اتخذت مسيرة الديكتاتورية حول العالم أسماء مختلفة على مر العقود السابقة ، أما الأشكال الحديثة منها فقد ظهرت في شكل "العثمانية الجديدة" وهو الوصف الذي أطلق على سياسة أردوغان في تركيا و "البوتينية" وهو الوصف الذي أطلق على سياسة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين و "إجماع بكين" وهو مصطلح يقصد به النموذج الصيني الرأسمالي الناعم في مقابل النموذج الرأسمالي الأمريكي المتوحش. بهذه الكلمات استهل الكاتب الأمريكي "ديفيد اجناتيوس" مقالته في صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية التي تناول فيها أسباب فشل حزب العدلة والتنمية الذي يتزعمه الرئيس التركي "رجب طيب اردوغان" في الحصول على أغلبية الأصوات في الانتخابات البرلمانية التي أجريت بالبلاد في 7 يونيو الماضي. وإلي نص المقال: قال الكاتب إن فكرة الطاغية الكفء قوبلت بالرفض التام في الانتخابات البرلمانية التي اجريت في تركيا في ظل حضور جماهيري تخطي 87% من الناخبين أدلوا بإصواتهم ورفضوا أعطاء "اردوغان" الأغلبية المطلقة التي ارادها ليعيد كتابة الدستور ويعطي لنفسه صلاحيات تنفيذية واسعة، مشيرةً إلي أن نتائج الانتخابات رسخت الديمقراطية في البلاد وأظهرت حكمة الناخبين المستنيرين. وأوضح الكاتب أن المعلقون الاتراك فرحوا كثيراً بنتائج الانتخابات، مشيراً إلي ما قاله " أوزغور أنولوهيسار سيكلي، ممثل صندوق مارشال الألماني للولايات المتحدة لصحيفة "نيوويرك تايمز" الأمريكية :" أن تركيا أثبتت أنها ديمقراطية تصحح نفسها بنفسها". لماذا رفضت تركيا اردوغان وتحدث الكاتب عن الأسباب التي جعلت الناخبين يرفضون الاستبداد علي حد وصفه علي الرغم من أن اماكن عديدة في تركيا تقبل به وتصفق له ، موضحاً أن الأجابة علي هذا التساؤل يمكن في القوة النسبية للمؤسسات السياسية في تركيا، فالعلمانية ترسخت في البلاد منذ عقود. وأكد الكاتب أن تركيا بها ثقافة مدنية تمكنها من دعم المؤسسات الديمقراطية، بالاضافة إلي امتلاكها اقتصاد السوق الحر النابض بالحياة وصحافة حرة وجيش قوي ومؤسسة قضائية مستقلة، مؤكداً أن هذه القطاعات كان ينظر لها على أنها ستتعرض لمزيد من القمع والاضطهاد من قبل الرئيس التركي لكي يكتسب مزيد من السلطات ولكن حدث عكس ذلك فالصحفييون والقضاة والقطاع المدني لم يحاربوا اردوغان بمفردهم بل انضم اليهم ايضاً الناخبيين. وتابع الكاتب ، من المفارقات أن اردوغان ساعد علي تشجيع الاكراد الذين كانوا عاملاً اساسياً في الانتخابات التي انعقدت يوم الاحد الماضي، فبصفته زعيم حزب العدالة والتنمية تودد كثيراً للاكراد لكي يحصل علي اصواتهم في الانتخابات عن طريق الوعود بإعطاء المزيد من الحقوق وصنع السلام. ولكن يوم التصويت على المرشحين تبلورت كتلة الاكراد للتعبير عن الذات من خلال التصويت لصالح حزب الشعب الديمقراطي الليبرالي الذي يترأسه "صلاح الدين دميرطاش"، حيث حصل على أكثر من 13 % من الأصوات ليصبح بذلك أول حزب برلماني كردي واضح في تاريخ تركيا. ورأي الكاتب أن هذه التعددية التي ظهرت في تركيا عقب الانتخابات البرلمانية تعتبر بمثابة رفض شعبي لسيطرة أردوغان على السلطة التنفيذية.