هنري كيسنجر، وزير الخارجية الأمريكي الأسبق أحد أبرز الآباء المعاصرين للسياسة الأمريكية.. أستمع إليه واستفاد من أفكاره كل الساسة الأمريكيين -جمهوريين وديمقراطيين- ولم يكن غريباً أن يلتقي الرجل بالرئيس عبدالفتاح السيسي في نيويورك أثناء حضور الرئيس اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة- ولكن المدهش أن هذا الرجل الكيسنجري لم يخف يوماً إيمانه بدولة إسرائيل والحرص على قوتها وتوسعها في الإقليم على حساب جيرانها من العرب ولكي تحقق ذلك -كما يري كيسنجر- لابد أن يظل العرب مفتتين ومنقسمين ومتناحرين. وفي حوار له نشر عام 2010 سئل عن جديد منطقة الشرق الأوسط قال (إنها «حرب المائة عام المقبلة» وعندما قيل له بين من ومن أجاب: بين المذهبين الإسلاميين المعروفين- السنة والشيعة). وفي حوار له مع مجلة «الديلي إيسكيب» عام 2012 قال هنري كيسنجر نصاً بأنّ: «الدوائر السياسية والاستراتيجية الأمريكية طلبت من العسكريين احتلال سبع دول شرق أوسطية من أجل استغلال مواردها الطبيعية خصوصًا النفط والغاز، مؤكدًا أنّ السيطرة على البترول هي الطريق للسيطرة على الدول، أما السيطرة على الغذاء فهي السبيل للسيطرة على الشعوب». وكشف كيسنجر أنَّ العسكريين الأمريكيين حققوا هذا الهدف تقريبًا أو هم في سبيلهم إلى تحقيقه استجابة لطلباتنا. «وبقي حجر واحد علينا إسقاطه من أجل إحداث التوازن، وهو المتمثل في إيران..) المتأمل لكلام كيسنجر سيعرف بسهولة أن المخطط الاستعماري الجديد الذي تقوده الولاياتالمتحدةالأمريكية ماض في طريقه وأن الوجه القبيح لأمريكا هو الذي سيتصدر شاشة الأحداث لسنوات قادمة ولم يعد يهم أمريكا سمعتها التي تلطخت بدماء الملايين في حروب فاجرة وظالمة سوقتها السياسة الأمريكية تحت شعارات الحرب على الإرهاب وتحرير العراق وإنقاذ أفغانستان واستعادة الأمل في الصومال والآن تنفخ أمريكا في «التيس» الإيراني وتجره لحماقات في اليمن والبحرين وشرق السعودية وجنوب لبنان ومعظم العراق حتى يمكنها تسويق الحرب الكبري في الشرق الأوسط بتدمير إيران وهي التي ستشارك فيها إسرائيل بكل قوتها والتي ستقتل أثناءها نصف العرب كما يدعوها كيسنجر لذلك ويقول: بعدها ستصبح أمريكا السوبر باور العالمي بلا منازع وإسرائيل القوة الإقليمية الكبرى بلا منافس، وحسب الرؤية الأمريكية الكيسنجرية أنه عندما يتحقق لأمريكا وإسرائيل ما خططا له معا يمكن ساعتها دهس حلفاء أمثال قطر وتركيا بأقذر حذاء أمريكي لأنهما مجرد جواسيس في صورة دول وانتهي دورهما ومن المفيد التخلص منهما كجراثيم سياسية ومخابراتية غير مرغوب بها.. إذن ما حدث ويحدث في الشرق الأوسط الكبير منذ ما يقرب من عقدين من الزمان سيستمر وتراهن أمريكا على إضعاف مصر وإنهاكها كي لا تلعب أي دور من شأنه أن يفسد الطبخة الأمريكية الاستعمارية، ويجب الحذر من حالة الرضوخ أو الاضطرار الأمريكي للتعامل مع النظام القائم في مصر -فهي مسألة تكتيكية مؤقتة ولن تترك السياسة الأمريكية أي فرصة لإرباك مصر وإجهادها وإدخالها في دوامات لا تنتهي لتبقي مشلولة غير قادرة على الفعل- وهذا ما سيعطي واشنطن وتل أبيب الفرصة التاريخية لالتهام الشرق الأوسط والسيطرة الكاملة على ثرواته وممراته المائية.. المسألة ليست داعش ولا القاعدة أو بوكو حرام وأنصار الشريعة.. كل هذه الجماعات والتيارات مكعبات نارية تثبتها أمريكا في أماكن التوتر والصراع المستهدفة استعمارياً لتمهد لها الطريق للانقضاض والسيطرة.. الشيطان العالمي الأكبر يوجد على الشاطئ الآخر من الأطلنطي -أما داعش والقاعدة وبوكو حرام- فكل هؤلاء ليسوا أكثر من مرتزقة حروب وأزمات يرفعون رايات الأديان في أسواق بيع الأوطان.. لقد رددت الدبلوماسية الأمريكية قبل احتلال العراق بسنوات عبارة «العالم سيكون أفضل بدون صدام حسين» واليوم تكتب النيويورك تايمز «نحن الآن بدون أنظمة صدام حسين ومبارك، والقذافي، وزين العابدين وعلي صالح، وسيلحق بهم نظام الأسد. اختفت أنظمة تحكم أكثر من مائتي مليون عربي، وأصبحت خارطة الشرق الأوسط اليوم بها العديد من الثقوب في انتظار كيف ومن سيملؤها، والرياح لا تزال تحرك رمال المنطقة.. وعلينا أولا أن ننسى مصر ربما لخمس سنوات أخرى، وهي فرصة لأمريكا أن تعبث بالمنطقة دون وجود أي قوة إقليمية يمكن أن توحد العرب.