لعل أملًا مشروعًا فى إدراك برلمان ثوري، لا يصح التفريط فيه، والانتقاص من قدره، وإن طال الانتظار جراء ما يتعرض له الاستحقاق الأخير من خارطة المستقبل من عثرات، طال معها السعى صوب استكمال المؤسسات الدستورية، كسبيل لا بديل عنه إذا ما أرادت الدولة المصرية اللحاق بالطموحات المتزايدة المُعلقة بها على طريق تجسيد قيم ومبادئ وأهداف ثورة يناير المجيدة، وما أفرزته من تصحيح ذاتى فى الثلاثين من يونيو. فليس من شك أن «مللًا» أصاب الشارع المصرى وهو ينتظر البرلمان «الثوري»، الذى طالما وصفه الجميع بأنه أهم برلمان فى تاريخ الأمة المصرية، نظرًا لما ينتظره من مهام صعبة، وأدوار جديدة من شأنها التأكيد على التحولات الجذرية التى طالت المجتمع كنتاج للثورة، وكتجسيد حى لما نص عليه الدستور من ملامح ديمقراطية، تتجاوز مجرد خصم صلاحيات من الرئيس وإضافتها إلى رصيد البرلمان. غير أن تشهيرًا، متعمدًا كان أو غير ذلك، بالمرتكزات الثورية للشعب، لا ينبغى تمريره إلى داخل أوساط الرأى العام، بتداعياته الخطيرة على المستويين، الداخلى والخارجى على السواء؛ فتشكيك فى العقيدة الثورية للشعب، يهيئ للتحول الديمقراطى موقعًا متراخيًا فى الداخل، يتبعه بالقطع تراجع فيما تحقق على الصعيد الدولى من تأييد واسع النطاق، وإقرار أكيد بصحة مسار الثورة المصرية بعد الثلاثين من يونيو. ولا يشكك فى ثورية المرتكزات الشعبية، قدر تشويه المشهد الداخلي، باعتبار ما أصاب الناس من «ملل» مرجعه سقوط مفهوم «البرلمان» من العقيدة الشعبية، كأداة ديمقراطية لم تعد محل جدل فى المجتمعات المتحضرة؛ ومن ثم فدفعًا بحالة «الملل» إلى مستوى زائف يطعن به البعض فى ثورية المرحلة، إذا ما نجحوا فى رسم صورة ذهنية مغلوطة عن الشعب وعلاقته بالبرلمان الجديد، إذ يسعى هؤلاء إلى ترسيخ ثقافة راكدة، مفادها أن البرلمان لا ينال الكثير من اهتمام الشعب، وصولًا إلى حد الزعم بأن الناس تخشى على مسيرة الرئيس السيسى من البرلمان الذى يمكن أن يكون «مُعطلًا» للرئيس، وهى مزاعم تنال من العقيدة الثورية للشعب، وتقلل من إدراكه الواعى بقواعد العملية الديمقراطية، ولعل فى ذلك أصولا ترتد إلى مقولات لرموز نظام مبارك، لطالما أسسوا لعروشهم عليها، باعتبار الشعب المصرى غير مُهيأ للديمقراطية! وعلى هذا النحو يشى الأمر بزبانية الأنظمة الفاشية التى أسقطتها الثورة، وسحقتها أقدام الملايين الثائرة تنادى بحريتها وكرامتها، وموقعها الصحيح فى المسيرة الإنسانية؛ فعداء لقيم وقواعد الديمقراطية لا نجد له سندًا بعيدًا عن أعداء الثورة؛ إذ هم على يقين من أن البناء عاليًا على قواعد الديمقراطية لن يأتى إلا على أنقاض نظامهم، بقيمه الفاسدة، وعقيدته المضادة للمصالح الوطنية ولطموحات الشعب فى حياة كريمة حرة. وواقع الأمر أن ما أصاب الناس من «ملل» وهم ينتظرون البرلمان، مرجعه إلى تسيد أصحاب هذا التوجه الرجعى لمواقع غير قليلة فى المشهد السياسي، وما قدموه خلال فترة الاستعداد للسباق البرلمانى من ممارسات سيئة الذكر، شوهت المشهد الديمقراطى الذى تخيله البعض للمرحلة الثالثة والأخيرة من خارطة المستقبل، كعرس ختامى نُهيئ به لاستقبال الدولة المصرية الجديدة، وقد اكتملت أركانها الدستورية، وأعلنت كلمتها أمام العالم. لتكن ثورتنا عقيدة راسخة، وفى الأفق القريب المنظور برلمان ثوري، أملًا لا يغيب، وليظل أعداء الثورة على غيهم يسعون إلى تشويه العقيدة الثورية للشعب، وهدم روحه المعنوية، وهى إن كانوا لا يعلمون ركن ركين داخل المفهوم الواسع للقوة الشاملة للدولة؛ ومن ثم فهم بالقطع أعداء الوطن، ولن يسقط بيننا مفهوم «البرلمان»، وإن راحوا يغرسون الشكوك حوله قبل أن يولد، ولتكن يقظتنا أكبر ونحن نواجه لحظات تاريخية تؤكد على خطورة الآثار المترتبة على تداخل الأنظمة الفاسدة مع النظام الجديد الذى أفرزته الثورة المصرية، كأمر وارد، بل وحتمي، فيما يعرف داخل عملية التحول الديمقراطى بالمرحلة الانتقالية التى يختلط فيها النظام الجديد ببقايا النظام القديم المستبد، على نحو يثير صعوبات أمام استكمال النظام الجديد لمكوناته الأساسية، ويدفع بحالة من عدم اليقين إلى أصحاب الثورة. «الوفد»