تسود حالياً داخل المجتمع الضريبي مخاوف شديدة من فشل الإدارة الضريبية في تحقيق الإصلاح الضريبي المستهدف بسبب تداعيات رفض العاملين بالمصلحة تطبيق قانون الخدمة المدنية الجديد، حيث لم يستطع الإصرار الحكومي على تطبيق القانون إنهاء الصراع مع موظفي الضرائب، ورغم تغيير حكومة المهندس إبراهيم محلب إلا أن الفكر الحكومي لم يتغير، نظراً لتجديد الثقة في وزير المالية هاني قدري دميان الرافض لمطالب موظفي الضرائب، إلى جانب ما أعلنه رئيس الوزراء الجديد شريف إسماعيل أن قانون الخدمة المدنية صدر بالفعل ويجب تطبيقه واحترامه !! .. وتتمثل ورقة الضغط الأخيرة للعاملين في الإضراب الجزئي كأمل أخير للتأثير على الحكومة الجديدة، حيث يستعد الموظفون للتصعيد نهاية الشهر الجاري وتحديداً يوم 30 سبتمبر، والذي قرر العاملون اعتباره إجازة اعتراضية، وذلك في حال فشل قيامهم بإجراء مسيرة إلى قصر الاتحادية لمخاطبة رئيس الجمهورية بمطالبهم . وما بين المحاولات الأخيرة للعاملين بالضرائب أمام الموقف الحكومي المتشدد في تطبيق قانون الخدمة المدنية يتعرض الإصلاح الضريبي إلا مخاطر شديدة تهدد تطبيقه، خاصة أنه يعتمد كلياً على العنصر البشري المتمثل في موظفي الضرائب، إلا أنه في ظل عدم شعور الموظفين بالرضا عن مستواهم المالي والإداري فكيف ستتحقق منظومة الإصلاح المنشودة؟!. في هذا الإطار يؤكد أشرف عبد الغني رئيس جمعية خبراء الضرائب المصرية أن هناك قضايا شائكة تدور حول تأثيرات قانون الخدمة المدنية على الأداء الضريبي للعاملين بالمصلحة، موضحاً أن أي تأثيرات سلبية قد تنتج عن تطبيق قانون الخدمة المدنية الجديد، ستسير عكس الاتجاه الذي ينادي به الخبراء والمراقبون لتحقيق إصلاح ضريبي حقيقي لا يقتصر فقط على تطوير التشريعات والمنشآت الضريبية، وإنما يشمل أيضا استهداف التطوير وخلق بيئة العمل المناسبة، والتي يعتبر أحد أركانها الرئيسية تحسين ورفع مستوى أجور العاملين في الضرائب، سواء من خلال تعديل جداول الأجور وتطبيق الأجر الوظيفي بدلا من الأجر الأساسي والشامل، أو من خلال تخفيض مستويات الحوافز الممنوحة لهم وزياداتها السنوية، أو حتى ما يتعلق بتأثير هذه المتغيرات على المعاملة الضريبية لأجور هؤلاء العاملين متمثلة في ضريبة الدخل على الأجور والمرتبات. لافتاً إلي أن تحقيق الكفاءة المنشودة للعمل الضريبي تقوم على محورين أساسيين، أولهما الاهتمام بالتدريب العالي لرفع مستوى مهارات العاملين بالضرائب، عن طريق وضع برامج علمية عصرية لهم بالاستعانة بخبراء من الداخل والخارج، وثانيهما تحسين مستوى دخول هؤلاء العاملين واعتبار قضية رفع معدلات أجور العاملين بالضرائب استثمار له عائد قومي مالي واقتصادي كبير، كما هو الحال في جميع دول العالم المتقدمة التي يحظى فيها العاملون بمعدلات دخول مرتفعة تتناسب مع طبيعة عملهم الفنية. ويشدد «عبد الغني» على أنه مهما كانت أهمية الأهداف التي دفعت الدولة لإصدار قانون الخدمة المدنية، سواء لعلاج التشوهات في جداول أجور العاملين بالقطاع الحكومي أو ضبط معدلات الزيادة السنوية في ميزانية الأجور، فإن تحقيق هذه الأهداف لا يجب أن يغفل أهدافاً إستراتيجية أخرى على رأسها استكمال الإصلاح الضريبي وخلق بيئة مشجعة للاستثمار، واستعادة النشاط الاقتصادي لمعدلات أدائها الطبيعية. ويؤكد الخبير الضريبي عادل البكري أن سعى الدولة لزيادة موارد الخزانة العامة يمثل هدفاً استراتيجيا وقومياً في هذه المرحلة، إلا أن العمل على رفع مستوى كفاءة العمل الضريبي يشكل محوراً أو ركيزة أساسية لتحقيق هذا الهدف، خاصة أن واقع الأرقام الرسمية يؤكد أن الضرائب تمثل نحو 70% من إجمالي الإيرادات العامة للدولة سنوياً، وشدد على أن رفع مستوى أجور وكفاءة أداء العاملين بالضرائب أمر مهم للغاية لأنه يحقق أكثر من هدف قومي، فمن ناحية يساعد على خلق المناخ الجاذب للاستثمار ويعظم من الإيرادات الضريبية المحققة سنوياً، ومن ناحية أخرى يقلل من حجم النزاعات والخلافات الضريبية، كما يسد باب الفساد في العملية الضريبية والذي يؤثر سلباً على الحصيلة الضريبية السنوية. ومن جانبه يؤكد المحاسب القانوني أحمد شحاتة أن أي انعكاسات سلبية لقانون الخدمة المدنية الجديد على أجور العاملين بالضرائب سيكون لها سلبياتها على الحصيلة الضريبية المستهدفة بموازنة الدولة للعام الحالي، والتي تزيد بنحو 100 مليار جنيه عن العام الماضي لتصل إلى نحو 422.3 مليار جنيه، كما ستضعف من الدور المنوط بالعاملين بالضرائب تحقيقه لجذب قطاع الاقتصاد غير الرسمي تحت مظلة الشرعية القانونية وإخضاعه للمنظومة الضريبية. ويكشف «شحاتة» عن خطورة تأثيرات القانون من أنه قد يدفع إلى بحث الكثير من الكفاءات والخبرات العالية العاملة بالقطاع الضريبي خاصة من خبراء الفحص الضريبي والمراجعة إلى الهجرة للقطاع الخاص لتأمين مستقبل أسرهم، مما سيحرم الجهاز الضريبي من خبراته العالية، الأمر الذي سيؤثر سلبا على العمل الضريبي، مما يفرض ضرورة إعادة النظر ومزيد من الدراسة المتأنية للتأثيرات الاقتصادية والاجتماعية لهذا القانون.