشته لم يجد أحدا ببشرة سمراء. مرة ثانية ملأه الرعب .. النور كان معتما .. فمال المكان إلى العتمة لا النور ..لليل لا للصباح .. ما هذا الوقت الذى لا يعرف أهو النهار أم الليل ؟! ..فجأة لمح من البعيد قبرا مضيئا..دون وعى مر من بين القبور مرتعدا مترنحا .. شعر أنه سيهوى من شدة ترنحه فى إحداها لكنه تماسك على باب القبر المضئ وقف .. حين فُتح بابه خرج منه كائنا مضيئا ..سأله من أنت؟ رد مبتمسا أنا توأمك؟ صرخة أرادت أن تخرج.. جريا أراد أن يسحب قدميه .. لجلال المكان لم يستطع أن يطلق الصرخة ولا أن يمضى مهرولا .. سأله أمازلت تذكرنى؟ قال : وهل ينسى الموت أحبائهم..الأحياء ينسون .أما نحن فلا.. قال : بعض منى عندكم فهل قابلته هل رأيته أو تكلمت معه . . قال : نعم رأيته .. هو هناك ينعم ويلعب .. وينتظر قدومك ..رجاه أن ينقل له حبه وشوقه .. قال : لا أستطيع فلست مؤهلا لذلك .. قال : فليس أمامى إذن إلا أن أنتظر وأدار ظهره مطأطأ الراس .. وبظهر منحنٍ وبقلب منكسر وبروح تائهة خرج من البوابة التى لدهشته وجدها مفتوحة خرج من المكان ..نعم.. ولكن بعض نفسه هناك..لماذا خرج إذن من المكان؟ ولمن؟! محتضرا على فراش حلمه مازال ..امتدت يد حانية ربتت على كنفه بحنان بالغ وقالت : لى أنا حبيبى فلم يحن بعد موعد رحيلى لكى تموت أنت