رغم أن المملكة العربية السعودية لم تشهد انتفاضة على غرار ما حدث في دول الربيع العربي العام الماضي، فإن هذه الانتفاضات زعزعت استقرار اليمن والبحرين المجاورين، وبات أمن المملكة والخليج على رأس تحديات كبرى ستواجه الأمير سلمان بن عبد العزيز ولي العهد الجديد. أعلن التليفزيون السعودي نقلا عن "مرسوم ملكي" أنه تم تعيين الأمير سلمان بن عبد العزيز وليا للعهد خلفا للأمير الراحل نايف بن عبد العزيز الذي كان وريثا للعرش ووزيرا للداخلية وذلك في وقت تواجه فيه المملكة خصومات واضطرابات في منطقة الشرق الأوسط. كما نقل التليفزيون عن المرسوم الملكي نبأ تعيين الأمير أحمد بن عبد العزيز وزيرا للداخلية. وسيحتفظ الأمير سلمان بمنصب وزير الدفاع. وأشرف الأمير نايف الذي توفي يوم السبت، على الأوضاع الأمنية طوال 37 عاما وأقام جهازا قويا تمكن من القضاء على وجود تنظيم القاعدة داخل المملكة العربية السعودية. وانتهج الأمير نايف سياسة تضمنت اعتقال آلاف المشتبه بهم من المتشددين وإقامة شبكة مخابرات اخترقت خلايا الإسلاميين وعدم التغاضي عن نشاط المعارضين السياسيين. ومن المعتقد على نطاق واسع أن يستمر ذلك النهج. وقال نيل باتريك خبير الشؤون الأمنية لمنطقة الخليج في كلية لندن للاقتصاد: "أعتقد أنه أيا كان من يشغل رسميا منصب وزير الداخلية، فإن تقسيم المسئوليات فيما يتعلق بمكافحة الإرهاب والأمن الداخلي على نطاق أوسع سيظل كما هو". والأمير أحمد الذي تولى وزارة الداخلية هو أخو الأمير نايف وهو نائب مخضرم لوزير الداخلية يتعامل مع القضايا الأمنية بمفهومها الأوسع نطاقا بما في ذلك جهاز الشرطة. أما ولي العهد الجديد، فسيتعين عليه التعامل مع تحديات داخلية وخارجية كبيرة بما في ذلك الملف الأمني الذي يمثل أهمية خاصة. وتخشى المملكة من تنظيم القاعدة في جزيرة العرب المتمركز في اليمن المجاور، كما أنها تعتبر إيران قوة مزعزعة للاستقرار من خلال تحريض الأقلية الشيعية في البلاد على إحداث اضطرابات. كما أن الأزمة السورية من أسباب الخلاف القائم بين طهرانوالرياض. ورغم أن المملكة العربية السعودية لم تشهد انتفاضة على غرار انتفاضات الربيع العربي التي اجتاحت المنطقة العام الماضي، فإن هذه الانتفاضات زعزعت استقرار اليمن والبحرين المجاورين وجعلت مصر الحليفة، يقودها الإخوان المسلمون وهي جماعة تتسم علاقتها بالرياض بعدم الارتياح. كما سيواجه ولي العهد الجديد عددا من التحديات الأخرى منها البطالة على المدى الطويل. وبموجب القانون السعودي كان يمكن للملك عبد الله بن عبد العزيز انتظار 30 يوما قبل إعلان ولي العهد الجديد. ووريث العرش الجديد الأمير سلمان يبلغ من العمر 76 عاما وهو أخ غير شقيق للملك عبد الله (89 عاما) وشقيق للأمير نايف. وقال أسعد الشملان أستاذ العلوم السياسية في الرياض "أعتقد أنه لن تكون هناك أي تغييرات عميقة. الاستمرارية ستكون هي السمة الغالبة." ورجح محللون أن يواصل الأمير سلمان إصلاحات اجتماعية واقتصادية حذرة. ويرى مايكل ستيفنز الباحث في فرع المعهد الملكي للدراسات الدفاعية والأمنية في قطر، أن ما يتعين على الأمير سلمان القيام به، هو "محاولة إحداث قدر من التأثير في قطاع من المؤسسة الدينية في البلاد". وأضاف "سيتعين عليه البدء في التعليق على قضايا الأمن الإقليمي وكذلك مبادرات السياسة الخارجية". ولا تنتقل الخلافة من الأب إلى الابن الأكبر لكنها تتم بين الإخوة من أبناء مؤسس المملكة عبد العزيز بن سعود الذي توفي عام 1953. وما زال نحو 20 من الإخوة على قيد الحياة، لكن عددا محدودا منهم فقط ربما يعتبرون منافسين على قيادة أكبر مصدر للنفط في العالم. ورغم أن الأمير سلمان ينظر له منذ زمن طويل على أنه الاختيار الأكثر وضوحا للملك عبد الله، فليس من الواضح الشخصية المرجح أن تأتي بعده في ولاية العهد. ورغم أن بعض أبناء بن سعود مثل نائب وزير الداخلية الأمير أحمد بن عبد العزيز وأمير منطقة الرياض الأمير سطام بن عبد العزيز ومدير المخابرات الأمير مقرن بن عبد العزيز لديهم خبرة طويلة في شئون الحكم، فربما تفضل الأسرة الحاكمة اختيار أحد أحفاد مؤسس المملكة. وقال روبرت ليسي مؤلف كتاب "داخل المملكة": "رأينا عبد الله وهو يتخذ قرارات تتسم بقدر معقول من الطابع العملي.. قرارات غير عاطفية إزاء المناصب العائلية.. اختار نايف مفضلا إياه على ثمانية أمراء على قيد الحياة.. وأظهر أن الكفاءة والاستعداد للمنصب يتغلبان على السن والأقدمية." وربما يشير ذلك إلى الأمير خالد الفيصل أمير منطقة مكة وهو من أبناء العاهل الراحل الملك فيصل أو إلى الأمير محمد بن نايف أحد أبناء ولي العهد الراحل والمسئول الأمني في المملكة.