في الثالث من ديسمبر 2010، أصدر الاتحاد الدولي لكرة القدم قراراً هو الأكثر إثارة للجدل في تاريخه، عندما منح دولة قطر حق تنظيم نهائيات كأس العالم 2022. القرار نزل كالصاعقة على رؤوس الجميع، باستثناء أمير قطر السابق حمد بن خليفة آل ثاني، وزوجته الشيخة موزة بنت ناصر المسند، ورئيس الاتحاد الدولي المستقيل جوزيف بلاتر، حيث كان الثلاثة من أبرز الحضور للحفل الذي أقيم في مدينة زيوريخ السويسرية، وبدا من المشهد الاحتفالي المسرحي أن السيناريو كان مُعد سلفاً. فوفقاً لأحكام الجغرافيا والطبيعة والتاريخ، فإن قطر لا يجوز، وفقاً لأي منطق، أن تفوز بشرف تنظيم المونديال، على حساب الولاياتالمتحدة واليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا، فالدولة الخليجية الصغيرة لا يمكن أن تستوعب هذا الكم الهائل من الجماهير التي تتابع الحدث الكروي العالمي وتصل أعدادها إلى ما لا يقل عن مليون وافد، كما أن مساحة قطر المحدودة، مقارنة بدول أخرى سبق لها تنظيم المونديال، لا تسمح لها بتوزيع المباريات على مدن متباعدة. ومن جهة أخرى فإن تقرير اللجنة الطبية التابعة للجنة التنفيذية لفيفا أكد استحالة إقامة البطولة في موعدها التقليدي صيفاً، حيث تصل درجات الحرارة إلى 50 درجة مئوية ناهيك عن الرطوبة القاتلة هناك، هذا العامل الطبيعي قاد مسئولي قطر إلى التحدي، والإعلان عن إنشاء ملاعب مكيفة، ولكن هذا الأمر أثار السخرية لأن تكييف الملاعب أمر ممكن، ولكن هل يمكن تكييف الشوارع التي تسير فيها الجماهير أيضاً؟. وبعد جدل وسع، تخطى فيفا الخلاف حول الطقس الحار في قطر بقراره بتعديل موعد البطولة لتقام في شهري نوفمبر وديسمبر، وهو القرار الذي أثار تحفظ عمالقة الكرة الأوروبية، لأن الموعد الجديد سيضرب بطولات الدوري الأوروبي ومسابقات الاتحاد الأوروبي في مقتل. وخلال السنوات الخمس التي تلت القرار المثير للجدل، لم تتوقف التقارير التي كشفت تورط مسئولين كبار في فيفا في فضائح فساد ورشاوى تخُص الملف القطري، فما كان من بلاتر أن استجاب للضغط الدولي، وقرر تشكيل لجنة تحقيق مستقلة برئاسة الأمريكي مايكل جارسيا، وصدر تقرير جارسيا بعد مماطلة، إلا أنه جاء مجتزئاً من سياقه، مما دفع جارسيا إلى الاستقالة من اللجنة رفضاً لخروج التقرير بهذه الطريقة. الغريب في الأمر أن ملخص التقرير الذي تم إعلانه من جانب فيفا قال نصاً إن هناك دلائل على وجود فساد في عملية منح تنظيم مونديال 2022 إلى قطر، وأن هذه الدلائل تشير إلى تورط القطري محمد بن همام، رئيس الاتحاد الآسيوي السابق، وعضو اللجنة التنيفذية في فيفا سابقاً، في تقديم رشاوى، إلى أن التقرير خلُص إلى أن بن همام لم يكن مسئولاً عن الملف القطري!!. الضربة القاصمة جاءت يوم الثلاثاء الماضي، قبل 72 ساعة على انتخابات رئاسة فيفا، حيث أعلنت الولاياتالمتحدة، التي نافست قطر على استضافة مونديال 2022، لائحة اتهام بحق عدد من مسئولي فيفا على خلفية تورطهم في قضايا فساد، وشنّت السلطات السويسرية غارات مفاجئة على مكاتب فيفا، صحيح أن تلك الغارات لم تؤثر على فوز بلاتر في الانتخابات التي جرت يوم الجمعة، ولكن يبدو أن الفضيحة كانت أكبر من حصوله على الولاية الخامسة، فاضطر رئيس جمهورية فيفا إلى الاستقالة بصورة مفاجئة أمس الثلاثاء. استقالة بلاتر فتحت الباب على مصراعيه أمام السيناريو المنتظر منذ فترة طويلة، وهو سحب مونديال 2022 من دولة قطر، أو وفقاً لأفضل الاحتمالات إعادة التصويت بين قطر والدول التي نافستها سابقاً. وتشير التقارير الواردة من صناع القرار في عالم كرة القدم إلى وجود صراع مرير بين فيفا والاتحاد الأوروبي لكرة القدم، يويفا، الذي عارض بشدة تنظيم قطر للمونديال، ويبدو أن تلك المعارضة ستتحول إلى قرار بسحب التنظيم، خاصة مع احتمال تولي الفرنسي ميشيل بلاتيني رئاسة فيفا خلفاً لبلاتر. تلك التقارير عززتها تصريحت رئيس الاتحاد الإنجليزي لكرة القدم جريج دايك، الذي استغل فرصة استقالة بلاتر في استهدف قطر بقوله: إذا كنت مكان قطر الآن فإنني لا يمكن أن أشعر بالراحة الآن أبداً. الأمر البارز في تلك القضية، أن قطر التزمت الصمت منذ اندلاع الأزمة حتى لحظة كتابة هذا السطور، ولم صدر أي تعليق رسمي قطري حول اتهامات الفساد التي طالت ملف الدوحة 2022. كل الطرق تؤدي إلى أن قطر لن تستضيف كأس العالم 2022، إلا أن السلاح الوحيد الذي يمكن أن تُشهره الدوحة في تلك الحالة هو المقولة التاريخية الشهيرة لشمشون "عليّ وعلى أعدائي"، ووقتها سيكون ملف قطر 2022 هو فضيحة القرن الحقيقية. اقرأ ايضا :- سيناريو أمريكي لاختطاف كأس العالم من قطر بالصورة.. خطاب سري يُجبر بلاتر على الاستقالة "سحب المونديال" يهدد بانهيار اقتصاد قطر بالصورة.. خطاب سري يُجبر بلاتر على الاستقالة