شيىء قاسٍ على الإنسان، أن يعيش طوال حياته سجيناً للظلام، وما أقسى من أن يُحرم حتى من رؤية وجهه فى المرآة، أو نوعية مأكولاته ولون ملابسه. هناك فاقدات للبصر، حرمن من أن يرين وجه فارس أحلامهن أو وجه أولادهن، ولكن برغم كل ذلك؛ هناك أيضا من هؤلاء من ضربن المثل الأعلى فى الإرادة الصلبة القوية والعزيمة الفولاذية، تحدين وكسرن خيوط الظلام، وخرجن إلى نور العلم والتعلم، تاركين خلفهنكثيرين من المبصرين، لم يستفدن من نعمة الإبصار. تطرقت "الوفد" لحكايات 3 شقيقات، هن "سحر، عزة، عايدة" أحمد محمد ربيعي، فقدن نعمة الإبصار ، ولكنهن تحدين عجزهن الذى لاحول ولا قوة لهن فيه، وكسروا حاجز خيوط الظلام وأسواره، واستطعن حفظ القرآن الكريم وتجويده، حاولنا التقرب من ال 3 شقيقات لنتعرف على قصتهن فى حفظ كتاب الله. فى قرية بنى أحمد الغربية، التى تقع غرب جنوب المحافظة، التي يبلغ عدد سكانها نحو 12 ألف نسمة، الجميع في تلك القرية يعرفون بعضهم بعضاً، ويرتبطون بصلة نسب ومصاهرة. داخل منزل ريفى بسيط تشهد جدرانه على أن حالة الأسرة الاقتصادية متوسطة، تسكن فيه "سحر وعزة وعايدة" أحمد محمد، حُرمن من نعمة الإبصار، هن أبناء لموظف بسيط يبلغ من العمر 54 عاماً ،كان يعمل فى مصنع الغزل بالمنيا، وأصيب فى حادث أقعده عن العمل وخرج معاشاً مبكراً، لا يملك من حطام الدنيا سوى معاشه، رزقه الله ب5 فتيات وولد، 3 منهن كفيفات، و3 منهن نجين من فقدان البصر، كان دائم الحزن على بناته، حاول وأنفق كل ما يملك لمعالجتهن، لكن إرادة الله كانت أقوى لاختبار صبر الرجل وبناته. تروى شقيقتهن الكبرى "دعاء" ل"بوابة الوفد" التي نجت من قفدان البصر وأكرمها الله بنعمة نور الحياة، وأنها قررت أن تغير حياة أخواتها وتخرجهن من ظروفهن القاسية، وتشجعهن على الإصرار والإرادة، وحب الله على نعمته، فى كل حال. وبدأت شقيقتهن الكبرى تشاركهن فى الأمل، وبدء حياة جديدة معهن، فأقنعتهن بضرورة التعليم، وساعدتهن في تعلم القراءة والكتابة، وبدأت تقرأ آيات من القرآن الكريم، وهن يرددن وراءها، ومع أول إحساس لها باستجابتهن للتعليم تقدمت لهن بأوراقهن، إلى فصول محو الأمية للحصول على الشهادة، وبالفعل تمكنت الفتيات الثلاث من الحصول على شهادة محو الأمية، ولم تكن تلك هى المحطة الأخيرة. وأكدت دعاء، أن والدها ووالدتها لهما دور كبير فى تشجيع شقيقاتها على التعليم وحفظ القرآن من الصغر، ورغم ظروف أخواتي؛ إلا أني فخورة بشقيقاتى لإصرارهن على النجاح والتفوق، ولذلك أصررت على عدم تركهن والوقوف جوارهن حتى أراهن فى أحسن حال، وهو ما تحقق بالفعل بتفوقهن على فاقدي البصر. قررت دعاء أن تعلم شقيقاتها الثلاث، الكمبيوتر، فبدأت فى شرح الأمر لهن، واستعانت بمساعد لتعليم للمكفوفين حتى تعلمت الفتيات استخدامه. وتحدثت عايدة، قائلة: "كان نفسى أكون مبصرة وأرى وجه والدى ووالدتى وأخواتى، وأمارس حياتى بشكل طبيعى، كان نفسى أشوف لون ملابسى وأكلى، كان نفسى أعيش حياة طبيعية مع صديقاتى، ولكن نحمد الله على كل شيء، فبإرادتنا نرى كل شيء بالتخيل فى عتمة ظلام فقدان البصر ، ونستشعر كل حركة حولنا". وفى تلك الاثناء كانت الفتيات الثلاث يقمن بحفظ القرآن الكريم، حتى تمكنت سحر- التي تبلغ من العمر 31 عاما- من حفظ القرآن كاملاً، وشقيقتها عزة، تمكنت من حفظ 24 جزءًا، أما عايدة فتمكنت من حفظ 18 جزءًا، إضافة إلى تعلمهن العمل على الكمبيوتر وإجادته. وقالت سحر: "مما لاشك فيه أن نعمة البصر غالية لا يشعر بها سوى من حُرم منها، ولكن تلك هى إرادة الله- عز وجل- ولابد أن نعيش حياتنا متسلحين بالعزيمة والإرادة، ولا اعتراض على حكم الله وقدره". وتضيف سحر: "ربنا ما يحرم إنسان من نعمة الإبصار ، ولكن قدر الله، مين كان عارف إيه اللى هيحصل لو كنا مبصرين، ولكننا متسلحين بقوة الإرادة والعزيمة والتحدي، وكسرنا حاجز الظلام وحصلنا على شهادة محو الأمية، وحفظنا القرآن الكريم ونجوده، وتلك نعمة من نعم الله علينا، ولكن هل يحرمنا ذلك من فرصة عمل تساعدنا على المعيشة، ومساعدة الأسرة فى نفقات الحياة، مطالبين الدولة بمنحهن فرص عمل يتقوتن منها".