برلماني: الدولة تسعى لتحسين التجربة السياحية وترسيخ مكانتها بالخريطة العالمية    إزالة 17 حالة تعد جديدة على نهر النيل بدمياط    «إجيماك» تتفاوض مع بنوك محلية للحصول على قرض بقيمة 700 مليون جنيه    واشنطن «غير أكيدة» من وضع قوات كييف...رئيسة ليتوانيا: هذه هي مساعدات أمريكا الأخيرة    غارة إسرائيلية تستهدف منزلا في بلدة بجنوب لبنان    مدرب يد الزمالك يعقد جلسة فنية مع اللاعبين قبل لقاء الترجي    حملات تموينية على الأسواق في الإسكندرية    مفاجأة إسعاد يونس.. ياسمين عبد العزيز ضيفة «صاحبة السعادة» في شم النسيم    الطلاق 3 مرات وليس 11..ميار الببلاوي ترد على اتهامات شيخ أزهري    رامي جمال يتخطى 600 ألف مشاهد ويتصدر المركز الثاني في قائمة تريند "يوتيوب" بأغنية "بيكلموني"    أحمد حسام ميدو يكشف أسماء الداعمين للزمالك لحل أزمة إيقاف القيد    مصر ترفع رصيدها إلى 6 ميداليات بالبطولة الإفريقية للجودو بنهاية اليوم الثالث    ختام امتحانات النقل للمرحلتين الابتدائية والإعدادية بمنطقة الإسماعيلية الأزهرية (صور)    غدا انطلاق معرض وتريكس للبنية التحتية ومعالجة المياه بمشاركة 400 شركة بالتجمع    رئيس الوزراء الفرنسي: أقلية نشطة وراء حصار معهد العلوم السياسية في باريس    مجرم في كهرباء الجيزة!    السر وراء احتفال شم النسيم في مصر عام 2024: اعرف الآن    إنجازات الصحة| 402 مشروع قومي بالصعيد.. و8 مشروعات بشمال سيناء    «صباح الخير يا مصر» يعرض تقريرا عن مشروعات الإسكان في سيناء.. فيديو    رئيس جامعة جنوب الوادي: لا خسائر بالجامعة جراء سوء الأحوال الجوية    الشرطة الأمريكية تفض اعتصام للطلاب وتعتقل أكثر من 100 بجامعة «نورث إيسترن»    وزير الرياضة يشهد مراسم قرعة نهائيات دوري مراكز الشباب النسخة العاشرة    بيريرا ينفي رفع قضية ضد محمود عاشور في المحكمة الرياضية    الرئيس التنفيذي للجونة: قدمنا بطولة عالمية تليق بمكانة مصر.. وحريصون على الاستمرار    بالتعاون مع فرقة مشروع ميم.. جسور يعرض مسرحية ارتجالية بعنوان "نُص نَص"    "اكسترا نيوز" تعرض نصائح للأسرة حول استخدام ابنائهم للانترنت    أمن أسيوط يفرض كرودا أمنيا بقرية منشأة خشبة بالقوصية لضبط متهم قتل 4 أشخاص    خطة لحوكمة منظومة التصالح على مخالفات البناء لمنع التلاعب    فوز أحمد فاضل بمقعد نقيب أطباء الأسنان بكفر الشيخ    بايدن: لن أرتاح حتى تعيد حماس الرهائن لعائلاتهم    التحالف الوطني للعمل الأهلي.. جهود كبيرة لن ينساها التاريخ من أجل تدفق المساعدات إلى غزة    "بيت الزكاة والصدقات" يستقبل تبرعات أردنية ب 12 شاحنة عملاقة ل "أغيثوا غزة"    الإمارات تستقبل دفعة جديدة من الأطفال الفلسطينيين الجرحى ومرضى السرطان.. صور    الكشف على 1670 حالة ضمن قافلة طبية لجامعة الزقازيق بقرية نبتيت    «تملي معاك» أفضل أغنية عربية في القرن ال21 بعد 24 عامًا من طرحها (تفاصيل)    الصين: مبيعات الأسلحة من بعض الدول لتايوان تتناقض مع دعواتها للسلام والاستقرار    حكم واجبية الحج للمسلمين القادرين ومسألة الحج للمتوفين    النقض: إعدام شخصين والمؤبد ل4 آخرين بقضية «اللجان النوعية في المنوفية»    بالصور| "خليه يعفن".. غلق سوق أسماك بورفؤاد ببورسعيد بنسبة 100%    قائمة باريس سان جيرمان لمباراة لوهافر بالدوري الفرنسي    أهمية وفضل حسن الخلق في الإسلام: تعاليم وأنواع    علي الطيب يكشف تفاصيل دوره في مسلسل «مليحة»| فيديو    وزير التعليم ومحافظ الغربية يفتتحان معرضًا لمنتجات طلاب المدارس الفنية    الصحة: فرق الحوكمة نفذت 346 مرور على مراكز الرعاية الأولية لمتابعة صرف الألبان وتفعيل الملف العائلي    السيسي يتفقد الأكاديمية العسكرية بالعاصمة الإدارية ويجري حوارًا مع الطلبة (صور)    سياحة أسوان: استقرار الملاحة النيلية وبرامج الزيارات بعد العاصفة الحمراء | خاص    وزيرة التضامن توجه تحية لمهرجان الإسكندرية للفيلم القصير بسبب برنامج المكفوفين    خبيرة: يوم رائع لمواليد الأبراج النارية    استمرار حبس عاطلين وسيدة لحيازتهم 6 كيلو من مخدر البودر في بولاق الدكرور    حصيلة تجارة أثار وعُملة.. إحباط محاولة غسل 35 مليون جنيه    الدلتا للسكر تناشد المزارعين بعدم حصاد البنجر دون إخطارها    متصلة تشكو من زوجها بسبب الكتب الخارجية.. وداعية يرد    مستشار الرئيس الفلسطيني: عواقب اجتياح رفح الفلسطينية ستكون كارثية    «السياحة»: زيادة رحلات الطيران الوافدة ومد برنامج التحفيز حتى 29 أكتوبر    أبو الغيط: الإبادة في غزة ألقت عبئًا ثقيلًا على أوضاع العمال هناك    هل يوجد تعارض بين تناول التطعيم وارتفاع حرارة الجسم للأطفال؟ هيئة الدواء تجيب    أفضل دعاء تبدأ وتختم به يومك.. واظب عليه    إشادة دولية بتجربة مصر في مجال التغطية الصحية الشاملة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محمد جزائري يكتب: الرياض.. عاصمة الصحراء قصة صمود
نشر في الوفد يوم 18 - 02 - 2015

في أوائل عام 2011. بدايات ما اصطلح على تسميته ب«الربيع العربي»، كان سعود الفيصل، وزير الخارجية السعودي، يعقد مؤتمرا صحافيا في جدة، غرب السعودية. ويصرح ب«أن من يشير بإصبعه تجاه السعودية سنقطعها له».
كان الفيصل يجيب عن سؤال حول احتمالية وجود تدخلات خارجية لزعزعة استقرار البلاد كما هي مؤشرات الحال في طلائع دول «الربيع العربي»، آن ذاك. كان «البيت السياسي» في الرياض، يوجه رسالة لا مواربة فيها إلى أن «عملاق الصحراء» السياسي والاقتصادي لن يتوانى عن استخدام ثقله، لخلق التوازن الإقليمي مقابل هذا الزلزال الذي يهدد الجغرافيا والأمن الوطني. مرت 4 سنوات من عمر هذا التصريح، وصمدت «الرياض» ضد رياح «ربيع المنطقة» الذي لم يكن سوى ديكور لامع ل«ربيع أصولي» قطباه رمزي «الإسلام السياسي»، السني ممثلا في «الإخوان المسلمين» ومقابله الشيعي ممثلا في طهران، وما بينهما من حركات العنف المسلح المتطرفة، ومجاميع المرتزقة، وشذاذ الآفاق، الغرباء الذين لا أوطان لهم.
عبرت المنطقة أزمات سياسية كبرى في العقد الأخير. بدأت عندما استيقظ السعوديون مع العالم على مفاجأة 11 سبتمبر (أيلول) الإرهابية من تنظيم القاعدة. وكانت الصباحات الأمَرّ، تلك التي تلت تفجيرات مايو (أيار) 2005 وما تبعها من ملاحقات في كل جغرافيا المملكة انتهت إلى القضاء عليهم.
كان الجرح الوجداني للسعوديين عميقا، ليس من كون المهاجمين من أبنائهم فقط، بل ومن تشويههم لصورة «الإسلام» خاتم الأديان السماوية، ووصمه بالإرهاب.
«الإرهابيون سرقوا أهم الأشياء لدينا، أخذوا إيماننا وأطفالنا واستخدموهم لمهاجمتنا». قالها الأمير محمد بن نايف لريتشارد هولبروك، السفير الأميركي السابق لدى الأمم المتحدة، في عام 2008. بحسب تقرير نشر في «نيويورك تايمز» أخيرا.
السعودية اليوم، في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان، أعادت هندسة «البيت السياسي» من الداخل، بقرارات تعيين الأمير مقرن وليا للعهد، وتعيين الأمير محمد بن نايف وليا لولي العهد، وزير الداخلية الذي بزغ نجمه في العقد الأخير كأحد أبرز الوجوه السياسية في مكافحة الإرهاب.
أخيرا، في موقفين متتابعين، تؤكد فيهما الرياض على مواصلة الحرب على الإرهاب، عزّى الملك سلمان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في استشهاد الجنود في سيناء على أيدي الإرهابيين، وأعاد تأكيد وقوف الرياض مع القاهرة ضد من «يحاولون تعكير صفو» علاقتهما في مكالمة لاحقة بأيام.
إرث التفاصيل السياسية
قبل شهور قليلة، كانت المواقع الإخبارية تضج بصور بعض نجوم «المفرقعات الإخوانية» إعلاميا، وهم يجرون عجلات حقائب سفرهم في مطار الدوحة، مغادرين عماراتها المتلألئة في خاصرة الخليج.
كنت تلك الصور المتناسلة كفيلة لدفع المراقبين للتنبه، ما هي إلا هوامش لبداية أكلاف باهظة على الدوحة تسديدها للإقليم، جراء دعمها وتبنيها لسرديات احتجاجات «الإسلام السياسي». هذه السرديات التي جعلت حتى تنظيم القاعدة ينظّر ل«حقوق الإنسان» من خلال منبره قناة «الجزيرة»، المملوكة بالكامل للحكومة القطرية.
إرث الفوضى الذي عم جغرافيا العالم العربي، رأته القوى الإقليمية مبالغة قطرية في الرغبة في لعب دور أكبر من حجمها «الجغرافي»، هذا الإرث المعقد بالتفاصيل من الخليج إلى المغرب العربي مرورا ببلاد الشام، الذي أثقل كاهل قطر ودفعها إلى انتهاج سياسة أكثر تواضعا مع الشركاء الإقليميين والدوليين. التي انتهت باتفاقية «الرياض» الشهيرة، واقتضت عودة السفراء الخليجيين للدوحة.
«قد يستغرق الأمر سنوات كي تستعيد قطر تماما قدرا من الثقة بين الشركاء الإقليميين» بحسب كريستيان كوتس أولريشن زميل الشرق الأوسط في معهد بيكر للسياسة العامة في جامعة رايس.
ويضيف أولريشن في دراسة مطولة عن قطر و«الربيع العربي» نشرت في مركز كارنيغي للدراسات «إذا كانت قطر تسعى إلى استعادة سمعتها (وتحقيق الاستفادة القصوى) في مجال الوساطة بطريقة تتفوّق على قدرتها المؤسّسية المحدودة، فقد يحتاج المسؤولون في الدوحة إلى التراجع خطوة إلى الوراء والسماح للآخرين بتولّي زمام القيادة، وهو الأمر الذي قد لا يرغبون في القيام به».
الظل المجنح للرياض، امتد من مساندة القاهرة في انتفاضتها على حكم «الإخوان»، إلى مساندة الاستقرار في المنامة ضد حركات التمرد الطائفية، التي تقودها جمعية «الوفاق» البحرينية، ومرورا برفضها مقعد مجلس الأمن غير الدائم، الذي لم يتخذ موقفا حازما من التقتيل المنظم الذي يمارسه بشار الأسد ضد الشعب السوري، وقادت مبادرة مصالحة في اليمن، لكن أرادت أطراف أخرى أن تتحول صنعاء إلى دولة تمارس «ديمقراطية الميليشيات» بعد سيطرة الحوثي العسكرية عليها. وانتهاء بمشاركة القوات الملكية السعودية الجوية في توجيه ضربات، لتنظيم داعش، ضمن حلف دولي لوقف تقدم هذا التنظيم ذي الأدبيات البربرية، القادمة من العصور الوسطى الروحية.
الرياض.. ومحور الاعتدال 2
قبل ساعات الشفق الأخيرة من يوم 3 يوليو (تموز)، ظهر المشير عبد الفتاح السيسي على شاشة التلفزيون المصري، ليعلن عزل الدكتور محمد مرسي عن كرسي الرئاسة، بعد تخييره بين الامتثال للمطالب السياسية للحشود العارمة في ميادين القاهرة والتنحي، لكنه رفض الاثنين.
لم تمر دقائق على هبوط الليل، حتى جاء بيان الرياض الصادر باسم الملك الراحل، عبد الله بن عبد العزيز، باعتبار التحول في القاهرة رغبة شعبية يعلن وقوفه معها، كانت تلك أول نافذة ضوء سياسي تفتح على القاهرة الجديدة.
في ذات الوقت، قادت أبوظبي دبلوماسية نشطة في المنطقة ضد الإرهاب، وصعود موجات «الإسلام السياسي» من جماعات التطرف الديني أو جماعات العنف المسلح، مثل «الإخوان المسلمين» و«داعش» و«القاعدة»، التنظيمات التي تتشارك العواصم الثلاث آنفة الذكر وضعهم على قوائم «الإرهاب».
الرياض مارست العقلانية السياسية تجاه فوضى المنطقة، ووضعت ميليشيا حزب الله وتنظيمي «القاعدة» و«داعش» في سلة وحدة. وقفت مع مصر وتحملت كل الأكلاف السياسية جراء موقفها الصلب ضد الفوضى. أعلنت في بيانات رسمية احترام رغبات الشعوب في كل «الثورات» التي عبرت المنطقة دون استثناء، ساندت العراق في أكثر فترات هجوم المالكي عليها، وباركت الحكومة الجديدة رافضة أي تقسيمات سياسية طائفية، وفي الوقت ذاته الذي حمّلت المجتمع الدولي مسؤوليته الأخلاقية تجاه سوريا، لامت واشنطن على تفاهماتها النووية مع طهران الممول الأول والمتبني للميليشيات الشيعية في المنطقة. لم تنجر الرياض في مستنقع السياسة الطائفية، التي تغذيها أجندة «الإسلام السياسي» الشيعي المصدرة من طهران، العاصمة التي تعاني اليوم أزمات داخلية خانقة من جراء استثمارها في اقتصاديات الحرب والقضايا الخاسرة في المنطقة.
تجديد هيكلة صناعة القرار
قبل أشهر قليلة، كتبت مجلة «أميركان إنترست» تقريرا مطولا عن «7 دول عظمى»، وصفته بالقراءة الذاتية للمجلة، لترتيب 7 قوى كبرى يمكن «أن تهز العالم». مع اعتمادها معايير متفاوتة، عسكرية، اقتصادية، سياسية، تتيح لها تشكيل بيئاتها الإقليمية والتأثير على النظام الدولي ككل.
وضعت المجلة، السعودية، في المرتبة السابعة، مبرزة دورها في الوقوف بجانب مصر، بطريقة أزعجت واشنطن، فضلا عن مهاراتها في هندسة اقتصادها النفطي عند انهيار السوق الذي أدى إلى تغير في سياسات دول العالم. وحربها الجادة والفعالة ضد الإرهاب.
في خضم تنامي هذا التأثير الاقتصادي والسياسي والأمني للسعودية في محيطها الإقليمي، اتخذ الملك سلمان أولى خطوات تجديد هندسة المعمار السياسي والاقتصادي في البلاد، بإقراره إنشاء مجلسي «الشؤون السياسية والأمنية» و«الشؤون الاقتصادية والتنمية». يرأس الأول الأمير محمد بن نايف ولي ولي العهد، وزير الداخلية، فيما يرأس الثاني الأمير محمد بن سلمان، وزير الدفاع.
وبحسب البيان الصادر عن مجلس الوزراء ف«إن مجلس الشؤون السياسية والأمنية من ضمن مهامه تحديد التوجهات والرؤى والأهداف ذات الصلة بتلك الشؤون ومراجعة الاستراتيجيات والخطط السياسية والأمنية اللازمة لذلك، ومتابعة تنفيذها والتنسيق بينها».
بينما من مهام مجلس «الشؤون الاقتصادية والتنمية» أن يحدد «التوجهات والرؤى والأهداف ذات الصلة بالشؤون الاقتصادية والتنمية، ومراجعة الاستراتيجيات والخطط الاقتصادية والتنموية اللازمة لذلك، ومتابعة تنفيذها والتنسيق بينها».
الرياض العاصمة العربية الوحيدة ضمن مجموعة «دول العشرين» الاقتصادية، وهي المنظمة العالمية التي صنعت لمراعاة الثقل الاقتصادي الذي تتمتع به عواصم هذه الدول، تدشن عهدا جديدا، بقيادة الملك سلمان، بخيارات سياسية واقتصادية متعددة، ما يجعلها تبدو «ميناء آمنا» وسط محيط متلاطم، لا يبدو أنه سيهدأ قريبا.
نقلا عن صحيفة الشرق الاوسط


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.