في وسط القاهرة، وتحديدًا في شارع 26 يوليو يجلس مسن بمدخل أحد العقارات على كرسي خشبي من الطراز القديم، بجواره راديو من الخمسينات، حيث يستمع لأغاني القومية العربية للفنان الراحل عبد الحليم حافظ. يجلس الرجل ويتذكر أيام الزمن الجميل وبجواره آله يتعدي عمرها الثمانين عامًا مكتوب عليها "اعرف وزنك وحظك" يتوافد عليها المارة لمعرفة أوزانهم وحظوظهم، حاورت "بوابة الوفد" صاحب الآلة ليرصد لنا قصته وقصتها في الحوار الآتي. ما اسم هذه الآلة وكم عمرها؟ اسمها "الميزان" وهي صناعة روسية يعود عمرها لأكثر من ثمانين عامًا، ورثتها عن أبي وورثها أبي عن جدي، وسأظل أعمل عليها حتي أموت، ويضيف الرجل متأثرًا أنا لا أستطيع أن أبعد عنها يومًا، فهي تذكرني بذكريات جميلة، كما أنها مصدر دخلي الوحيد وبفضلها أصبح ابني مهندسًا وابنتي مرشدة سياحية. كم تربح من هذا الجهاز؟ ربح الجهاز قليل، حيث لا يكون هناك ضغط عمل إلا في الأعياد والمناسبات، هذا بخلاف أنني أدفع إيجارا لمالك العمارة بسبب مكان هذا الجهاز، حيث استأجره جدي إيجار قديم ومياه وكهرباء، ولكن سبب تمسكي بهذه الآلة القديمة هي ذكرياتي الجميلة التي قضيتها هنا معها فكم كانت مصر جميلة وهادئة. هل هذه هي آخر آلة في مصر من هذا النوع؟ لا، هناك في مصر ثلاثة آلات أخرى فقط أعرف مكانها وأصحابها جيدًا، ففي شبرا يوجد آلة، وأخرى في رمسيس، والآلة الثالثة هي هذه الآلة، كما أننا نتعاون مع بعضنا البعض في صيانة هذه الآلات لو تعثر شئ مع أحد الزملاء، فلا يستطيع أحد تصليحها إلا نحن. ما رأيك في وضع مصر الآن؟ مصر الآن بعد تعود لأصحابها من جديد بعد ما تم اختطافها خلال الأعوام الماضية، مضيفًا: "لأول مرة بدأت أحس إن مصر رجعت ووسط البلد بقى هادي زي الأول وربنا يخلي الرئيس عبد الفتاح السيسي والجيش المصري". برأيك.. ماذا تنتهي قصة هذه الآلة؟ ستنتهي قصة هذه الآلة مع نهاية قصتي وموتي، فأولادي لا يحبونها وكل منشغل في عمله وبعد أن أموت لن يعمل أحد عليها، وهذا أكثر ما يؤلمني أن أتذكر أن يومًا ما سيصبح ما تركه أجدادي ملقاة في مخزن للخردوات، وهذا يتذكر ذكريات طفولته عندما ينظر إليها. هل تصدق أن هذه الآلة تجلب الحظ؟ لا أعلم جيدًا أنها لا تجلب الحظ فلا أحد يعلم الغيب إلا الله، والناس تعلم ذلك ولكنهم يقبلون عليها في محاولة منهم لتذكر الآلات التي كانت في مصر أيام الزمن الجميل، مثل "البيانولا" وغيرها من الآلات المحفورة في أذهان المصريين.